عكست شهادات عدد من الذين خرجوا من معتقلات طرفي النزاع في السودان “الجيش والدعم السريع” وشهود العيان والناشطين، عن واقع مأساوي يقاسيه المعتقلون الذين يتعرضون لأسوأ معاملة، فضلاً عن التعذيب المفضي للوفاة.

التغيير- الخرطوم: سارة تاج السر

تقول (ن. ك): بمجرد وصولي إلى المعتقل التابع لقوات الدعم السريع بإحدى مزارع المرسى في شمبات شمالي العاصمة الخرطوم، تم خلع جميع ملابسي وظللت اتعرض للتهديد بالاغتصاب طوال فترة اعتقالي، بينما كان التاجر (س.

ب) الذي قضي 28 يوماً محتجزاً في مركز يتبع للجيش السوداني بالثورة الحارة العاشرة، شاهداً على تصفية معتقل نتيجة مقاومته.

سجن كبير

شهادات (ن. ك) و(س. ب) وغيرها من تفاصيل انتهاكات وجرائم جسيمة جرت بعد حرب 15 ابريل بمعتقلات الجيش والدعم السريع ضد مدنيين وأسرى عسكريين وثقتها مجموعة “محامو الطوارئ” الحقوقية المستقلة، في تقرير صدر الأحد بعنوان “معتقلات الموت بالخرطوم”- وفقا لشهادة 22 مصدراً و42 معتقلاً وشهود عيان.

وأعد التقرير بناءً على العمل الميداني على الأرض بواسطة الهيئة الحقوقية ومتطوعين متعاونين خلال شهرين ليشمل ولاية الخرطوم بمحلياتها السبع ومدنها الثلاث.

وأكد محامو الطوارئ أن العاصمة، بمدنها الثلاث الخرطوم، الخرطوم بحري وأم درمان تحولت إلى سجن كبير لمن تبقى فيها من المدنيين، وأن عمليات الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والاحتجاز غير المشروع في سجون الدعم السريع والقوات المسلحة، تصاعدت على نحو مروع، حيث يتعرض المحتجزون لأصناف واسعة من التعذيب والمعاملة القاسية، تشمل التجويع الاعتداء الجنسي وتصل إلى حد الموت داخل تلك المعتقلات.

52 معتقلاَ للطرفين

وبلغ عدد دور الاحتجاز الدائمة الموثقة لدى “محامو الطوارئ”، 44 مركز اعتقال يتبع لقوات الدعم السريع و8 مراكز اعتقال تابعة للجيش، كما توجد مراكز اعتقال مؤقتة ويمكن تعريفها بأنها مواقع صغيرة لتجميع المعتقلين يتم فيها الاستجواب الأولي ومن ثم فرز المعتقلين ونقلهم إلى المراكز الدائمة.

والمراكز المؤقتة تكون دائماً في الأحياء والمباني السكنية أو المدارس أو أقسام شرطة، أما مراكز الاعتقال الدائمة فهي مواقع ومقار كبيرة ينقل إليها المعتقلون وتكون دائماً في المقار العسكرية ومباني المؤسسات الحكومية البعيدة نسبياً عن الأحياء السكنية، وتقام هذه المراكز داخل أعيان مدنية ومناطق عسكرية.

وحدد التقرير معتقلات الدعم السريع داخل مدينة الخرطوم في مناطق: “المدينة الرياضية، مقر هيئة العمليات ومعهد الاستخبارات العسكرية، سجن سوبا، ارض المعسكرات سوبا، جامعة السودان المفتوحة، الأدلة الجنائية بري، مباني غرب مول عفراء، مقر هيئة العمليات- السوق العربي، معسكر طيبة تابع للدعم السريع، مقر الحرس الجمهوري، قسم شرطة ابو ادم مربع 4 “النظام العام”، بدروم مبنى سكني مقابل المستودعات، مبنى رئاسة محلية جبل اولياء”.

وتركزت دور الاحتجاز في مدينة بحري بمناطق: “شمبات معسكر المظلات، شمبات الأراضي وراء مستشفى البراحة “حوش كبير”، شمبات الاراضي ميدان السالم مربع 4، معسكر كافوري “الرئيسي” جوار محطة كهرباء مربع 3، مدرسة الدروشاب جنوب الثانوية بنين، كبري الحلفايا مطعم سيزر، الاملاك بالقرب من المحكمة وكبري المك نمر، مبانٍ سكنية “عمارات، محطة الكيلو مبنى سكني “عمارة” جوار “البنشر”، مبانٍ سكنية بالقرب من مصنع ويتا كافوري مربع واحد، المزاد جنوب في منزل بالقرب من الدفاع المدني يوجد به “مدنيون وأسرى قوات نظامية”، شمبات الاراضي جوار مسجد الرفاعي مربع 3 منزل عقيد في الدعم السريع”.

وشملت معتقلات قوات الدعم في  شرق النيل مناطق: “مكتب صينية (13) الذي يقع بمقربة من مستشفى شرق النيل، مكتب الوحدة الادارية بالحاج يوسف شارع واحد بالقرب من المدارس، عدد غير محدد من المعتقلات باحياء الجامعة/  النصر/ الفيحاء، مزرعة بالسليت، معتقل في الطريق الشرقي مرابيع الشريف”.

كما يتم استخدام نقاط استجواب مؤقتة في أقسام الشرطة أو أي مؤسسة خدمية تحت سيطرتهم، وتستخدم مباني المؤسسات العامة والخاصة المتاخمة لارتكازاتهم المنتشرة على امتداد شوارع المحلية كنقاط استجواب وتحرٍّ وكمعتقلات مؤقتة.

فيما تمركزت معتقلات القوات المسلحة في الخرطوم بمناطق: “الشجرة العسكرية “سلاح المدرعات”، سلاح الذخيرة، الدفاع الجوي بجبل اولياء”.

وفي أم درمان تمثلت دور الاحتجاز التابعة للجيش في مناطق: “مكتب استخبارات وجهاز الأمن- الثورة الحارة التالثة، مكتب استخبارات وجهاز الأمن- الثورة الحارة العاشرة، مكتب استخبارات وجهاز الأمن- سوق صابرين، منطقة وادي سيدنا العسكرية، منطقة سلاح المهندسين العسكرية.

253 مدنياً و48 عسكرياً في مقار احتجاز الدعم السريع جنوب أم درمان

253 مدنياً و48 نظامياً

وقدر التقرير أعداد المحتجزين بالفتيحاب قسم الـ18 الواقع غربا بمنطقة المربعات في أم درمان بحوالي 150 معتقلاً، وحوالي 103 مدنياً و48 أسيرا من القوات نظامية المختلفة (شرطة، جيش، جهاز أمن) بقسم 50 الواقع في مربع 50 بالصالحة الذي حول الى معتقل.

وفي مقر هيئة العمليات السابق للجهاز (خارج جنوب منطقة صالحة بقليل) يوجد معسكر لتدريب قوات الدعم يستخدم كمعتقل خاصة لاستجواب المسافرين على طريق جبل أولياء، إلى جانب مركز صحي ماجد كامل ويقع بمنطقة هجليجة وتم تحويله من مركز صحي علاجي إلى معتقل أولي يتم احضار المقبوضين إليه وبعد ذلك يتم عزلهم وأخذ البعض إلى قسم 50، إضافة إلى قسم شرطة أمبدة الحارة 18، مدرسة اليقين أمبدة الحارة 12.

واتخذ الدعم السريع منازل مدنيين بالقرب من ارتكاز قواته بكبري ود البشير، معتقلات، فضلاً عن عمارة سكنية غرب كبري ود البشير، مدرسة عثمان بن عفان بالحارة الخامسة امبدة، مدرسة الرخاء بالحارة الخامسة امبدة، مسجد الرخاء بالحارة الخامسة، عمارة سكنية شرق مسجد الرخاء، عمارة الزيتون امبدة سوداتل، عمارة سكنية شمال تقاطع الصهريج.

فيما شملت معتقلات الدعم السريع في منطقة امدرمان القديمة “مستشفى المناطق الحارة- الملازمين، مبنى سكني بود نوباوي جنوب، مبنى سكني بحي العمدة”.

شهود عيان: اكثر من 700 شخص معتقلون في بدروم جامعة السودان المفتوحة بحي الرياض

أوضاع المعتقلات

بناءً على إفادات المعتقلين فإن أوضاع معتقلات طرفي النزاع تختلف حسب ما إذا كان المعتقل دائم أم مؤقت، ففي معتقلات الدعم السريع، التي تكون غالباً عبارة عن عمارات سكنية أو مبانٍ حكومية، يعتقل المدنيون أسفل المبنى “البدروم” في المساحة ما بين 200- 300 متر.

وأفاد المعتقل (ن. أ) أن معتقل الدعم السريع في الخرطوم الرياض كان في بدروم عمارة سكنية وصل فيه عدد المعتقلين فيه إلى 200 شخص، وفي افادة اخرى للمعتقل (ك.ع)، فإن عدد المحتجزين في معتقل الدعم  بجامعة السودان المفتوحة يصل تقريباً إلى ما بين 700- 800 شخص.

أما معتقلات القوات المسلحة فهي عبارة عن هناكر أو مبانٍ مهجورة في هوامش المناطق العسكرية، وفق المعتقل (ط. ب) الذي قضى شهرين في هنكر بسلاح المهندسين.

وتعاني المعتقلات من عدم التهوية والرطوبة العالية والتي تؤدي إلى صعوبة في التنفس، ما تسبب في وفاة عدد من المعتقلين حسب إفادة (ن. ص) المعتقل بالخرطوم داخل عمارة سكنية بشارع الستين، وتتطابق هذه الإفادة مع إفادات أخرى لمعتقلين لدى القوات المسلحة والدعم السريع- حسب التقرير.

بالإضافة إلى ذلك لا توجد مراحيض داخل المعتقلات وإن وجدت لا يتم استخدامها فيلجأ المحتجزون لاستخدام جرادل عند الدخول، في بعض الأحيان ودون استخدام مياه في أحيان أخرى.

ابرز أساليب التعذيب التعليق من الأرجل والصعق بالكهرباء وإطفاء أعقاب السجائر والإجبار على أعمال شاقة وحفر القبور

التعذيب

وأكد شهود عيان ومعتقلون لـ”محامو الطوارئ”، أن التعذيب والمعاملة القاسية والمهينة هي القاسم المشترك لجميع مراكز دور احتجاز الطرفين في مواجهة المدنيين والأسرى العسكريين، وذكر التقرير أنه أصبح من المؤكد أن المعتقلين يخضعون للاستجواب تحت عمليات تعذيب بشعة مثل التعليق من الأرجل والصعق بالكهرباء وإطفاء أعقاب السجائر، كذلك إجبار المعتقلين على القيام بأعمال شاقة وحفر القبور لقتلى الطرفين، إلى جانب استخدام التجويع كوسيلةللتعذيب من قبل طرفي النزاع، حيث أفاد (ك. م) الذي كان معتقلاً بمركز كافوري التابع للدعم السريع بأنهم طوال ستة أسابيع ظلوا يتلقون حصصاً ضئيلة من الأكل والمياه.

كما كشف تحرير عدد كبير من الأسرى والمعتقلين المدنيين من المنطقة العسكرية بالشجرة عن نموذج مروع لاستخدام التجويع كوسيلة للتعذيب.

وقال (ن. ص): تقدم وجبة واحدة في اليوم في أفضل الأحوال وعادة ما يتناول المعتقلون رغيفة خبز واحدة في اليوم أو بلحات، وأوضح (و. ط) المعتقل بشمبات في إحدى المزارع بواسطة الدعم السريع، كذلك أن المعتقلين يعانون من قلة مياه الشرب، وفي بعض المعتقلات يتناول بعضهم 3 أكواب يومياً وفي البعض الآخر كوب واحد يومياً.

يأكل المحتجزون رغيفة واحدة أو بلحات ويتناولون 1 – 3 أكواب ماء في اليوم

اعتداءات جنسية بحق المعتقلين/ات

تمارس داخل مراكز اعتقال طرفي النزاع جميع الجرائم، فبالإضافة للتعذيب والسخرة هناك اعتداءات جنسية شملت الذكور والاناث كما وثق التقرير.

وأفاد (خ. ع) موظف كان معتقلاً لدى الدعم السريع بمبنى هيئة العمليات في الرياض أنه كان من ضمن المعتقلين امرأة متزوجة وفتاة تم الاعتداء عليهما أكثر من مرة.

وفي مركز الثورة الحارة العاشرة الذي يتبع للقوات المسلحة وتتم إدارته بواسطة الاستخبارات العسكرية وأفراد هيئة العمليات التي كانت تتبع لجهاز المخابرات العامة قبل حلها سابقاً قضى (س. ب)- تاجر أكثر من 28 يوماً معتقلاً ضمن 18 آخرين، وكشف عن التعدي على اثنين من المعتقلين بينما تم تصفية ثالث نتيجة لمقاومته.

ورصد التقرير معتقلين من النساء والأطفال في عدد من المراكز التي تتبع للجانبين في ظل اختلاطهم مع بقية المعتقلين، وشهدت (ر. ح) بائعة شاي، اعتقلت ومعها 8 نساء وهم ينتمون لمجموعات سكانية من غرب البلاد من سوق صابرين بتهمة التعاون مع الدعم السريع، وأطلق سراحها بعد مضي 36 يوماً، وهي لا تعلم شيئا عن مصير البقية.

وشاهد (م. ح)- محاسب تم اعتقاله في مركز احتجاز جامعة السودان المفتوحة، وجود حوالي 12 امرأة وعدد كبير من القصر الذكور بالمعتقل.

بائعة شاي: اعتقلت ضمن 8 نساء ينتمين لمجموعات سكانية من غرب البلاد بتهمة التعاون مع الدعم السريع وأطلق سراحنا بعد 36 يوماً

الفدية مقابل الإفراج

وثق التقرير حالة طلب فدية مقابل إطلاق سراح المعتقل (م. ح) والذي تم اعتقاله بقرب مسجد العشرة من قبل الدعم السريع، ومن ثم قام بعض الأفراد بالاتصال بأسرته طالبين مبلغ 10 ملايين جنيه سوداني مقابل الإفراج عنه، ولفت التقرير إلى أن المذكور ما يزال معتقلاً لعجز الأسرة عن سداد المبلغ.

ونبه التقرير إلى انعدام الخدمات الصحية داخل المعتقلات، واعتبرها من أبرز أسباب وفاة المعتقلين الذين يمكثون أشهر عديدة دون تلقي الرعاية الطبية للإصابات الناجمة عن التعذيب أو عدم تناول أصحاب الأمراض المزمنة العلاج والأدوية المنقذة للحياة.

وكشف (ج. م) الموقوف في معتقل الدعم السريع بالخرطوم الرياض، عن وفاة اثنين من المعتقلين أحدهما نتيجة أزمة تنفس والثاني مريض سكري، فضلاً عن تكدس دور الاحتجاز بأعداد كبيرة من المعتقلين. حيث بلغ عدد المعتقلين في بدروم جامعة السودان المفتوحة بحي الرياض في الخرطوم، اكثر من 700 شخص، ولفت التقرير إلى أن المساحات الضيقة تتسبب في انتشار كثير من الأمراض الفيروسية.

وبشأن المياه قال التقرير إن في جميع دور الاحتجاز يتناول المعتقلون مياهاً غير صالحة للشرب، مما أدى لكثير من الأمراض المعوية.

في نهاية التقرير أوصى “محامو الطوارئ”، طرفي النزاع، بإطلاق سراح جميع المعتقلين دون مسوغ قانوني والكشف عن قوائم المعتقلين والمخفيين قسرياً والسماح لهم بالتواصل مع ذويهم، والسماح بدخول مراقبين مستقلين إلى جميع مراكز الاحتجاز، وتسهيل التحقيقات الفعالة والمستقلة من خلال السماح للخبراء المعنيين من “اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب” والأمم المتحدة بما في ذلك الفريق المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي.

وشدد على شركاء السودان الدوليين والإقليميين والأمم المتحدة بضرورة تكثيف الضغط على الجيش والدعم السريع من أجل إطلاق سراح المعتقلين دون قيد أو شرط والسماح بدخول مراقبين مستقلين إلى جميع مراكز الاحتجاز، ووقف الانتهاكات بحق المدنيين العزل، رصد وتوثيق جميع الانتهاكات بخصوص المعتقلين والمخفيين قسرياً بنية الضغط للكشف عن أماكن اعتقالهم والوصول للعدالة، إضافة إلى تشكيل لجنة أممية لمراقبة أوضاع حقوق الإنسان في السودان على خلفية حرب 15 أبريل، وتشجيع حملات المناصرة للتعريف بقضية المعتقلين والمخفيين قسرياً.

الوسومأم درمان الجيش الخرطوم الدعم السريع الرياض بحري حرب 15 ابريل محامو الطوارئ معتقلات

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أم درمان الجيش الخرطوم الدعم السريع الرياض بحري حرب 15 ابريل محامو الطوارئ معتقلات القوات المسلحة هیئة العملیات محامو الطوارئ والدعم السریع من المعتقلین الدعم السریع طرفی النزاع عمارة سکنیة بالقرب من مبنى سکنی أم درمان

إقرأ أيضاً:

بعد تحريرها من التمرد.. الخرطوم بانتظار سكانها المهجرين

رغم اكتمال عمليات تطهير العاصمة السودانية الخرطوم من آخر جيوب التمرد في "صالحة"، في أمدرمان، فإن جملة تحديات تواجه عودة مواطني العاصمة الذين غادروها مجبرين نحو منافي آمنة داخل وخارج السودان، ولم يتبقَ منهم سوى القليل في ظروف إنسانية بالغة السوء وانتهاكات غير مسبوقة في تاريخ السودان؛ مارستها قوات الدعم السريع ضد المدنيين الأبرياء وأحالت العاصمة التي تضج بالحياة إلى مدينة أشباح يخيم عليها الحزن والبؤس، وذلك منذ إطلاقها الرصاصة الأولى.

وتعتبر قضية الخدمات الأساسية التحدي الأكبر أمام عودة المواطنين للخرطوم، بعد التدمير الممنهج لشبكات المياه والكهرباء وسرقة الكوابل الكهربائية وإعادة تصدير محتوياتها النحاسية إلى دول جوار السودان؛ والتي قدرت عائداتها بخمسين مليون دولار.

وخلفت حرب الخامس عشر من نيسان/ أبريل دمارا واسعا في البنية التحتية للكهرباء في السودان في كل الولايات التي كانت تنتشر فيها قوات الدعم السريع، خاصة في ولايتي الخرطوم والجزيرة، حيث تفاجأ مواطنون عادوا إلى مناطقهم بعد تحريرها بواسطة الجيش السوداني بسرقة محولات الكهرباء من الأحياء والمؤسسات المدنية والأسواق، والعبث بالشبكات الواصلة بين مدن السودان المختلفة بغرض الوصول إلى النحاس، كما تعرضت محطات الكهرباء والسدود في الولايات الآمنة إلى جملة اعتداءات من قوات الدعم السريع بواسطة المسيرات أدت إلى انقطاع التيار الكهربائي في مناطق واسعة، خاصة في ولايتي نهر النيل والشمالية، ما أثر على الموسم الزراعي الشتوي وتسبب في تدني إنتاج معظم المحاصيل وعلى رأسها القمح، المكون الغذائي الرئيس في السودان.

شهدت مواقع التواصل الاجتماعي جدلا واسعا حول إمكانية العودة للخرطوم في الظروف الراهنة، فبينما يرى البعض عدم التسرع في العودة قبل اكتمال كافة الأعمال في المحاور الخدمية من صحة ومياه وكهرباء وتعليم، تنادي الغالبية بالعودة الفورية والمشاركة في إعادة الإعمار
وإلى جانب عودة المواطنين للأحياء السكنية، فإن القطاع الصناعي يواجه صعوبات بالغة في العودة إلى مقراته الرئيسة في العاصمة بسبب انقطاع الكهرباء عن المناطق الصناعية والتكلفة العالية للطاقة البديلة، كما أن مؤسسات الدولة تأخرت عودتها لذات الأسباب، بجانب الجدل الواسع هذه الأيام حول أولويات حكومة الدكتور كامل إدريس وبقائها في العاصمة الإدارية المؤقتة بورتسودان، إلا أن حكومة الأمل نفسها والتي لم يُسمّ منها سوى خمسة وزراء من جملة 22 وزيرا؛ تواجه تعقيدات الشراكة وتنفيذ اتفاق جوبا لسلام السودان، بعد بروز خلافات بين الموقعين عليه حول تسمية الحقائب الوزارية المنصوص عليها في الاتفاق.

وتبذل الهيئة القومية للكهرباء وحكومة ولاية الخرطوم جهودا حثيثة ضمن خطة إعادة الإعمار الشامل لما دمرته الحرب، فيما بادر القطاع المصرفي بتمويل الحصول على أنظمة الطاقة الشمسية للمواطنين وأصحاب المشاريع الصغيرة، للمساهمة في عودة الحياة تدريجيا للعاصمة المهجورة.

كما تلقت الحكومة السودانية بعض الوعود الإقليمية بإعادة تأهيل شبكات المياه والكهرباء والجسور ومطار الخرطوم الدولي من جانب المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، بينما لا يزال الدعم الدولي لجهود إعادة الأعمار غائبا ومحيرا.

وتعتبر عودة المياه ضرورة حتمية لعودة المواطنين، حيث تضررت محطات المياه الرئيسة هي الأخرى بفعل العمليات العسكرية، وعاد بعضها جزئيا للعمل وما تزال أعمال الصيانة مستمرة فيها، وساهمت مجهودات الأهالي والمبادرات الخيرية في تشغيل محطات المياه الصغيرة في الأحياء لتخفيف المعاناة على الأسر العائدة من مناطق النزوح، عن طريق الطاقة الشمسية.

وتعد المياه الصالحة للشرب عائقا أساسيا أمام إعمار الخرطوم، فقد تسبب انقطاع المياه والكهرباء عن ولاية الخرطوم خلال شهري أيار/ مايو وحزيران/ يونيو، بفعل مسيّرات الدعم السريع، في انتشار الأمراض والأوبئة مثل الكوليرا والحمّى، مما مثل عبئا إضافيا على النظام الصحي الذي يتعافى هو الآخر من تدمير ممنهج من جانب الدعم السريع.

وعلى صعيد الخدمات الأساسية، فإن قلة الخدمات الطبية الأساسية تهدد عودة الآلاف من الأسر التي فرت بحثا عن الرعاية الطبية لكبار السن والمتعايشين مع الأمراض المستديمة، مع الوضع في الاعتبار أن 80 في المئة من البنية التحتية للمستشفيات طالها الخراب أو نُقلت محتوياتها إلى خارج السودان.

وبالتزامن مع المجهودات الحكومية لتهيئة بيئة العودة، تنشط العديد من المبادرات لتشجيع العودة الطوعية للخرطوم بواسطة رجال أعمال وشركات القطاع الخاص، حيث يعود المئات برا من جمهورية مصر العربية (أكبر دولة مستقبلة للاجئين السودانيين)، ومثلهم من ولايات السودان المختلفة، وآخرها مبادرة الناقل الوطني (سودانير) لعودة السودانيين من سلطنة عُمان، وتُتوقع عودة المزيد خلال من اللاجئين في دول الجوار والخليج عقب الفراغ من الالتزامات الأكاديمية للطلاب.

ويؤَمن السودانيون بأن إعادة إعمار الخرطوم مسؤولية تضامنية بين الدولة والمجتمع، لذلك أفلحت جهود مجتمعية في عودة مظاهر الحياة لأحياء العاصمة المختلفة، كما عادت أكبر مسابقة رياضية لكرة القدم في السودان بمشاركة أندية من جميع الولايات بعد توقف استمر لأكثر من عامين، في مظهر يجسد رغبة السودانيين في التعافي من آثار الحرب والنزوح.

وتبقى جدلية الظروف الأمنية هي الفاصلة في طريق العودة، فما زالت بعض أحياء الخرطوم خالية من سكانها وتنتشر فيها التفلتات الأمنية والسرقات، مع استمرار التضخيم الإعلامي من جهات تؤرقها عودة الاستقرار، التي لا تتفق مع أجندتها السياسية. وقد كانت تصور للناس أن الخرطوم تحتاج عشرات السنوات للعودة إلى حالة ما قبل الحرب، وأن تحريرها بواسطة الجيش السوداني ضرب من المستحيل.

وتعد الأوضاع الأمنية تحديا ملحّا لحكومة كامل إدريس، مما دفع وزير الداخلية المعين حديثا الفريق بابكر سمرة للانتقال إلى الخرطوم لممارسة مهامه منها، بجانب وزارات أخرى في طريقها للعودة إلى الخرطوم، ويتوقع مراقبون عودة مجلس الوزراء بكامله نهاية العام الحالي بعد اكتمال عودة الخدمات الأساسية وعودة العاملين في مؤسسات القطاعين الخاص والعام.

وفي خطوة تدعم خيارات العودة، أصدرت وزارة التعليم العالي قرارا بإغلاق مراكز الجامعات السودانية في الخارج، مما يمهد لعودة المؤسسات التعليمية إلى داخل السودان ابتداء من العام الدراسي الجديد.

وتتسارع الخطى قبل حلول فصل الخريف لإزالة الآثار البيئة، مثل المقابر العشوائية والجثث المنتشرة في بعض المناطق، وإزالة الأنقاض وفتح الطرق ومصارف الأمطار.

وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي جدلا واسعا حول إمكانية العودة للخرطوم في الظروف الراهنة، فبينما يرى البعض عدم التسرع في العودة قبل اكتمال كافة الأعمال في المحاور الخدمية من صحة ومياه وكهرباء وتعليم، تنادي الغالبية بالعودة الفورية والمشاركة في إعادة الإعمار. فالمنازل الخالية تحتاج عودة ساكنيها لمباشرة تهيئتها، والأسواق تنتظر رجوع التجار، ومؤسسات الدولة في انتظار موظفيها خاصة بعد قرارات حكومة الخرطوم بعودة موظفيها ابتداء من منتصف حزيران/ يونيو المنصرم.

بينما يترقب الشارع السوداني اكتمال حكومة الأمل وانتقالها إلى الخرطوم، تسابق فرق الصيانة والتشغيل والنظافة الوقت لإنجاز الخطة الإسعافية للعودة حتى نهاية العام الحالي
وبجانب الجهود المجتمعية فإن مسؤولية الدولة هي الأكبر؛ لأن مظاهر العودة عملية ذات دلالات وأبعاد سياسية، أهمها هزيمة مشروع التمرد الهادف إلى استمرار الحرب والنزوح وتدمير البنية التحتية للدولة السودانية، وفتح الباب على مصراعيه أمام التدخلات الأجنبية وفرض الوصاية على الشعب السوداني؛ المتطلع لمستقبل بلا نزاعات بين أبناء الوطن الواحد، ومعالجة جذور الأزمة السياسية.

في المقابل، يراقب المجتمع الدولي والإقليمي بحذر ما يحدث في السودان من تطورات الأوضاع السياسية والعسكرية، بعد الترحيب الواسع بتسمية الدكتور كامل إدريس رئيسا للحكومة الانتقالية، والشروع في تسمية وزرائها من الكفاءات المستقلة حسب المعايير الصارمة لرئيس الوزراء وتجاوز الأحزاب السياسية في هذه المرحلة. ويحظى كامل إدريس بتأييد واسع من الداخل والخارج، وكان آخر المهنئين باختياره؛ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خلال محادثة هاتفية مع الرئيس البرهان، وهي المحادثة التي طرحت من خلالها الهدنة الإنسانية في مدينة الفاشر، لكن خرقت بواسطة التمرد بعد ساعات من إعلانها.

وبينما يترقب الشارع السوداني اكتمال حكومة الأمل وانتقالها إلى الخرطوم، تسابق فرق الصيانة والتشغيل والنظافة الوقت لإنجاز الخطة الإسعافية للعودة حتى نهاية العام الحالي.

مقالات مشابهة

  • 11 قتيـلا بينهم 3 أطفال في هجوم لقوات الدعم السريع شمال كردفان
  • الجيش السوداني يصد هجوما لقوات الدعم السريع في الفاشر
  • “‏الدعم السريع” يباغت مواطني الأبيض ليلا.. والجيش السوداني يتصدى
  • “كيانات شرق السودان” تكشر عن أنيابها في وجه الإمارات
  • مفاجأة.. عناصر من الدعم السريع تسرب إحداثيات إلى الجيش السوداني
  • اختفاء “2826” عربة حكومية في الخرطوم.. السبب “الدعم السريع”
  • بعد تحريرها من التمرد.. الخرطوم بانتظار سكانها المهجرين
  • السجن عامين على متعاون مع مليشيا الدعم السريع المتمردة
  • “الدعم السريع” تقصف الأبيض مجددا
  • إغلاق كامل لطريق إسطنبول السريع بعد احتراق حافلة ركاب.. مشاهد مروعة وتفاصيل التحقيق