بوابة الوفد:
2025-12-04@23:52:10 GMT

فوزي جورجي المطيعي باشا.. رجل مصر الذي لا ينسى

تاريخ النشر: 4th, December 2025 GMT

فوزي جورجي المطيعي باشا كان واحد من رجال مصر الذين تركوا بصمة لا تمحى في تاريخ وطنهم، رجل قضائي وسياسي جمع بين العلم والمعرفة والخدمة الوطنية، وحياته شاهدة على جدارة المصريين في إدارة شؤون بلدهم بكل كفاءة وشجاعة. 

ولد بالقاهرة عام 1869، في أسرة عريقة، حيث تربى في كنف والده جورجي المطيعي، وكان أخوه نخلة جورجي المطيعي باشا أحد أعلام السياسة المصرية أيضا، وهو ما يؤكد أن الاهتمام بخدمة الوطن كان جزءا من تربية هذه الأسرة.

 

منذ صغره، أظهر فوزي شغفا بالعلم، فالتزم بدراسة الحقوق في مدرسة الحقوق بالقاهرة، وتخرج منها مستعدا لحمل عبء المسؤولية القانونية والسياسية، مؤمنا بأن القانون هو أداة لتحقيق العدالة وحماية الوطن.

بدأ فوزي مسيرته العملية في نيابة مديرية جرجا، حيث اكتسب خبرة واسعة في العمل القضائي، وتدرج في المناصب حتى أصبح مستشارا بمحكمة الاستئناف الأهلية، مؤكدا بذلك كفاءته وقدرته على خدمة المجتمع من موقعه القانوني.

لم يكن حلمه حكرا على القضاء، بل امتد إلى خدمة الوطن في أرفع المناصب السياسية، فعندما عين وزيرا للزراعة في وزارة يحيى إبراهيم باشا في 15 مارس 1923، كان على قدر المسؤولية، يحمل هموم الفلاحين ويعمل على تطوير الزراعة المصرية، وهو القطاع الذي يمس قلب حياة المصريين اليومية ويعكس قوة الاقتصاد الوطني.

وفي أبريل من نفس العام، أنعم عليه جلالة الملك برتبة الباشوية، تقديرا لكفاءته وعمله الدؤوب، وهو تكريم لم يأتي إلا نتيجة جهود الرجل ووطنيته الصادقة. 

خلال فترة توليه وزارة الزراعة، لم تكن مهمته سهلة، فقد واجه تحديات كبيرة في إدارة شؤون الزراعة وتنظيم الموارد، لكنه استطاع أن يضع أساسا للتطوير، بما يعكس رؤية وطنية تهدف إلى تقدم مصر ورفعة أهلها.

لم يكن فوزي باشا مجرد مسؤول حكومي، بل كان ممثلا لمصر في المواقف الدولية، فقد شارك في استقبال وفود الزائرين من خارج البلاد، وأبرز مثالا على ذلك زيارته للأميرة الحبشية، حيث ألقى كلمة دافئة أكدت الاحترام المتبادل بين الشعوب، وعبرت عن تقديره للحضارة والحفاظ على الاستقلال الوطني، مؤكدا أن مصر تظل بلدا يسعى للسلام والتعاون مع جيرانها، دون التفريط في حقوقها التاريخية.

ومن أبرز المواقف الوطنية التي تميز بها فوزي المطيعي كان دوره في حل أزمة دير السلطان بالقدس، حيث واجه تحديات تاريخية ومعقدة، وأثبتت حكمته ودبلوماسيته في التعامل مع النزاعات الدولية. 

كان وفد الأقباط برئاسته يسعى لحماية حقوق مصر التاريخية في الدير، وتمكن من التفاوض بحنكة مع وفد الحبشة لتسوية النزاع بما يحقق العدالة ويحفظ الحقوق، مظهرا من جديد التزامه الوطني وحرصه على سمعة مصر وكرامتها.

وعلى الجانب العلمي، لم يقتصر فوزي المطيعي على العمل التنفيذي والسياسي فقط، بل أسهم أيضا في إثراء القانون المصري، فقد ألف كتابين مهمين هما "كنز الإصلاح في شرح قانون المتشردين وحمل السلاح" و"شرح قانون العقوبات الجديد"، مما يعكس فهمه العميق للقانون ورغبته في تطويره بما يخدم الوطن والمواطنين، ويترك إرثا قانونيا للأجيال القادمة.

توفي فوزي جورجي المطيعي باشا في عام 1929، بعد حياة مليئة بالعطاء والعمل الوطني، تاركا أثرا لا ينسى في تاريخ مصر السياسي والقضائي. 

حياته كانت نموذجا للمسؤول الوطني الذي يجمع بين العلم والخبرة والحكمة، ويضع خدمة الوطن فوق كل اعتبار، ويمثل مثالا حقيقيا للمصريين في الولاء والتفاني والإخلاص. 

كل من يدرس تاريخ مصر يجد في فوزي المطيعي باشا صورة مشرقة للإنسان الذي قدم كل ما لديه من طاقة وعلم وخبرة من أجل رفعة بلده، ورغم مرور السنين، تظل سيرته مصدر إلهام لكل من يريد أن يخدم وطنه بصدق وشجاعة.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: وزير الزراعة القانون المصري الخدمة الوطنية مصر التاريخية

إقرأ أيضاً:

أمين عثمان باشا .. شجاعة أزهرت في الظلام

أمين عثمان باشا، هذا الاسم الذي يظل محفورا في ذاكرة مصر، ليس مجرد وزير مالية أو موظف حكومي، بل رمزا لرجل عاش وعمل في خدمة وطنه، وواجه مصاعب سياسية واجتماعية جعلت منه شخصية مثيرة للجدل، لكنها في الوقت نفسه تستحق أن نتذكرها ونقرأ عنها بعين الفخر والتأمل. 

ولد أمين عثمان في حي محرم بك بالإسكندرية في 28 نوفمبر 1898، في أسرة عريقة عمل فيها والده سكرتيرا عاما لبلدية الإسكندرية، منذ صغره، كان واضحا أنه مختلف، متفوق في دراسته وملتزم بالعلم، فتعلم في كلية فيكتوريا بالإسكندرية وأبدع في تحصيله، حتى نال شهادة البكالوريا عام 1918، ومن ثم حصل على شهادة الآداب في التشريع مع درجة الشرف. 

ولإكمال مساره الأكاديمي المتميز، سافر إلى إنجلترا ليدرس القانون في جامعة أكسفورد، حيث تخرج عام 1923، ثم حصل على الدكتوراه في القانون بعد دراسة لاحقة في فرنسا.

كانت حياة أمين عثمان نموذجا للجد والاجتهاد، فقد بدأ حياته العملية في وزارة الأشغال العمومية عام 1924، وعمل في سكرتارية اللجنة المالية ثم قسم القضايا، ليثبت منذ البداية ذكاءه وكفاءته. 

لم يكن مساره المهني مجرد صعود وظيفي، بل كان رحلة متواصلة من التحدي والعمل الدؤوب، فقد شغل منصب مدير مكتب وزير المالية عام 1930، ثم سكرتيرا لمجلس الشيوخ، وسكرتيرا عاما لهيئة المفاوضات المصرية، حتى نال رتبة الباشوية في 1937 تقديرا لجهوده في الوساطة بين الحكومة المصرية والسلطات البريطانية. 

هذا الرجل، الذي عرف كيف يمزج بين مرونة الدبلوماسية وشجاعة الموقف، كان دائما في قلب الأحداث، سواء في المفاوضات السياسية أو إدارة شؤون المالية العامة، حتى أصبح أول رئيس لديوان المحاسبة من 15 فبراير 1942 وحتى 2 يونيو 1943، ثم وزيرا للمالية، حيث ترك بصمته في كل مكان عمل فيه.

لكن حياة أمين عثمان لم تكن خالية من التحديات والانتقادات، فارتباطه بالجانب البريطاني بسبب نشأته وتعلمه هناك جعله عرضة للنقد اللاذع من البعض، الذين رأوا فيه مصلحة بريطانيا في مصر، بينما الحقيقة كانت أكثر تعقيدا: رجل مصري يعرف كيف يستخدم مرونته ومهارته لخدمة وطنه. 

حياته الشخصية أيضا كانت جزءا من شخصيته العامة، فقد تزوج الليدي كاترين جريجوري، مما أضاف بعدا إنسانيا وإنجليزيا في مساره، لكنه لم يجعل منه شخصا أجنبيا عن مصر، بل بالعكس، كان قلبه نابضا بأحلام وطنه ومصلحة شعبه.

كان اغتياله في 5 يناير 1946 نتيجة لمؤامرات سياسية محكمة، وليست مجرد حادثة عابرة، فقد دبرت لها جهات سرية تعمل ضد استقرار الدولة، وكان لها أبعادها المعقدة، بما في ذلك تورط بعض الشخصيات التي ستعرف فيما بعد.

لحظة اغتياله كانت مأساوية، إذ استهدف في مكان عمله، وربما كان السبب في ذلك هو الجمع بين موقعه السياسي، ومهاراته الإدارية، وعلاقاته الدولية التي لم ترق للبعض. 

ومع كل الألم والظلم الذي حاق به، ظل اسمه رمزا للجد والاجتهاد، وللشجاعة في مواجهة الصعاب، وهو مثال حي على أن الوطنية ليست كلمات تقال، بل أفعال تثبت على الأرض.

أمين عثمان لم يكن مجرد موظف أو وزير، بل كان جسرا بين الماضي والمستقبل، بين الوطنية والتعامل الذكي مع القوى الأجنبية، وبين العقلانية والشجاعة. 

حياته تذكرنا أن القيادة ليست فقط في المناصب، بل في القدرة على العمل بتفان، وفي القدرة على تحمل الضغوط، وفي الحرص على مصالح الوطن مهما كانت الظروف. 

وفاته كانت مأساة ليس فقط لعائلته وأصدقائه، بل لكل مصر، لأنه كان شخصية وطنية رغم كل الانتقادات والاتهامات التي وجهت له، وشهدت الأيام بعده أن التاريخ وحده يحكم بالإنصاف على من يستحق أن يذكر بجدارة وفخر.

أمين عثمان باشا يظل عبرة لكل من يريد أن يخدم مصر بجد وإخلاص، ودليلا على أن الوطنية الحقيقية تحتاج إلى شجاعة وصبر وذكاء، وأن الأقدار قد تكون قاسية، لكنها لا تمحو أثر الإنسان الذي وضع مصلحة وطنه فوق كل اعتبار. 

اليوم، ونحن نتذكره، لا نستحضر فقط حياته ومسيرته، بل نستلهم منها روح التفاني، والقدرة على مواجهة الصعاب، والالتزام بالعمل من أجل مصر، روح تجعلنا نفخر بتاريخنا ونستمد منه قوة لمستقبل أفضل.

مقالات مشابهة

  • هيئة قصور الثقافة تنعى الشاعر الكبير فوزي خضر
  • هيئة قصور الثقافة تنعي الشاعر الكبير فوزي خضر
  • أحمد مظلوم باشا.. رجل صنع تاريخ مصر الحديث
  • حافظ حسن باشا.. رمز الكفاءة الوطنية والإصلاح الحقيقي
  • أحمد علي باشا.. الوزير الذي صنع بصمة مصرية خالدة
  • رئيس الدولة وحكام الإمارات والشيوخ يشهدون الاحتفال الرسمي بعيد الاتحاد الـ 54 الذي أقيم في متحف زايد الوطني
  • أحمد مدحت يكن.. باشا يعرف كيف تبنى الأوطان
  • أمين عثمان باشا .. شجاعة أزهرت في الظلام
  • حسين سري باشا .. رجل الدولة الذي صمت فأنقذ مصر من العواصف