عائض الأحمد
ليس كل ما يُقال علمًا، وليس كل من يملك معرفة يستحق الطاعة. العقل حيّ ويستحق الاحترام قبل أن يُملأ.
عزيزي المتخصص، أو "المتعلم" إن شئت، أتراني وعاءً فارغًا تُفرغ فيه حديثك، أو حاضنةً لسردياتك وسرديات من سبقوك أو لحقوا بك؟ لا تظن ذلك. فلستُ تابعًا لك، ولن أكون صدىً لصوتك. قد أقدّر جهدك وأتفهم مسارك، لكنني أرفض أن تُفرَض عليّ أطروحاتك كحقائق نهائية.
احذر أن تقع في فخ اليقين المطلق، فهناك تكون الخسارة الحقيقية. ما قيمة سنوات العمل إذا أغلقت أبواب الحوار وظننت نفسك وحدك على صواب؟ أتراك لا ترى أن من يشاطرك التخصص قد يخالفك الرأي؟ حينها، لن تكون إلا من يدفن جهده بيده، ويطرق بمِعوله باب نهايته.
العقل ليس وعاءً؛ بل فضاء حيّ يحتاج إلى الاحترام قبل أن يقبل أي معرفة. فلا تجعل يقينك جدارًا يحجبك عن الحقيقة، أو سجنًا تهدر فيه ما جمعت من معرفة. إن أردت لعلمك أن يحيا، فامنح الآخر حقه في التفكير. اسمح للعقول أن تتنفس، أن تجادل، أن تضيف. فالعلم الذي يُقدَّم من علٍ يذبل سريعًا، أما العلم الذي يحترم المتلقي فيبقى حيًّا ومثمرًا.
الإيمان سلوك بشري، وكل فكرة إنسانية تسبقها تجربة وحضور وعمل. لكن اليقين ليس سيفًا تُشهره في وجوه الآخرين، ولا أمرًا واجب الطاعة. ما تراه حقًّا قد يكون عند غيرك سؤالًا، وما تعتبره سلوكًا بشريًا لا يلزم أحدًا سواك.
المعرفة الحقيقية لا تُقاس بما تحفظه من نصوص، أو بما تفرضه من آراء، بل بقدرتك على إيقاظ الفكر، وإشراك الآخرين، ومنحهم الحرية ليكتشفوا الحقيقة بأنفسهم. فالعلم ليس منبرًا أحادي الصوت، بل حوارًا مفتوحًا. لا يكتمل إلا حين يتعدد صداه، ويغتني بتجارب مختلفة، ويثمر أرواحًا أوسع أفقًا وأغنى حياة.
وقد لخّص أحدهم تجربته قائلًا: "أمضيت عمري كلّه في الإدارة متنقّلًا بين بلدان كثيرة، فوجدت الإنسان هو نفسه! تختلف الأوطان وتبقى الطبيعة البشرية ثابتة لا تتغيّر. الفارق الوحيد الذي لمسته هو قبولي لهم وقبولهم لي، واختلاف الثقافات الذي ظلّ خارج إطار المنظومة بين أسري واجتماعي، ولم يكن له أثر يُذكر على سير العمل".
ولمسة إنسانية أخرى يرويها أحد الأصدقاء، مبتسمًا، أن زوجته، بخبرتها ودراستها العميقة في فهم الجسد والخصوصية، كانت أحيانًا تضع فواصل صغيرة بين مقاعد الطاولة، ربما بالسنتيمترات، ظنًّا منها أن الخصوصية قد تُنتهك أثناء الجلوس. ضحك حينها، لكنه اكتشف درسًا مهمًا: كل تجربة، حتى اليومية والبسيطة، تحمل في طياتها معنى الاحترام المتبادل والمسافة التي يحتاجها العقل والجسد على حد سواء.
وعليه، فَقِسْ لتدرك أن العلوم الإنسانية متغيّرة. قد تنشأ بعض نظرياتها وتزول أخرى تبعًا للزمان والمكان، بل وربما حسب شخصية المتحدث، وسلوكه الاجتماعي، ونشأته. فالعلم الحقيقي لا يقتصر على معرفة جامدة، بل هو حوار مستمر، تجربة متجددة، واحترام متبادل. يظل العقل حيًّا، متسعًا، وقادرًا على اكتشاف الحقيقة بنفسه.
لها: هي وما تحويه وعاء خاص غير مستنسخ لها الحق، ولي فيها كل حق.
شيء من ذاته: حديثها الخاص ليس كمثله شيء، حينما تنأى به عن عموميات الناس.
نقد: يظن البعض أن الإنسانية تتناقض حين تمس خصوصياتنا، متجاهلين أن التجربة الفردية جزء لا يتجزأ من الفهم العام للسلوك الإنساني.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
أول محطة لتوليد الكهرباء في مصر.. موعد تشغيل مفاعل الضبعة الأول عام 2027
تواصل مصر خطواتها المتسارعة نحو دخول عصر الاستخدام السلمي المتقدم للطاقة النووية، عبر مشروع محطة الضبعة النووية الذي يُعد أحد أضخم المشاريع القومية في تاريخ قطاع الطاقة.
وجاء تركيب وعاء ضغط المفاعل لأول وحدة نووية بالمحطة، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، ليُعلن عن وصول المشروع إلى مرحلة إنشائية فارقة تمهّد لبدء التجارب التشغيلية.
أكد الدكتور شريف حلمي، رئيس هيئة المحطات النووية، أن تركيب وعاء ضغط المفاعل داخل قلب مفاعل الوحدة الأولى يُعد خطوة محورية، إذ يُمثل الموقع الذي تتم فيه التفاعلات الانشطارية اللازمة لتوليد الكهرباء بأسلوب آمن ومتقدم.
وأوضح أن تصنيع الوعاء احتاج إلى تكنولوجيا متطورة للغاية، وخضع لسلسلة من الاختبارات الدقيقة على مدار أشهر قبل شحنه إلى موقع الضبعة وتركيبه بنجاح.
وقال إن هذا الإنجاز يضع مصر على أعتاب مرحلة مهمة من العمل التجريبي والتشغيلي.
وأعلن رئيس هيئة المحطات النووية أن مرحلة الاختبارات التجريبية للمفاعل الأول ستبدأ رسميًا عام 2027، وهي المرحلة التي تشمل اختبارات الأمان والتشغيل والاستعداد لبدء توليد الكهرباء.
وأضاف أن توقيت بدء التجارب يعكس مدى التقدم في الأعمال الإنشائية والفنية، ويؤكد استعداد المحطة للانتقال إلى المرحلة التشغيلية وفق المعايير النووية العالمية.
اكتمال مفاعلات الضبعة وربطها بالشبكة قبل 2030أشار الدكتور شريف حلمي إلى أنه من المخطط استكمال جميع وحدات محطة الضبعة النووية الأربع وربطها بالشبكة الكهربائية قبل حلول عام 2030.
وتُعد محطة الضبعة – بقدرة إجمالية تصل إلى 4800 ميجاوات – من أكبر وأحدث المشروعات النووية في العالم، وتوفر لمصر مصدرًا مستدامًا وموثوقًا للكهرباء يساهم في تنويع مصادر الطاقة وتقليل الانبعاثات.
خطوة تاريخية لعصر جديد من الطاقة النووية في مصرأكد حلمي أن تركيب وعاء ضغط المفاعل يمثل نقطة تحول في المشروع، ويُبرهن على جاهزية البنية الإنشائية والفنية، كما يعكس نجاح الشراكة المصرية–الروسية في تنفيذ مشروع يتم وفق أعلى معايير الأمان العالمية.
ويأتي هذا التطور ضمن مشروع طموح تتطلع من خلاله مصر إلى تعزيز أمن الطاقة، وإدخال التكنولوجيا النووية السلمية في مزيج الطاقة الوطني بعد عقود من التخطيط.