لجريدة عمان:
2025-12-12@20:32:58 GMT

حقيقة علمية لا تقبل النقاش!

تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT

ثمة الكثير مما يستحق النقاش ضمن سلسلة المقالات التي ينشرها أ. د. حيدر بن أحمد اللواتي في جريدة الرؤية، والتي تُحاول الإجابة عما إذا كانت العلوم الطبيعية مؤلفة من حقائق لا شك فيها، أم أنها مجرد نظريات خاضعة للتغيير؟ إلا أنني سأُركز نقاشي اليوم على السؤال الجوهري للسلسلة، وأتساءل بدوري: هل ثمة فعلا ما يُمكن أن يُطلق عليه حقيقة علمية لا تقبل الشك؟

يبدو أن اللواتي يؤمن بأن ثمة بالفعل حقائق علمية لا تقبل النقاش، فهو يقول مثلا: «فقبل اكتشاف المجهر مثلًا كان الإيمان بوجود كائنات دقيقة لا نراها بالعين المجردة مجرد فرضية ولا يوجد ما يُثبت صحتها، لكن ومع اكتشاف المجهر والذي يعد امتدادًا لحاسة الإبصار، استطعنا أن نحوِّل هذه الفرضية إلى حقيقة علمية، فلا يُمكن في يوم من الأيام القادمة أن يثبت خطأ هذه الحقيقة العلمية».

اللواتي لا يأخذ أمر الحقائق بخفة، فهو يضع شروطا لما يُمكن أن يُعد حقيقة، يُمكن تلخيصها في الآتي:

1. طبيعة الحقائق: الظواهر المتعلقة بالحقائق العلمية قابلة للرصد عبر الحواس، أو ما يُعد امتدادا لها مثل المايكروسكوب أو التلسكوب.

2. المنهج: يتم التوصل إلى الحقائق العلمية عبر المنهج التجريبي.

يقول اللواتي في افتتاح مقالته الثانية: «إن الظاهرة الطبيعية التي نرصدها بحواسنا أو بامتداداتها هي حقائق علمية لا يُشك في صحتها». والآن لنُحلل هذه المقولة، مع وضع مثال ما في أذهاننا، لنقل البرق. تُخبرنا أبصارنا أن ثمة شيئا ما يحدث (ظاهرة)، نُسمي هذا الشيء برقا. والآن يُمكن المجادلة بسهولة بأن البرق «حقيقي» بمعنى أنه قابل للإدراك بالحواس. لكني أحسب أن الكاتب يعني أن تفسيرنا للبرق (النظرية وليس الظاهرة) هي الحقيقة العلمية، أي القول إن ظاهرة البرق تنشأ عن تفريغ كهربائي في مناطق الغلاف الجوّي المشحونة. لأن النقاش حول حقيقة الأشياء المحسوسة يقع في بُعدٍ مختلف تماما (الأنطولوجيا رُبما) عن البعد الذي نحن فيه، أي فلسفة العلم. فالظاهرة هي مجموعة الملاحظات المنظمة، بينما النظرية هي ما يلي هذه الملاحظات من شرح أو تفسير للظاهرة المُلاحظة، والنظرية هي ما يصيب أو يخطئ، يُقبل أو يُرفض، يدلل عليه أو يُدحض. البرق مثلا هو ظاهرة يُمكننا إدراكها بحواسنا، أما كيف ينشأ البرق وفي أي ظروف فهذه هي النظرية. والنظرية هي ما أحسب الكاتب مهتما ببحثه. والآن -وقد أوضحنا هذا- صار بإمكاننا دفع النقاش للخطوة التالية والتساؤل هل يُمكن أن يُعد تفسيرنا هذا (حول نشوء ظاهرة البرق) حقيقة علمية لا تقبل الشك؟

نعرف أن تفسيرنا (نظريتنا) لظاهرة البرق قد يكون صحيحا، لأننا قادرون على بناء نماذج تفريغ كهربائي تُحاكي هذه الظاهرة في المختبر. لكن -مجددا- هل يعني هذا أننا وجدنا «الحقيقة» أو أننا قاربناها فحسب؟

قبل الإجابة، دعونا نتحدث قليلا عن المنطلقات، لما تمنحه من فهم ضروري لسياق الأشياء. أفهم أن الدفاع عن «الحقائق العلمية» قادم من رغبة في صناعة التقدم (في أن نكون عمليين)، فنحن متى ما سلمنا بنظرية حول البرق، سعينا لبناء مانعات الصواعق لحماية البشر، أو العمل على استغلالها كمصدر للطاقة البديلة، وغير ذلك من التطبيقات، عوضا عن هدر الموارد في مُساءلة الأُسس. وكما أتساءل عما يدفع اللواتي للدفاع بعناد عن فكرة وجود حقائق علمية، أتساءل بالمثل عن مُحرك التشكيك. فنوع التشكيك الذي يأتي من تسليمٍ بمحدوديتنا ومحدودية أدواتنا، يختلف عن التشكيك الذي يأتي ضمن سردية بديلة، خصوصا إذا ما انطوت على عناصر تآمرية كأن تقول إن ثمة مستفيدين من إقناع الناس بأن الأرض كروية. أقول إنني أفهم أهمية التسليم كجزء مهم للمؤسسة العلمية، لكن النقد، التشكيك، والمُساءلة لا تقل أهمية عنها.

العلم له ميزة خاصة تتمثل في أنه لا يُسائل الأشياء. لمارتن هيدجر اقتباس شائع يبدو مثاليا لهذه المناسبة، يقول إن «العلم لا يُفكر». بعض المعلقين على هذه المقولة يرون أن هيدجر لا يقصد وضع العلم في مكانة أدنى من الفلسفة، بل إنه يكشف عن ميزة العلم التي تجعله حاسما مقارنة بحقول معرفية أخرى، فالعلماء عمليون لأنهم ينشغلون ضمن نطاق عمل محدد، يتحاشى غالبا الخوض في نقاشات جذرية. (للمزيد: يُمكن الرجوع إلى مقال «Martin Heidegger: Die Wissenschaft denkt nicht» المنشور على «Philosophy Magazin» بتاريخ: 12 /09 / 2013).

مع هذا فبرغم الجانب المفيد لعدم نقاش الأُسس، والشروع في إيجاد تطبيقات جديدة للمعرفة المكتسبة عوضا عن ذلك، إلا أن هذا لا يُغير في جوهر الموضوع: نظريتنا حول البرق معضدة بجسد من الأدلة كافٍ لتبرير قبولها، لكني لا أجرؤ على القول إنها حقيقة لا نقاش فيها.

يميل المُعجم العلمي اليوم إلى الإقرار بالقصور، وتحاشي الحديث عن الحقيقة، البراهين، واستبدالها بمصطلحات أقل يقينا فنقول إننا نجد أدلة تدعم أو تُعاضد نظرية ما عوضا عن أن نقول إن الأدلة تثبتها، ونقول إننا نُقارب الحقيقة في أحسن الأحوال. يعني هذا أن كل مقولة علمية قابلة للنقاش وبالتالي قابلة للدحض. وهذا في الواقع ما يجعلها ذات طبيعية علمية. فهي إن خرجت من هذا النطاق، ودخلت للتصديق الكامل تُصبح شيئا آخر: مُعتقد.

يختم اللواتي مقالته الأولى بالقول: «إنَّ علوم الطبيعة تكشف عن حقائق علمية لن تتغير- كما أوضحنا- ومن يرفضها فهو يرفض حقائق ثابتة لن تتغير ويعيش في وَهْمٍ لا واقعَ ولا حقيقةَ له!» وأختم مقالتي هذه بالقول إنه إن كان ثمة ما يُعلمنا إياه العلم فهو التواضع، والاعتراف بمحدوديتنا ومحدودية أدواتنا، وخطاب الحقائق هذه وإن كان «مُفيدا» من الناحية العملية، إلا أنه لا يُقربنا أكثر من فهم الظواهر الطبيعية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: حقیقة علمیة

إقرأ أيضاً:

رحلة علمية تتحول لكارثة مروعة.. تفاصيل حادث أطباء قنا

يشهد ملف الطواقم الطبية في صعيد مصر حالة من الحزن العميق بعد وقوع حادث أطباء قنا الذي أدى إلى وفاة طبيبة وإصابة ثلاثة من زملائها خلال توجههم للمشاركة في فعالية علمية بمدينة الغردقة.

وتسابق الجهات المختصة الزمن لكشف تفاصيل الواقعة ومتابعة حالات المصابين بالتنسيق مع نقابة الاطباء التي تتابع التطورات لحظة بلحظة وسط مشاعر صادمة داخل الوسط الطبي.

جهات التحقيق تكشف تفاصيل الحادث

أعلنت الجهات المختصة وفاة طبيبة وإصابة ثلاثة من الطاقم الطبي في حادث على طريق سفاجا بمحافظة البحر الاحمر خلال انتقالهم للمشاركة في فعالية علمية.

تلقت الاجهزة الامنية في مديرية امن البحر الاحمر اخطارا بوقوع حادث اطباء قنا اثناء تحرك فريق طبي من مستشفى قنا العام باتجاه سفاجا للمشاركة في يوم علمي وقبل وصولهم الى المدينة وقع انقلاب السيارة

مما اسفر عن وفاة الدكتورة عبير عبد الشكور وهي من محافظة سوهاج وإصابة الدكتورة ريم محمد خليفة والدكتورة ريهام محمود عبد اللطيف والدكتور حسن عيد من مركز الوقف وجميعهم من اطباء مستشفى قنا العام

كشفت المعاينة الاولية تفاصيل الاصابات نتيجة الحادث حيث تبينت حالة وفاة الطبيبة عبير عبد الشكور بينما اصيب زملاؤها الثلاثة بإصابات متفاوتة وتم نقلهم جميعا الى مستشفى سفاجا المركزي لتلقي الرعاية الطبية اللازمة وتم وضع الحالة بالكامل تحت تصرف جهات التحقيق التي تتابع ابعاد حادث اطباء قنا

حررت الجهات المختصة محضرا رسميا بالواقعة مع اخطار النيابة العامة التي بدأت مباشرة التحقيقات لكشف مسار السيارة وتحديد ملابسات الحادث بدقة كما وجهت وحدة المباحث باتخاذ اجراءات التحري اللازمة وجمع المعلومات المرتبطة بخط سير الفريق الطبي قبل وقوع الحادث

تحرك مجلس نقابة اطباء قنا برئاسة الدكتور محمد الديب للتعامل الفوري مع تداعيات الحادث حيث نعت النقابة الطبيبة الراحلة عبير عبد الشكور مع تقديم خالص العزاء لأسرتها ولزملائها في مستشفى قنا العام كما اكدت النقابة متابعتها المستمرة لحالة المصابين ودعمها الكامل لهم في هذه الظروف

وصل الدكتور محمد الديب نقيب الاطباء والدكتور محمود عويس الامين العام للنقابة الى مستشفى سفاجا فور وقوع الحادث للاطمئنان على حالة الاطباء المصابين ومتابعة تلقيهم الرعاية الطبية حيث حرصا على مرافقة ذوي المصابين وتقديم الدعم المباشر في ظل الاجراءات الطبية التي يجري تنفيذها داخل المستشفى

أصدرت نقابة اطباء قنا بيانا رسميا تعلن فيه نعي الطبيبة عبير عبد الشكور التي كانت في طريقها الى مؤتمر علمي متخصص في امراض النساء والتوليد بمدينة الغردقة 

وشددت النقابة على ان فقدان الطبيبة يمثل خسارة كبيرة للطاقم الطبي داخل المحافظة فيما تتمنى الشفاء العاجل لكل من الدكتورة ريم محمد خليفة والدكتورة ريهام محمود عبد اللطيف والدكتور حسن عيد الذين اصيبوا في الحادث نفسه

وضحت مصادر طبية ان الفريق كان متوجها لحضور يوم طبي بالغردقة وان انقلاب السيارة وقع فجأة على طريق سفاجا مما ادى الى حالة الوفاة والاصابات التي تم نقلها على الفور الى مستشفى سفاجا المركزي حيث اودعت جثة الطبيبة المتوفاة داخل المشرحة وتم تقديم الاسعافات اللازمة للمصابين

انفجار غاز يهز أسيوط ويحوّل محل كشري لدقائق رعب حقيقية غموض قاتل بساحل سليم: جثة طفل 12 سنة تحير الشرطة بوابة الوفد تكشف تفاصيل نتائج الحصر العددي لانتخابات مجلس النواب بأسيوط سيد عيد مرشح حزب الوفد بحدائق القبة ينعى رحيل النائب احمد جعفر ويصفه بصاحب الايادي البيضاء تفاصيل التحقيقات الكاملة في قضية سائق محافظ الدقهلية وتهريب الاوكسي انفجار ماسورة غاز في إمبابة يودي بحياة شخص وإصابة 4 آخرين تجديد حبس مجموعة عناصر بؤر إجرامية للمخدرات القبض على مدرب بمحاولة الاعتداء على الأطفال بأكاديمية كرة قدم إعلام المنوفية يواصل حملة حمايتهم واجبنا لمواجهة التحرش بالأطفال اصطدام مركبتين في حائل يتسبب بحالة وفاة وإصابتين ويثير تحرك المرور

مقالات مشابهة

  • حجز تاجر بتهمة النصب على المواطنين بزعم حصولهم على شهادات علمية
  • رحلة علمية تتحول لكارثة مروعة.. تفاصيل حادث أطباء قنا
  • ريديت يطعن في حظر أستراليا لمواقع التواصل دون ١٦: يزعم أن القانون يحد النقاش السياسي
  • هل تقبل صلاة الجمعة في البيت بسبب المطر الشديد؟.. الإفتاء ترد
  • ناسا تكشف حقيقة الأضواء الحمراء الشبيهة بقناديل البحر
  • هل يجهّز أردوغان ابنه بلال ليصبح رئيس تركيا القادم؟
  • أمطار غزيرة وأحوال جوية غير مستقرة بالبحيرة
  • المستشار الألماني: أوكرانيا وحدها من تقرر شكل التسوية الإقليمية التي تقبل بها
  • الأرصاد والدفاع المدني تحذر من مخاطر البرق القادم من السحب
  • بالأرقام.. كيف يحدث البرق والرعد وتحذير عاجل من خطورة الشحنات الكهربائية