لاشك أن جيل السياسيين الذي تسلم إدارة بلادنا بعد جلاء الاستعمار كانت تعوزه الخبرة والمعرفة بمشاكل هذه البلاد والتي ابقى الاستعمار معظمها مخبوءة تحت الرماد، كما انهم انجرفوا وراء دعاوي تلك الحقبة من قومية عربية وغيرها الأمر الذي أبعدهم عن الفهم الصحيح لتعقيدات مشاكل بلادهم، فلجأوا للحلول الأمنية حين واجهتهم مشكلة الجنوب ما أدى لتفاقم المشكلة.


لكن ما وقع بعد يونيو 89، كان من نوع المصائب والكوارث، توقيت الانقلاب نفسه جاء لقطع الطريق على اتفاق الميرغني قرنق الذي مثّل آخر فرصة لبقاء بلادنا موحدة، كان واضحا ان حزب الجبهة الإسلامية الذي سطا على السلطة بليل يبحث عن شرعية من خلال تأجيج نار الحرب وتحويلها الى حرب دينية، وأدى تراكم المظالم والجرائم والانتهاكات الى أن يختار أهلنا في الجنوب خيار الانفصال.
وقبل حسم مشكلة الجنوب كانت دارفور قد اشتعلت، قادت المعالجات الدموية وتجييش المليشيات القبلية لتلك الأزمة ليس فقط الى إشاعة الخراب والموت ونزوح الالاف من ديارهم بل أنّ تلك الحرب امتدت لتصبح أحد الأسباب التي قادت الى نشوب الحرب الحالية التي تشهدها بلادنا في العاصمة وبعض الولايات.
بعد ثورة ديسمبر المجيدة التي اسقطت نظام المؤتمر الوطني الاجرامي الفاسد، واصلت قيادات ذلك التنظيم التآمر على الفترة الانتقالية من خلال القوات النظامية والمؤسسات العدلية، التي قام التنظيم باحتكارها لكوادره وطرد كل العناصر الوطنية المخلصة منها، ومن خلال شركاته التي قام بتأسيسها من أموال شعبنا المنهوبة، ومن خلف ظهر اللجنة الأمنية التي شكلت المجلس العسكري الذي ورث السلطة من نظام عمر البشير، لكن ولائه الخفي ظل قائما لنفس النظام القديم.
شنّ النظام القديم حربا دون هوادة على الثورة وكان الغرض هو محاولة دفع الناس لنسيان جرائم فترة الإنقاذ، ركزوا جهدهم على المضاربة في الدولار لتركيع الاقتصاد وافساد محاولات الحكومة الانتقالية لانعاش الاقتصاد، وقاموا بتحريك العصابات التي انشأوها في جهاز أمنهم لتحدث انفلاتا أمنيا مقصودا، وحين شعروا بجدية العناصر الوطنية في تصفية النظام القديم وخلع انيابه، دبّروا مع اللجنة الأمنية انقلاب 25 أكتوبر الذي رفضه الشارع منذ اللحظة الأولى ما أجبر البرهان على الانحناء للعاصفة، والتجاوب مع دعوات العودة للمسار السياسي، قبل ان تتضح سوء نياته واضماره مع حلفائه الاسلامويين النية في الغدر، ولم يكن هناك من مناص سوى اعلان الحرب على المليشيا التي صنعوها بأنفسهم قبل سنوات ضمن حربهم على الشعب السوداني.
هذه الحرب التي يدفع ثمنها الأبرياء من أرواحهم وممتلكاتهم ومستقبل أطفالهم، ليست سوى حرب الكيزان للقضاء على ثورة ديسمبر وفرصتهم الأخيرة للهروب من المحاسبة ودفن جرائم حقبتهم المظلمة في حريق الحرب التي اشعلوها بأنفسهم.
ومن الواضح انهم لا يكترثون لمعاناة المواطن الذي يكتوي بنار الحرب، يموت الأطفال في مخيمات النزوح في تشاد من الجوع والامراض، يقتات المهجرين على الأعشاب والحشرات، يُقتل الناس في بيوتهم بالقصف والنيران الطائشة، فقد الملايين أسباب رزقهم وتسير البلاد نحو مجاعة مؤكدة، ضاع مستقبل ملايين الأطفال الذين فقدوا مدارسهم وبيوتهم، والبرهان وكيزانه يواصلون دق طبول الحرب، ويهيئون بورتسودان كعاصمة بديلة بل ويشرعون في بناء مقرات جديدة لحكومتهم، ما يوحي بعدم عجلتهم في إيجاد حل سلمي للمشكلة ما داموا آمنين ويستعيدون سلطتهم بعيدا عن نيران الحرب.
إنها كارثة تنظيم سيودي بهذه البلاد الى الهلاك ما لم يتدارك شعبنا الأمر ويحشد قواه من أجل وقف الحرب واستعادة المسار المدني ومحاسبة كل من حرّض أو تورط في هذه الحرب وارتكب جرائم ضد المدنيين الأبرياء، وتصفية وحظر هذا التنظيم الاجرامي الى الأبد.
#لا_للحرب

[email protected]  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

آلهة “تقدم” تعاقبنا بحمل صخرة الكيزان صعوداً وهبوطاً إلى قيام الساعة

آلهة “تقدم” تعاقبنا بحمل صخرة الكيزان صعوداً وهبوطاً إلى قيام الساعة
عبد الله علي إبراهيم
(استعيد هنا كلمة لي ليست قديمة جداً حيال البشر الذي رأيته طفح أمس على وجوه دعاة “لا للحرب” مكاء وتصدية بعد إعلان جماعة من دول الغرب الإخوان المسلمين منظمة إرهابية. المتغطي بالعالم عريان)
أسأل نفسي ما هو ميس (في لعب الأطفال) أهل قحت وتقدم الذي يبلغون البلد به ويكون يوم النصر المؤكد على الكيزان فيرتاح خاطرهم وخاطر البلد. تربصوا بهم بعد انقلاب 1969 وسموهم “إخوان حتحوت” لينتهي الانقلاب التقدمي المزعوم في 1983 إلى ثيوقراطية دينية من أبو كديس أو أبو كيزان. وتربصوا بهم قبل ثورة ابريل 1985 وما بعدها ودمغوهم ب”السدنة” وتكأكأوا على شيخهم الترابي بأقصى “حي الصحافة” وغلبوه. ثم عاد الكيزان بانقلاب 1989 دولة ثيوقراطية لآخر حد. ثم اسقطوهم ك”فلول” في 2019 بل داسوهم دوس. ثم عادوا. ومدعوون نحن الشعب ما نزال للتعبئة لاستئصال الكيزان.
أليس ثمة شيء غاية في الخراقة هنا؟ حتاما نساري الكيزان في الظلم؟ فليس يصدق احتشادنا لعقود لهزيمة الكيزان بلا طائل إلا أن تكون أصابتنا “لعنة” الكيزان كما في لعنة سيزيف. فتقول الأسطورة الإغريقية عن لعنة سيزيف إن الآلهة عاقبته بحمل صخرة عظيمة إلى قمة جبل ما يبلغها حتى تتدحرج الصخرة مرة أخرى إلى أسفل. فيعيد الدورة. يرفعها إلى قمة الجبل. تتدحرج. يرفعها ثانية وهكذا دواليك إلى قيام الساعة لو اعتقد الإغريق الكفرة فيها.
يبدو أن لا قحت ولا تقدم تريد لنا أن نرى عيبها من وراء قرارهم تحميلنا صخرة الكيزان التي أوثقوها على أكتافنا. وعيبها أنها لا تحسن القضاء عليهم. فيخرج عليهم الكيزان من ثقب إهمال تراجيدي في أداء واجباتهم ويسألون: من أين جاء هؤلاء؟ وعلينا حمل الصخرة في الواد لأنهم حين فشلوا، وأدمنوا الفشل، خرجوا منه كالشعرة من العجين “واشكع على الكيزان”.
عبد الله علي ابراهيم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

Promotion Content

أعشاب ونباتات           رجيم وأنظمة غذائية            لحوم وأسماك

2025/12/10 فيسبوك ‫X لينكدإن واتساب تيلقرام مشاركة عبر البريد طباعة مقالات ذات صلة كانت الحلويات المتاحة في الدكاكين كلها تعود الى العصر الحجري2025/12/10 (المعلومة والجيوسياسية)2025/12/10 هجليج بين حدثين2025/12/10 جيران السودان ما عدا دولتين هما أسوا جيران جٌبلوا على الغدر ونقض المواثيق2025/12/10 كوزنة المقاومة تكنيك ناجح في خدمة الغزاة2025/12/09 السودان واستراتيجية ترمب للأمن القومي2025/12/09شاهد أيضاً إغلاق رأي ومقالات إبراهيم شقلاوي يكتب: العودة للخرطوم ورسائل مفضل 2025/12/09

الحقوق محفوظة النيلين 2025بنود الاستخدامسياسة الخصوصيةروابطة مهمة فيسبوك ‫X ماسنجر ماسنجر واتساب إغلاق البحث عن: فيسبوك إغلاق بحث عن

مقالات مشابهة

  • حماس تستهجن تقرير "العفو الدولية" الذي يزعم ارتكاب جرائم يوم 7 أكتوبر
  • السيّد: هل تكفي الدولارات القليلة التي تحال على القطاع العام ليومين في لبنان ؟
  • ما هي السدة الشتوية التي ستبدأ يوم 31 ديسمبر؟
  • الجامعة العربية تدعو الجنائية الدولية لإدراج الإهمال الطبي بحق المعتقلين ضمن تحقيقاتها في جرائم الحرب
  • الجامعة العربية تدعو الجنائية الدولية لإدراج الإهمال الطبي بحق الأسرى ضمن تحقيقاتها في جرائم الحرب
  • آلهة “تقدم” تعاقبنا بحمل صخرة الكيزان صعوداً وهبوطاً إلى قيام الساعة
  • جدل بشأن مشروع الفجوة المالية والقضاء يطالب المصارف بكشوفات حسابات مفصّلة
  • اليمن.. عقدة الجغرافيا التي قصمت ظهر الهيمنة: تفكيك خيوط المؤامرة الكبرى
  • المسيرة القرآنية .. إعصار الوعي الذي حطم أدوات التضليل ونسف منظومة الحرب الناعمة للعدوان
  • الأمم المتحدة تحذر من توسيع دائرة الحرب في السودان