الجزيرة:
2025-12-04@01:31:01 GMT

في الأمازون.. الليزر يكشف عن عالم مفقود عاد للظهور

تاريخ النشر: 2nd, December 2025 GMT

في الأمازون.. الليزر يكشف عن عالم مفقود عاد للظهور

في مخيلة كثيرين، تعني الأمازون غابة "طبيعية" هائلة بالكاد لمستها يد الإنسان، لكن في شمال بوليفيا، حول بحيرتي روجاغوادو وجينيبرا، كشفت الأدلة العلمية والأثرية عن مشهد قديم صاغته مجتمعات بشرية عبر قرون، لا عبر مدن حجرية شاهقة، بل عبر هندسة ترابية ذكية تتعامل مع الماء كحليف لا كعدو.

الفكرة ليست أن حضارة "اختفت ثم ظهرت فجأة"، بل إن آثارها كانت موجودة طوال الوقت، ممتدة في الأرض على هيئة منصات زراعية وقنوات وردميات، لكنها لم تُقرأ جيدا إلا الآن، حين اجتمعت أدوات حديثة مثل الليدار مع حفريات وتحاليل بيئية دقيقة، ومعرفة محلية حيّة من السكان الأصليين.

استخدم الباحثون تقنية الليدار لرسم خؤيطة التضاريس الخفية (جي فيرنانديز – مؤسسة فرونتيرز)ما الليدار؟

الليدار هو جهاز (غالبا مثبت على طائرة أو درون) يطلق نبضات ليزر سريعة جدا نحو الأرض، ثم يقيس زمن رجوعها ليحسب المسافة بدقة ويصنع خريطة للتضاريس.

ميزة الليدار في الأمازون أنه يستطيع التقطات شكل سطح الأرض حتى لو كان مغطى بنباتات، فيظهر تفاصيل دقيقة لا تلاحظها العين من المستوى الأرضي، مثل القنوات، والخنادق، الردميات، والحقول المرتفعة.

وفي مسوحات بحيرة روجاغوادو، غطّى الليدار نحو 8.6 كيلومترات مربعة، وكشف أشكالا متعددة، من خنادق، ومنصات، وقنوات، وحقول زراعية مرتفعة، أي أن "الأثر" ليس قطعة فخار منفردة، بل شبكة بنية تحتية كاملة من التراب المصنوع.

والأهم أن الليدار لا "يثبت" وحده أن هذه الأشكال من صنع البشر أو يحدد تاريخها، فهو أشبه بخريطة كنز دقيقة ترشد الباحثين إلى أين يحفرون وكيف يضعون أسئلتهم.

وبعد أن يرسم الليدار تضاريس التفاصيل الخفية، تأتي الحفريات وأخذ العينات من التربة وبقايا الفحم أو العظام أو البذور لتأكيد طبيعة البنى المكتشفة وتأريخها بالكربون المشع.

الفيضان تغمر تلك المنطقة كل موسم (جي فيرنانديز – مؤسسة فرونتيرز)علم الآثار والكيمياء والحيوان

في هذا السياق، لجأ الباحثون، بحسب بيان صحفي رسمي صادر من مؤسسة فرونتيرز الناشرة للدراسة، إلى عمليات المسح الميداني وتمشيط المنطقة على الأرض بشكل منظم للعثور على مؤشرات وجود بشري قديم، مثل شظايا فخار، أو أدوات حجرية، أو تغيرات غير طبيعية في التربة، أو تلال وردميات صنعتها الأيدي.

إعلان

وبعد تحديد النقاط الواعدة، تأتي الحفريات، ويتم ذلك عبر فتح مربعات أو خنادق صغيرة مدروسة لكشف الطبقات واحدة واحدة، لأن كل طبقة هي صفحة من الزمن. بهذه الطريقة يعرف الباحثون أين كان الناس يعيشون، وكيف بُنيت المنصات أو القنوات، وما الذي تراكم فوقه مع القرون، ثم يأخذون عينات للتأريخ (مثل الكربون المشع) وربط كل شيء بتسلسل زمني واضح بدل التخمين.

إلى جانب ذلك، فالفخار هو "بصمة ثقافية" ممتازة، فشكل الإناء وزخرفته وطريقة الحرق وتصنيع العجينة قد تشير لمن صنعه، ولأي فترة ينتمي، وهل كان للاستعمال اليومي أم للتخزين أم للطهي.

أما علم آثار الحيوانات، فيتعامل مع تحليل بيولوجي لعظام وبقايا الأسماك والبرمائيات والثدييات، لتحديد نوع الحيوان، وأجزاء الجسم الموجودة، وآثار القطع أو الحرق، وكل هذا يكشف ماذا كان الناس يأكلون، وهل كانوا يصطادون من البحيرة أكثر أم من اليابسة، وهل كان هناك ذبح أو تقطيع منظم أو طبخ، بل قد يلمّح لتغيرات في نمط المعيشة عبر الزمن.

وهناك كذلك التحليل النباتي القديم، هذا المجال يبحث عن "آثار النباتات" في المواقع الأثرية لفهم علاقة البشر بالنباتات قديما، زراعة وجمعا وتخزينا واستخداما.

الأدلة قد تكون بذورا متفحمة، أو قشورا، أو خشبا، أو بقايا نشويات دقيقة عالقة على أدوات الطحن، أو حتى فحما نباتيا يدل على أنواع الأشجار التي استُخدمت.

عندما تُفحص هذه البقايا، بأساليب كيميائية متخصصة، يمكن معرفة المحاصيل (مثل الذرة)، والنباتات البرية التي اعتمدوا عليها، ومدى وجود إدارة مقصودة للغابة (كالأصناف المختلفة من النخيل).

العمل لم يكن تنقيبا فوق أرض الآخرين، بل جرى بالحوار والتعاون مع المجتمعات المحلية (جي فيرنانديز – مؤسسة فرونتيرز)العلم يجيب: كيف عاش القدماء؟

بجمع البيانات الأثرية والعلمية، سواء عبر تقنيات الليزر أو تحاليل بيولوجية أو كيميائية، يظهر أنه في بيئة كهذه، تُهزم الزراعة العادية بسهولة أمام الفيضان الموسمي، وتُبتلع الطرق بالطين، وتحتاج المستوطنات أن تتعايش مع تغيّر الماء بدل أن تقاتله، فكيف عاش العلماء مع هذا التغير الموسمي؟

هنا بالضبط تظهر عبقرية الحل، فبدلا من محاولة تجفيف الأرض، رفعت المجتمعات القديمة أجزاء منها، وشقّت قنوات، وحولت التفاوتات الصغيرة في الارتفاع إلى نظام إنتاج غذائي مرن.

إلى جانب ذلك كانت هناك تغيرات تظهر تكيفا مع الواقع. ففي الدراسة الجديدة، التي نشرها الباحثون في دورية "فرونتيرز إن انفيرونمنت آند أركيولوجي"، ظهرت 3 مراحل رئيسية لاستيطان هذه المنطقة قبل الحقبة الإسبانية، لكل منها بصمتها الزمنية والمكانية:

المرحلة الأولى (حوالي 600م): وجود مبكر قرب بحيرة روجاغوادو. المرحلة الثانية (1000–1200م): مرحلة أكثر كثافة، فهناك فخار أكثر، بقايا حيوانية ونباتية أكثر، وزراعة ترتكز على الذرة، مع شبكة هيدروليكية "مفصلة" مرتبطة بالحقول المرتفعة. المرحلة الثالثة (1300–1400م): تترافق مع تعديلات أوسع في المشهد واستخدام أغنى للنباتات، مع حضور أقل لبقايا الحيوانات، مما قد يشير إلى تحول تدريجي نحو إدارة نباتية أكثر كثافة (زراعة وتدجين موارد غابية). إعلان

هذه ليست سردية خطية عن تقدم ثم انهيار، بل أقرب إلى تغيّر في الإستراتيجيات بحسب الظروف الاجتماعية والبيئية، وكأن المجتمع يعيد ضبط أدواته مع كل قرن. في الواقع، يبدو الأمر وكأن القدماء وعوا أهمية البيئة التي عاشوا فيها، فقرروا أن يتعايشوا معها، وألا يعتبروها مجرد مصدر للموارد، بل "صحبة" أو "صديق"، نأخذ منه ونعطيه.

ليست سيطرة بل تعاون

أحد أجمل أجزاء القصة هو أن الاقتصاد القديم لم يكن أحاديا حتى يضغط على جانب محدد من البيئة، لم يعتمد فقط على حقل ذرة كبير، ولا على صيد عشوائي، بل على سلة غذائية متنوعة.

في جينيبرا مثلا، يذكر الباحثون ثراء لافتا في الأدلة النباتية، فهناك أنواع نخيل متعددة، وبذور وثمار ومحاصيل، ومن بينها توثيق أثري مهم لـ"جوز الأمازون".

وعندما تُضاف أدوات مثل أحجار الطحن وشواهد تنوع الفخار، تتشكل صورة لاقتصاد يخلط بين الزراعة وإدارة الغابة.

وفي روجاغوادو، يعرض الليدار تفاصيل مذهلة لعمارة ترابية، فهناك خنادق مربعة (مثل خندق بطول وعرض 136 مترا) وقنوات تمتد نحو البحيرة، وحقول مرتفعة مستطيلة وشبكات تصريف أو ري صغيرة، بما يوحي باقتصاد يجرّب حلولا متعددة بحسب مستوى الفيضان ومواسم الجفاف.

الورقة البحثية تشدد على أن العمل لم يكن تنقيبا فوق أرض الآخرين، بل جرى بالحوار والتعاون مع المجتمعات المحلية، وبمساعدة أدلاء محليين في تحديد مواقع وآثار، وبحساسية تجاه أماكن ذات قيمة ثقافية يفضّل أهلها عدم المساس بها.

هذا مهم لأن كثيرا من تاريخ الأمازون كُتِب، لأسباب استعمارية قديمة، كأنه بلا "تعقيد حضاري"، وكأن سكانه مجرد جماعات متناثرة لا أثر لها في المشهد. لكن هذه المنطقة تقول شيئا آخر، وهو أن هناك تاريخا طويلا من "تدجين المنظر الطبيعي"، أي إعادة تشكيله تدريجيًا بطرق لا تدمّره بل تعيد تنظيمه.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات

إقرأ أيضاً:

ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات إندونيسيا إلى 502 قتيل وأكثر من 500 مفقود

ارتفعت حصيلة ضحايا الفيضانات التي ضربت جزيرة سومطرة غرب إندونيسيا مجددًا اليوم الاثنين، لتصل إلى 502 قتيل، مع بقاء أكثر من 500 شخص في عداد المفقودين، وفقًا لما أعلنته وكالة إدارة الكوارث في بيان.

ومن جانبه، أعلن الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو عند وصوله إلى شمال سومطرة، اليوم، أن «أولوية الحكومة الآن هي إرسال المساعدات اللازمة على الفور»، بحسب وكالة أنباء «أنتارا» الإندونيسية.

وأضاف «هناك عدة قرى معزولة سنتمكن، إن شاء الله، من الوصول إليها»، معلنًا عن نشر طائرات ومروحيات لتسهيل عمليات الإنقاذ.

وأشار إلى أن الوزارات والهيئات المعنية تعمل على الأرض لتسريع استعادة الكهرباء، وإعادة فتح الطرق البرية، وتوزيع الخدمات اللوجستية جوا وبحرا.

وتعد هذه هي أعلى محصلة قتلى نتيجة كارثة طبيعية في إندونيسيا منذ الزلزال والتسونامي اللذين أوديا بحياة أكثر من ألفي شخص في سولاوسي عام 2018.

اقرأ أيضاًارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات والانهيارات الأرضية في سريلانكا إلى 334 قتيلا

ارتفاع حصيلة القتلى جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في إندونيسيا إلى 442 شخصًا

ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات في إندونيسيا إلى 417 شخصًا

مقالات مشابهة

  • 770 قتيلًا و463 مفقودًا في فيضانات إندونيسيا
  • لماذا تشعر المرأة بالتعب أكثر من الرجل؟ العلم يكشف أسبابا جديدة لم تكن معروفة
  • نام في مؤتمر صحفي.. البيت الأبيض يكشف الأسرار: ترامب يعمل 12 ساعة يوميًا أكثر من المواطن الأمريكي
  • كأس العرب.. مدرب المغرب: الفوز في الافتتاح مهم ونسعى للظهور بصورة أقوى أمام عُمان
  • الأحوال المدنية توضح خطوات إصدار بطاقة هوّية وطنية بدل مفقود عبر تطبيق «أبشر»
  • السلطات العراقية تحذر من استخدام ضوء الليزر قرب المطارات
  • الشعاع الحديدي: الليزر الإسرائيلي يُغيّر قواعد الحرب وإيران الهدف الأول
  • ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات إندونيسيا إلى 502 قتيل وأكثر من 500 مفقود
  • عالم الدارك ويب.. أستاذ صحة عامة يكشف عن مخاطر ضد الأطفال