ما بعد الإخوان المسلمين

تقف الولايات المتحدة الأمريكية الآن في لحظة محورية في ما يتعلق بسياستها الخاصة بالشرق الأوسط.

ففي حين يمضي الكونجرس الأمريكي قدمًا بتشريع من أجل تصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمةً إرهابيةً أجنبيةً، فإن السؤال لا يتعلق بما لو أن التصنيف ضرورة حيوية في الشرق الأوسط أم لا، وإنما يتعلق بما لو أن تنفيذه مع شركاء الولايات المتحدة في المنطقة سوف يعظم المنافع الأمنية، ويقلص في الوقت نفسه تمزق السياسات الداخلية.

ليست جماعة الإخوان المسلمين محض حركة سياسية، ولكنها شبكة عالمية مترابطة ذات علاقات راسخة مع التطرف العنيف.

ولقد تم تصنيف الفرع الفلسطيني من الجماعة، أي حركة حماس، باعتباره منظمة إرهابية منذ عام 1997، وأكد مدير المباحث الفيدرالية الأمريكية السابق روبرت مولر أمام الكونجرس أن «عناصر من جماعة الإخوان المسلمين، سواء هنا أو في الخارج، قد دعموا الإرهاب».

فضلا عن ذلك، فإن اكتشافًا مزلزلًا في الأردن لشبكة إرهابية إخوانية قد وفر رؤية تفصيلية لتمويل الجماعة وقيادتها وأنشطتها العنيفة في الشرق الأوسط.

ولقد حذر بعض المنتقدين الأمريكيين من أن الحظر قد يزعزع استقرار السياسات الإقليمية، لكن الواقع أشد تعقيدا من ذلك. فلقد قامت بلاد من قبيل مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين وروسيا فعليا بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها منظمة إرهابية، ويستند هذا الموقف إلى أدلة دامغة على دور الجماعة في احتضان حماس ودعمها، وهو دور موثق في تقرير حكومي صدر في المملكة المتحدة سنة 2015.

وهذه البلاد لا تتحرك منعزلة، بل إنها تستجيب لتاريخ جماعة الإخوان المسلمين الموثق في دعم العنف كلما دعت الضرورة السياسية إلى ذلك، مع الاحتفاظ بواجهة تتسم بعدم العنف وتتظاهر بتبني سياسات معارضة سلمية.

ولا يتمثل مفتاح التنفيذ الناجح في أي عمل أحادي الجانب، وإنما يكمن في استراتيجية توضع بالتنسيق مع الشركاء الإقليميين الذين يشتركون مع الولايات المتحدة في مخاوفها الأمنية. وبدلا من النظر إلى التصنيف باعتباره خيارا ثنائيا، يجب أن تتبنى الولايات المتحدة نهجا مؤلفا من طبقات عدة.

أولا: لا بد أن تعمل الولايات المتحدة الأمريكية مع الشركاء الإقليميين الذين سبق لهم أن صنفوا جماعة الإخوان منظمة إرهابية، وذلك من أجل تكوين فهم مشترك للكيانات والأفراد المعينين الذين يستحقون فعلا هذا التصنيف، من خلال استهداف الناشطين الفعليين في تمويل جماعة الإخوان المسلمين والتجنيد لها وتوفير دعم العمليات للجماعات العنيفة.

ثانيا: استغلال اللحظة الراهنة في تعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب مع جميع الشركاء الإقليميين، حتى الذين لهم علاقات تاريخية بجماعة الإخوان المسلمين من قبيل قطر. وفي حال تطبيق القرار بصرامة، فيجب إدخال الدوحة تماما في متن مكافحة الإرهاب. وبالمثل، يمكن أن تعمل الولايات المتحدة مع تركيا من أجل تمييز أفضل بين الإسلام السياسي المشروع ودعم التطرف العنيف (ويجدر بسوريا أن تكون نموذجا في هذا الصدد).

ثالثا: لا بد أن يكون هذا التصنيف مصحوبًا بعمل دبلوماسي نشيط لمنع العواقب غير المقصودة. لكن في الوقت نفسه، يجب أن يكون موقف الولايات المتحدة واضحًا في أنه «لا مجال للتسامح»، ويوجه الرسالة المرجوة في شتى أنحاء الشرق الأوسط وخارجه.

ومن المهم أيضا أن الأمر لا يتعلق بالانحياز إلى طرف على حساب طرف في التنافس الإقليمي، وإنما يتعلق بإقامة معيار مطلق. فالمشاركة السياسية مقبولة، لكن غير المقبول هو دعم الإرهاب.

ومن خلال العمل مع جميع الشركاء الإقليميين من أجل تعيين واضح لهذه الحدود، من الممكن فعليا تقليل أي نفع لجماعة الإخوان المسلمين باعتبارها بيدقًا سياسيًا في الصراعات الإقليمية.

ويمثل توقيت اتخاذ هذا القرار مخاطرة وفرصة في الآن نفسه. ففي ظل مرور الشرق الأوسط الآن بعملية إعادة ترتيب معقدة، قد يصبح تبني نهج منسق حيال تصنيف جماعة الإخوان المسلمين عنصرا للتوحيد في بنية الأمن الإقليمي بدلا من أن يكون عنصر تقسيم وتفريق.

فالبلاد التي طالما رأت في الجماعات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين خطرا، من قبيل مصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، يمكن أن تعمل بجانب البلاد ذات العلاقات المختلفة من قبيل الأردن والمغرب وتونس من أجل وضع إطار عمل مشترك يقلل من هذه المخاطر.

والفرصة الآن سانحة للولايات المتحدة لتقود لا من خلال فرض سياسة أحادية، وإنما من خلال تيسير توافق إقليمي يعزز الأمن دون أن يقوض الشراكة السياسية التي توفر في نهاية المطاف بدائل للتطرف.

لو تم تنفيذ هذا التصنيف على النحو الصحيح، وبتنسيق دقيق، وتعريفات واضحة، وبعمل دبلوماسي مستدام، فإنه قد يصبح حجر زاوية في بنيان أمني إقليمي أكثر فعالية بدلا من أن يكون مصدرا آخر من مصادر الفرقة.

والبديل، أي تجاهل الروابط الإرهابية الموثقة بجانب قيام شركاء الولايات المتحدة الإقليميين باتخاذ المزيد من التصرفات الأحادية، سيكون أعظم خطرًا بكثير سواء على المصالح الأمريكية أو على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

عبدالله الجنيد كاتب ومحلل سياسي بحريني

الترجمة عن ذي ناشيونال انتريست

المصدر: لجريدة عمان