أيام وينطلق مارثون انتخابات مجلس النواب بالنظام المختلط (القائمة المغلقة والفردى)، وهو نظام عجيب لا يتوافق تماما مع رغبة المواطن المصرى ولا موروثه الانتخابى، إذ يعزز من خطر المال السياسى ويجعله توأما للسلطة التنفيذية، فتنعدم الرقابة الشعبية، ويصبح كل شىء مهيأ ومباحا أمام كل أنواع الفساد.
أيام.. ويصبح المجتمع المصرى مطالبا بانتخاب واختيار 568 نائبا يمثلونه تحت القبة، نصفهم بالقائمة والآخر بالنظانم الفردى، موزعين على 4 دوائر انتخابية كبيرة للقائمة تضم كل دائرة 40 مقعدا، ودائرتان تضمان 102 مقعد.
أيام ويمارس كل منا حقه الدستورى فى اختيار أفضل من يمثله ويدافع عن حقوقه ومطالبه وينقل مشاكل الوطن بلا رتوش أو تجميل لصاحب القرار. ولكى تكون هذه الممارسة سليمة يجب أن تكون عن وعى ونضج، غير خاضعة لإغراءات المال والكراتين والوعود الزائفة.
أيام.. ونكون أمام مسئولية كبيرة وواجب دينى ووطنى، يسهم فى تشكيل برلمان يصنع مستقبل بلادنا، ولذا؛ فمن الواجب علينا الآن وفى ضوء ما أفرزته انتخابات مجلس الشيوخ وما أتت به القوائم من وجوه لا تمثلنا ولا تعبر عن إرادتنا، أن نبدأ أولى خطوات التغيير والإصلاح السياسى بانفسنا ومن خلال أصواتنا التى هى أقوى من صوت أى وزير أو حتى رئيس حكومة.
إن الذى يستحق صوتى هو كل نائب محترم يضع نصب عينيه على مصلحة الوطن، وتتوفر فيه الكفاءة والخبرة والاستقلالية والشفافية والنزاهة وطهارة اليد، ويدرك جيدا دوره الحقيقى تحت القبة فى تشريع يحمى حقوق المجتمع ويدعم استقراره ويحافظ على مكتسباته.
ولن أعطى صوتى للذى اختفى عن وجهى بعد أن اغتصب المقعد بالمال، ويعود فقط الآن يستجدى ويتقرب ببجاحة، أو يشترى المقعد بثلاثين وخمسين مليون جنيه، ولن أعطى صوتى لمن هبط على دائرتي وموطنى الانتخابى بالبارشوت، ولا للانتهازى منافق الحكومة، الكذاب المخادع والمنقوع فى آنية الفساد العلنى والمستتر.
وقد يسأل كثيرون كيف نختار، ونحن لا نعرف فى الواقع معظم المرشحين الذين فرضهم هذا النظام الانتخابى السيئ؟ ولهؤلاء أقول اذهب إلى مؤتمراته وندواته ولقاءاته وتعرف عليه وعلى أفراد حملته عن قرب، فإن وجدت فيه وفيهم ضالتك، وشعرت بصدقه ورغبته فعلا فى خدمتك وحماية مصالحك، فلا تتردد وامنحه ثقتك، واخرج معه وادعمه، لأن مثل هذا النوع هو الجدير بصوتك، ومن خلالك تتوفر له فرصة رسم القوانين التى تخدم الفقراء والمحتاجين والبسطاء والكادحين، وتدافع عن الحريات وحقوق الإنسان، وعن كل ما يتعلق بتعليم أولادك وصحتك وصحتهم، حاضرا ومستقبلا.
اختر صاحب الضمير الحى والعلم، والقدرة على التواصل معك، والحضور بجوارك فى أى وقت، ولا تنخدع فى أصحاب الشعارات ولا تخشَ أصحاب الوجوه الكالحة التى سئمناها، ادعم الذى يعرف الفرق بين الميزانية والموازنة، والاقتصاد الكلى والجزئى، والنظام الراسمالى والاشتراكى، ومن يمتلك لغة السياسة والكياسة، وفهم القانون والأدوات الرقابية البرلمانية.
احذر الفاسدين، ومن يحاولون شراء الأصوات بنظام (أحلفك) وبظرف الخمسمائة جنيه، ولا تستجب لمعدومى المبادئ والمترجلين من حزب لآخر، وإياك والفلول الذين يحاولون العودة مجددا وبشتى الطرق.
عزيزى وأخى المواطن.. القرار بيدك أنت، انزل وشارك وقل لا لمن لا يشبهك ولا تتوفر فيه معاييرك، ولا تحرم من له القدرة على خدمتك فعلا من صوتك، وركز جدا مع أصحاب العلم والمعرفة والخبرة، ومع كل شاب طموح يريد وبصدق خدمة الوطن.. المهم انزل واكشف وعرِّ المختفين خلف ملايين قوائم الخراب السياسى.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
استغلوا الشخصية المصرية المتفردة
افتتاح المتحف المصرى الكبير لم يكن مجرد حدث ثقافى أو احتفالية رسمية لصرح أثرى ضخم، بل تحوّل إلى لحظة وطنية جامعة جسدتها قدرة المصريين على تحويل المناسبات الكبرى إلى حالة وجدانية تتجاوز حدود التنظيم الرسمى والاحتفاء لتعبّر عن عمق الانتماء الوطنى وارتباط هذا الشعب بجذوره الحضارية الممتدة عبر آلاف السنين، ليؤكدوا أن الحضارة ليست ماضياً يُروى، بل روح تسكنهم.
فمع انطلاق فعاليات الافتتاح، شهدت منصات التواصل الاجتماعى تفاعلًا غير مسبوق، حيث ظهر ملايين المصريين بالزى الفرعونى فى صور ومقاطع فيديو عبّرت عن شعور جمعى بالفخر والاعتزاز، وكأن الأمة المصرية بأسرها أعادت اكتشاف نفسها من خلال تاريخها. لم يكن الأمر موجهًا أو مدفوعًا بدعاية، بل جاء تلقائيًا من وعى شعبى متجذر يرى فى الحضارة المصرية القديمة رمزًا للهوية والاستمرارية والقدرة على البقاء.
لقد شكّل هذا المشهد حالة وطنية فريدة، استدعى فيها المصريون إرث أجدادهم ليجسدوا معانى الانتماء فى أبهى صورها. وفى الوقت الذى يعيش فيه المواطن تحديات اقتصادية وضغوطًا معيشية ملموسة، جاء التفاعل الشعبى مع افتتاح المتحف الكبير ليعكس جوهر الشخصية المصرية القادرة دومًا على تجاوز الأزمات، وتحويل لحظات الشدة إلى مناسبة للتكاتف والفخر، وليثبت المصريون أن هويتهم ثابتة عصية على التبدل.
إنّ رمزية الحدث تتجاوز الطابع الأثرى والثقافى للمتحف بوصفه أكبر صرح حضارى فى العالم، إلى دلالة أعمق ترتبط بقدرة المصريين على استحضار قوتهم الناعمة وصورتهم التاريخية المشرقة فى لحظات تحتاج إلى الأمل والوحدة. فالمشهد الشعبى الذى رافق الافتتاح لم يكن عابرًا، بل رسالة إلى الداخل والخارج بأن هذا الشعب، رغم كل ما يواجهه من تحديات، لا يزال وفيًا لجذوره، مؤمنًا بعظمة تاريخه، متمسكًا بهويته التى لا تذوب مهما تبدلت الظروف.
لقد أبهر المصريون العالم فى كل المشاهد والأحداث، سواء فى لحظات الحراك الوطنى كما حدث فى ٢٥ يناير ثم ٣٠ يونيو، أو فى المواقف التى تجلت فيها إرادة الدولة والشعب معًا. واليوم، يعيدون التأكيد على هذا التفرد من خلال احتفائهم الطوعى بالمتحف الكبير، فى مشهد يعكس وعيًا حضاريًا يتجاوز الحاضر إلى المستقبل، ويؤكد أن مصر - التى منحت العالم أول حضارة - ما زالت قادرة على إبهاره بروحها الشامخة التى لا تعرف الانكسار.
وهكذا، يثبت المصريون مرة أخرى أن إرثهم العظيم ليس مجرد تاريخ يُعرض فى المتاحف، بل طاقة متجددة تسرى فى وجدانهم، تصوغ ملامحهم الوطنية، وتمنحهم القدرة على العبور من كل محنة إلى أفق جديد من الأمل والاعتزاز بالنفس.
على الدولة أن تستفيد من الحالة الوطنية التى صاحبت افتتاح الصرح الكبير، وتسعى لترسيخ ثقافة الانتماء، وعلاج الأمراض، وترميم الشروخ التى شقت المجتمع فى السنوات الأخيرة، مثل العنف والقسوة فى الانتقاد حتى تحول كثيرون إلى جلادين عند النقد كما حدث مع حفل افتتاح المتحف الكبير، وكذلك إعادة الثقة المفقودة بين الحكومة والشعب، خاصة بعد أن بات المواطن ينتظر مزيداً من الغلاء بعد كل فرحة.
[email protected]