مصطفى الفقي يكتب: الدور العربي في إفريقيا
تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT
تعد الأسابيع الأخيرة على المستوى الدولى والإقليمى أفريقية بامتياز فقد بدأت بالأحداث الدامية والمؤسفة فى السودان التى تبدو وكأنها عملية انتحار لأحد الشعوب وتدمير ذاتى داخل أحد الجيوش الأفريقية المهمة.
ولقد شعرنا نحن العرب بحكم الجوار الأفريقى والتداخل التاريخى والارتباط الجغرافى بأن شيئا خطيرا يحدث فى القارة السمراء بعدما اقتحمت أطرافها تنظيمات متطرفة وجماعات إرهابية، إضافة إلى مجموعات عسكرية أقرب إلى الميليشيات حاولت وتحاول السيطرة على القرار السياسى فضلا عن القرار العسكرى فى تلك الدول.
يكفى أن نتذكر أنه خلال السنوات الثلاث الأخيرة حدثت ثمانية انقلابات عسكرية فى غرب أفريقيا وحدها، وكان آخرها انقلابى النيجر والغابون، وهو ما يعنى أن العدوى تنتشر وأن الخروج على الشرعية أصبح سمة سائدة نتيجة الشعور بالظلم من جانب بعض القوى الأوروبية الكبرى وفى مقدمتها الجمهورية الفرنسية، ولعل مبعث الاهتمام من جانبنا كعرب لما يدور فى القارة السمراء هو ناتج من أكثر من سبب، أولها أن ثلثى العرب تقريبا يعيشون فى الجناح الأفريقى للأمة فى شمالها وشرقها وبعض أطرافها فضلا عن التداخل التاريخى للمصالح ومصادر المياه والطاقة والعوامل الجيوسياسية التى تجعل الارتباط أقوى بكثير منه بين قوتين مختلفتين فى الاتجاه، ولكنهما متفقتان فى الهدف النهائى وهو رفض السيطرة الأجنبية والاتجاه للتحرر الوطنى ومقاومة الاستنزاف الخارجى لمقدرات القارة ومواردها على كافة الأصعدة.الأمر الثانى هو أن كثيرا من دول القارة خصوصا جنوب الصحراء تشعر بالحساسية تجاه الدول العربية فى الشمال الأفريقى وانشغالها بمشكلات المشرق وفى مقدمتها قضية العرب الأولى القضية الفلسطينية، ولقد نتج من ذلك إحساس أفريقى بانسلاخ شمال الصحراء عن جنوبها بما يمكن أن يدخلنا فيه من نعرات عنصرية تتصل بالأعراق والأجناس وربما الديانات أيضا.
نتذكر اليوم ما طالب به الرئيس الكنغولى السابق موبوتو من ضرورة إنشاء منظمة أفريقية بحتة لدول جنوب الصحراء تكون متفرغة لشئون الدول الأفريقية السمراء بعيدا من الاهتمام العربى الأفريقى فى صراعات المشرق، وكان ذلك التفكير تحت مظلة منظمة الوحدة الأفريقية قبل أن تتحول إلى الاتحاد الأفريقى كما نشهد الآن، كذلك فإن بعض الصراعات العربية فى الشمال الأفريقى خصوصا فى ما يتصل بالعلاقات بين الجزائر والمغرب تمثل هى الأخرى بعدا للشعور بأن مشكلات الشمال ذات خصوصية عن تلك التى يعانى منها الجنوب.لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل نظن، وقد يكون بعض الظن إثما، أن هناك عمليات استقطاب بين دول فى الجنوب وأخرى فى الشمال إذا اندلع صراع بينها، وأظن أن أزمة سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا، تعكس بشكل أو بآخر شيئا من ذلك.
بقيت نقطة جوهرية وأعنى بها ما جرى فى السودان خلال الأشهر الأخيرة وكيف تعرضت تلك الدولة الأفريقية الكبيرة، كمّا وكيفا، لانقسام حاد يكاد يمزق سلامتها الإقليمية ويطعن وحدة جيشها فى الصميم فى ظل حالة تمرد لجماعة من الداخل تكونت فى ظل ظروف سابقة لتلك الدولة العربية الأفريقية المهمة، حيث توافد ملايين اللاجئين والنازحين داخل السودان وخارجه فرارا من المعارك الدامية والقذف الذى لم يتوقف منذ بدايته على نحو ينذر بالمساس بوحدة السودان وسلامة أراضيه، وكان الشيء المؤسف حقا هو حالة الاستقطاب الدولى والإقليمى التى جعلت هناك مؤيدين لشرعية القوات المسلحة السودانية وآخرين داعمين للحركة المسلحة التى قامت بها قوات «الدعم السريع»، وكأنما كتب الله على القارة فى هذا العام أن تشهد صراعات متداخلة فى ظل ملابسات غامضة أحيانا.ويكفى أن نتأمل الدور الفرنسى، على سبيل المثال، تجاه دول غرب القارة، حيث تحمست ولو سرا لانقلاب الجابون، بينما رفضت بشدة ما جرى فى غضون انقلاب النيجر، فالمصالح الذاتية للدول الكبرى هى التى تحكم طبيعة الدعم الذى يؤدى إلى الانفجارات الثورية والانقلابات العسكرية، وليس بعيدا منا ما جرى فى دول أخرى منذ الزحف القبلى فى صحراء مالى، حيث أصبحت منطقة الصحراء الكبرى مسرحا لعمليات تؤثر بشكل مباشر فى وحدة القارة وسلامة أراضيها، بل إن هناك محاولات متعددة للغزو الخارجى تجاه دول القارة.
ولا يغيب عن الأذهان أن هناك جماعات شبه عسكرية، بل وتنظيمات إرهابية تسعى للنيل من الاستقلال الوطنى للدول الأفريقية والعبث بمقدراتها، فالذين يتخوفون من انقلاب النيجر هم أولئك الذين يسعون إلى رصيد ذلك البلد من مادة استراتيجية هى اليورانيوم، وتأثير ذلك بمستقبل المنطقة فى ظل التكالب الأجنبى على دول القارة بدءا من الوجود الصينى والهندى والأمريكى والبريطانى والفرنسى معا إلى جانب الشهية الجديدة لروسيا الاتحادية فى المنطقة، حتى إن بعض ضباط الانقلاب فى النيجر رفعوا فى اليوم الأول لهم أعلام موسكو كأنما هى إشارة للصراع المكتوم بين القوى المختلفة على الأرض الأفريقية.بينما تقف وراء انقلاب الجابون أسباب فى مقدمتها ترهل النظام السياسى لعائلة بونجو التى حكمت البلاد لأكثر من نصف قرن وبددت جزءا كبيرا من ثروة النفط على نحو لا يعود بفائدة مباشرة على شعب الغابون، الذى لا يملك مقدراته على النحو الذى يريده، ذلك الشعب الأفريقى الذى تلامس حدوده عددا من دول الجوار التى تجعل العدوى للانقلابات فى غرب القارة أمرا واردا، حيث الجيوش النظامية حديثة العهد بالسلطة وترى أن مصلحة الدعم أقوى من نصوص الدستور فى بلادها، ولعلى أطرح الآن الملاحظات الثلاث التالية:
أولا: إن العرب مطالبون باتخاذ مواقف أكثر إيجابية تجاه القارة الأفريقية وظروف دولها المعقدة والمتشابكة فى الوقت نفسه، كما أن الشراكة العربية الأفريقية يجب أن تمتد لتكون مظلة للمصالح المشتركة بين الجانبين، كذلك فإن العلاقة بين جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقى يجب أن تظل على تواصل دائم للمساعدة فى حل مشكلات القارة دون تركيز على القضايا العربية وحدها، لأن الأفارقة شديدو الحساسية تجاه بعض المراحل فى التاريخ المشترك للمنطقة، حيث لعب الاستعمار الأجنبى بورقتين كبيرتين، أولاهما بريطانية الصنع وهى التى تدور حول سياسة فرق تسد، والثانية تدور حول الاحتواء الثقافى مثلما جرى فى السياسة الفرنسية التى اتبعتها باريس تجاه مستعمراتها فى شمال وغرب أفريقيا.ثانيا: إن الحديث عن الانقلابات العسكرية فى القارة الأفريقية يثير قضية الاستقرار السياسى فى دول القارة وأهمية الدعم المستمر للمساعدات الفنية والمادية لدولها، حتى تشعر بأن العرب جادون فى التعاون المشترك والدعم الدائم لدول القارة، خصوصا تلك التى تعانى الفقر ونقص الموارد، كما أن العرب يجب أن يتوقفوا عن تصدير مشكلاتهم لدول القارة لأن فيها ما يكفيها، فالخلاف الجزائرى المغربى على سبيل المثال لا ينبغى أن يكون سببا للانقسام بين دول القارة ومقدراتها المختلفة حتى لا ينعكس ذلك على الاتحاد الأفريقى، والأمر ذاته ينسحب على أزمة سد النهضة والخلاف بين مصر وإثيوبيا فى هذا السياق.
ثالثا: إن موقف الولايات المتحدة تجاه الأوضاع فى غرب أفريقيا لا يتوافق بالضرورة مع الموقف الفرنسى على رغم انتمائهما المشترك للمجموعة الأوروبية بكل ما لها وما عليها، ولا تزال باريس تتذكر بمرارة أن على عمر بونجو الرئيس الذى أطاحه انقلاب الغابون كان قد خرج على الدائرة الفرنسية واقترب من مجموعة الكومنولث البريطانية فى حركة غير محسوبة دفع ثمنها فى الانقلاب الأخير.دعونا نتذكر معا أن أفريقيا كيان مهم بالنسبة إلى العرب، وأنها امتداد طبيعى للمكون السكانى فى المنطقة، وأن التعاون بين الجانبين أمر يحتمه التاريخ، وتعززه الجغرافيا، ويستدعيه المستقبل.
الشروق نيوز
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: دول القارة
إقرأ أيضاً:
د. هويدا مصطفى: العالم العربي "مستهلك" وليس "صانعاً" للأدوات الرقمية
حذرت الدكتورة هويدا مصطفى، عميدة كلية الإعلام السابق، من أن أعظم خطر على الهوية العربية في العصر الرقمي يتمثل في كون العالم العربي "مستهلكاً" وليس "صانعاً" للأدوات والمنصات الرقمية، مما يجعله عرضةً سلبيةً لكل ما يتم تداوله.
وشددت مصطفى خلال مشاركتها في جلسة نقاشية بمنتدى الحوار الإعلامي العربي الدولي في طرابلس، على أن هذه الحالة تضع الجمهور العربي، وخاصة فئة الشباب التي تستهلك المحتوى الرقمي بشكل كبير، في موقف خطر، حيث يصبح عرضة لمحتويات قد لا تتطابق مع قيمه وتقاليده، مما يشكل تهديداً لثوابت الهوية العربية، سواء في اللغة أو القيم أو التقاليد.
ورأت عميدة كلية إعلا أن جوهر التحديات التي يواجهها الإعلام العربي في ظل الانتشار السريع للتكنولوجيا يتمثل في إشكالية تأثير هذه المنظومة على الهوية العربية، مؤكدة أن القضية قديمة وتتجدد مع كل موجة تحول رقمي.
لكنها في المقابل لم تغفل عن رصد الفرصة الكامنة في هذه الأزمة، قائلة: "سرعـة انتشار وسائل الاتصال الرقمي تمثل فرصة يجب استغلالها، حيث يمكنها تقريب المسافات ونشر الأفكار وخلق علاقات تفاعلية". ودعت إلى ضرورة مراجعة كيفية تقديم ذاتنا للآخرين، والتأكيد على قوتنا بما يتوافق مع تقنيات العصر.
واستشهدت بتجربتها الشخصية في زيارة ليبيا، حيث تغيرت تصوراتها المسبقة عن البلد عند الزيارة من مشاعر قلق وصورة قاتمة إلى صورة ايجابية ، مؤكدة على أهمية تقديم صورة حقيقية للذات العربية للعالم. واختتمت بالقول: "نحن في حاجة ملحة حالياً أكثر من أي وقت مضى إلى أن نؤكد وجودنا العربي ونتمسك به".
ناقش المنتدى محاور الهوية العربية وصناعة المحتوى الإعلامي والتدريب المهني وتطوير المحتوى الرقمي وتوظيف الذكاء الاصطناعي في الإعلام، وجمع عددا كبيرا من الشخصيات البارزة من بينهم السفير أحمد رشيد خطابي أمين عام مساعد جامعة الدول العربية لقطاع الاتصال والإعلام، والوزراء زهير بو عمامة من الجزائر، وحمزة المصطفى من سوريا، وأسامة هيكل وزير الإعلام المصري الأسبق، وزياد مكاري وزير الإعلام اللبناني الأسبق، بالإضافة إلى سفراء ومستشارين وإعلاميين وفنانين مصريين بارزين مثل منى الشاذلي وباسم يوسف وأحمد فايق.