مؤتمر عُمان الوقفي يوصي بمشاريع وقفية استثمارية مشتركة لتعزيز التكامل الاقتصادي الخليجي
تاريخ النشر: 10th, December 2025 GMT
دعا لتأسيس مركز إقليمي للوقف مقره مسقط -
تطلُّع لإنشــــاء بنك وقف إقليمي يدعـــم المؤسســــــات الصــغيـرة والمتوســـــطة -
اختتم مؤتمر عُمان الوقفي في نسخته الثانية أعماله، والذي جاء تحت عنوان «الوقف وتعزيز التنويع الاقتصادي»، ونظمته مؤسسة بوشر الوقفية بالتعاون مع وزارة الأوقاف والشؤون الدينية خلال الفترة من 9 إلى 10 ديسمبر 2025، وقد أصدر حزمة من التوصيات التفصيلية التي تهدف إلى إحداث نقلة نوعية في القطاع الوقفي، وتعزيز دوره في التنويع الاقتصادي ودعم مسار التنمية الوطنية، وجاءت هذه التوصيات ثمرة لنقاشات معمّقة شارك فيها مختصون وخبراء من داخل سلطنة عمان وخارجها، واستعرضت مستقبل الوقف باعتباره قطاعا اقتصاديا حيويا قادرا على الإسهام الفاعل في الناتج المحلي وتوفير فرص العمل وتعزيز الأمان الاجتماعي، وركزت التوصيات على أربع مسارات رئيسية شملت الشراكات والتكامل، والتشريعات والسياسات، والابتكار المالي، والحوكمة والتحول الرقمي.
ففي محور الشراكات والتكامل، أوصى المؤتمر بتأسيس مركز إقليمي للوقف يتخذ من سلطنة عُمان مقرا له، ليكون جهة مرجعية تُعنى بالدراسات التشريعية والبحثية والاستشارية في القطاع الوقفي، بما يعزز التكامل بين الجهات ويُسهم في بناء العلاقات الإقليمية وتطوير الكفاءات المتخصصة، وقد أعلنت مؤسسة بوشر الوقفية استعدادها لتبني هذه المبادرة والسعي إلى تأسيس هذا المركز بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، كما أكدت التوصيات على أهمية إطلاق مشاريع وقفية استثمارية مشتركة على المستوى الإقليمي لدعم التكامل الاقتصادي بين الدول، إضافة إلى تخصيص أصول عقارية وقفية وتحويلها إلى أحياء ابتكار ومراكز أعمال بالشراكة مع القطاع الخاص، سعيا إلى تعزيز بيئة ريادة الأعمال وإيجاد فرص للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
أما في محور التشريعات والسياسات المحفزة، فقد أكد المؤتمر ضرورة تطوير المنظومة التشريعية المنظمة للقطاع الوقفي بما يتناسب مع متطلبات المرحلة الحالية، وبما يسمح بإنشاء كيانات استثمارية حديثة تشمل الشركات الوقفية والصناديق الوقفية الاستثمارية، إلى جانب تحديث القوانين المتعلقة بإصدار الصكوك الوقفية، كما دعت التوصيات إلى توجيه البوصلة الاستثمارية للقطاع الوقفي نحو القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية في رؤية عُمان 2040، ووضع أهداف واضحة لقياس إسهام الوقف في نمو الاقتصاد الوطني من خلال مؤشرات دقيقة تقيس مساهمته في الناتج المحلي. كما شددت التوصيات على أهمية توسيع الحوافز الضريبية والتنظيمية بما يشجع القطاع الخاص والأفراد على تأسيس الأوقاف التنموية، وتسهيل إجراءات تسجيل الأوقاف النقدية وأوقاف الأصول المنقولة.
وفيما يتعلق بمحور الاستثمار والابتكار المالي، أوصى المؤتمر بتأسيس بنك وقف إقليمي مقره سلطنة عُمان، يعمل وفق أسس تجارية لتوفير حلول تمويلية للقطاعات الاقتصادية المختلفة، ويسهم في سد الفجوة التمويلية التي تواجهها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ليكون رافدا مهما في دعم التنمية الاقتصادية، كما تضمنت التوصيات ضرورة إنشاء صناديق استثمارية وقفية تستثمر في الابتكار والتقنيات الحديثة، وفق نماذج رأس المال الجريء، بما يمكّن الوقف من الدخول في مجالات اقتصادية مستقبلية أكثر فاعلية.
وفي المحور الرابع وهو الحوكمة والتحول الرقمي، دعا المؤتمر إلى الإسراع في تنفيذ منظومة شاملة للتحول الرقمي في إدارة واستثمار الأصول الوقفية، لتطوير الأداء وتحقيق أعلى درجات الكفاءة، كما أوصى بإطلاق منصة وطنية رقمية للاستثمار الوقفي تتضمن خطة للفرص الاستثمارية المتاحة، بما يعزز الشفافية ويجذب المزيد من الأموال الوقفية، وشددت التوصيات كذلك على ضرورة تطبيق أنظمة حديثة لقياس الأداء تستخدم المؤشرات الرقمية وتعمل على بناء الثقة مع المستثمرين والواقفين، بما يضمن الرقابة الفعّالة والحوكمة المتقدمة.
إدارة للتنمية ومعالجة التحديات المالية
وكان المؤتمر قد أكمل أوراق عمله وجلساته الحوارية، فقد شارك معالي الدكتور محمد ناصر أبو حمور، رئيس مجلس إدارة بنك صفوة الإسلامي، بكلمة رئيسية في المؤتمر، مشيرا إلى أن التكامل بين السياسات المالية والوقفية بات ضرورة لتحقيق التنمية المستدامة، مشيرا إلى أن العجز المالي وارتفاع المديونية في عدد من الدول يفرضان البحث عن أدوات جديدة تساند الجهود الحكومية، وفي مقدمتها تفعيل دور الوقف الإسلامي. وأوضح معاليه أن جزءا كبيرا من الأوقاف في العالم الإسلامي ما يزال معطّلا وغير مستغل بالشكل الأمثل، رغم أنه يمثل موردا اقتصاديا كبيرا قادرا على دعم مشاريع الصحة والتعليم وريادة الأعمال والطاقة المتجددة. وأشار معاليه إلى أن المرحلة الحالية تتطلب تطوير الأطر التشريعية والحوكمة وتعزيز الشفافية في إدارة الأوقاف، إضافة إلى اعتماد أدوات مالية مبتكرة تدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتسهم في توفير فرص عمل، وأشار إلى أن مفهوم الوقف النقدي يشكل خطوة مهمة لتوسيع المشاركة المجتمعية، لأنه يسمح للجميع بالمساهمة مهما كانت إمكاناتهم، ويتيح توفير تمويل قابل للاستثمار في مشاريع وطنية وفق صيغ إسلامية كالمشاركة والمضاربة.
تجربة أستراليا
كما شارك البروفيسور طلال ياسين، المؤسس والمدير التنفيذي لشركة Salaam Wealth، في الجلسة الرئيسة مبينا أن التجربة الأسترالية في تمكين وخدمة الجالية المسلمة تمثل نموذجا ناجحا يمكن للدول الاستفادة منه في تطوير العمل الوقفي والمالي الإسلامي. وأوضح أن مؤسسة «سلام» بدأت قبل 25 عاما كمبادرة خيرية لدعم اللاجئين والأسر المحتاجة، قبل أن تتوسع لتصبح منصة متكاملة للتمكين المجتمعي والسياسي والخيري، ولتنشئ لاحقا Salaam Wealth كأول مؤسسة مالية كبرى في أستراليا قائمة على الامتثال الكامل لأحكام الشريعة.
وأشار ياسين إلى أن المؤسسة التي أسسها بعد رحلة حج غيّرت نظرته لدوره تجاه الأمة، أصبحت اليوم كيانا ماليا يفوق رأس ماله 500 مليون دولار، وتقدم منتجات استثمارية شرعية حققت عوائد وصلت إلى 11% في عام واحد، مع التزام صارم بالشفافية والحوكمة والتدقيق الشرعي، وأضاف أنه رغم التحديات المرتبطة بتأسيس مؤسسة مالية إسلامية في دولة غير مسلمة، إلا أن «سلام ويلث» نجحت في بناء ثقة المجتمع وتحويل رؤيتها إلى واقع.
السمعة الرقمية أصبحت أصلا وقفيا
وفي كلمة رئيسة أخرى ألقت المهندسة مريم بنت سعيد العامرية، رئيسة قسم التواصل الرقمي بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية،
ورقة أشارت فيها إلى أن السمعة الرقمية أصبحت اليوم أحد أهم الأصول غير الملموسة للمؤسسات، ويمكن تحويلها إلى قيمة اقتصادية واستثمارية فعلية. وأوضحت خلال ورقتها أن التحول الرقمي المتسارع أوجد بيئة جديدة جعلت حضور المؤسسات في المنصات الرقمية مؤثرا بشكل مباشر في الثقة وجذب الاستثمارات، مشيرة إلى أن العديد من الدول والكيانات انهارت أو ظهرت بسبب قدرتها أو عجزها عن مواكبة هذا التحول.
وأضافت العامرية أن رؤية عُمان 2040 جاءت لتؤكد على أهمية تنويع الاقتصاد، وهو ما يستدعي من المؤسسات الوقفية تبني مفهوم الابتكار في إدارة أصولها، إذ لم تعد الأصول الوقفية مقتصرة على العقارات والصناديق التقليدية، بل تشمل اليوم السمعة الرقمية باعتبارها رأس مال قادرا على توفير فرص جديدة. وأوضحت أن المستثمر يتجه غالبا إلى المؤسسات التي تتمتع بحضور رقمي واضح وشفافية في نشر بياناتها وتقاريرها، وهو ما يجعلها أكثر جاذبية من غيرها.
وبيّنت أن السمعة الرقمية تُعد مؤشرا مهما للثقة والمصداقية، وأن العناية بالمحتوى الرقمي، ونشر البيانات المفتوحة، وإظهار أثر المشاريع، جميعها عناصر تسهم في رفع القدرة التنافسية للمؤسسات الوقفية. كما أشارت إلى أن القرارات الاستثمارية تعتمد بدرجة كبيرة على الانطباع الأول المأخوذ من الحضور الرقمي، وأن المؤسسات التي تلتزم بالشفافية وسرعة التفاعل وتوثيق أعمالها تكون أكثر قدرة على استقطاب الشراكات والاستثمارات.
رخصة «وكلناك»
وفي جلسة رئيسة أخرى بيَّن الدكتور أحمد بن علي الكعبي من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بأن الوزارة تستعد لإطلاق برنامج «وكّلناك» كأول رخصة رسمية تُمنح لوكلاء الأوقاف في سلطنة عُمان ابتداء من عام 2026، بهدف تمكين الأفراد القائمين على الأوقاف وتعزيز كفاءتهم في الإدارة والاستثمار وفق الأطر الشرعية والقانونية. وأوضح أن البرنامج جاء ثمرة عمل استمر عاما كاملا، بعد تنفيذ مشروع وطني لرفع وعي وكلاء الأوقاف شمل جميع محافظات سلطنة عمان واستهدف ما بين 100 إلى 200 وكيل وقف في كل محافظة.
وأوضح الدكتور الكعبي أن الرخصة الجديدة ستصبح شرطا للحصول على الوكالة أو تجديدها، حيث يخضع المتقدّم لدورة تدريبية متاحة عبر منصة «مساري» تشمل ثلاثة محاور أساسية: الجوانب الشرعية، والجوانب القانونية، والمهارات المالية والإدارية، وذلك عبر محتوى معتمد أعدّته الجهات المختصة في الوزارة. وتستغرق الدورة 15 دقيقة فقط، يعقبها اختبار إلكتروني مبني على بنك يتضمن أكثر من 500 سؤال، يحصل المتدرب بعد اجتيازه على «رخصة وكلناك» بشكل مباشر.
وأشار إلى أن البرنامج يمكّن وكلاء الأوقاف من أداء مهامهم بفاعلية، سواء في المتابعة أو إدارة العوائد أو إعداد التقارير المالية، مع تحديد الالتزامات القانونية، مثل تقديم سجل محاسبي أو تقرير مالي سنوي حسب حجم إيرادات الوقف. وأضاف أن المشروع يمثل نقلة نوعية في حوكمة العمل الوقفي، ويستهدف تعزيز الثقة ورفع مستوى الشفافية، مؤكدا أن الوزارة انتهت من إعداد المحتوى الشرعي والقانوني والمالي وبرمجته خلال الأشهر الماضية، ليتم إطلاق البرنامج رسميا في 2026.
نموذج حديث للصيرفة الإسلامية
وفي الجلسة الحوارية الأولى التي حملت عنوان «النماذج المالية الوقفية المبتكرة في الاقتصاد الإسلامي» والتي أدارها عبدالله بن محمد العبري شارك فيها طارق بُوركجي، نائب الرئيس التنفيذي لمجموعة الخزينة والاستراتيجية في بنك وقف كاتيليم، مشيرا إلى أن البنك يمثل نموذجا متقدما للصيرفة الإسلامية الحديثة المبنية على إرث الوقف العثماني، مؤكدا أن المؤسسة التي أُسست عام 2016 تمكنت خلال سنوات قليلة من تحقيق نمو كبير جعلها من بين أكبر 13 مؤسسة مصرفية في تركيا. وأوضح أن البنك انطلق برأس مال يقارب 300 مليون دولار، قبل أن تتوسع أصوله لتبلغ نحو 60 مليار دولار، فيما وصل حجم أصوله المصرفية المباشرة إلى 16 مليار دولار، وصافي أرباحه إلى 115 مليون دولار.
وأضاف بُوركجي أن البنك يعد الذراع المصرفية لمؤسسة الأوقاف التركية الحكومية، التي تعد أكبر مؤسسة خيرية في البلاد وتشرف على أكثر من 62 ألف عقار وقفي و262 ألف وقف غير قائم، مشيرا إلى أن التكامل بين المؤسسة الأم والبنك مكّن من بناء نموذج مالي واجتماعي قائم على مبادئ الشريعة الإسلامية ويجمع بين الاستثمار المسؤول وخدمة المجتمع. كما أوضح أن البنك يقدم منتجات مالية وتمويلية متوافقة مع الشريعة تشمل التمويل والاستثمار والأوراق المالية وخدمات الدفع، ويغطي شبكة واسعة تضم نحو 200 فرع وأكثر من 3 آلاف موظف.
«بنك وقف»
وشارك خالد جمال الكايد، الرئيس التنفيذي لبنك نزوى، في هذه الجلسة لافتا إلى أن التجربة العُمانية في المالية الإسلامية حققت نقلة نوعية منذ انطلاقها عام 2013، وأصبحت اليوم قطاعا قويا وفاعلا في المنظومة الاقتصادية الوطنية. وأوضح أن البنوك الإسلامية ونوافذها تمكنت خلال 12 عاما من الاستحواذ على أكثر من 20% من الحصة السوقية، مع توقعات بوصولها إلى 25% قبل عام 2030، وهو ما يعكس بحسب قوله نجاح السياسات التنظيمية ودعم الجهات الحكومية والرؤية الاقتصادية للبلاد.
وأكد الكايد أن المرحلة المقبلة تتطلب دمج الوقف في المنظومة المالية الإسلامية، بوصفه رافدا اقتصاديا واجتماعيا قادرا على تحقيق أثر تنموي واسع، مشيرا إلى أن سلطنة عمان تمتلك بالفعل أدوات واعدة مثل الصناديق الوقفية والصكوك الوقفية والأصول الموقوفة القابلة للتطوير. وأضاف أن التعاون القائم بين البنوك الإسلامية ووزارة الأوقاف والشؤون الدينية يشكل قاعدة قوية للانتقال بالعمل الوقفي من نطاقه التقليدي إلى عمل مؤسسي واستراتيجي.
وكشف الرئيس التنفيذي لبنك نزوى عن تطلعهم لإطلاق «بنك وقف» يحاكي التجربة التركية الناجحة، ويعمل كبنك متخصص متوافق مع الشريعة، يدمج الأصول الوقفية في القطاع المالي، ويقدم منتجات مالية مبتكرة ذات عوائد اقتصادية وأثر اجتماعي.
التكافل بين الأجيال
وشارك البروفيسور أشرف محمد محمد دوابة رئيس الأكاديمية الأوروبية للتمويل والاقتصاد الإسلامي، موضحا أن الوقف كان على الدوام مؤشر قوة في الحضارة الإسلامية، وكلما ازدهر الوقف ازدادت الدولة قوة واستقرارا. وأوضح أن التجارب الحديثة، ومنها تجربة بنك الوقف في تركيا، تؤكد إمكانية دمج الوقف في منظومة التمويل المعاصر بصورة فعّالة، مشيرا إلى أن التجربة التركية بدأت بصيغة تقليدية ثم تحولت إلى معاملات إسلامية أكثر تطورا.
وأكد دوابة أن فكرة «التمويل بالوقف» التي أسس لها منذ عام 2005 تمثل نموذجا واعدا لتمكين الأوقاف من أداء دورها التنموي، موضحا أن مفهوم الوقف في جوهره يجمع بين الاستثمار والتمويل؛ فـ«تحبيس الأصل» يعني الاستثمار، و«تسبيل الثمرة» يعني التمويل. كما شدّد على أن التنمية المستدامة ليست فكرة دخيلة، بل أصل راسخ في الثقافة الإسلامية، مستشهدا بقول الله تعالى: «وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِم...» وما تحمله من معانٍ واضحة للتكافل بين الأجيال.
وأشار إلى أن تطوير العمل الوقفي يتطلب هيئة مستقلة تعتمد على كفاءات فنية وإدارية عالية، مع تبني أدوات مالية حديثة مثل الصكوك الوقفية بأنواعها: الأهلية، والخيرية، والاستثمارية، مؤكدا أنها أدوات غير قابلة للتداول وتهدف لتحقيق المقاصد الوقفية، وليس الربح لحامل الصك. كما استعرض عدة نماذج للصكوك المقترحة، مثل الصكوك الوقفية المؤقتة التي تُخصص لأغراض خيرية محددة لمدة معينة ثم تردّ أموالها لأصحابها.
دعم ريادة الأعمال
وفي الجلسة الحوارية الثانية التي حملت عنوان «دور الأوقاف في تمكين ريادة الأعمال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة» وأدارها الدكتور أحمد بن محمد العبدلي وشارك فيها المهندس أنس أحمد الحسناوي الخبير في التمكين الاقتصادي والتنمية المستدامة، مبينا أن الوقف الإسلامي يمتلك إمكانيات هائلة لإعادة دوره التاريخي في دعم التنمية وريادة الأعمال، مشيرا إلى أن الوقف عبر التاريخ كان عنصر التمويل الرئيس للجامعات والمستشفيات والمشاريع الاقتصادية والاجتماعية، قبل أن ينحصر دوره المعاصر في العمل الخيري. وأكد أن المرحلة الحالية تتطلب تفكيرا جديدا خارج الأطر التقليدية، لإعادة توظيف رأس المال الوقفي في مشاريع منتجة تُسهم في حل الإشكالات الاقتصادية للمجتمعات.
وأوضح الحسناوي، وهو خبير دولي في الوقف الإنمائي ووقف التمكين، أن تطوير فهم تعريف الوقف هو الخطوة الأولى للنهوض به، حيث اعتاد كثير من الواقفين التركيز على «تسبيل الريع» دون الالتفات إلى الأجر المتحقق من استثمار رأس المال نفسه في مشاريع نافعة اقتصاديا واجتماعيا. وأشار إلى وجود فجوة واسعة بين احتياجات المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي يفتقر 80% منها للتمويل، وبين الأصول الوقفية العالمية التي تتجاوز 1.3 تريليون دولار، مما يفتح بابا واسعا لابتكار أدوات وقفية حديثة تردم هذه الفجوة.
وبيّن الحسناوي أن نماذج الوقف الإنمائي ووقف التمكين، التي طوّرها البنك الإسلامي للتنمية، تمثل تحولا نوعيا في العمل الوقفي؛ إذ يعتمد الوقف الإنمائي على صندوق نقدي يستثمر مباشرة في مشاريع ذات أثر اقتصادي واجتماعي، فيما يوجّه وقف التمكين استثماراته للفئات الموجودة في قاعدة الهرم الاقتصادي. وكشف عن مقارنة عملية بين وقف عقاري بقيمة 10 ملايين ريال وآخر تمكيني بالقيمة نفسها، حيث حقق الوقف التمكيني خلال عامين أثرا اقتصاديا واجتماعيا بقيمة 17 مليون ريال، وأدار خلال عشر سنوات تمويلات بلغت 68 مليون ريال، وهي نتائج يحتاج الوقف العقاري إلى 140 سنة لمعادلتها.
إحياء الحارات التاريخية
وقال الدكتور إسحاق بن هلال الشرياني الرئيس التنفيذي لأكاديمية إغناء والمستشار الوقفي لأوقاف عقر نزوى، أثناء مشاركته في الجلسة الحوارية، بأن الأوقاف باتت اليوم رافدا اقتصاديا قادرا على تمكين ريادة الأعمال ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، مشيرا إلى أن التجارب الحديثة في الإدارة الوقفية أثبتت أن الابتكار والاستثمار المدروس يمكن أن يحوِّل المواقع المهملة إلى مشاريع اقتصادية نابضة بالحياة. وأوضح أن التجربة النموذجية لأوقاف عقر نزوى تشكل مثالا حيا على هذا التحول، إذ انطلقت من مبادرات اعتبرها البعض مغامرة غير محسوبة، قبل أن تتحول إلى نموذج وطني تُستضاف لعرضه في محافل إقليمية ودولية.
وبيَّن الشرياني أن إعادة تأهيل «سور عقر نزوى» كانت إحدى أبرز المحطات في هذه التجربة، حيث بدأ المشروع برصيد لا يتجاوز سبعة آلاف ريال، بينما تجاوز حجم الإنفاق على ترميمه مليونا وسبعمائة ألف ريال، وحقق عائدا اقتصاديا وصل إلى 14%. وأكد أن القيمة الحقيقية لا تكمن في العائد المالي فحسب، بل في توفير فرص العمل، وإحياء الحارات التاريخية، وإعادة السكان الأصليين إلى مناطقهم، وتعزيز الهوية الثقافية، وفتح أبواب جديدة للمشاريع السياحية والاقتصادية.
مؤسسة بوشر الوقفية تنتقل إلى مرحلة النمو
وبين المهندس محمد بن سالم البوسعيدي، عضو مجلس إدارة مؤسسة بوشر الوقفية، بأن المؤسسة أنهت المرحلة التأسيسية وخطت خطوات ثابتة في مرحلة الانطلاق، وتستعد ابتداء من العام القادم للدخول في مرحلة النمو والاستقلال ضمن خطتها الخمسية. وأوضح أن بناء الثقة المجتمعية كان من أهم أهداف المؤسسة خلال السنوات الماضية، حيث عملت على تعزيز السمعة والهوية الرقمية، وإطلاق مبادرات تستهدف المدارس والكليات، إلى جانب تنظيم معارض متنقلة وبرنامج «فرع الوقف»، فضلا عن إنتاج برامج إعلامية ومؤتمرات تخصصية تُسهم في نشر الوعي الوقفي. وأشار البوسعيدي إلى أن المؤسسة تسلّمت عند تأسيسها أصولا وقفية بقيمة مليون ونصف ريال، معظمها مزارع، واستطاعت خلال عام واحد رفع قيمة تلك الأصول إلى نحو مليونين وإضافة أصول جديدة ضمن رؤية تطويرية مدروسة. وبيّن أن الهدف الذي تعمل عليه المؤسسة هو رفع حجم الأصول إلى تسعة ملايين ريال خلال سنوات الخطة الخمسية، اعتمادا على إرادة فريق العمل وشغفه وإيمانه بأهمية القطاع الوقفي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الأوقاف والشؤون الدینیة مؤسسة بوشر الوقفیة الصغیرة والمتوسطة الرئیس التنفیذی الأصول الوقفیة ریادة الأعمال العمل الوقفی مشیرا إلى أن أن المؤسسة أن التجربة فی مشاریع قادرا على توفیر فرص وأشار إلى فی الجلسة أن البنک وأوضح أن الوقف فی أکثر من سلطنة ع ن الوقف بنک وقف قبل أن التی ت وقف فی
إقرأ أيضاً:
كمال مولى: نوفير مناصي الشغل مسؤولية مشتركة بين الدولة والقطاع الاقتصادي والمواطن
شارك رئيس مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري، كمال مولى، اليوم، في أشغال الندوة الوطنية حول التشغيل وتقييم تسيير منحة البطالة والوساطة من أجل فرص عمل، بحضور عدد من الوزراء، الإطارات السامية، وممثلي الهيئات الوطنية والشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين.
وفي كلمته خلال هذا اللقاء الوطني الهام، شدّد مولى على أن ملف التشغيل يُعدّ من أهم القضايا الوطنية، مؤكداً أنّه ليس مجرد راتب يُمنح، بل كرامة ومساحة للمساهمة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
وأوضح رئيس مجلس التجديد الاقتصادي أن توفير مناصب الشغل مسؤولية مشتركة تجمع الدولة، القطاع الاقتصادي، والمواطن، لافتًا إلى أنّ سوق العمل في الجزائر يواجه عدة تحديات، أبرزها البطالة، العمل غير المهيكل، فجوة المهارات بين منظومة التكوين واحتياجات الاقتصاد، وصعوبات التوظيف في بعض القطاعات، على غرار الزراعة والصناعة والخدمات. كما أشار إلى نقص اليد العاملة المؤهلة رغم وفرة آلاف المشاريع الاستثمارية عبر الولايات.
وفي هذا السياق، كشف السيد مولى أن أكثر من 18 ألف مشروع استثماري مودع لدى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، وهي مشاريع من شأنها توفير آلاف مناص