احتضنت الكاتدرائية المرقسية بالعباسية مساء اليوم السبت، احتفالية مرور ١٧ قرنًا على انعقاد مجمع نيقية المسكوني الأول، التي شهدها قداسة البابا تواضروس الثاني وأكثر من 100 من أحبار الكنيسة، وأعداد كبيرة من الآباء الكهنة والرهبان والراهبات والمكرسين والمكرسات وأعضاء هيئات التدريس بالكليات الإكليريكية والمعاهد الكنسية، وسط حضور شعبي كبير.

نيقية.. إيمان حي

يأتي هذا في إطار احتفالات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بـ "نيقية" التي بدأت يوم الثلاثاء الماضي تحت شعار "نيقية.. إيمان حي".

وحمل قداسة البابا الكأس التي تحوي رفات القديس أثناسيوس الرسولي من مزار الآباء الكائن أسفل الكاتدرائية، متوجهًا إلى الكاتدرائية، يحيطه الآباء المطارنة والأساقفة ووكيلي البطريركية بالقاهرة والإسكندرية، وعدد من الآباء الكهنة، وخورس الشمامسة بينما اصطف على جانبي شارع الديوان بالكاتدرائية حيث سار الموكب، مجموعات من كافة الأعمار من الشعب القبطي وهم يرتلون نص قانون الإيمان بلحن أُعِدَ خصيصًا لذلك وشاركتهم عدد من فرق الكورال الذين امتلأت بهم الساحة المواجهة لمبنى الكاتدرائية، وألتقطت صورة تذكارية على السلم الرئيسي للكاتدرائية توسطها قداسة البابا وهو يحمل الرفات المقدسة، وعن يمينه ويساره الآباء المطارنة والأساقفة والكهنة.

ثم تحرك الموكب إلى داخل الكاتدرائية وسط ترتيل لحن "آبيكران بي نيشتي" للقديس أثناسيوس أي "اسم عظيم أسمك" الذي يقال في أعياد الآباء القديسين.

وصلى قداسة البابا صلوات العشية وطَيَّبَ الرفات بمشاركة الآباء المطارنة والأساقفة ثم وضع الكأس التي تحويها في صندوق خشبي جديد صمم خصيصًا لها.

وعقب العشية ألقيت عدة كلمات بعدد من اللغات دارت بشكل موضوعي حول القديس اثناسيوس ودوره في مجمع نيقية وجهاده ضد الفكر الآريوسي.

وتحدث نيافة الأنبا يوأنس أسقف أسيوط وسكرتير المجمع المقدس باللغة العربية عن "تنشئة البابا أثناسيوس الرسولي" ونيافة الأنبا أباكير أسقف الدول الإسكندنافية، باللغة السويدية عن "أسباب انعقاد مجمع نيقية" بينما تكلم نيافة لوقا أسقف سويسرا الفرنسية وجنوبي فرنسا، باللغة الفرنسية عن "بدعة آريوس" ونيافة الأنبا برنابا أسقف تورينو وروما، باللغة الإيطالية عن "الشاب أثناسيوس المدافع عن الإيمان" وتحت نفس العنوان جاءت كلمة نيافة الأنبا يوسف أسقف بوليڤيا باللغة الإسبانية، وعن "قرارات وقوانين مجمع نيقية" تحدث نيافة الأنبا سيرابيون مطران لوس أنچلوس، وتكلم نيافة الأنبا دميان أسقف شمالي ألمانيا عن "رحلة نفي البابا أثناسيوس إلى ترير".

وجاءت كلمة نيافة الأنبا ديمتريوس مطران ملوي وأنصنا والأشمونين، باللغة القبطية عن "أقوال البابا أثناسيوس"

واختتمت الكلمات بكلمة قداسة البابا التي أثنى على فكرة إلقاء كلمات عن القديس أثناسيوس ومجمع نيقية بعدة لغات التي تشير إلى أن فكر أثناسيوس انتشر بكل اللغات في العالم كله.

وتناول قداسته في كلمته موضوع بعنوان "خمسة أماكن شكّلت مسيرة القديس أثناسيوس الرسولي" وهي:
١- البيت: منبع التكوين والتربية.
٢- الكنيسة: موطن النمو والانتماء.
٣- البرية: مدرسة الزهد والنقاوة.
٤- المجمع في نيقية: منبر الإيمان ووحدة الكنيسة.
٥- المنفى: مختبر الإيمان ومنبر الشهادة والرجاء.

وأشار إلى أن "أثناسيوس" نشأ في بيتٍ مؤمنٍ بسيط، لكنّه كان غنيًا بالحكمة والفضيلة، كان بمثابة الجذور الطيبة التي أنبتت قلبًا نقيًّا وفكرًا مستقيمًا.

وأضاف: "البيت الذي تُقيم فيه الحكمة، يسكنه الله، وتنبع منه القداسة. فالبيت في المفهوم المسيحي ليس جدرانًا وسقفًا، بل حاضنة للقيم ومهدّ للقداسة."

وأكد أن الكنيسة، هي الموطن الذي فيه يكتشف الإنسان ذاته وهو في حضن الله، حيث تتحوّل المعرفة إلى إيمان، والإيمان إلى حياة، والحياة إلى شهادة.

ونوه إلى أن الكنيسة كانت بالنسبة للقديس أثناسيوس الرسولي بيته الثاني، نشأ في جنباتها، وتعلّم من طقوسها، وتقدّس بروحها، فصارت له الأم والمعلم والمذبح. وفي الكنيسة تعلّم أثناسيوس أن الجمال الحق هو في القداسة، فقد تربى عند المذبح، وارتوى من كلمة الله، فصار فكره امتدادًا لإيمانها، وصوته ترجمه لحياتها. ولذلك عندما صار بطريركًا، لم يكن يدير الكنيسة كمنصب، بل كان يحملها كحياةٍ تجري في عروقه.

ولفت إلى أن البرية لم تكن له مكان عزلةٍ جغرافية، بل أفقًا روحيًّا فسيحًا، يسمع فيه الإنسان صوت اللّٰه دون ضجيج، ويتعلم أن القوة الحقيقية تُستمد من الهدوء الداخلي.

وعن علاقة القديس أثناسيوس بالقديس أنطونيوس أب الرهبان، قال قداسته: "في شبابه اقترب أثناسيوس من القديس أنطونيوس الكبير، ذاك العملاق الروحي مؤسس الرهبنة الذي ملأ الصحراء نورًا وصلوات، وتربّى على يديه."

وعن تأثير الرهبنة على أثناسيوس، أوضح قداسة البابا أن الرهبنة لم تترك أثرها على أثناسيوس فقط، بل على كنيستنا كلها، حتى أننا في كل قداس نسمع وصية الرسل في الكاثوليكون: " لا تُحبّوا العالم ولا الأشياء التي في العالم، لأن العالم يمضي وشهوته معه". البرية علّمته الزهد، لكنها لم تخرجه من الحياة، بل أعطته القوة ليواجه العالم دون أن ينتمي إليه."

أثناسيوس المدافع عن الإيمان 

وعن مجمع نيقية أكد قداسته أن أثناسيوس وقف بثقة الشباب وإلهام الروح القدس، يدافع عن ألوهية المسيح لكن صوته حمل قوة الحقّ التي لا تعرف العمر، فعندما ارتفعت أصوات الهرطقة، واجهها لا بجدال فلسفي، بل بآيات الكتاب المقدس ونور الإيمان المستقيم. وفي نيقية، صيغ قانون الإيمان الذي نردّده حتى اليوم، مستخرجًا من آيات الكتاب المقدس، ليكون صلاةً تتلى، لا مجرد نصٌ يُقرأ. فحين نقف لنعلن "نؤمن بإله واحدٍ"، إنما نقف على أرضٍ مقدّسة، ونتلو كلماتٍ خرجت من أفواه هؤلاء الآباء القديسين.

واستكمل: "لم يكن "نيقية" مجرد مجمع عابر، بل ميلاد إيمانٍ جامع للعالم كله، وكان أثناسيوس في نيقية صوت الوحدة، لا الانقسام؛ وصوت الحق، لا الجدل؛ وصوت الإيمان الذي عاشته الكنيسة الجامعة. وحارس للعقيدة التي نعيش بها إلى اليوم."

في احتفال "نيقية".. البابا يكشف رسائل أثناسيوس مثبت عقيدة الكنيسة عبر العصوربحضور البابا تواضروس.. انعقاد المؤتمر العلمي "نيقية.. إيمان حي"البابا تواضروس: مصر المباركة احتضنت الإيمان وستظل تؤثر في العالمالبابا تواضروس: مصر في قلب الله.. واحتضانها للإيمان سر قوتها عبر القرون

وعن جهاد أثناسيوس خلال الفترات التي نفي فيها لفت قداسته إلى أن أثناسيوس كان يخرج من كل نفي أكثر نقاءً، كذهبٍ جُرَّب في النار. وأنه عاش في كل منفى كأنه في هيكل، يرفع فيه البخور ويكتب فيه دفاعه عن الإيمان. حتى قال عنه المؤرخون: "أثناسيوس ضد العالم".

وفي ختام كلمته قال قداسة البابا: "نحن نشكر الله الذي أعطانا هذه النعم الكثيرة، نشكره على هذه الصلوات والكلمات التي استمعنا إليها وعمل الآباء وكرازتهم وخدمتهم كلٌ في مكانه. نشكر الله على كنيستنا القوية التي تحمل سيرة وحياة القديسين، ونشكر الله على بلادنا وسلامها واستقرارها ونحن نفتخر بالكنيسة المصرية التي نشأت على أرض مصر باعتبارها أقدم كيان شعبي مستمر حتى اليوم فهي كنيسة وطنية شاهدة للمسيح والحق وخادمة للوطن والمجتمع، وبالتالي تقدم كنيستنا صورة رائعة لما قاله السيد المسيح  "وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا." ( مت ١٦ : ١٨ ) وعبر العصور والتاريخ نقرأ عن هذا كله.

شكرًا لكل الأحبار الأجلاء وترتيبات اليوم، شكرًا لفرق الكشافه والكورال التي شاركت في اليوم، شكرًا للشركة المتحدة التي تنقل احتفالات هذا اليوم للقنوات المصرية بصورة جميلة وبإمكانيات واسعة وهذه مشاركة وطنية طيبة نقدرها ونشكرهم كثيرًا عليها.

طباعة شارك مجمع نيقية البابا تواضروس البابا تواضروس الثاني الإكليريكية الكنيسة

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: مجمع نيقية البابا تواضروس البابا تواضروس الثاني الإكليريكية الكنيسة أثناسیوس الرسولی القدیس أثناسیوس البابا تواضروس قداسة البابا نیافة الأنبا مجمع نیقیة إلى أن

إقرأ أيضاً:

بحضور قداسة البابا والاباء الأساقفة..انعقاد المؤتمر العلمي "نيقية.. إيمان حي"

 

 أُطلقت مسابقة لشباب الباحثين لتقديم دراسات متخصصة حول مجمع نيقية في إطار الاحتفال الكنسي بمرور ١٧ قرنًا على انعقاد مجمع نيقية المسكوني الأول، وحِرص الكنيسة القبطية الأرثوذكسية على إبراز البعد العلمي والبحثي لهذا الحدث التاريخي،

وشهد قداسة البابا تواضروس الثاني،  انعقاد المؤتمر العلمي تحت عنوان "نيقية… إيمان حي"،
وذلك بحضور عدد من الآباء الأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات، وعدد من أساتذة الكليات والمعاهد اللاهوتية.

بدأ المؤتمر بكلمة افتتاحية للراهب القس أرساني المُحرقي، المشرف الروحي ووكيل الكلية الإكليريكية بالدير المُحرق والمنسق العام للمؤتمر، استعرض فيها فكرة المسابقة ومحاور الأبحاث وأهداف المؤتمر في دعم البحث الأكاديمي داخل الكنيسة.

بعد ذلك تم تقديم ٨ أبحاث فائزة قُسِّمت إلى أربعة محاور، خُصِّصت لكل منها جلسة علمية:

١- المحور اللاهوتي والآبائي والفلسفي

قدّم الأبحاث:
- الراهب بولس المقاري
- الأخت مريام فايق من دير السيدة العذراء حارة زويلة
وترأس الجلسة: نيافة الأنبا رافائيل الأسقف العام لكنائس وسط القاهرة.

٢- المحور التاريخي والجغرافيا التاريخية

قدّم الأبحاث:
- الراهب كرياكوس السكندري
- الباحث آمر نسيم
وترأس الجلسة: نيافة الأنبا بيجول أسقف ورئيس دير السيدة العذراء المُحرق.

٣- المحور الليتورجي

قدّم الأبحاث:
- الباحث كيرلس لَمعي
- الباحث مايكل القمص شاروبيم
وترأس الجلسة: نيافة الأنبا مكاري الأسقف العام لكنائس قطاع شبرا الجنوبية، ووكيل "إكليريكية الأنبا رويس".

٤- المحور الكتابي واللغوي

قدّم الأبحاث:
- القس أيوب منير
- الباحثة مريم ويصا
وترأس الجلسة: نيافة الأنبا ميخائيل أسقف حلوان والمعصرة.

وخلال الجلسات الأربع، أتيحت مساحة واسعة للحوار وتوجيه الأسئلة من الحضور، ما أضفى على المؤتمر طابعًا علميًّا تفاعليًّا مميزًا.

وفي ختام اليوم ألقى قداسة البابا، كلمةً عبّر فيها عن تقديره الكبير للأبحاث المعروضة ولجهود الباحثين، مشيدًا بجودة الطرح وعمق الدراسات.
وأشار قداسته إلى أهمية البحث العلمي في الكنيسة اليوم، مؤكدًا أن:

أصغر قانون إيمان هو: "باسم الآب والابن والروح القدس"

وأكبر قانون إيمان هو: الكتاب المقدس بكل أسفاره

أما قانون الإيمان النيقاوي فهو الصياغة الدقيقة للإيمان والعقيدة، الممتزجة برشم الصليب وتعليم الكتاب المقدس.


ودعا قداسة البابا إلى تقديم المزيد من الأبحاث التي تخدم واقع الكنيسة المعاصر.
وفي الختام، تم توزيع شهادات التقدير والهدايا التذكارية على الباحثين الفائزين.

مقالات مشابهة

  • البابا تواضروس يعلن نهاية احتفالات نيقية ويقيم خمسة مطارنة جدد
  • الأنبا أباكير يشارك احتفال الكنيسة القبطية بمرور 17 قرناً على مجمع نيقية
  • البابا تواضروس: القديس أثناسيوس دافع عن ألوهية المسيح ووحدة الكنيسة
  • محطات في حياة أثناسيوس الرسولي كما قدمها البابا تواضروس
  • في احتفال نيقية.. البابا يكشف رسائل أثناسيوس مثبت عقيدة الكنيسة عبر العصور
  • بحضور قداسة البابا والاباء الأساقفة..انعقاد المؤتمر العلمي "نيقية.. إيمان حي"
  • البابا تواضروس: مصر المباركة احتضنت الإيمان وستظل تؤثر في العالم
  • البابا تواضروس الثاني يبرز دروس مجمع نيقية في رسالة روحية حديثة
  • رئيس أساقفة الكنيسة الأسقفية يشارك في احتفال مجمع نيقية بالكاتدرائية العباسية