المناطق_ متابعات

تستضيف الهند القمة الـ18 لرؤساء دول وحكومات مجموعة العشرين في نيودلهي تتويجاً لجميع عمليات واجتماعات مجموعة العشرين التي عُقدت على مدار العام بين الوزراء وكبار المسؤولين والمجتمعات المدنية في عدد من المدن الهندية، وسيتم اعتماد إعلان قادة مجموعة العشرين في ختام قمة نيودلهي، والذي يتوقع أن ينص على التزام القادة بالأولويات التي تمت مناقشتها والاتفاق عليها خلال الاجتماعات الوزارية واجتماعات مجموعات العمل المعنية.

وتسجل المملكة حضورها الدائم من خلال هذه القمة والقمم السابقة كدولة تمتع بحضور سياسي واقتصادي، وتمثل العمق العربي والإسلامي، وهي في الوقت نفسه قوة استثمارية رائدة، ومحور يربط القارات الثلاث، وعضو فاعل في مجموعة العشرين من خلال المشاركة في تشكيل السياسات الرقمية وقيادة عدد من المبادرات للدفع بالجهود العالمية لسد الفجوة الرقمية العالمية، كما تتبوأ المملكة مراكز متقدمة مقارنة بدول المجموعة حيث تحتل المرتبة الثانية بين دول المجموعة في تخصيص الطيف الترددي، والمرتبة الثانية أيضاً في جاهزية البنية التحتية الرقمية ضمن تصنيف الاتحاد الدولي للاتصالات، والمركز الثاني بين دول المجموعة في مؤشر أسرع الاقتصادات الرقمية ضمن تقرير ديجتال رايزر للمركز الأوروبي للتنافسية الرقمية.

أخبار قد تهمك الهند تشدد القيود على صادرات الأرز 26 أغسطس 2023 - 12:26 مساءً وزير الصحة يلتقي نظيرَه الهندي 19 أغسطس 2023 - 12:02 صباحًا

وتعتبر استضافة المملكة لقمة مجموعة العشرين لعام 2020، لأول مرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تأكيداً على الثقل السياسي والاقتصادي على مستوى المنطقة والعالم، وتعد حدثاً كبيراً يبرز دور المملكة الرائد وينسجم مع رؤية 2030 التي تهدف إلى نقل البلاد إلى مستوى مختلف تماماً من الناحية الاقتصادية، ولا شك أن ترؤس المملكة لقمة أكبر اقتصادات العالم التي تشكل أكثر من 70 % من التجارة العالمية سينعكس على اقتصادها بفتح فرص وآفاق جديده نتيجة الثقة المتزايدة التي ستنعكس جراء ذلك على الاقتصاد المحلي.

استقرار الاقتصاد العالمي

ولا يقتصر دور المملكة في كونها إحدى الدول الفاعلة في المنطقة فحسب، بل إنها تؤدي دورًا مهمًّا في استقرار الاقتصاد العالمي، ويتيح التوقيت الذي حظيت المملكة فيه برئاسة مجموعة العشرين في 2020 فرصةً فريدةً للمملكة وللعالم أجمع، وقد مكّنت الخطط الإصلاحية لرؤية 2030، من مشاركة قصص النجاح والدروس المستفادة الناتجة من تطبيق رؤيتها. وفي ظل التغيرات الاجتماعية الاقتصادية الحالية، رحّبت المملكة بتجارب الدول الأعضاء في المجالات ذات الصلة وتتطلّع إلى الاستفادة منها، حيث شهدت المملكة إصلاحات اقتصادية واجتماعية في إطار الرؤية التي أطلقتها في عام 2016م، والتي تتسق اتساقًا كبيرًا مع الأهداف الرئيسة لمجموعة العشرين، وهي: استقرار الاقتصاد الكلي، والتنمية المستدامة، وتمكين المرأة، ورأس المال البشري المعزَّز، وزيادة تدفق التجارة والاستثمار.

وتطلّعت المملكة من خلال رئاستها للقمة إلى تعزيز التعاون مع شركائها من الدول الأعضاء لتحقيق أهداف المجموعة، وإيجاد توافق دولي حول القضايا الاقتصادية المطروحة في جدول الأعمال بهدف تحقيق استقرار الاقتصاد العالمي وازدهاره، كما ستسهم استضافة القمة في طرح القضايا التي تهم منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

واستندت مشاركات المملكة على المبادرات والنجاحات التي حققتها المملكة في دعم نمو الاقتصاد العالمي وانتعاشه خلال استضافتها لأعمال القمة العام 2020، بما في ذلك مبادرة الرياض لمستقبل منظمة التجارة العالمية، والتأهب والاستجابة للأوبئة، ودعم النظام الصحي العالمي، ومعالجة أزمات الطاقة والغذاء وسلال الإمداد، والتحول الرقمي والتجارة الإلكترونية وتيسير التجارة الدولية وزيادة تنافسية المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتخصيص 11 تريليون دولار لحماية ودعم الاقتصاد العالمي من آثار جائحة كورونا وتعليق ديون 73 دولة بقيمة 14 مليار دولار.

وتوضح رؤية 2030 الأهداف والتوقعات طويلة المدى للمملكة، وهي تستند إلى نقاط القوة والقدرات الفريدة التي تتمتع بها المملكة. هذه الرؤية الرائدة تعتمد على ثلاث ركائز، وهي، مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح. هذه الركائز تستفيد من نقاط القوة الجوهرية للمملكة لمساعدة مواطنيها على تحقيق تطلعاتهم.

انعكست نتائج استضافة أعمال مجموعة العشرين وقمّتها في المملكة على القطاع الخاص الذي فتحت أمامه مجالات جديدة لم تكن متاحة بشكل واسع في السابق مثل السياحة وصناعة الترفيه وغيرها التي ستتعزز بشكل كبير من جراء بروز دور المملكة الفاعل في هذا المنتدى الاقتصادي الأضخم على مستوى العالم.

تقود دول مجموعة العشرين الاقتصاد العالمي باستحواذها على نحو 90 % من إجمالي الناتج القومي لدول العالم، كما ترتبط بعلاقات تعاون اقتصادي وشراكة إستراتيجية مع تلك الدول تسهم في دعم جهود التنمية والتنويع الاقتصادي وتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 ونقل وتوطين التقنيات والخبرات الدولية الرائدة بمختلف القطاعات الاقتصادية، فضلاً عن أن حجم التجارة بين المملكة ودول مجموعة العشرين يمثل 64 % من حجم تجارتها الخارجية كما ترتبط رؤية المملكة ارتباطًا وثيقًا بجوهر أهداف مجموعة العشرين من حيث التركيز على الاستقرار الاقتصادي والتنمية المستدامة وتمكين المرأة وتعزيز رأس المال البشري وزيادة تدفق التجارة والاستثمارات.

تكمن أولويات مجموعة العشرين لهذا العام، لدعم النمو الاقتصادي العالمي في ظل التوترات الجيوسياسية، وتعزيز سلاسل القيمة العالمية والخدمات اللوجستية المرنة، بالإضافة إلى مجموعة من القضايا المتعلقة بالصحة والطاقة والأمن الغذائي والتعليم والسياحة وسوق العمل والاقتصاد الرقمي، وتعزبز دور المملكة في المجموعة وسبل تعزيز الاستفادة من المبادرات التي أطلقتها المملكة خلال رئاستها لمجموعة العشرين في عام 2020م، بالإضافة إلى مناقشة خارطة الطريق ومشاركة المملكة في اجتماعات المجموعة وصولاً لقمة قادة دول مجموعة العشرين المقرر عقدها في مدينة نيوديلهي خلال الفترة 9-10 سبتمبر 2023م. حيث تحرص المملكة على تقديم حلول ومبادرات لمعالجة التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي، ومن ذلك مبادرة تعليق مدفوعات الدين وإطار العمل المشترك للمجموعة، ودورها في إطلاق صندوق الوساطة المالية للأمن الصحي ودعمها له بمبلغ 50 مليون دولار، إلى جانب عملها مع الرئاسة الأندونيسية لمجموعة العشرين في عام 2021م لوضع استجابة لأزمة الأمن الغذائي العالمية.

الانطلاقة من واشنطن

وفي هذا الشأن قال الاقتصادي، المهندس محمد عادل باعقيل، منذ المشاركة الأولى للمملكة في اجتماعات قمة مجموعة العشرين في واشنطن عام 2008، بأن للجميع جدوى انضمام السعودية للمجموعة وظهر أن دورها لن يكون مقتصراً على تعزيز استقرار أسواق الطاقة العالمية من خلال دورها الفاعل في السوق البترولية العالمية، وقد نجحت المملكة فعلا في تسهيل توافق دول المنظمة حيال العديد من القضايا والتحديات التي كانت محط اهتمام مجموعة العشرين، ثم كان الظهور القوي لتأثير المملكة وقدراتها خلال ترأس المملكة للمجموعة وانعقاد قمة الرياض التي عقدت خلال ظرف استثنائي تمثل في جائحة كورونا التي هددت الجنس البشري،متمثلا في تحول اجتماع قادة مجموعة العشرين إلى العمل المؤسسي المشترك بدلا من التوصيات والمقترحات، وكانت مخرجات قمة الرياض بمثابة خارطة طريق لتجاوز الجائحة وتهديدها للجنس البشري ولبنة مهمة في الطرق لتمكين الإنسان، والحفاظ على كوكب الأرض، وتشكيل الآفاق الجديدة، بدءًا بدعم الدول النامية، وإقرار المجموعة لمبادرة تعليق مدفوعات الدين ‏للدول الأكثر فقرًا حتى منتصف 2021م، وتمويل التوزيع العادل للقاحات الوقاية من جائحة فيروس كورونا والعمل المشترك لإبقاء طرق النقل مفتوحة وآمنة وضمان استمرارية سلاسل الإمداد والعمل المشترك لحماية كوكب الأرض ومواجهة ‏التحديات الناشئة عن التغير المناخي والحفاظ على البيئة لتحقيق اقتصاد قوي وشامل ومتوازن ‏ومستدام.

وأشار م.محمد باعقيل، إلى أن تواجد المملكة ضمن مجموعة العشرين ساعد بشكل جزئي في تسليط الضوء على الإمكانات والقدرات الضخمة التي تمتلكها السعودية والتي تضاعفت بشكل كبير على إثر إطلاق القيادة الرشيدة لرؤية 2030 التي تهدف إلى تقليص الاعتماد على النفط وتنويع الاقتصاد الوطني، وتعزيز مجتمع نابض واقتصاد مزدهر وأمة طموحة تتعايش مع بقية الأمم بشكل يضمن التقدم والازدهار،ويكفي دلالة على موقع المملكة بين دول المجموعة تصنيف تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD الاقتصاد السعودي بالأعلى نموًا في مجموعة العشرين لعامي 2022م و2023م.

أكبر اقتصادات العالم

بدورها قالت، رائدة الأعمال المستثمرة في قطاع السياحة، أبرار باشويعر، يشكل تواجد المملكة كعضو فاعل وقوي ضمن دول مجموعة العشرين المشكلة من أكبر اقتصادات العالم المتقدمة والناشئة، فرصة جيدة للمقارنة ولتقييم مستوى التقدم الذي تحرزه خطط وبرامج ومبادرة رؤية 2030 التي لا جدال حول جدواها في تنويع مصادر الدخل وتنشيط قطاعات غير نفطية كقطاع السياحة حيث تؤكد التقارير الإحصائية أن السعودية تصدرت دول مجموعة العشرين في معدل تدفق السياح الدوليين الوافدين خلال الأشهر السبعة الأولى من العام 2022م، وفقاً لتقارير منظمة السياحة العالمية، التي أعلن عنها خلال اجتماع وزراء السياحة لدول مجموعة العشرين لعام 2022 الذي انعقد برئاسة إندونيسيا، كما صنف قطاع السياحة السعودي بالأسرع نموًا في العالم، حيث سجل معدل نموٍ بلغ 14 %، مقارنة بفترة ما قبل جائحة كورونا، وهناك كثر من الأمثلة تدخل ضمن هذا الإطار كتصدر السعودية، مجموعة دول العشرين كأفضل أداء اقتصادي متوقع خلال العام 2022 بنسبة 8.7 %، على أساس سنوي، وحلولها ضمن أقل الدول في معدلات التضخم بين دول مجموعة العشرين حسب أرقام شهر يوليو 2023، وفقًا لإحصاءات ترايدينغ إكونوميكس.

وأشارت، أبرار باشويعر، إلى أن المملكة أثبتت مكانتها وتميزها بين دول المجموعة وأسهمت بشكل مباشر في الإضافة لتلك الدول وغيرها من دول العالم وخصوصاً الدول العربية كونها الدولة العربية الوحيدة التي انضمت للمجموعة، ويظهر ذلك بوضوح في ريادتها لمكافحة ظاهرة تغير المناخ ومعالجة التحديات البيئية وموقعها المتقدم في طليعة الدول المانحة للمساعدات الإنمائية.

بدوره قال الاقتصادي سيف الله شربتلي، كما كان دخول المملكة داعما لتسليط مزيد من الأضواء على إمكانياتها وقدراتها التي تتجاوز دورها المعروف في تعزيز استقرار أسواق الطاقة العالمية من خلال دورها الفاعل في السوق البترولية العالمية، كان تواجدها أيضا مبعثا لتسليط الضوء بشكل أكبر على الدور الريادي الذي تقوم به من أجل تقارب الأمم والشعوب والحفاظ على بقاء الإنسان وحماية كوكب الأرض عبر العديد من المبادرات والبرامج بشتى المجالات الإنسانية والبيئية والصحية وفي الطاقة والتعليم والتجارة والتقنية والتنمية وغيرها وهو دور مستمر ومتواصل لم ينقطع منذ تأسيس المملكة إلى يومنا هذا الذي تتصدر فيه قائمة الدول المانحة لتقديم المساعدات الإنمائية الرسمية بشكل عام، والأمثلة المؤكدة لذلك المنهج كثيرة لعل اقربها إعلان الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي -يحفظه الله-، عن تأسيس المملكة لمنظمةٍ عالميةٍ للمياه مقرها الرياض، تهدف إلى تطوير وتكامل جهود الدول والمنظمات لمعالجة تحديات المياه بشكلٍ شمولي لتتواصل بذلك جهودها المستمرة في وضع قضايا المياه على رأس الأجندة الدولية، ومن ذلك منصة مجموعة العشرين للمياه” التي أنشأتها المملكة وتتولى استضافتها والإشراف عليها خلال السنوات الخمس الأولى ومنه أيضا تقديمها تمويلات تجاوزت 6 مليارات دولار لدول في 4 قارات حول العالم لصالح مشاريع المياه والصرف الصحي.ومن تلك الأمثلة أيضا المبادرات التي أُطلقت أثناء عام 2021م، للحد من آثار التغير المناخي كمبادرتي “السعودية الخضراء” و”الشرق الأوسط الأخضر”.

دور قيادي ومحوري

أكد عدد من المحللين الاقتصاديين، أن مشاركة المملكة في قمة مجموعة دول العشرين G20 التي تستضيفها الهند تعكس دورها المؤثر في صناعة السياسات الاقتصادية العالمية ومكانتها المرموقة ضمن دول المجموعة، إذ تحتل المرتبة (3) من حيث الاحتياطات الأجنبية و(7) في التنافسية العالمية، ويُتوقع أن تصل للمرتبة (16) من حيث الناتج المحلي الإجمالي في المستقبل بقيمة 1.04 تريليون دولار، حيث يعزز تواجد المملكة في مجموعة العشرين من دورها الريادي على المستوى العالمي، كما يعزز دورها القيادي مع تلك الاقتصاديات الكبرى، فعضوية المملكة في مجموعة العشرين جاءت بناء على الدور المحوري والمؤثر في مسيرة الاقتصاد العالمي.

وأصبحت المملكة تلعب دورا محوريا ورئيسيا، في تحقيق التوازن العالمي سواء من الناحية الاقتصادية، كونها تنطلق من سياسة متوازنة؛ حيث الاعتدال في أسعار النفط بالنسبة للمنتجين والمستهلكين على السواء، أو من الناحية السياسية بما تتمتع به من ثقل راسخ ومكانة كُبرى ليس في العالم العربي والإسلامي فحسب بل في العالم أجمع.

والمملكة تشكل رقمًا أساسيًا لا يمكن تجاوزه على المستوى السياسي أو الاقتصادي، حيث عزّزت من مكانتها في الاقتصاد العالمي بُحسن إدارتها لجملة المتغيرات التي تعرض لها العالم منذ بداية الألفية وحتى وقتنا الحالي، وما تمتلكه من مقومات سواء نفطية أو صناعية أو ما هي بصدد تطويره الآن وفقًا لرؤية 2030م؛ حيث إفساح المجال لقطاعات التقنية الحديثة والسياحة وغيرهما من القطاعات الحديثة، فالمملكة تحتل المرتبة الـ17 من بين اقتصاديات دول العشرين من حيث الناتج المحلي الإجمالي، فضلاً عن أنها تقع ضمن أقل دول العشرين من حيث نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي.

وتواجد المملكة في مجموعة العشرين إنما تأتي تعبيرًا عن تلك القناعات والمنطلقات الرئيسية للمملكة في محيطها العالمي؛ حيث نمو الاقتصاد العالمي والمحافظة على استقراره بما يحقق مصالح جميع البلدان والشعوب.

السعودية الخضراء والاقتصاد الأخضر

وفي إطار مبادرة السعودية الخضراء، فإن المملكة تعمل على زيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة وتقليل الانبعاثات الكربونية وحماية البيئة، تماشيًا مع رؤية 2030 التي يأتي ضمن أهدافها تحسين جودة الحياة وحماية الأجيال المقبلة، حيث تلتزم بصفتها إحدى أهم الدول المنتجة للطاقة، بالمساهمة بشكل فعال في الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي.

فمنذ إطلاق رؤية 2030، أحرزت المملكة تقدمًا كبيرًا في مواجهة التحديات الصعبة في مجال حماية البيئة، لكن لا يزال هناك حاجة إلى بذل مزيد من الجهود، فالمبادرة ترسم توجّه المملكة في مكافحة التغير المناخي، وتسهّل التعاون بين جميع فئات المجتمع والقطاع العام والخاص للإسراع في توسيع نطاق العمل المناخي.

وتهدف السعودية الخضراء إلى تحقيق الحياد الصفري للانبعاثات بحلول 2060، بالإضافة الى تقليل الانبعاثات الكربونية بأكثر من 278 مليون طن سنوياً بحلول 2030، فضلاً عن المساهمة في خفض انبعاثات الغاز الميثان على المستوى العالمي بنسبة 30 % بحلول 2030، وكذلك زراعة 10 مليارات شجرة وإعادة تأهيل 40 مليون هكتار من الأراضي خلال العقود المقبلة، الى جانب تبني الاقتصاد الأخضر الذي يهدف إلى الحدّ من المخاطر البيئية وإلى تحقيق التنمية المستدامة.

نجاحات المملكة بين دول العشرين

ويتوقع اقتصاديون بمناسبة انعقاد قمة قادة مجموعة العشرين (G20) في الهند أن ستتسند القمة على المبادرات والنجاحات التي حققتها المملكة في دعم نمو الاقتصاد العالمي وانتعاشه خلال استضافتها لأعمال القمة العام 2020، بما في ذلك مبادرة الرياض لمستقبل منظمة التجارة العالمية، والتأهب والاستجابة للأوبئة، ودعم النظام الصحي العالمي، ومعالجة أزمات الطاقة والغذاء وسلال الإمداد، والتحول الرقمي والتجارة الإلكترونية وتيسير التجارة الدولية وزيادة تنافسية المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتخصيص 11 تريليون دولار لحماية ودعم الاقتصاد العالمي من آثار جائحة كورونا وتعليق ديون 73 دولة بقيمة 14 مليار دولار.

ونوهوا بأهمية عضوية مجموعة العشرين بالنسبة للمملكة، حيث تقود دول المجموعة الاقتصاد العالمي باستحواذها على نحو 90 % من إجمالي الناتج القومي لدول العالم، و80 % من حجم التجارة العالمية، كما ترتبط بعلاقات تعاون اقتصادي وشراكة إستراتيجية مع تلك الدول تسهم في دعم جهود التنمية والتنويع الاقتصادي وتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 ونقل وتوطين التقنيات والخبرات الدولية الرائدة بمختلف القطاعات الاقتصادية، فضلاً عن أن حجم التجارة بين المملكة ودول مجموعة العشرين يمثل 64 % من حجم تجارتها الخارجية كما ترتبط رؤية المملكة ارتباطًا وثيقًا بجوهر أهداف مجموعة العشرين من حيث التركيز على الاستقرار الاقتصادي والتنمية المستدامة وتمكين المرأة وتعزيز رأس المال البشري وزيادة تدفق التجارة والاستثمارات.

تضافر الجهود

وأشادوا باستضافة ورئاسة الهند لقمة مجموعة العشرين G20 العام الحالي 2023 وما تضطلع به من جهود مميزة من خلال اجتماعات المجموعة لتعزيز التعاون الدولي وتدعيم التعافي الاقتصادي العالمية، خاصة أن القمة تنعقد في ظروف استثنائية تتطلب تضافر الجهود لمواجهة التحديات المتعلقة بالتجارة والاستثمار وسلاسل الإمداد والغذاء وغيرها، وأعربوا عن تمنياتهم بأن تخرج القمة بتوصيات ومخرجات فاعلة تدعم الاقتصاد وقطاع الأعمال العالمي وتسهم في مواصلة التعافي والانتعاش الاقتصادي، وتعزيز الثقة في الاقتصاد العالمي بتذليل التجارة والاستثمار لضمان نمو الاقتصاد العالمي واستدامته بما يحقق رفاهية شعوب الأرض كافة.

المصدر: صحيفة المناطق السعودية

كلمات دلالية: الهند قمة العشرين المملکة فی مجموعة العشرین نمو الاقتصاد العالمی دول مجموعة العشرین مجموعة العشرین من مجموعة العشرین فی السعودیة الخضراء استقرار الاقتصاد التجارة العالمیة بین دول المجموعة التغیر المناخی رؤیة المملکة جائحة کورونا رؤیة 2030 التی دور المملکة دول العشرین قمة مجموعة المملکة ا العشرین ا من خلال فی دعم

إقرأ أيضاً:

أوهام الازدهار العالمي.. تفكيك أسباب الفقر في عالمٍ يزداد غنى .. كتاب جديد

يعيش العالم أزمات اقتصادية طاحنة: دول ثرية وآخرى يقتلها الجوع والفقر، دول تتحسن مؤشرات أدائها الاقتصادي وباتت تشكل قوة صاعدة على المستوى السياسي الدولي، ودول يهوي بها قادتها إلى مهاوي التبعية والتخلف والتفريط في المقدرات. لذلك، يكتسب الكتاب الذي بين أيدينا اليوم ، "لماذا نزداد فقرا؟ دليل واقعي للاقتصاد وكيفية إصلاحه"، أهمية خاصة حيث ينكأ الجراح، ويجيب على تساؤلات مهمة، ويرسم طريق الحل. ومؤلفه هو عالم الاقتصاد البريطاني كاهال موران المتخصص في علم الاقتصاد السلوكي. والكتاب صدر عن دار هابر كولين للنشر بنيويورك في 2025.

عرض موجز للكتاب

لطالما شكّلت الأزمات الاقتصادية مسار حياة الشعوب. ورغم كارثية الركود، فإنه يصبح هو الوقت مناسب لدراسة الاقتصاد. ولكن الأزمة الاقتصادية التي أصابت العالم بين عامي 2007 و2009، أثبتت أن السنوات الخمس والعشرون اللاحقة كانت فترة مثالية لدراسة الاقتصاد. إذ كان ذلك الركود هو الأكبر منذ سبعين عاماً، وشهد ارتفاعاً حاداً في معدلات البطالة، وتراجعاً في مستويات المعيشة، وإغلاق عدد لا يحصى من الشركات. ووجد كثيرون حول العالم أن حصولهم على الضروريات الأساسية كالغذاء بات مهدداً. لكن حتى تلك الأحداث الصعبة بدت ضئيلة مقارنة بما سيأتي.

نهاية التاريخ؟

منذ التسعينيات، سادت عقلية "نهاية التاريخ". فقد انتهت الحرب الباردة، وانتصرت الدول الغربية الرأسمالية الليبرالية على الشيوعية. وكان يُعتقد أن هذا هو النموذج لجميع الدول الذي يجب أن يكون وجهتها النهائية. وطوال التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، بدت المملكة المتحدة وغيرها من الدول في وضع جيد بفضل "النهج الثالث": رأسمالية معها شبكة أمان تحمي من قسوة النظام. مما يعني إمكانية الإصلاح التدريجي بدلًا من التخلي عن كل شيء والبدء من جديد. وفي بعض الحالات، مع نمو الاقتصاد، كان خروج الدول من دائرة الفقر مسألة وقت فقط لتنضم إلى الدول الغنية. فارتفاع المد يرفع جميع السفن.

الفقاعة العقارية

كشفت الأزمة 2007-2009 عن مشاكل عميقة في الاقتصاد كانت مخفية مؤقتًا وراء طفرة غير مستدامة. وطوال العقد الأول من الألفية الجديدة، منحت البنوك في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة قروضًا عقارية لأشخاص غير قادرين على السداد، مما أدى إلى تضخم فقاعة في أسعار المنازل. رغم أن هذا وحده كان كافيًا لإحداث ركود اقتصادي، إلا أن الأمر تفاقم بسبب شبكة الأدوات المالية المعقدة التي أنشأتها البنوك حول العالم استنادًا إلى هذه الرهونات العقارية.

منذ التسعينيات، سادت عقلية "نهاية التاريخ". فقد انتهت الحرب الباردة، وانتصرت الدول الغربية الرأسمالية الليبرالية على الشيوعية. وكان يُعتقد أن هذا هو النموذج لجميع الدول الذي يجب أن يكون وجهتها النهائية. وطوال التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، بدت المملكة المتحدة وغيرها من الدول في وضع جيد بفضل "النهج الثالث": رأسمالية معها شبكة أمان تحمي من قسوة النظام. مما يعني إمكانية الإصلاح التدريجي بدلًا من التخلي عن كل شيء والبدء من جديد. وفي بعض الحالات، مع نمو الاقتصاد، كان خروج الدول من دائرة الفقر مسألة وقت فقط لتنضم إلى الدول الغنية. فارتفاع المد يرفع جميع السفن.وعندما انفجرت الفقاعة، امتدت آثارها إلى النظام المالي بأكمله، وشعرت المؤسسات المالية الكبرى بانهيارها. ومن الأمثلة على ذلك، إفلاس بنك ليمان براذرز في بداية الأزمة، وهو ما كان كارثيًا لدرجة أن الخيار الوحيد المتاح أمام الحكومات كان ضخ الأموال العامة في البنوك لإنقاذها.

السياسات التقشفية وآثارها في الدول الغربية

في أعقاب الأزمة المالية، انتهجت العديد من الحكومات الغربية سياسات تقشفية لتحقيق التوازن في الميزانية العامة. وكان هذا تشخيصًا خاطئًا وتوجيهًا خاطئًا: فقد أدت الأزمة إلى انهيار الإيرادات الضريبية وارتفاع إعانات البطالة المصاحبة لأي ركود اقتصادي، وهو ما يفسر اختلال الميزانية. ولم تحقق سياسة التقشف في المملكة المتحدة هدفها المعلن المتمثل في تحقيق التوازن في الميزانية على وعد تحقيق فائض بحلول 2015، ولكن مع حلول ذلك العام، كانت الحكومة لا نزال تقترض 4,4% من الناتج المحلي الإجمالي. ولم تسفر التخفيضات فقط عن توقف النمو بين طلاب المدارس، بل أدت أيضًا إلى انهيار سقف مدرسة في مقاطعة كينت. ولا تزال آثار التقشف محسوسة، حيث علقت المملكة المتحدة في "حلقة مفرغة"، إذ يعني ضعف الأداء الاقتصادي انخفاض الموارد المالية المتاحة، مما يعني مزيدًا من التخفيضات في الخدمات العامة.

أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو

شهدت منطقة اليورو أزمة ديون سيادية خاصة بها في نفس الفترة تقريبًا، في دول البرتغال وإيطاليا واليونان وإسبانيا، التي كانت تعاني جميعها من انخفاض النمو وارتفاع الديون. ونظرًا للاختلالات الاقتصادية في جميع أنحاء القارة، فإن استخدام عملة واحدة لم يمنح هذه الدول مجالًا كبيرًا للمناورة بعد انهيار 2007-2009. كان اليورو بمثابة قيد، يمنع كل دولة من اتباع سياساتها الخاصة. ولذلك، رُئي أن إجراءات تقشفية أشد قسوة من تلك المطبقة في المملكة المتحدة ضرورية. وكانت النتيجة تدهورًا حادًا في الخدمات العامة، وانخفاضًا في مستويات المعيشة، واضطرابات في اليونان. وعندما تم تقويض شبكة الأمان الاجتماعي، ارتفعت ديونهم على الفور بدلًا من أن تنخفض على عكس التوقعات. وكان على أثينا أن تحترق حرفيًا لإثبات أن التقشف كان مأساويًا وغير فعال. وفي النهاية، اعترفت السلطات بأن هذه الإجراءات لم تكن مجدية، مما استدعى مزيدًا من المرونة. على الرغم من أن بعض هذه الدول وأبرزها إسبانيا - قد تحسنت أوضاعها كثيراً في الآونة الأخيرة، إلا أن آثار أزمة منطقة اليورو ستستمر لعقود.

أفول العصر الذهبي للاقتصاديات الغربية

تفاقمت هذه الكوارث بسبب تراجع نسبي شهدته العديد من المدن والبلدات في الغرب منذ "العصر الذهبي" (1945-1973)، حيث اختفت الصناعة خلال ثمانينيات القرن الماضي، وتراجعت اقتصاداتها المحلية. عانت ريكسهام في المملكة المتحدة من اختفاء مناجم الفحم، وعانت ديترويت من انحسار صناعة السيارات الشهيرة فيها، وشهد شمال فرنسا انتقال صناعة الملابس إلى مناطق أخرى. ولم تقتصر هذه المشكلة على العالم الغني فحسب، بل تحولت البرازيل بأكملها من تصدير الآلات الصناعية إلى تصدير سلع أساسية كالحديد والنفط. وشهدت الهند نموها الرئيسي في أشكال العمل غير المستقرة: وظائف قطاع الخدمات منخفضة الأجر. وبينما قابلت هذه الاتجاهات نمو ملحوظ في أماكن أخرى، تجسد بشكل خاص في صعود الصين، إلا أنها تركت أثراً بالغاً في مناطق أخرى مع نضوب الفرص ومعاناة المجتمعات.

تحولات في المشهد السياسي

في 2016، رفعت المجتمعات صوتها. ففي المملكة المتحدة، صوّت البريطانيون للخروج من الاتحاد الأوروبي، أكبر تكتل تجاري في العالم؛ وفي الولايات المتحدة، انتخبوا دونالد ترامب، الذي وعد بوضع أمريكا في المقام الأول؛ وبعد عامين، انتخب البرازيليون جاير بولسونارو المعروف بـ"ترامب الاستوائي". وشعرت دول أوروبية أخرى بقلق مماثل، مع انتخاب فيكتور أوربان رئيسًا لجمهورية المجر عام 2010، واستمرار صعود اليمين المتطرف في أوروبا حتى يومنا هذا، بما في ذلك دول تُعتبر نمطيًا تقدمية مثل السويد وهولندا. وفي 2024، اتجهت بريطانيا وفرنسا نحو اليسار؛ لكن اليمين المتطرف لا يزال حاضرًا بقوة فيهما.

يعيش الناس في فقرٍ أكبر بكثير مما ينبغي أن يكونوا عليه. وقد أدت ديناميكيات الاقتصاد العالمي المختلة إلى أوضاعٍ أوضاعٌ كان من الممكن تحسينها جذريًا لو كان اقتصادنا مُصممًا بشكلٍ أفضل. فاقتصادنا العالمي غير المتكافئ والمختل قد جعل حياة الفرد العادي أسوأ دون أي مبرر. ومع ازدياد صعوبة الحياة، تتبدد التوقعات بشأن التقدم، ولذلك يأتي السؤال: لماذا نزداد فقراً؟!
هذه التحولات السياسية، التي شكلت صدمة للنخب، كانت تداعيات سياسية لاقتصادات فاشلة. ورغم أن لكل حالة تعقيداتها الخاصة، إلا أن جميعها تُشير بوضوح إلى تحول عن العولمة لإعطاء الأولوية لمواطني الوطن. وانتهج جو بايدن ودونالد ترامب، ورغم اختلافاتهما الواضحة، سياساتٍ تُعطي الأولوية لأمريكا، ومن أبرزها فرض تعريفات جمركية على البضائع الصينية. ويبدو أن عهد العولمة والتجارة الحرة قد ولّى.

وجه واحد من أوجه عدم المساواة

لم يكن تراجع المراكز الصناعية القديمة سوى وجهٍ واحدٍ من أوجه تفاقم عدم المساواة. فقد ازداد عدد المليارديرات في العالم عشرين ضعفًا بين عامي ١٩٨٧ و٢٠٢٤، وتضاعفت ثرواتهم الإجمالية أربعين ضعفًا، من ٢٩٥ مليار دولار إلى ١٤.٢ تريليون دولار. وسمحت هذه الثروة لقلةٍ مختارةٍ بالسيطرة على الاقتصاد: فقد تمكّن إيلون ماسك، أغنى رجلٍ في العالم آنذاك، من شراء أهم منصة تواصل اجتماعي في العالم، على ما يبدو بدافعٍ من نزوة، وإدارتها وفقًا لمصالحه ومعتقداته.

والحقيقة المُرّة هي أن عدم المساواة والفقر كانا سمتين مُلازمتين للعالم، فبأي مقياس معقول، يعيش معظم سكان العالم في فقر؟!! حفنةٌ من الدول فقط، معظمها في جنوب شرق آسيا، استطاعت أن تُصبح "غنية" خلال العقود القليلة الماضية. العديد من دول أمريكا اللاتينية، رغم أنها شهدت بعض النمو الإجمالي، تبدو عالقةً في مرحلة متوسطة من التنمية الاقتصادية، ولا تزال تضم نسبةً كبيرةً من فقر العالم. ولا تزال دول في أفريقيا تُعاني من سوء التغذية المُنتشر. وكل ذلك يعني فشلًا ذريعًا لاقتصادنا العالمي.

أزمة دائمة

قال المؤرخ الإنجليزي جي. إم. يونغ ذات مرة إنه لفهم شخص ما، عليك أن تنظر إلى ما كان يحدث في العالم. لقد دفعت تجربة الأزمة المالية المبكرة الكاتب إلى دراسة الاقتصاد في الجامعة، وشكل مع طلابه حيث مجموعة أطلقوا عليها اسم "جمعية اقتصاديات ما بعد الأزمة"، والتي تساءلت علنًا عن سبب عدم تدريس أي شيء في جامعتهم عن الأزمة التي شكلت حياة الناس. وأصدر الكاتب مع مجموعته تقريرًا عن حالة التعليم في جامعة مانشستر عام 2014، اتهموا فيه نظامهم التعليمي يركز بشكل مفرط على النظرية الرياضية المجردة، المنفصلة عن الواقع، والعاجزة عن تزويد الطلاب بمهارات التفكير النقدي التي يتوقعونها في الجامعة.

خارج قاعات الدراسة، ألقوا بعض المؤلفين باللوم في الأزمة على المصرفيين والاقتصاديين أنفسهم. كان هذا اللوم رغم أنه مبالغ فيه جزئيًا، إلا أنه مرتبط بلصورة العامة التي يُحب علم الاقتصاد إظهارها بمظهر العارف بكل شيء، أو كما قال كتاب تحرير الاقتصاديات، الصادر عام 2006، إن علم الاقتصاد قادر على كشف "الجانب الخفي لكل شيء"، ومطبق أفكار الاقتصاديين على الجريمة والمدارس والعنصرية. ولم يُشر الكتاب، ولو تلميحًا بسيطًا، إلى ما كان يجري في القطاع المالي قبيل انهياره.

لقد تغير الكثير منذ ذلك الحين، ولا سيما أن مهنة الاقتصاد قد خضعت لمراجعة شاملة لأوجه قصورها. لكن الحقيقة المُحزنة هي أنه لا تزال دراسة الاقتصاد مُجردة للغاية، وضيقة الأفق، وتُغفل العديد من الأزمات التي نواجهها.

الأسوأ لم يأتِ بعد

مع تقلبات المناخ العالمي، أصبحت الظواهر الجوية المتطرفة أكثر شيوعًا: الفيضانات والأعاصير ودرجات الحرارة القصوى في كلا الاتجاهين. ومع ارتفاع منسوب مياه البحر، ستشهد مدن ساحلية لا حصر لها فيضانات، وقد تختفي العديد من جزر المحيط الهادئ تمامًا. وستواجه البشرية صعوبات جمة في إنتاج الغذاء، وانتشار الأمراض، والهجرة الجماعية، بل وحتى الحروب. وبطبيعة الحال، سيؤدي كل هذا إلى تكاليف اقتصادية باهظة، تعيق النمو وتعطل سبل العيش في جميع أنحاء العالم.

وعندما اجتاح كوفيد-19 العالم في عام 2020، دخل العالم في عمليات إغلاق غير مسبوقة، أدت إلى توقف نصف اقتصاداته. كان ما يقرب من 93% من العاملين في العالم يعيشون في دول فرضت عمليات الإغلاق. ووصل عدد وفيات إلى الملايين. وقُدرت الخسائر في الناتج الاقتصادي بتريليونات الدولارات. وشهدت شمال أفريقيا والشرق الأوسط ارتفاعًا غير مسبوق في معدلات الفقر حتى قبل الجائحة.

وبمجرد أن خرج العالم من الإغلاق، اعتقد البعض أننا قد نتجه نحو انتعاش اقتصادي قوي، على غرار "العشرينيات الصاخبة" التي أعقبت جائحة الإنفلونزا الإسبانية عام 1918. إلا أن إعادة تشغيل اقتصادنا العالمي المعقد بشكل متكرر خلق مشاكل أكثر مما كان متوقعًا، حيث تعطلت سلاسل التوريد، وظهرت اختناقات في جميع أنحاء العالم. لقد ظلت هذه الاختناقات في كيفية إنتاج سلعنا وشحنها مخفية لسنوات لأن الأمور بدت وكأنها تسير على ما يرام؛ ولكن ظهرت مواطن الخلل بمجرد تعرضها لاختبار حقيقي. وفي سردية بدأت تتكرر، لم يحصل العمال الذين اعتمدنا عليهم للحفاظ على استمرار هذه الأنظمة على حقهم.

بالنظر إلى الماضي، ندرك أن النظرة إلى نهاية التاريخ تتطلب دائمًا نظرة متفائلة. ولكن اليوم، يُذكّر غزو روسيا لأوكرانيا عام ٢٠٢٢ الغرب بأن عالمنا ليس عالم سلام ووئام. وإن احتمالية نشوب حروب متجددة بين القوى العظمى، بما في ذلك التداعيات النووية، تُثير قلقًا بالغًا، وتعزز هذا القلق بتصاعد "الحرب الباردة الجديدة" بين الولايات المتحدة والصين. وتهدد حرب غزة بتصعيد التوترات في الشرق الأوسط وخارجه.

إن الأزمات المتنوعة على اختلافها قد تثير اليأس؛ لكن هناك أيضًا العديد من الجوانب الإيجابية في العالم الذي نعيش فيه: فقد تحقق تقدم ملحوظ في مجالات الفقر والصحة والتعليم على مستوى العالم. والتغيير دائمًا متعدد الأوجه ومعقد، ويقع على عاتقنا دراسة هذا التعقيد بدقة على أمل الحفاظ على الإيجابيات والقضاء على السلبيات. وهذا يتطلب واقعية، بدلًا من التفاؤل أو التشاؤم.إن الحرب تُزعزع مفاهيم الازدهار، فضلًا عن الأضرار المباشرة والجسيمة التي تُسببها الصراعات نفسها. بالنظر إلى اعتماد الاقتصاد العالمي الكبير على الاستقرار في المناطق المحيطة بروسيا والصين، فإن تداعيات هذه الصراعات ستكون واسعة النطاق. فقد عانت أوروبا من العقوبات المفروضة على روسيا، إذ نفدت إمدادات النفط والغاز التي اعتمدنا عليها لفترة طويلة. وارتفعت أسعار الطاقة عدة مرات في بعض الحالات، مما فاقم ما يُسمى بأزمة غلاء المعيشة. وتُعد أوكرانيا أيضًا من كبار منتجي القمح، وقد ارتفعت أسعار الحبوب فيها أيضًا، وكان التأثير الأشد وطأة على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المجاورة.

من السهل النظر إلى كل أزمة على أنها مُنعزلة؛ ولكننا يجب أن نتبنى عقلية حل المشكلات عبر النظر إلى ترابط مفرداتها ومظاهرها وأسبابها. فمثلاً، يُعدّ تغير المناخ وعدم المساواة قضيتين متلازمتين. ومن الظلم التاريخي الفادح أن الدول التي تُعدّ تاريخياً مسؤولة عن أكبر قدر من الانبعاثات هي الأقل تضرراً من تغير المناخ. وفي المقابل، ستعاني الدول الأشد فقراً، التي لم تُصدر ولن تُصدر نسبة كبيرة من غازات الاحتباس الحراري، أكثر من غيرها. حتى داخل الدولة الواحدة، تُصدر الدول الأغنى انبعاثات أكثر بكثير من الدول الأفقر. فاليخوت الفاخرة، والرحلات الجوية الخاصة، والسلع النادرة، والمنازل المتعددة، ومستويات الاستهلاك المرتفعة عموماً، ليست سوى بعض الأمثلة على كيفية مسؤولية الأغنياء عن الانبعاثات أكثر من الفقراء. ولذلك، يجب على أي حل لتغير المناخ أن يُعالج عدم المساواة بالضرورة.

إن الأزمات المتنوعة على اختلافها قد تثير اليأس؛ لكن هناك أيضًا العديد من الجوانب الإيجابية في العالم الذي نعيش فيه: فقد تحقق تقدم ملحوظ في مجالات الفقر والصحة والتعليم على مستوى العالم. والتغيير دائمًا متعدد الأوجه ومعقد، ويقع على عاتقنا دراسة هذا التعقيد بدقة على أمل الحفاظ على الإيجابيات والقضاء على السلبيات. وهذا يتطلب واقعية، بدلًا من التفاؤل أو التشاؤم.

لماذا نزداد فقرًا؟

يعيش الناس في فقرٍ أكبر بكثير مما ينبغي أن يكونوا عليه. وقد أدت ديناميكيات الاقتصاد العالمي المختلة إلى أوضاعٍ أوضاعٌ كان من الممكن تحسينها جذريًا لو كان اقتصادنا مُصممًا بشكلٍ أفضل. فاقتصادنا العالمي غير المتكافئ والمختل قد جعل حياة الفرد العادي أسوأ دون أي مبرر. ومع ازدياد صعوبة الحياة، تتبدد التوقعات بشأن التقدم، ولذلك يأتي السؤال: لماذا نزداد فقراً؟! والجواب يكمن فيما يلي:

1 ـ اقتصاد غير متكافي: توجد تفاوتات هائلة بين الناس تتجلى بطرقٍ عديدةٍ ومؤذية. ولا يحظى العديد من عمالنا الأساسيين بالتقدير اللائق مقارنةً بمن يؤدون وظائف نعلم يقيناً أنها أقل أهمية. إنه اقتصاد يهيمن فيه الأثرياء والشركات العملاقة على بقية أفراد المجتمع. ويواجه الناس عوائق اقتصادية لا حصر لها بسبب عوامل خارجة عن إرادتهم، كالطبقة الاجتماعية والعرق والجنس. ولا يزال معظم سكان العالم يعيشون في فقر. يمكن معالجة جميع مشاكل الاقتصاد غير المتكافئ بكبح جماح الأغنياء وأصحاب النفوذ، ودعم الفقراء والمهمشين، مع وجود مجال للاختلاف المعقول حول كيفية تحقيق ذلك.

2 ـ الخلل الوظيفي: يبدو أن سوق الإسكان لا يخدم مصالح أحد تقريباً، مما يخلق ظروفاً معيشية غير مقبولة لكثير الناس. إضافة إلى أن النظام النقدي غير مفهوم جيداً، وقد أدى هذا النقص في الشفافية إلى خيارات سياسية خاطئة. ولا تمتلك الدول الأنظمة المناسبة لتوقع التضخم الهائل وإدارته. وأخيرًا، فإن نظامنا التجاري العالمي هشٌّ، مُرهَق، وقائم على الاستغلال، مما يجعله عرضةً للانهيار. هذه المشكلات تؤثر علينا جميعًا، ولذا فإن الحلول أكثر تحديدًا من مجرد إعادة توزيع المال والسلطة. إنها حلولٌ واعدةٌ تعود بالنفع على الجميع، أغنياء وفقراء على حدٍ سواء.

3 ـ سياسات التقشف: تُجسد الرعاية الصحية حقيقةً جوهريةً وهي أن الاقتصاد والأهداف الإنسانية ليسا متعارضين. كثيرًا ما يُرادف مصطلح "الاقتصاد" مصطلح "القسوة" و"اتخاذ القرارات الصعبة"، وكأن ما يُفيد الاقتصاد لا يُمكن أن يُفيد الناس. والحقيقة هي أن خفض الإنفاق على الصحة والمدارس يُعدّ بمثابة إلحاق ضرر اقتصادي جسيم، مع تفاقم معاناة المرضى والأطفال بشكل غير ضروري. فقد أشار أحد التقارير إلى أن سوء الصحة يُكلّف سكان المملكة المتحدة حوالي 2200 جنيه إسترليني من دخلهم السنوي بسبب ترك الوظائف، وتقليص ساعات العمل، وتكاليف الرعاية الصحية.

وللمقارنة، يُمثّل هذا المبلغ حوالي 7% من متوسط الدخل في المملكة المتحدة، وهي زيادة ملحوظة في الأجور. حتى لو كان الهدف هو "اقتصاد قوي يُولّد الإيرادات"، فإن انخفاض الدخل والبطالة يعنيان وظائف متدنية الأجر أو البطالة التامة. كما أن التهاون في الإنفاق على الصحة يُمكن أن يُضاعف التكاليف لاحقًا. ولهذا السبب، فإنه في المملكة المتحدة: كل 200 مليون جنيه إسترليني تُخفض من إنفاق هيئة الخدمات الصحية الوطنية  تُكلف مليار جنيه إسترليني لاحقًا. ولا تقتصر هذه الحقائق على الدول الغنية كالمملكة المتحدة، إذ يظلّ الاستثمار في تلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية هو السبيل الأمثل للمضيّ قدمًا في كافة الدول غنية أو فقيرة.

4 ـ  الأفكار الاقتصادية الخاطئة: تكلف هذه الأفكار ثمنًا باهظًا. وبسبب دخول بعض هذه الأفكار علم الاقتصاد، وبدعمٍ من جهاتٍ سياسية، يسود اعتقادٌ واسعٌ بأنّ الأوقات العصيبة حتمية. وميثال ذلك ما حدث في ٢٠٢٣، عندما زعم الخبير الاقتصادي في بنك إنجلترا، هيو بيل، أنّ على البريطانيين "تقبّل أنّهم أفقر حالًا".

سؤال جوهري

السؤال المحوريّ الذي يطرحه الكتاب هو: هل يُمكّن الهيكل الحاليّ للاقتصاد الناس ليس فقط من البقاء، بل من الازدهار؟

هناك من يعتبر هذا السؤال ضربًا من العبث: فبحسب رأيهم، يُعرَّف علم الاقتصاد غالبًا بأنه دراسة "تخصيص الموارد النادرة"، ما يعني ضمنيًا أنه لا يُمكننا فعل الكثير حيال هذه الندرة المتأصلة، على الأقل في المدى القريب. وبالتالي، فإن الاقتصاد نفسه ليس إلا تعميمًا لعدد لا يُحصى من القرارات الفردية المُرتبطة بمواردها، لذا فإن التدخل في هذه القرارات يعني التدخل في الواقع، وهو ما لا يُؤدي أبدًا إلى نتائج إيجابية. على الرغم من أن هذا رأي متطرف، إلا أن التشاؤم بشأن قدرتنا على تحسين الاقتصاد بشكل ملحوظ منتشر على نطاق واسع. قد يتفق الكثيرون بشكل عام مع أهداف الكتاب ويرغبون في رؤية بعض التغييرات، مثل الإصلاحات المنطقية في التعليم والصحة والإسكان. ومع ذلك، فهم أيضًا مترددون في إحداث تغييرات جذرية، خشية أن نُعرِّض للخطر المكاسب المادية التي حققها العالم على مدى القرون القليلة الماضية.

كلا هذين الرأيين ـ سواءً كان يدعو إلى عدم التدخل أو إلى تدخل محدود في الاقتصاد ـ خاطئان بنفس القدر، بل ويقتربان من الخرافة. يكشف بحث معمق في كيفية عمل الاقتصاد عن شبكة معقدة من الممارسات والقوانين والمؤسسات القوية التي تُشكِّله بطرق مُتعمَّدة وقابلة للتغيير. إن اعتبار هذه المؤسسات القائمة أمراً طبيعياً أو حتمياً أمرٌ لا يُمكن تبريره. بإمكاننا فهم كيفية بنائها وتعلم كيفية تغييرها. تُبيّن أمثلةٌ لا حصر لها عبر التاريخ أنواع التحولات الاقتصادية التي يُمكن تحقيقها والتي تُحسّن حياة الناس دون أن تُشكّل خطراً كبيراً على المزايا التي لا جدال فيها لمجتمعنا الحالي. ليس هناك طريقة أفضل لفهم ذلك من النظر إلى كيفية نشأة الاقتصاد نفسه.

مقالات مشابهة

  • روسيا وجنوب إفريقيا تؤكدان أهمية التعاون في مجموعة العشرين
  • المملكة تحقق تقدمًا دوليًا في مؤشر تغطية الخدمات الصحية الأساسية «UHC»
  • أوهام الازدهار العالمي.. تفكيك أسباب الفقر في عالمٍ يزداد غنى .. كتاب جديد
  • أهم 10 أحداث أثرت في الاقتصاد العالمي خلال 2025
  • كواليس مثيرة| كيف يتم تقسيم سوريا وفق خرائط دولية؟
  • عاجل- الحكومة تؤكد التزامها بحرية الإعلام وتكثيف الجهود لمواجهة الشائعات وحماية الاقتصاد
  • بقيمة 4 مليارات يورو.. مجلس الوزراء يستعرض الإصلاحات الهيكلية ومرحلة مساندة الاقتصاد الكلي
  • لانخفاض أسعار الطعام.. تراجع التضخم على أساس شهري وسنوي خلال نوفمبر الماضي
  • وزيرة التخطيط: تراجع معدل التضخم خلال نوفمبر الماضي على أساس شهري وسنوي
  • الخارجية تؤكد التزامها بالمساءلة وحماية الحقوق في اليوم العالمي لحقوق الإنسان