بوابة الوفد:
2025-12-03@02:58:32 GMT

أحمد مدحت يكن.. باشا يعرف كيف تبنى الأوطان

تاريخ النشر: 2nd, December 2025 GMT

لا أستطيع أن أكتب عن أحمد مدحت يكن باشا دون أن أتوقف طويلا أمام هذا النموذج الفريد الذي تقدمه لنا صفحات التاريخ، فكلما عدت إلى سيرته، شعرت وكأنني أقرأ قصة رجل لم يكن مجرد موظف دولة أو وزير عابر في سجل الحكومات المتعاقبة، بل رجل حمل روح مصر بين ضلوعه، فوقف يخدمها بعقله وضميره وإيمانه بأن الوطن أكبر من أي منصب وأوسع من أي حدود شخصية.

 

هناك رجال يولدون ليكونوا علامات في طريق الشعوب، وأحمد مدحت يكن باشا واحد من هؤلاء الذين تركوا في مسار الدولة المصرية أثرا لا يمكن المرور عليه مرورا عابرا.

ولد الرجل عام 1878، منتميا لأسرة "يكن" ذات الجذور العريقة، ولم يكن ميلاده مجرد حدث أسري، بل كان بداية لمسيرة ستشهدها مصر في لحظات دقيقة من تاريخها. 

درس وتعلم واحتك بالثقافات الأخرى، لكن روحه بقت معلقة بهذه الأرض، يعرف قيمتها ويؤمن بقدرتها على النهوض مهما كانت الظروف. 

ورغم أن دراسته الأكاديمية كانت في الحقوق، إلا أن بصمته امتدت إلى مجالات أبعد كثيرا من مجرد تخصص جامعي، لأنه كان واحدا من أبناء هذا الوطن الذين يتعاملون مع مصر باعتبارها رسالة وليس وظيفة.

عندما تقلد مناصبه، لم يكن الرجل يسعى إلى وجاهة سياسية، بل إلى بناء دولة حديثة، تولى منصب محافظ الإسكندرية قبل أن يصبح وزيرا للزراعة، ثم وزيرا للأوقاف، ثم وزيرا للخارجية، بالإضافة إلى دوره العظيم في تأسيس بنك مصر مع طلعت حرب. 

لم يكن مجرد شريك عابر، بل كان جزءا أصيلا من ذلك المشروع الوطني الذي رفع شعار “نحن نملك اقتصادنا بأيدينا”، وهي الفكرة التي صارت حجر الأساس في مفهوم الاقتصاد الوطني المصري.

وما يلفت النظر حقا هو أن فترات وزارته، رغم قصرها في بعض الأحيان، كانت مليئة بعمل مؤسسي منضبط، رجل يرى أن بناء الدولة يبدأ من ضبط الإدارة واحترام المال العام، وأن خدمة الناس ليست شعارات ترفع، بل إجراءات تطبق وإصلاحات تنفذ. 

ويكفي أن ننظر إلى جهوده في وزارة الأوقاف لنفهم طبيعة عقليته: تنظيم، ضبط، تطوير، ورؤية تقوم على أن الوقف ليس مجرد مؤسسة بيروقراطية، بل ركيزة روحية واقتصادية يجب الحفاظ عليها وتنميتها. 

أنشأ لجانا جديدة، أعاد هيكلة قطاعات كاملة، وضع نظما واضحة للمدارس والمستشفيات والمصروفات، ونظم إجراءات التعيين والمحاسبة، وحافظ على أراضي الوقف واستعاد ما ضاع منها، وحرص على أن يكون المال العام مقدسا في يد كل موظف وكل إمام وكل عامل.

إن ما قام به في وزارة الأوقاف وحدها يكفي ليجعلنا نقف أمامه باحترام، رجل أدرك أن وزارة الأوقاف ليست مجرد جهة إدارية، بل هي قلب من قلوب مصر، تمتد جذورها في روح المجتمع وتؤثر في ثقافته وتربيته وإحساسه بالمسؤولية. 

ولذلك لم يكتف بالإصلاح الإداري فقط، بل مد جسورا بين الدعوة الدينية والاقتصاد الوطني، فحرص على أن يشارك الدعاة في نشر الوعي الزراعي، وأن يكون للمساجد دور في التوعية وفي رفع وعي الناس تجاه المخاطر التي تهدد محصولهم ورزقهم.

ومع كل ذلك، كان للرجل حضور سياسي وطني عميق، كان عضوا في مجلس الشيوخ، وقياديا في حزب الأحرار الدستوريين، ورئيسا لمجلس إدارة بنك مصر لفترة طويلة، ومساهما في تأسيس البنك العقاري المصري. 

لم يكن يعمل في الظل، لكنه أيضا لم يكن من أصحاب الظهور الزائف أو البحث عن الأضواء، كان يعمل في صمت، والناس تعرفه من أثره لا من صوته.

حين نقرأ سيرته اليوم، ندرك أننا أمام رمز لمرحلة كانت مصر فيها تبحث عن نفسها، وكان الرجال المخلصون يمدون أيديهم لإنقاذها، أحمد مدحت يكن باشا لم يكن بطلا أسطوريا، ولم يحمل سيفا ولم يقد ثورة، لكنه مارس نوعا من البطولة التي تحتاجها الدول، بطولة البناء، بطولة الإدارة، بطولة الانحياز للوطن على حساب الذات. 

رحل عام 1944، لكنه ترك خلفه إرثا من العمل الوطني الصادق، إرثا يقول لنا إن مصر لم تقم على المصادفة، بل قامت على أكتاف رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.

إن كتابة تاريخ أحمد مدحت يكن باشا ليست مجرد استعادة لسيرة رجل، بل تذكير بحقيقة راسخة: أن مصر دائما تنجب رجالا يرحلون بأجسادهم، لكن أعمالهم تبقى حية، تشهد على أن حب الوطن فعل وليس كلاما.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الوطن الإصلاح الدوله القيادة على أن لم یکن

إقرأ أيضاً:

أحمد فهمي يبريء هنا الزاهد من إتهامه بالبخل.. ويؤكد: تجربتي معها كانت صعبة

علق الفنان أحمد فهمي على تصريحات طليقته الفنانة هنا الزاهد التي أكدت خلالها أن ذكرياتها معه مُحيت تماماً من ذاكرتها بعد انفصالهما قبل عامين.

فضيحة جديدة في مدرسة دولية شهيرة.. عبير الشرقاوي تكشف تفاصيل صادمة تركي آل الشيخ يتفقد تحضيرات الفيلم التاريخي “خالد بن الوليد” باستديوهات الحصن والقدية متحف نجيب محفوظ يحتفي بذكرى ميلاده الـ114 بإطلاق سلسلة ورش متخصصة بإبداعات المثقفين والفنانين السينما العمانية تتألق في مهرجان فجر الدولي بشيراز وتعزز حضورها العالمي بمشاركة 17 جامعة و140 فيلماً.. انطلاق النسخة الثالثة لمهرجان الأفلام السينمائية الطلابية حرام تتحط على الرف.. مناشدة مفاجئة من محمد التاجي لدعم دنيا سمير غانم (ما القصة؟) بحضور نيفين الكيلاني.. تفاصيل حفل انطلاق النسخة الرابعة من ملتقى التميز والإبداع العربي (صور) وزارة الصحة تعلن عن موعد قرعة بعثة الحج الطبية.. تفاصيل مسلسل قبل وبعد يجمع ريم البارودي ومي عز الدين في رمضان 2026.. للمرة الثالثة هل سامح حسين السبب؟.. مستند رسمي يفجر حقائق صادمة عن الدكتور المفصول من جامعة حلوان

وقال فهمي، خلال إستضافته في برنامج Mirror الذي يقدمه الإعلامي خالد فرج: “لن أنسى ذكرياتي مع هنا، لأن أي تجربة صعبة مررت بها لا تُنسى، ذلك يعني أنني لم أكن أمتلك الخبرة الكافية للتعامل مع التجربة وصاحبها، لكنني استفدت منها بكل تأكيد، وتعلمت ما لم أتعلمه من تجارب أخرى كثيرة”.

وأضاف: “أتمنى أن تكون هنا قد تجاوزت تجربتها معي، فهذا أمر سيسعدني بكل تأكيد، وإن كانت مقابلاتها التليفزيونية الأخيرة لا توحي بأنها تجاوزت الأمر، لأن سيرتي تكون حاضرة في هذه اللقاءات”.

وفي السياق ذاته، استبعد فهمي أن يكون هو المقصود بتصريحات هنا الزاهد، حين أكدت أنها لا تتمنى الإرتباط بشخص بخيل مستقبلاً، موضحًا: صفة البخل بعيدة تمامًا عن شخصيتي، قد يُقال أنني عصبي، لكنني لست بخيلًا، وهي تعلم ذلك جيدًا، هناك أمور لا يمكن أن أبوح بتفاصيلها، انطلاقًا من قناعتي بأن من واجبات أي زوج أن يشتري لزوجته ما تشاء طالما أنه مقتدر ماديًا، وهذا ليس معناه أنني شخص كريم بالضرورة، لكنه في الوقت نفسه لا يعني أنني بخيل.

مقالات مشابهة

  • تجربتي معها كانت صعبة.. أحمد فهمي: لم أكن بخيلا مع هنا الزاهد
  • أحمد فهمي يبريء هنا الزاهد من إتهامه بالبخل.. ويؤكد: تجربتي معها كانت صعبة
  • أحمد مظلوم باشا.. رجل صنع تاريخ مصر الحديث
  • حافظ حسن باشا.. رمز الكفاءة الوطنية والإصلاح الحقيقي
  • يس أحمد باشا.. بين الحزم والإصلاح والدعوة الحقيقية
  • أحمد علي باشا.. الوزير الذي صنع بصمة مصرية خالدة
  • أحمد باشا حلمي .. صانع النهضة الذى لم ننصفه
  • أحمد غادر ولم يعُد..هل من يعرف عنه شيئًا؟
  • مدحت العدل :لم أخش من خوض تجربة مسرحية أم كلثوم و"اللي يخاف مايشتغلش"