"حفرت قبرها بيدها".. سيرة مولاتُنا السيدة نفيسة الصغرى بنتُ سيدي حسنٍ الأنور
تاريخ النشر: 3rd, December 2025 GMT
كشف الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، عبر صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، عن سيرة مولاتُنا السيدة نفيسة الصغرى بنتُ سيدي حسنٍ الأنور (ويُشتهَر بالأكبر كذلك)، وهو ابنُ زيدٍ الأبلج، ابنِ مولانا الإمامِ الحسنِ السِّبط، ابنِ مولانا الإمامِ عليٍّ، من مولاتِنا فاطمةَ الزهراءِ البتول، بضعةِ سيدِنا ومولانا الرسولِ صلى الله عليه وسلم.
أُخِذ اسمُ «نَفيسة» من النفاسةِ ورفعةِ الشأنِ والشرف، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يحبُّ الأسماءَ الجميلة، ويُغيِّر بعضَ أسماءِ الصحابةِ بما هو أجملُ وأكمل.
ومشهدُها الآن بالقاهرةِ الباهرةِ في جنوبِها الشرقيِّ بسفحِ المقطَّم، على يمينِ كوبري السيِّدة عائشة الحديديِّ في جنوبِ غربيِّ القلعة، بمنطقةٍ تُعرَف تاريخيًّا بدربِ السباع (بين منطقةِ القطائع والعسكر)، التي كانت تُعرَف بكومِ الجارح، وقد أزالت البلديَّة ما حولَ المشهدِ من مبانٍ ومقابرَ وغيرها، وجعلت له ميدانًا فسيحًا رائعًا، وجدَّدتْ بعضَ المباني من حولِه، وزيَّنَتِ الميدانَ بالنَّافورات والزُّروع.
ولم يجمعِ المؤرِّخون على شيءٍ إجماعَهم على أن السيِّدة نَفيسة بنت الحسن مدفونةٌ بمشهدِها بمصر، والدولةُ الآن بصدد توسيعِ مسجدِها الشريف.
ولادة وأزواج وأولاد مولاتُنا السيدة نفيسة الصغرى بنتُ سيدي حسنٍ الأنور
وأوضح فضيلته أن مولاتُنا السيدة نفيسة الصغرى بنتُ سيدي حسنٍ الأنور وُلِدت رضي الله عنها بمكَّة في النصفِ الأوَّل من ربيعٍ الأوَّل سنةَ مئةٍ وخمسٍ وأربعين من الهجرة، وقضتْ صِباها بـ(المدينة)، مُلازمةً القبرَ النبويَّ في أغلبِ الأوقات؛ إذ كان والدُها أميرًا على المدينةِ للخليفةِ المنصور، وقد أدركت طائفةً من نساءِ الصحابةِ والتابعين وتلقَّتْ عنهن، وحجَّت ثلاثين حجَّة، أكثرُها وهي تمشي على أقدامِها، وكانت تحفظُ القرآنَ الكريم وتُفسِّره وتفقهُ به الرجالَ والنساء، صوَّامةً قوَّامةً، سخيَّةً غايةَ السَّخاء، ولها كراماتٌ لا تُحصى كعمتِها (زينب بنت عليٍّ) رضي الله عنها.
وتزوَّجت السيدة نفيسة في العشرِ الأولى من رجب سنةَ 161هـ، من أحدِ بني عُمومتِها، السيدِ إسحاقَ المؤتمن (شقيقِ السيدةِ عائشةَ دفينةِ مصر)، وهو ابنُ السيدِ جعفرٍ الصادقِ بنِ السيدِ محمدٍ الباقرِ بنِ السيدِ عليٍّ زينِ العابدين بنِ مولانا الإمامِ الحسين رضي الله عنهم جميعًا، ورُزِقتْ منه بـ(القاسم، وأمِّ كلثوم).
ولمَّا ترك الإمامُ الحسنُ الأنور والدُ السيدة نفيسة ولايةَ المدينة، خلَّفَه عليها زوجُها إسحاقُ المؤتمنُ بنُ جعفرٍ الصادق واليًا للعباسيين؛ فهي بنتُ أميرٍ وزوجةُ أميرٍ من أهلِ البيت.
نزول السيدة نفيسة إلى مصرَ ومنازلُها فيها
وفي العشرِ الأواخر من رمضان سنةَ (193 هجرية) نزلتْ مصرَ مع زوجِها وأبيها وابنِها وبنتِها؛ لزيارةِ مَن كان بمصرَ من آل البيت، بعد أن زارت بيتَ المقدسِ وقبرَ الخليل، واستقبلها أهلُ مصر عند العريش أعظمَ الاستقبال، حتى إذا دخلتْ مصر أنزلها السيدُ (جمالُ الدين عبدُ الله الجصَّاص) كبيرُ تجارِ مصر، في دارِه الفاخرة، ثم انتقلتْ إلى دارِ (أمِّ هانئ) بجهةِ المراغةِ المشهورةِ الآن بالقرافة، وهناك كان إكرامُ الله لها بأن شفى من ماءِ وُضوئها الفتاةَ المُقعَدةَ بنتَ أبي السَّرايا أيوبَ بنِ صابرٍ اليهوديَّ؛ فأسلم أهلُها ومَن كان معهم.
وحاول أبو السَّرايا نقلَ السيِّدة نَفيسة إلى دارِه في دربِ الكروبيين، وكان لهذه القصةِ دويٌّ هائلٌ في أهلِ مصر، فلازموا دارَها ليلَ نهارَ بالمئات، يلتمسون البركاتِ، وينتظرون الدعوات.
وهنا أزمع زوجُها العودةَ بها إلى الحجاز، فاستمسكَ أهلُ مصر بوجودِها بينهم، ورأتْ في المنامِ جدَّها المصطفى صلى الله عليه وسلم يأمرُها بالإقامةِ في مصر؛ فوهبها (عبدُ الله بنُ السَّريِّ بنِ الحَكَم) والي مصر دارَه الكبرى بدربِ السباع، وهي الدارُ التي كانت لأبي جعفر خالدِ بنِ هارونَ السلَميِّ من قبلُ، وحدَّد لزيارتِها يومَيِ السبتِ والأربعاءِ من كلِّ أسبوع؛ مراعاةً لصحتِها، وتمكينًا لها من عبادتِها، وكانت تخدمُها (زينبُ بنتُ أخيها يحيى المتوَّج)، حتى انتقلتْ إلى الرفيق الأعلى.
بعضُ مآثرِ مولاتُنا السيدة نفيسة الصغرى بنتُ سيدي حسنٍ الأنور
وكان أهلُ مصر ربما شَكَوا إليها انحرافَ الوالي؛ فوعظتْه وحذَّرتْه، وذكَّرتْه بعذابِ الله وحقوقِ الناس، فما تزال به حتى يفيءَ إلى أمرِ الله.
وأكد فضيلة الدكتور علي جمعة أن مولاتُنا السيدة نفيسة الصغرى بنتُ سيدي حسنٍ الأنور كانت مستجابةَ الدعاءِ، فما دعتْ لأحدٍ إلا استجاب اللهُ له.
وكانت على شيءٍ من طبِّ العيون، تجمعُ فيه بين الطبِّ المعتاد والطبِّ الروحيِّ، فيشفي اللهُ قاصدَها؛ ولهذا كان يُهرَعُ مرضى العيون إلى مشهدِها بعدَ وفاتِها؛ التماسًا للشفاءِ، وكان من كراماتِها أن أقامت الحكومةُ إلى جوارِ مشهدِها مستشفىً لأمراضِ العيون عُرِف باسمِها، ولكنَّ الحكومةَ عادت فنقلتْه إلى مكانٍ آخر، ثم غيَّرت اسمَه مع الأسفِ الشديد.
السيدة نفيسة والشافعيُّ
وكان لها دخلٌ كبيرٌ في حضورِ الإمامِ أبي عبدِ الله محمدِ بنِ إدريس الشافعيِّ رضي الله عنه إلى مصر؛ ولهذا كان رضي الله عنه يُكثِرُ زيارتَها والتلقِّي عنها، وفي صحبته عبدُ الله بنُ الحكم رضي الله عنه، وكان يُصلِّي بها في مسجدِ بيتِها، وخصوصًا تراويحَ رمضان، وكانت تُقدِّرُه رضي الله عنه، وتَمدُّه بما يكفيه ويُعينه على أداءِ رسالتِه العلميةِ الكبرى.
ولمَّا مات الشافعيُّ رضي الله عنه في رجب سنةَ 204هـ، حملوه إلى دارِها فصَلَّتْ عليه مأمومةً بالإمام أبي يعقوبَ البُوَيْطيِّ، ودعت له، وشهدتْ فيه خيرَ شهادة، وقد حزنتْ على وفاتِه حزنًا كبيرًا.
وفاتُها ودَفنُها
وبعد وفاةِ الشافعيِّ بدأتِ السيدة نفيسة تُعِدُّ نفسَها للقاءِ مولاها؛ فحفرتْ قبرَها بيدِها تباعًا في حجرتِها بمنزلِها الذي أهداه إليها والي مصر (عبدُ الله بنُ السَّريِّ بنِ الحَكَم) بدربِ السباع، وهو الذي أصبح فيما بعدُ مشهدَها ومسجدَها الحاليَّ، وكانت تُصلِّي في قبرِها الذي حفرتْه بيدِها في حجرتِها، وقرأتْ فيه عشراتِ الختماتِ من القرآن تبرُّكًا واستشفاءً، بعد أن بناه خيرُ البنَّائين؛ تسابُقًا لمرضاتِها ليرضى عنهم الله تعالى.
وفي يومِ الجمعة الخامسِ عشرَ من رمضان سنةَ 208هـ، اشتدَّ مرضُها، قالوا: وكانت تقرأ سورةَ الأنعام، حتى إذا وصلتْ إلى قوله تعالى: ﴿لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [الأنعام: 127]، فاضتْ روحُها إلى الرفيقِ الأعلى راضيةً مرضيَّة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: السيدة نفيسة رضی الله عنه سیدی حسن وکانت ت
إقرأ أيضاً:
"حصل على العالمية من الأزهر ".. سيرة الشيخ عبد اللطيف عبد الغني
أحيت دار الإفتاء المصرية عبر صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، سيرة فضيلة الشيخ عبد اللطيف عبد الغني حمزة، الذي عُيِّن مفتيًا للجمهورية في أواخر جمادى الأولى 1402هـ، شهر مارس سنة 1982م.
مولده ونشأة فضيلة الشيخ عبد اللطيف عبد الغني حمزةهو فضيلة الشيخ الدكتور عبد اللطيف عبد الغني حمزة،
ولد في شهر رمضان من عام 1341هـ الموافق أول مايو سنة 1923م بقرية البريجات التابعة لكوم حمادة بمحافظة البحيرة.
وأتم حفظ القرآن الكريم بكتَّاب القرية ثم التحق بالأزهر الشريف، وبعدها التحق بكلية الشريعة حيث حصل على درجة العَالِمية «الدكتوراه» من المجلس الأعلى للأزهر عام 1950م.
مناصب فضيلة الشيخ عبد اللطيف عبد الغني حمزة
تدرج فضيلة الشيخ عبد اللطيف عبد الغني حمزة بالمناصب من موظف بالمحاكم الشرعية ثم باحث في دار الإفتاء حتى عُيِّن بالنيابة في مطلع السبعينيات.
وتقلَّد مناصب القضاء حتى انتدب لمدة ثلاثة شهور للقيام بعمل مفتي الجمهورية في ربيع الأول 1402هـ/ يناير سنة 1982م بعد خلو هذا المنصب بتولي فضيلة الشيخ جاد الحق منصب وزير الأوقاف، ثم عُيِّن مفتيًا للجمهورية في أواخر جمادى الأولى 1402هـ /مارس سنة 1982م وذلك بعد تولي فضيلة الشيخ جاد الحق منصب مشيخة الأزهر، وقد ظل الشيخ في منصب الإفتاء قرابة ثلاث سنوات ونصف أصدر خلالها (1117) فتوى مسجلة بسجلات دار الإفتاء.
وفاة فضيلة الشيخ عبد اللطيف عبد الغني حمزة
انتقل فضيلة الشيخ عبد اللطيف عبد الغني حمزة إلى رحمة الله تعالى في الثاني من شهر محرم عام 1406هـ الموافق 16من سبتمبر سنة 1985م.
دار الإفتاء المصرية
وتحيي دار الإفتاء المصرية ذكرى المفتين السابقين تقديرًا لعطائهم ومجهودهم الكبير، وذلك خلال احتفالها بمناسبة مرور مئةٍ وثلاثين عامًا على مسيرة الفتوى الرشيدة والعطاء المؤسسي الغير محدود التي قدمته على مدار سنوات عديدة.
وجاء هذا الاحتفال ليُجسِّد المكانة التاريخية والعلمية لدار الإفتاء، بصفتها أقدم دار إفتاء منظمة في العالم الإسلامي، وليُبرز إسهاماتها الممتدة في خدمة المجتمع، وتطوير الخطاب الديني، ومواكبة قضايا العصر بما يعكس رسوخها العلمي ودورها المحوري في الحياة العامة.