وزيرة البيئة: أفريقيا تتحمل ٥٪ من ناتجها المحلي لتمويل جهود التكيف مع المناخ
تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT
قال الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة والمنسق الوزاري ومبعوث مؤتمر المناخ COP27؛ أن التكيف مع المناخ يعد أولوية بالنسبة للدول النامية وبصفة خاصة الافريقية، ويرتبط ذلك بما نشهده جميعاً من آثار للتغيرات المناخية، وتأثيرها المباشر على الحياة البشرية والأنشطة الاقتصادية، والقطاعات الأكثر هشاشة وعلى رأسها الزراعة والمياه وصيد الأسماك والثروة الحيوانية، وكلها أنشطة تعد أعصاباً حيوية للإقتصاد الأفريقي.
جاء ذلك فى كلمة الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة خلال جلسة التكيف ضمن فعاليات القمة الأفريقية للمناخ بنيروبي.
وأشارت وزيرة البيئة، في بيان لها اليوم، إلى أن الدول الأفريقية تتحمل ما يُقارب ٥٪ من ناتجها المحلي الإجمالي لتمويل جهود التكيف ودعم المجتمعات والقطاعات المتأثرة، خاصة أن التقارير تشير إلى أن اجمالي تكلفة التكيف مع التغيرات المناخية قد يتجاوز ٣٠٠ مليار دولار سنوياً بحلول عام ٢٠٣٠.
ودعت وزيرة البيئة كافة أصحاب المصلحة من الدول المتأثرة بتغير المناخ والمجتمع الدولي وبخاصة الدول المُتقدمة، للتعاون والعمل على توفير الدعم والحلول والتقنيات التي لتعزيز بناء القدرة على الصمود والتعامل مع التغيرات المناخية، فى ظل ما أكد عليه التقرير السادس للجنة الحكومية للتغيرات المناخية IPCC من آثار حالية ومستقبلية نتيجة الارتفاع المُستمر في درجة حرارة الكوكب واقترابها تدريجياً من الدرجة ونصف مئوياً، مما يستوجب العمل بجدية للخروج من مؤتمر المناخ القادم COP28 بهدف عالمي للتكيف قابل للقياس ومؤشرات واضحة للتقييم، والذي يساهم بصورة مباشرة في عملية رصد للتكيف في المجتمعات الاكثر هشاشة ورفع قدرة هذه المجتمعات على الصمود وضمان استدامة سبل العيش .
ولفتت الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة إلى أن مؤتمر المناخ COP27 الذي استضافته أفريقيا بمصر، حرصت الرئاسة المصرية له على الدفع بأجندة التكيف على المستويين الدولي والإقليمي، وادراج موضوعات الهجرة الناتجة عن العوامل المُناخية، وتأثر انتاج الغذاء والزراعة والموارد المائية، وبالعلاقة بين استدامة واستقرار المُجتمعات وتغير المُناخ، ضمن مخرجات المؤتمر سواء في المسار التفاوضي، او عبر مُبادرة الرئاسة المصرية بالتعاون مع رائد المناخ المصري تحت اسم أجندة شرم الشيخ للتكيف؛ والتي تهدف الي بناء شراكة من أجل تعزيز وتوجيه التعامل الدولي مع الشق الخاص بالتكيف.
كما أشارت وزيرة البيئة إلى استكمال العمل على مبادرات مؤتمر المناخ COP27، كالمبادرة الخاصة بالأمن الغذائي والزراعة ومبادرة الخاصة بالانذار المبكر للموارد المائية، والمبادرة الخاصة بالحلول القائمة على الطبيعة، والتي تهدف إلى دفع وتيرة العمل على التكيف مع آثار تغير المناخ، وشددت على حرص الرئاسة المصرية للمؤتمر على مشاركة المنظمات ومؤسسات التمويل الدولية في كافة هذه المبادرات؛ وكذلك الدول الافريقية لضمان تضافر الجهود وتوحيد الرؤى والتطبيق الفعلي؛ مما يؤثر بصورة مباشرة على تحسين حياة المواطنين، والمطالبة المُستمرة بتعزيز المساهمات المالية من الدول المتقدمة لصندوق المناخ الأخضر باعتباره الآلية الفعالة لتقديم التمويل للدول النامية وبصفة خاصة الافريقية.
وأضافت مبعوث مؤتمر المناخ cop27 أن مؤتمر المناخ بشرم الشيخ COP27 حقق انجازاً ملموساً بإنشاء صندوق وترتيبات تمويل الدول النامية لمواجهة الخسائر والاضرار المرتبطة بتغير المناخ، ودفع بأجندة العدالة المناخية والإنصاف، وهي مسائل جوهرية للدول الأفريقية، تتطلب توحيد الموقف الافريقي وصولاً الي تفعيل الصندوق الجديد للتمويل وحشد الموارد اللازمة له، خاصة في ظل ما نشهده بمنطقة القرن الافريقي من جفاف، وفي الجنوب الافريقي من فيضانات وأعاصير، وفي شمال افريقيا من حرائق غابات وتدهور في الأراضي وشح في الموارد المائية.
كما أشارت وزيرة البيئة إلى أهمية تكامل الجهود الأفريقية لتنفيذ إجراءات للتكيف مع التغيرات المناخية، ومنها المبادرة الافريقية للتكيف التي تستضيف مصر وحدتها الفنية، والتي خرجت كمطلب رئيسي للدول الافريقية في مؤتمر باريس بما يساهم بصورة مباشرة في دعم الدول الافيقية للحصول على التمويل من خلال الخطط الوطنية للتكيف و مصادر التمويل المختلفة من مؤسسات التمويل.
وأكدت المنسق الوزاري لمؤتمر المناخ COP27 على تطلع مصر للخروج من المسار التفاوضي بصياغة إطار واضح يتضمن مؤشرات لتقييم التقدم المحرز في إدراك القدرة على الصمود والتكيف، على ان يتكامل مع أهداف التنمية المستدامة وإطار سينداي للحد من الكوارث، ويستند إلى العناصر التي تم تسليط الضوء عليها بالفعل في تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، وكذا العناصر المتعلقة بالتنوع البيولوجي ، مع التأكيد على الترابط بين تغير المناخ واستدامة المدن والتنمية الحضرية، ودور التخطيط العمراني وتطوير المدن دعماً لجهود مواجهة تغير المناخ.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: تغير المناخ التمويل البيئة الدول الإفريقية التكيف مؤتمر المناخ COP27 وزیرة البیئة التکیف مع
إقرأ أيضاً:
هل يتسبب ترامب في جعل أفريقيا عظيمة مرة أخرى دون أن يدري؟
مقدمة المترجم
تحلل أماكا أنكو رئيسة قسم أفريقيا في مجموعة أوراسيا عبر مقالها في فورين أفيرز تأثير "سياسات الإكراه" التي يتبعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على القارة الأفريقية، مجادلة أن الدول الأفريقية سوف تكون لديها فرصة جيدة للازدهار في النظام الدولي ما بعد الليبرالي إذا ما حشدت جهودها لتسريع وتيرة التكامل الاقتصادي في القارة، وخلق أسواق أكبر، وتسريع عجلة التصنيع.
وهي ترى أن دولتي نيجيريا وجنوب أفريقيا تحديدا في وضع مُوات لقيادة أفريقيا في هذه الحقبة، ليس فقط لكونهما الاقتصادين الأكبرين في أفريقيا جنوب الصحراء، ولكن لامتلاكهما تاريخا من التعاون المشترك لتعزيز المصالح الأفريقية.
بينما يُفكك الرئيس الأميركي دونالد ترامب النظام الدولي الليبرالي الذي نشأ بعد عام 1945، يرى بعض المحللين أن هذا الاضطراب ربما يكون تأثيره إيجابيا بالنسبة للدول الواقعة على هامش النظام القديم. ووفقا لهذا المنطق، سوف تكون الدول الأفريقية أكثر قدرة على جذب الاستثمارات وفرص التجارة في ظل نظام أقل اهتماما بقضايا الديمقراطية والحوكمة الرشيدة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إبراهيم تراوري الذي قال "لا" لأميركا فزادت شعبيته في أفريقياlist 2 of 2ترامب قد يحرر العالم من عبودية الدولار دون أن يدريend of listولكن في عالم ترامب، حيث تعيد "سياسات الإكراه" تشكيل معالم الجغرافيا السياسية، هناك العديد من المخاطر التي تُحدق بالدول ذات النفوذ المحدود في الاقتصاد العالمي. هذا ويتطلب النجاح في عصر السياسة القائمة على الصفقات، نفوذا تفتقر إليه معظم الدول الأفريقية؛ فرغم أن القارة السمراء موطن لحوالي 20% من سكان العالم، فإنها لا تُمثّل سوى 5% فقط من نشاطه الاقتصادي.
رغم ذلك، تمتلك الدول الأفريقية فرصة جيدة للازدهار في النظام الدولي ما بعد الليبرالي إذا ما تضافرت جهودها. إن التنسيق الوثيق، حتى إذا شمل عددا قليلا من الدول الأفريقية المؤثرة، من شأنه أن يُسرّع وتيرة التكامل الاقتصادي في القارة، ويخلق أسواقا أكبر، ويُسرّع عجلة التصنيع. كما أن تعزيز التماسك من شأنه أن يمنح المنطقة نفوذا أكبر في مفاوضات التجارة والاستثمار مع القوى الخارجية.
إعلانوبينما يصعب تحقيق هذا التنسيق، فإنه ليس مستحيلا تماما. فمع استقلال المستعمرات الأفريقية السابقة عن الإمبراطوريات الأوروبية المتراجعة بين خمسينيات وسبعينيات القرن الماضي، توحدت الدول الأفريقية حول التزامها المشترك بحق تقرير المصير، وتبادل القادة في جميع أنحاء القارة الأفكار والموارد المالية والأسلحة دعما لحركات الاستقلال في بلدانهم.
على سبيل المثال، عندما حصلت غانا على استقلالها (عن الاستعمار البريطاني) عام 1957 أعلن زعيمها، كوامي نكروما، أن استقلال البلاد "لن يكون له معنى حتى يرتبط بالتحرير الكامل للقارة الأفريقية". وبحلول عام 1963، اجتمع قادة 32 دولة أفريقية مستقلة حديثا في أديس أبابا عاصمة إثيوبيا لإنشاء منظمة الوحدة الأفريقية.
وسرعان ما أصبحت منظمة الوحدة الأفريقية -التي تُعد أول مؤسسة متعددة الأطراف في القارة- أداة فعّالة في تنسيق الدعم لحركات الاستقلال الأفريقية وصياغة إجماع دولي حول قضية تحرير أفريقيا.
كانت مساعي الوحدة الأفريقية خلال هذه الفترة مدفوعة بغرض أخلاقي وتَصدّرها قادة الدول الأولى التي نالت استقلالها، بما في ذلك غانا والسنغال وتنزانيا وزامبيا. وقد وحدت هذه الروح النخب عبر الحدود والأعراق واللغات، مما أدى إلى إجماع قوي داعم لقضية الاستقلال. ولكن في عصر اليوم القائم على المعاملات و"الصفقات" يمكن خدمة قضية الوحدة الأفريقية بصورة أفضل من خلال أجندة اقتصادية مشتركة.
والحقيقة أن اثنتين من أقوى دول القارة تبدوان في موقع مناسب لقيادة هذه المهمة، وهما نيجيريا وجنوب أفريقيا، حيث يمكن للبلدين معا مراكمة النفوذ الجيوسياسي والموارد المالية والتأثير الثقافي التي تلزم لحشد أغلبية الدول الأفريقية خلف رؤية عالمية.
ويمكن لكتلة أفريقية أكثر تماسكا أن تنتزع المزيد من التنازلات من شركائها التجاريين ويكون لها رأي أكبر في تشكيل قواعد التجارة العالمية.
صحيح أن أفريقيا قارة شاسعة ومتنوعة، وغالبا ما يكون لدولها المختلفة مصالح وسياسات خارجية متنافسة، لكن النجاح في عالم "المعاملات الترامبية" الذي يأكل فيه القوي الضعيف لن يحدث في ظل سعي كل دولة منفردة لتحقيق مصالحها الخاصة مهما بلغت جودة مساعيها، لكنه يمكن أن يتحقق فقط من خلال العمل المشترك لهذه الدول.
التطلع إلى المستقبلتمتلك جنوب أفريقيا ونيجيريا أكبر اقتصادين في أفريقيا جنوب الصحراء (تحتل جنوب أفريقيا المركز الأول في القارة ككل تليها مصر والجزائر ثم نيجيريا)*، ما يضعهما في أفضل وضع لتولي زمام القيادة الأفريقية في العصر الجديد. نيجيريا من ناحية، هي الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان في القارة، إذ يزيد عدد سكانها عن 230 مليون نسمة، وهي تتمتع بنفوذ ثقافي كبير في جميع أنحاء المنطقة وعلى الصعيد الدولي.
ويهيمن موسيقيّوها على نوع الموسيقى العالمي المعروف باسم "الأفروبيتس"، وتُشاهد أفلامها في جميع أنحاء القارة، وتؤثر اتجاهات الموضة لديها على العلامات التجارية العالمية.
أما جنوب أفريقيا، صاحبة الاقتصاد الصناعي الأكبر في أفريقيا، فلديها نفوذ ثقافي أقل نسبيا في جميع أنحاء المنطقة، لكنها تتمتع بثقل جيوسياسي عالمي أكبر من نيجيريا، بفضل أسواقها المالية الأقوى والأكثر رسوخا، مما قد يساعدها في جمع الأموال اللازمة للاستثمار في جميع أنحاء المنطقة. وتُعد جنوب أفريقيا بالفعل لاعبا عالميا مهمّا، بفضل عضويتها في مجموعة العشرين وعضويتها المبكرة في مجموعة البريكس إلى جانب البرازيل وروسيا والهند والصين.
إعلانلا تعد الشراكة بين البلدين الأفريقيين تجربة غير مسبوقة. ففي السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين، ساعد البلدان في إعادة تشكيل الأطر المؤسسية للقارة، حيث كان رئيساهما آنذاك، النيجيري أولوسيجون أوباسانجو والجنوب أفريقي ثابو مبيكي، يتشاركان رؤية شاملة لتعزيز "الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية".
وفي عام 2002، دافعا الرجلان معا عن استبدال منظمة الوحدة الأفريقية لصالح الاتحاد الأفريقي، مع منحه تفويضا لتعميق التكامل الإقليمي إدراكا منهما أن الترابط الاقتصادي من شأنه أن يساعد في الحفاظ على الوحدة. كما عمل مبيكي وأوباسانجو معًا لتشكيل مؤسسات مساعدة للاتحاد الأفريقي، مثل الشراكة الجديدة من أجل تنمية أفريقيا "نيباد"، التي تركز على النمو الاقتصادي؛ والبرلمان الأفريقي الذي يعد بمثابة الجهاز التشريعي الذي يقدم المشورة ويمارس الرقابة على الاتحاد الأفريقي إضافة إلى آلية مراجعة الأقران، التي تراقب التقدم المحرز في مؤشرات الحوكمة الرئيسية في جميع أنحاء القارة.
منذ ذلك الحين، قوضت الضغوط الداخلية في كلا البلدين هذه المبادرات الأفريقية الشاملة. من جانبها، ظلت جنوب أفريقيا عالقة في فخ النمو المنخفض منذ الأزمة المالية عام 2008، حيث ظل متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي يحوم حول نسبة 1%.
وقد أدى هذا الركود إلى تفاقم التفاوتات العرقية في الدخل والثروة، وزاد من الإحباط تجاه المؤسسة السياسية. كما أدى الصعود اللاحق للشعبوية الاقتصادية إلى زيادة المخاطر المالية، حيث تشعر الحكومات بأنها مضطرة لزيادة الإنفاق العام من أجل الفوز في الانتخابات. في نهاية المطاف، أدى هذا الضغط إلى تضييق مساحة المبادرات الأفريقية الشاملة: ففي ظل السخط المحلي، لم يكن لدى قادة جنوب أفريقيا الحيز المالي ولا الطموح اللازم لمتابعة مشاريع كبرى في الخارج.
لم يختلف الحال كثيرا في نيجيريا التي كافحت على مدار العقدين الماضيين للحفاظ على وتيرة للنمو الاقتصادي يمكن أن تنقل البلاد إلى مستوى الدخل المتوسط.
وقد أدى هذا النمو البطيء إلى تعميق خطوط الصدع الدينية والعرقية، وسمح بإثارة العنف، مما أجبر السلطات على التركيز على الحفاظ على الاستقرار بدلا من تحفيز التحول الاقتصادي. وهكذا، مع تباطؤ النمو الاقتصادي الذي أضعف طموحات كلا البلدين، ظل الاتحاد الأفريقي بلا قيادة قوية. واليوم، لا تتمتع هذه المؤسسة إلا بتأثير ضئيل على سلوك الدول، ولا يُنظر إليها كجهة قيادية في أي قضية اقتصادية أو سياسية إقليمية حاسمة.
بيد أن تعزيز التكامل الاقتصادي من شأنه أن يُمكّن القارة من التعامل مع نظام عالمي أكثر تفاعلية. وقد أثارت رسوم ترامب الجمركية دعوات في جنوب أفريقيا ونيجيريا لتعزيز العلاقات الثنائية والإقليمية لتعويض الخسارة المحتملة للسوق الأميركية.
وفي أغسطس/آب الماضي، صرّح رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، أن بلاده ستسعى إلى إبرام المزيد من الصفقات التجارية مع دول أخرى لتعويض تأثير رسوم واشنطن الجمركية البالغة 30% على صادرات جنوب أفريقيا.
وفي السياق ذاته، جمع وفد تجاري جنوب أفريقي إلى نيجيريا قادة الأعمال وصانعي السياسات من كلا البلدين لمناقشة فرص التعاون في القطاعات الرئيسية مثل التعدين والتصنيع. واتفق المشاركون على أن تعميق التجارة البينية الأفريقية يمكن أن يُسهم في دفع عجلة التصنيع في جميع أنحاء القارة.
ومن المتوقع أن يكون هذا الاقتراح جذابا للشركات الجنوب أفريقية؛ إذ إن صادرات البلاد إلى القارة الأفريقية تفوق بالفعل صادراتها إلى الولايات المتحدة بثلاثة أضعاف. بدورها، من المرجح أن نيجيريا تميل إلى تصدير سلع ذات قيمة مضافة أو سلع مصنعة إلى دول أفريقية أخرى، مقارنة بالسلع الخام التي تُصدرها حاليا إلى أوروبا والولايات المتحدة.
إعلانيستعد القادة الحاليون في نيجيريا وجنوب أفريقيا لدفع عجلة هذا التكامل إلى مستوى أعمق. وقد أظهرت نيجيريا في عهد رئيسها الحالي بولا أحمد تينوبو طموحا أكبر في سياستها الخارجية مما كانت عليه منذ ما يقرب من عقدين.
على سبيل المثال، قادت نيجيريا استجابة المنطقة لانقلاب عام 2023 في النيجر، وناضلت من أجل عضوية مجموعتي العشرين والبريكس، وبنت شراكات اقتصادية مع دول رئيسية في الجنوب العالمي، لا سيما البرازيل والهند.
كما دافع رئيس جنوب أفريقيا رامافوزا عن قضايا قارية مثل مقعد دائم للاتحاد الأفريقي في مجموعة العشرين وزيادة التمويل العالمي للعلماء الأفارقة. وفي حال دمجت جنوب أفريقيا ونيجيريا نقاط قوتهما المتكاملة، فيمكنهما ممارسة قوة اقتصادية أكبر وإحياء التماسك القاري لتعزيز المصالح الوطنية والقومية الأفريقية. ومن خلال جهودهما معًا، يمكنهما حشد الدول الأفريقية وراء مواقف مشتركة بشأن سياسة المناخ والتجارة والأمن الإقليمي، مما يعزز النفوذ الجيوسياسي للقارة.
بناء التكتلاتتشكل نيجيريا وجنوب أفريقيا معا حوالي ثلث النشاط الاقتصادي في أفريقيا، وهما موطن للعديد من أكبر شركات القارة. وتُهيمن شركات الاتصالات والتجزئة الجنوب أفريقية على جميع أنحاء القارة، وتعمل البنوك وشركات الدفع النيجيرية على نطاق واسع في أنحاء المنطقة. ويعني ذلك أن الوصول إلى سوق قارية أكثر تكاملا سيسمح لهذه الشركات بتوسيع نطاق الإنتاج وخفض تكاليف التشغيل، مما يوفر للمستهلكين خيارات أكثر بأسعار أقل.
ومن شأن تعزيز التعاون بين الشركات النيجيرية والجنوب أفريقية أن يُعزز الصناعات كثيفة رأس المال مثل السيارات والأدوية والصلب، وأن يجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر في كلا البلدين.
يمكن لهذا التعاون أن يقدم دفعة اقتصادية يحتاج إليها كلا البلدين بشدة. يتعين على نيجيريا، التي من المقرر أن تصبح ثالث أكبر دولة من حيث عدد السكان في العالم بحلول عام 2050، أن تُهيئ فرصا اقتصادية أكبر لشبابها، خاصة إذا علمنا أن نصف سكان البلاد دون سن العشرين، وأن حوالي 3 ملايين نيجيري يدخلون سوق العمل سنويا. تحتاج أبوجا إلى استثمارات لتسريع وتيرة التصنيع وتجنب أسوأ سيناريو محتمل للطفرة الديموغرافية: ملايين الشباب العاطلين عن العمل والمحبطين الذين يسقطون في براثن النشاط الإجرامي.
وبالمثل، بعد 30 عاما من انتقال جنوب أفريقيا إلى الديمقراطية متعددة الأعراق، يشعر المواطنون بالإحباط من بطء وتيرة التحول الاقتصادي واندماج الأغلبية السوداء في البلاد في الاقتصاد الذي يهيمن عليه البيض. الخلاصة أن الفشل في تعزيز النمو في أي من البلدين من المرجح أن يُفاقم الانقسامات الاجتماعية والسياسية القائمة، ويشجع الحركات السياسية "المتطرفة" التي تسعى إلى تغيير الوضع الراهن على عجل.
لتحقيق تعاون اقتصادي أوثق، ينبغي على قادة البلدين أولا تحسين التنسيق الثنائي في القضايا الأساسية. يمكن أن تستفيد جنوب أفريقيا من دعم نيجيريا العلني لأولوياتها الدبلوماسية، بما في ذلك حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وكذا في بعض القضايا الداخلية المهمة، كما حدث في فبراير/شباط الماضي، حين انتقد ترامب الإصلاحات الرامية إلى معالجة إرث حقبة الفصل العنصري، متهما جنوب أفريقيا زورا بالتورط في "الاستيلاء على الأراضي"، ومُوقفا المساعدات الصحية العامة للبلاد.
ساعتها، كان ينبغي على نيجيريا إصدار بيان يؤكد دعمها لجهود جنوب أفريقيا لمعالجة التفاوتات التاريخية في امتلاك الأراضي. وبالمثل، ينبغي على جنوب أفريقيا التنسيق بشكل أوثق مع مساعي نيجيريا للانضمام إلى مجموعة العشرين ومجموعة البريكس، وإعلان دعمها الكامل لها.
بجانب ذلك، ينبغي أن يكون تفعيل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA) محورا رئيسيا للتعاون بين البلدين. تشمل الاتفاقية 54 دولة أفريقية وتغطي 1.4 مليار نسمة، وتهدف إلى إلغاء التعريفات الجمركية على 90% من السلع المتداولة بين الدول الأعضاء، مما يخلق سوقا واحدة للسلع والخدمات في جميع أنحاء القارة بقيمة 3.4 تريليونات دولار. إلا أن التجارة تحت رعايتها ظلت محدودة منذ دخولها حيز التنفيذ في عام 2021، ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى انخفاض الإنتاجية في الدول الأعضاء وضعف البنية التحتية الإقليمية.
ونتيجة لذلك، لا يمكن إلا لعدد قليل من المنتجات الاستفادة بشكل موثوق من إلغاء التعريفات الجمركية. ومن شأن التعاون الوثيق بين نيجيريا وجنوب أفريقيا لتوحيد المتطلبات التنظيمية وتطوير إستراتيجيات صناعية متكاملة أن يشجع على زيادة التجارة البينية داخل القارة.
إعلانمن المؤكد أنه إذا أبدى كلا البلدين التزاما قويا بالتكامل الإقليمي والتجارة، فسيكون المستثمرون أكثر قابلية للاستفادة من الاتفاقية والالتزام بالإنتاج في المنطقة، مما يحفز المزيد من فرص التعاون في جميع أنحاء منطقة التجارة الحرة. ويمكن لحكومتي نيجيريا وجنوب أفريقيا أيضا تجميع رأس المال لدعم الشركات الناشئة والبحوث الصناعية في القطاعات ذات الأولوية، مثل الاستخبارات المتقدمة والدفاع والعلوم الطبية وتكنولوجيا التعدين.
ينبغي أن يبدأ مشروع التكامل الإقليمي بهذه الخطوات الثنائية الأساسية، ولكن مع مرور الوقت، يتعين على جنوب أفريقيا ونيجيريا السعي للحصول على دعم من وسطاء قاريين آخرين، مثل مصر والمغرب والجزائر.
مع إعادة هيكلة ترامب للترتيبات الجيوسياسية، قد يبدو من الطبيعي أن تلجأ أبوجا وبريتوريا إلى التنافس. لكنهما سبق أن اجتمعتا لقيادة القارة، وينبغي عليهما فعل ذلك مجددا، ليس من باب الإيثار، بل كأفضل سبيل لضمان مصالحهما. وإذا تمكنت نيجيريا وجنوب أفريقيا من إدراك نقاط قوتهما التكاملية، فيمكنهما معا قيادة أفريقيا إلى حقبة جديدة.
—————————
* إضافة المترجم
هذه المادة مترجمة عن فورين أفيرز ولا تعبر بالضرورة عن شبكة الجزيرة