قالت أمي: إنما الإنسان أثرٌ
تاريخ النشر: 3rd, December 2025 GMT
ريم الحامدية
بينما تمضي الأيام بنا في إيقاعها المعتاد، ننتقل بين العمل والأهل والصحبة، نرتب ما لا ينتهي من التفاصيل، ونظن أن الغد يشبه اليوم، وأن خطواتنا المطمئنة ستظل على ذات النسق، لا يخطر ببالنا أن القدر قد يخبئ بين طياته ما يُغير اتجاه السير، ويوقظ فينا ما خمد من مشاعر، ويُعيد ترتيب الأولويات من جديد، نعيش اليقين من فرط الاعتياد ونظن أن الهدوء قدر دائم وأن العافية حق طبيعي لا يسلب، إلى أن تأتي اللحظة التي تتغير فيها الخارطة.
قبل أربعة عشر يومًا من الآن، تبدّل المشهد كما لو أنّ الحياة أرادت أن تُعلمنا درًسا بطريقة لا تنسى، أصيبت أمي ذلك النبض الذي ينسى أنَّه يتعب بوعكة صحية شديدة، هزَّت قلوبنا قبل أن تهز تفاصيل يومنا، تلك اللحظة التي ينكمش فيها العالم كله ليصبح سؤالًا واحدًا: كيف حالها الآن؟ وكأنَّ الله أراد أن يوقظ فينا الحس الغافي بقيمة الصحة والعافية وقيمة الدعاء وقيمة الخوف حين يصبح أثقل من الجسد.
في تلك اللحظات أدركنا بعمق ألّا نعمة تضاهي نعمة الصحة، وأن عافية الجسد ليست مجرد حالة نعيشها، بل سند تستند إليه أرواحنا، ورغيف أمان نقتات به لنواصل الطريق.
ومع المرض، ومع الخوف، ومع الدعاء الذي لا يُغلق بابه، بدأت الحقائق تظهر واضحة بأن معدن الإنسان لا يسطُع إلّا حين تمُر نار الابتلاء عليه، في مثل هذه الظروف، ترى الوجوه على حقيقتها، وتسمع القلوب قبل الأصوات، وتلمس صدق النوايا قبل الكلمات، فهناك من يطرق بابك دون دعوة ومن يرفع عنك حملا ومن يسأل من قلق لا مجاملة ومن يضعك في دعائه كأنك جزء من عافيته، بينما هناك من يكشف غيابه عن حقيقة لم نكن نُريد رؤيتها؛ فالشدائد لا تجرح قلوبنا فقط؛ بل تجرح أوهامنا وتبني لنا بصيرة جديدة.
هكذا، لا يختبر المرء صدق البشر في الرخاء كما يختبره في الشدة؛ فالمواقف الصعبة تعمل كضوء كاشف، تُعرّي الزيف، وتُبرز الصدق، وتُعيد رسم خارطة العلاقات بميزان لا يخطئ.
وفي خضم كل هذا، يتجلّى المعنى الأعمق أن الإنسان ليس إلّا أثرًا يمشي على الأرض، كلمة طيبة، موقف نبيل، يد ممدودة، ودعاء لا ينسى، نحن نغادر الأماكن، لكن أثرنا يبقى، يرافق من عرفنا، ويسند من أحبنا، ويشهد علينا قبل أن يشهد لنا.
فالإنسان ليس بما يملك ولا بما يصل إليه؛ بل بما يتركه وراءه فنحن أثر يمشي، ويسعف ويحن ويزرع الطمأنينة في قلب أحدهم دون أن ينتبه، وكلما اشتدت الأيام علينا فهمنا أنَّ القيمة الحقيقية للإنسان تكمن في رسمته التي يبقيها في حياة الآخرين وفي أثره الطيب.
اليوم وأنا أكتب هذه الكلمات أستشعر امتنانًا عميقًا لكل دعوة صادقة ولكل يد امتدت ولكل قلب شاركنا حمل اللحظة؛ فالحمد لله على الأقدار التي تُعيد تربيتنا، وعلى محن تُلين قلوبنا، وتظهر لنا القيمة الحقيقة للعافية وتكشف لنا عن معادن بشر ربما لم نكن نعرفهم إلا بعد أن امتحنتهم الأيام.
ولعل ما مرَّ لم يكن إلّا تذكيرًا بأن نكون لطفاء وأن نخلف أثرًا طيبًا، وأن نغادر اللحظات والأماكن وقد زرعنا فيها ما يكفي من نور ليهتدي به من يأتي بعدنا؛ فالحياة لا تحفظ أسماءنا طويلًا لكنها تحفظ بصماتنا، وتحفظ ذلك الوهج الذي نتركه في دروب الآخرين، فمن عاش بلطفٍ عاش مرتين؛ مرة في قلبه، وأخرى في قلوب من لامسهم عبوره.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
حكم أداء النوافل جالسا.. الإفتاء: لا يشترط فيها القيام ولكن أجرها مختلف
أجاب الشيخ أحمد عبد العظيم، أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، عن سؤال يتعلق بما إذا كان يجوز أداء صلوات النوافل، مثل صلاة الضحى أو الشفع والوتر، جالساً على الكرسي بدلاً من القيام.
حكم أداء النوافل جالسا على الكرسيوأوضح أمين الفتوى في دار الإفتاء خلال تصريحات تلفزيونية اليوم، الجمعة، أن صلاة النوافل لا يشترط فيها القيام، فيجوز للقادر على القيام أن يصلي النوافل جالساً، مع الركوع والسجود، ولكن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "صلاة القائم أفضل من صلاة القاعد"، وبذلك فإن من يصلي النوافل جالساً مع القدرة على القيام ينال نصف الأجر.
هل الحلف برحمة النبي حرام؟.. أمين الإفتاء يوضح الحكم الشرعي
ما حكم قول سيدنا على الإمام الحسين؟.. الإفتاء تجيب
الإفتاء توضح معنى إسباغ الوضوء وحكم استعمال الماء الدافئ في الشتاء
حكم ترك صلاة الجمعة بسبب النوم.. الإفتاء تنصح بـ 3 أمور
وأضاف أمين الفتوى في دار الإفتاء، أنه من الأفضل أن تُؤدى النوافل جالساً على الأرض، بحيث يكون الركوع والسجود بشكل مباشر على الأرض، أما الصلاة جالساً على الكرسي بالايماء فقط، فالأفضل تجنب ذلك.
ونصح الشيخ أحمد عبد العظيم بأنه ينبغي التمييز بين صلاة الفرض وصلاة النفل، فصلاة الفرض لا تجوز جالساً مع القدرة على القيام، أما النوافل فالأمر فيها أيسر، مع مراعاة الأفضلية.
حكم صلاة السنن والنوافل في جماعةوجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: تسن الجماعة لصلاة الكسوف باتفاق بين المذاهب، وتسن للتراويح عند الحنفية والشافعية والحنابلة، وهي مندوبة عند المالكية، إذ الأفضل الانفراد بها – بعيدا عن الرياء – إن لم تعطل المساجد عن فعلها فيها، وتسن الجماعة كذلك لصلاة الاستسقاء عند المالكية والشافعية والحنابلة، أما عند الحنفية فتصلى جماعة وفرادى عند محمد، ولا تصلى إلا فرادى عند أبي حنيفة، وتسن الجماعة لصلاة العيدين عند المالكية والشافعية.
أما عند الحنفية والحنابلة فالجماعة فيها واجبة، ويسن الوتر جماعة عند الحنابلة وبقية التطوعات تجوز جماعة وفرادى عند الشافعية والحنابلة، وتكره جماعة عند الحنفية إذا كانت على سبيل التداعي، وعند المالكية الجماعة في الشفع والوتر سنة والفجر خلاف الأولى... أما غير ذلك فيجوز فعله جماعة، إلا أن تكثر الجماعة أو يشتهر المكان فتكره الجماعة حذر الرياء.
ويقول الإمام النووي في المجموع شرح المهذب للشيرازي: قد سبق أن النوافل لا تشرع الجماعة فيها إلا في العيدين والكسوفين والاستسقاء، وكذا التراويح والوتر بعدها إذا قلنا بالأصح : إن الجماعة فيها أفضل، وأما باقي النوافل كالسنن الراتبة مع الفرائض والضحى والنوافل المطلقة فلا تشرع فيها الجماعة، أي لا تستحب، لكن لو صلاها جماعة جاز، ولا يقال: إنه مكروه وقد نص الشافعي رحمه الله في مختصري البويطي والربيع على أنه لا بأس بالجماعة في النافلة.
ودليل جوازها جماعة أحاديث كثيرة في الصحيح، منها حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه في بيته بعدما اشتد النهار ومعه أبو بكر رضي الله عنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أين تحب أن أصلي من بيتك ؟ فأشرت إلى المكان الذي أحب أن يصلي فيه فقام وصفنا خلفه ثم سلم وسلمنا حين سلم» رواه البخاري ومسلم، وثبتت الجماعة في النافلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية ابن عباس وأنس بن مالك وابن مسعود وحذيفة رضي الله عنهم، وأحاديثهم كلها في الصحيحين إلا حديث حذيفة ففي مسلم فقط.
وذكر الإمام ابن قدامة الحنبلي في كتابه المغني: يجوز التطوع جماعة وفرادى، «لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل الأمرين كليهما، وكان أكثر تطوعه منفردًا، وصلى بحذيفة مرة، وبابن عباس مرة، وبأنس وأمه واليتيم مرة، وأم أصحابه في بيت عتبان مرة، وأمهم في ليالي رمضان ثلاثا»، والآثار فيها كلها صحاح جياد.
وأكدت دار الإفتاء أنه يجوز للمسلم أن يصلى صلاتى الضحى وقيام الليل أو أى صلاة نافلة أخرى فى جماعة، منوهة بأن صلاة الجماعة ليست قاصرة على الصلوات المفروضة فقط بل يجوز أن يجتمع المصلين ويصلون جماعة فى صلاة النوافل كيفما شاءوا ذلك.