على مدار 3 عقود من الإبداع، تمكن المؤلف والسيناريست أحمد عبد الله من ترسيخ بصمته الخاصة في الدراما والسينما المصرية، عبر أعمال جسدت نبض الشارع وقدمت رؤية إنسانية عميقة، مزجت بين الواقعية الصادقة والكوميديا القريبة من وجدان الجمهور.

وفي إطار شراكته الفنية المثمرة مع المخرج الراحل سامح عبد العزيز، قدّم عبد الله سلسلة من الأعمال التي جمعت بين الشعبية والعمق الفني، ما رسّخ مكانته كأحد أبرز كتاب الدراما في العقدين الأخيرين.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2بمناسبة مرور 100 عام على ميلاده.. مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية يحتفي بيوسف شاهينlist 2 of 2"أصدقاء شخصيون مقربون" يعيد ميغان ماركل إلى الشاشة الكبيرةend of list

رحل أحمد عبد الله عن عالمنا مساء أمس عن عمر ناهز الـ60 عاما، تاركا خلفه إرثا فنيا يجمع بين البساطة والصدق والتأثير، سيظل حاضرا في ذاكرة الدراما المصرية.

بدايات صنعت جيلا من نجوم الكوميديا

وُلد أحمد عبد الله في منتصف ستينيات القرن الماضي، ورغم تخرجه في كلية الحقوق، فإن شغفه بالفن ظهر مبكرا خلال دراسته الجامعية، حين قدّم على مسرح الجامعة مجموعة من الأعمال المقتبسة عن المسرح العالمي، لفتت موهبته الأنظار ووضعت خطواته الأولى على طريق الاحتراف.

مع أواخر التسعينيات، بدأ مشواره المهني من بوابة المسرح، حيث كتب مسرحية "عالم قطط"، ثم "آلابندا" التي شكّلت محطة فارقة في مسيرته، إذ جمعت على خشبتها مجموعة من الوجوه الشابة التي أصبحت لاحقا من نجوم الصف الأول، مثل محمد هنيدي، وعلاء ولي الدين، وأحمد السقا. وكانت تلك التجربة بوابته إلى السينما، إذ كتب فيلم "عبود على الحدود" للنجم الراحل علاء ولي الدين، لتبدأ بينهما شراكة فنية ناجحة أثمرت عن أعمال خالدة مثل "الناظر"، مسرحية "حكيم عيون"، وآخر أفلام علاء "ابن عز".

امتدت بصمة أحمد عبد الله لتشمل جيلا كاملا من نجوم الكوميديا، فكان وراء انطلاقة محمد سعد في فيلم "55 إسعاف"، ثم قدّم معه شخصية "اللمبي" التي أصبحت أيقونة في الكوميديا المصرية، وتعاونا لاحقا في فيلم "كركر". ومع محمد هنيدي كتب أفلاما ناجحة مثل "عسكر في المعسكر"، و"فول الصين العظيم"، و"يانا يا خالتي"، بينما كانت له إسهامات في صعود أحمد حلمي من خلال أول بطولة سينمائية له في فيلم "ميدو مشاكل".

إعلان

كما كتب عبد الله عددا من الأعمال الكوميدية البارزة في تلك المرحلة، من بينها "غبي منه فيه" لهاني رمزي، و"لخمة راس" لأحمد رزق، و"أحلام الفتى الطايش" لرامز جلال، إلى جانب أفلام "قصة الحي الشعبي"، "عيال حبيبة"، و"صباحو كدب"، التي رسخت مكانته كأحد أهم صنّاع الضحك في السينما المصرية الحديثة.

وتشكّلت ملامح أحمد عبد الله الفنية في حي بين السرايات العريق بالقاهرة، ذلك المكان الشعبي الذي صاغ وجدانه وأثر بعمق في رؤيته الإبداعية. فقد انعكست واقعيته الصادقة على كتاباته التي نبضت بروح الناس، فكان قادرا على التقاط تفاصيل الحياة اليومية وتحويلها إلى دراما إنسانية بسيطة وعميقة في آنٍ واحد.

وفي عام 2008، شهدت مسيرته نقطة تحول محورية مع بداية شراكته الإبداعية مع المخرج الراحل سامح عبد العزيز، الذي رحل في يوليو/تموز الماضي. وجمعت بينهما رؤية فنية متناغمة جعلت أعمالهما أقرب إلى نبض الشارع المصري، وجعلت من الواقعية ملمحا أساسيا في كل ما قدّماه معا. وترك رحيل سامح أثرا بالغا في نفس أحمد عبد الله، الذي لحق برفيق دربه بعد أشهر قليلة، لتكتمل حكاية فنية وإنسانية نادرة.

قدّم الثنائي سلسلة من الأفلام التي اعتمدت على البطولة الجماعية وتيمة الحدث في يوم واحد، فكانت البداية بفيلم "كباريه"، تلاه "الفرح" و"الليلة الكبيرة"، إلى جانب عدد من المسلسلات التي حملت نفس الروح الواقعية مثل "الحارة"، "بين السرايات"، و"رمضان كريم". وجميعها أعمال جسّدت الحياة الشعبية المصرية بصدق ودفء، وحققت نجاحا جماهيريا واسعا في السينما والدراما على حد سواء. وكان آخر ما جمعهما فيلم "ليلة العيد" الذي عُرض عام 2024.

ورغم قوة هذه الثنائية، إلا أن أحمد عبد الله واصل نجاحاته منفردا، فكتب أفلاما لافتة مثل "الماء والخضرة والوجه الحسن" مع المخرج يسري نصر الله، و"ساعة ونص" مع وائل إحسان، و"شنطة حمزة" مع أكرم فاروق، فضلا عن تعاونه مع المخرج محمد أمين في فيلم "200 جنيه" ومسلسل "المحكمة". وكان آخر أعماله السينمائية فيلم "المخفي"، الذي عُرض عام 2024، مؤكّدا استمرار قدرته على الموازنة بين الواقعية والبراعة الفنية حتى آخر لحظة في حياته.

وداع مؤثر

وقد سادت حالة من الحزن بين زملاء أحمد عبد الله في الوسط الفني عقب إعلان المنتج أحمد السبكي خبر وفاته عبر حسابه على إنستغرام، وتوالت بعدها كلمات النعي من عدد كبير من الفنانين الذين عبروا عن حزنهم لرحيله وتقديرهم لمسيرته الفنية.

View this post on Instagram

وعبّرت الفنانة يسرا، التي تعاونت مع الراحل أحمد عبد الله في فيلم "ليلة العيد"، عن حزنها العميق لرحيله، مؤكدة أنه كان واحدا من أهم كتاب السيناريو الذين أسهموا في تشكيل وجدان جيل كامل منذ تسعينيات القرن الماضي. واستعادت يسرا ذكرياتها معه خلال العمل، مشيدة بموهبته الفريدة وقدرته على تقديم شخصيات حقيقية تنبض بالحياة، معبّرة عن اعتزازها بتجربتها الفنية إلى جانبه، ومودّعة إياه بكلمات يغمرها الأسى والامتنان تقديرا لما تركه من أثر إنساني وفني لا يُنسى.

View this post on Instagram

كما عبر الفنان محمد هنيدي عن حزنه الكبير لفقدان صديقه المقرب أحمد عبد الله، مشيرا إلى أن الخبر كان مؤلما بالنسبة له، ووصفه بصديق العمر الذي سيترك غيابه فراغا كبيرا، داعيا له بالرحمة ولأسرته وأحبائه بالصبر على فراقه.

ونعاه الفنان أشرف عبد الباقي بكلمات مؤثرة، وكتب عبر حسابه على فيسبوك: "إنا لله وإنا إليه راجعون، ربنا يرحمك ويغفر لك يا رب، من أجمل الناس، ربنا يصبر أهلك وأصحابك".

View this post on Instagram

أما الفنان صلاح عبد الله، فعبر عن صدمته العميقة وحزنه الشديد لرحيل صديقه الكاتب أحمد عبد الله، مؤكدا أن الخبر وقع عليه كالصاعقة، وأنه عجز عن إيجاد كلمات تعبّر عن حالته في تلك اللحظة الأليمة، مكتفيا بالدعاء لرفيقه الراحل بالرحمة والمغفرة.

View this post on Instagram

ورغم الرحيل المفاجئ، يبقى أحمد عبد الله حاضرا بإبداعه في وجدان الجمهور، بأعمال صنعت جزءا من الذاكرة الفنية المصرية، وخلّدت اسمه كأحد أبرز من كتبوا للسينما والدراما بروح صادقة وبصمة خاصة. فقد ترك خلفه مسيرة ثرية امتدت على مدى عقود، قدّم خلالها نحو 40 عملا تنوّعت بين الكوميديا والدراما الاجتماعية، لتظل شاهدا على موهبة أصيلة وصدق فني نادر.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات أحمد عبد الله مع المخرج فی فیلم

إقرأ أيضاً:

رأي.. فيلم السادة الأفاضل.. حدوتة الكوميديا الأنيقة

هذا المقال بقلم سامية عايش، صحفية مستقلة تكتب عن السينما العربية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتبة ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

لا أنكر أن ملصق الفيلم جذبني، وجود محمد ممدوح ومحمد شاهين بحد ذاته كان محفزاً لحضور الفيلم في أسبوعه الأول. جميعنا شاهدنا نجوم الفيلم على السجادة الحمراء لمهرجان الجونة السينمائي، واستوقفنا بالتحديد ذلك العملاق الأخضر الضخم، وبعث فينا كثيراً من التساؤلات حول دوره في الفيلم. هذه الخلطة العجيبة من الأسماء العريقة، والوجوه الشابة، تحت إدارة مخرج مثل كريم الشناوي، كانت ستصنع لنا فيلماً ممتعاً، جميلاً، ستمّر الساعتان فيه مرور النسمة اللطيفة.

View this post on Instagram

لكن، ما حدث كان أشد عمقاً، وأكثر غرابة. نحن أمام عمل سينمائي ذكرنا بالكوميديا "الأنيقة" في مصر، وأعاد إلى الواجهة فكرة "البطولة الجماعية"، وأثبت لنا أن الكتابة هي جوهر العمل كله.

يحكي فيلم "السادة الأفاضل" قصة "الحاج جلال" الذي يتوفى في الدقائق الأولى للفيلم، ونتعرف بعد وفاته ومن خلال جنازته وعزائه على "العائلة الكريمة": ابناه، وشقيقاه، وزوجته، وابنته، وبقية أفراد العائلة.

في المقابل، هناك قصة جانبية تحدث، وتستمد قوتها من أحداث القصة الرئيسية: ثلاثة شباب يخططون لسرقة مكتب البريد المحاذي لبيت "الحاج جلال"، ويستغلون بيت العزاء للتسلل، وإتمام مخططهم.

سنتوقف هنا عن السرد، حتى لا نحرق الأحداث، فلن تكون أي مقالة كافية بأن توفي الأحداث حقها في الشرح أو في التفصيل.

لنعد إلى بوستر الفيلم، الذي يقدم النجوم الذين شاركوا بالتمثيل، من محمد ممدوح، إلى محمد شاهين، إلى انتصار وبيومي فؤاد، إلى أشرف عبدالباقي وطه الدسوقي، وناهد السباعي، وعلي صبحي، وميشيل بيشاي (الذي أراه للمرة الأولى وكان مذهلاً في تقديم دوره).

ملصق هذا الفيلم، ومن قبله أفلام كريم الشناوي، أعاد إلى الواجهة ظاهرة البطولة الجماعية، التي افتقدتها الدراما والسينما المصرية لزمن طويل. في كل رمضان، وفي كل فيلم، لا نسمع إلا عن فيلم للمثل الفلاني، أو النجمة الفلانية. أصبحنا نجد الأفلام والمسلسلات تصمم وفقاً لهذا البطل أو البطلة، ومواصفاته ورغباته التمثيلية.

 أما في حالة فيلم "السادة الأفاضل"، كل اسم من الأسماء التي ظهرت نال مساحة مساوية لغيره، بصرف النظر عن تاريخه الفني، أو خبرتها التمثيلية. برأيي أن هذا التوجه مهم جداً لإعطاء هذه الوجوه الشابة ما تستحقه من ظهور أمام الكاميرا، وتقرّب السينما إلى مفهومها الأصلي: العمل الجماعي، بدلاً من الفردية التي اتسمت بها لسنوات.

هذا يقودنا إلى الكتابة. الكتّاب مصطفى صقر، ومحمد عز الدين، وعبدالرحمن جاويش نجحوا في تقديم "حدوتة" ممتعة، حواراتها متوازنة، مواقفها الكوميدية أنيقة، وسير أحداثها منطقي برغم لا منطقية الواقع. هذا فيلم كُتِب في الأساس بطريقة ذكية، وقدم شخصيات تحترم عقول المشاهدين، واعتمد على كوميديا الموقف، بعيدا عن كوميديا "الايفيه" والحركات الساذجة غير المنطقية.

مقالات مشابهة

  • راندا البحيري تنعي أحمد عبدالله: فقدت السينما المصرية واحد من أهم عواميدها على الإطلاق
  • من نجمة الأغنية الشعبية إلى قضية رأي عام.. ماذا يحدث لـ رحمة محسن؟
  • أحمد الشناوي: الزمالك فريق كبير ويمتلك الشعبية والجماهيرية
  • رأي.. فيلم السادة الأفاضل.. حدوتة الكوميديا الأنيقة
  • اختيارات فيفبرو المثالية 2025 تكشف ملامح كرة القدم الحديثة.. قراءة فنية في هوية أفضل 11 لاعباً بالعالم
  • منتدى القاهرة الثاني Cairo forum2.. خبراء يرسمون ملامح أفريقيا التي ننشدها نحو الرخاء والتكامل
  • مصر...والصين (2--5) الدبلوماسية الشعبية
  • أحمد حمودة: الخطيب أسطورة مصر من حيث الشعبية.. ومحمد صلاح لا يقارن بأحد
  • قلعة عسكرية من عصر الدولة الحديثة.. البعثة الأثرية المصرية تكتشف موقعا أثريا