16 بندا مجمدا.. ماذا تبقى من أوسلو بعد 30 عاما من توقيع الاتفاقية؟
تاريخ النشر: 14th, September 2023 GMT
نص اتفاق أوسلو، الذي تم توقيعه بالعاصمة الأمريكية واشنطن، في 13 أيلول/سبتمبر 1993، وجاء نتيجة تفاهمات امتدت لـ 14 جولة من المفاوضات الثنائية السرية بين الطرفين في أوسلو النرويجية، على جملة من البنود بين الاحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينية، لم يطبق أغلبها بعد 30 عاما على الاتفاق.
وتضمن نص الاتفاقية الشهيرة التي وقعت منذ 30 عاما على "تحقيق تعايش سلمي وكرامة وأمن متبادل، والوصول إلى تسوية سلمية عادلة وشاملة ودائمة ومصالحة تاريخية من خلال العملية السلمية المتفق عليها، إضافة لإقامة حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة".
وجاء إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكومة الذاتية الفلسطينية، وهو الاسم الرسمي للاتفاقية، 17 بندا متعلقة بترتيبات الحكومة الذاتية الفلسطينية والانتخابات والولاية والفترة الانتقالية والصلاحيات والمسؤوليات إضافة للنظام العام والقوانين وغيرها.
وتستعرض "عربي21" أبرز بنود الاتفاقية وكيف عملت دولة الاحتلال على مخالفتها وتجميدها والتهرب منها، أو حتى تنفيذ ما يتمشى مع مصلحتها فقط، مع بقاء التنسيق الأمني شاهدا عليها كمخرج ما زال يعمل على أرض الواقع.
حكومة ذاتية
جاء بند "إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكومة الذاتية الفلسطينية" للاتفاق على أن الهدف الرئيسي من المفاوضات هو تشكيل سلطة فلسطينية انتقالية ذاتية ومجلس منتخب للفلسطينيين بالضفة الغربية وقطاع غزة، لمرحلة انتقالية لا تتعدى خمس سنوات، بحيث تؤدي إلى تسوية نهائية مبنية على أساس قراري مجلس الأمن رقم 242 و338.
ويذكر أن القرار رقم 242 ينص على سحب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في النزاع عقب حرب يونيو/حزيران 1967، وهي سيناء في مصر، والجولان في سوريا، وقطاع غزة والضفة الغربية في فلسطين.
ورغم تشكيل السلطة فعليا عام 1994، إلا أنها بقيت منقوصة الصلاحيات، ما يزال الاحتلال يحاصر قطاع غزة بعدما أعاد انتشار قواته لما حوله في آب/ أغسطس 2005، بينما تتعرض المناطق "ج" في الضفة الغربية لتدخل كبيرة من قبل الإدارة المدنية التي تأسست عام 1981 خلفا للحكم العسكري الإسرائيلي، الذي أدار الأراضي المحتلة عام 1967.
ووصف الكاتب والباحث الفلسطيني المقيم في واشنطن، أسامة أبو ارشيد، في مقال له، السلطة الفلسطينية بانها "مجرّد أداة من أدوات الاحتلال الإسرائيلي لإرضاخ الشعب الفلسطيني وإجهاض مطالبه بالحرية والعدالة والكرامة والاستقلال".
بينما أكد الكاتب العراقي، أحمد صبري، أن دور السلطة الفلسطينية يتراجع إلى "حد التلاشي بمرور الوقت، مخلفة رزمة من مخرجات اتفاق أوسلو لم تلتزم بها حكومات الاحتلال الإسرائيلي المتعاقبة منذ ثلاثين عامًا عبر صلاحيّات السلطة الفلسطينية".
وتعد الإدارة المدنية أداة تنفيذية لسياسات حكومة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية وتتبع لوزارة الجيش، بينما منسق أعمال الحكومة هو المسؤول عن تنفيذ سياساتها في الأراضي الفلسطينية وهو برتبة عسكرية.
ومن عام 2014 جرى توسع نشاط الإدارة المدنية مع إنشاء موقع إلكتروني باللغة العربية من خلاله يتم التواصل مع الفلسطينيين ومخاطبتهم في شتى المجالات واستقبال طلباتهم ومعاملاتهم، متجاوزة السلطة الفلسطينية واتفاق أوسلو.
فترة انتقالية
وجاء في بند "الفترة الانتقالية ومفاوضات الوضع الدائم" أنه جرى الاتفاق على أن الفترة الانتقالية للفلسطينيين تبدأ في حال الانسحاب الإسرائيلي من أراضي قطاع غزة ومنطقة أريحا، وانطلاق مفاوضات "الوضع النهائي في أقرب وقت ممكن"، على ألا يتعدى ذلك بداية السنة الثالثة للفترة الانتقالية بين حكومة الاحتلال وممثلي الشعب الفلسطيني، ويتضمن ذلك قضايا القدس واللاجئين والمستوطنات والترتيبات الأمنية وقضايا أخرى.
وفي عام 2005، انسحبت قوات الاحتلال جزئيا من منطقة أريحا بالاتفاق مع السلطة الفلسطينية، وهي خطوة كانت دون المأمول بحسب الاتفاق، نظرا لبقاء الحواجز كما هي دون تغييرات حقيقية على الأرض.
وفي أيار/مايو 2023، أنهت قوات الاحتلال حصارا فرضته على أريحا والأغوار استمر 16 يوما من التشديدات على الحواجز المقامة على مداخلها، وهو الحصار الرابع منذ بداية العام الجاري، بحجة الحد من العمليات.
ورغم أن هذا البند يتتضمن المفاوضات حول الأوضاع في القدس، إلا أن المسجد الأقصى يتعرض حتى الآن لاقتحامات يومية بالفترتين الصباحية وبعد الظهر ما عدا يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع، بينما يواجه سكان القدس أنفسهم تهجيرا إسرائيليا ممنهجا وكان أبرز الأمثلة الحديثة عليه اقتحام منزل عائلة صب لبن، في تموز/ يوليو الماضي، والكائن في عقبة الخالدية بالبلدة القديمة من القدس، وأخلته وسلّمته للمستوطنين بموجب قرار صادر عن محكمة إسرائيلية.
وفي قضية اللاجئين المضمنة في البند، تمثل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" حاليا حوالي 7.5 مليون لاجئ فلسطيني مسجّل، ويعيش غالبيتهم العظمى في الأردن ولبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا تزال دولة الاحتلال "ترفض الاعتراف بحقهم في العودة إلى ديارهم التي عاشوا فيها، هم أو أسرهم، في إسرائيل أو الأراضي الفلسطينية المحتلة، حسبما يملي القانون الدولي"، بحس بما ذكرت منظمة العفو الدولية.
وتتعرض "الأونروا" لحملة تحريض إسرائيلية بهدف إغلاقها، ويتم ذلك بطرق مختلفة سواء بالتحريض المباشر، أو بالضغط لقطع التمويل، أو حتى ملاحظة العاملين وتلفيق تهمٍ لهم، مع المطالبة بتحويل خدماتها للسلطة الفلسطينية في ظل الأزمة المالية التي تعانيها، متهمة إياها بـ "نزع شرعية إسرائيل ومعاداتها".
أما الاستيطان فقد عمل الاحتلال على تعزيزه على مدار سنوات، وصادق على قانون "فك الارتباط" لعام 2005، والذي تم بموجبه الانسحاب من مستوطنات بالضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما يعني العودة لعدد من مستوطنات الضفة.
كما أصدر الائتلاف الحكومي الإسرائيلي المتطرف العديد من القرارات لشرعة البؤر الاستيطانية وتحولها إلى مستوطنات معترف بها ومدها بالكهرباء والماء وبقية الخدمات، وما يترب عليه بسريان القانون الإسرائيلي فيها.
استمرار الإدارة المدنية
وفي بند "نقل الصلاحيات والمسؤوليات"، أقر الاتفاق أنه مع دخول إعلان المبادئ حيز التنفيذ والانسحاب من قطاع غزة وأريحا، فإنه سيبدأ رسميا نقل السلطة من الحكومة العسكرية الإسرائيلية وإدارتها المدنية، إلى الفلسطينيين المخولين بهذه المهمة ضمن مجالات: التعليم والثقافة والصحة والشؤون الاجتماعية والضرائب المباشرة والسياحة.
رغم أن اتفاق أوسلو كان من المفترض أن ينهي الإدارة المدنية، إلا أن قضايا التخطيط والتطوير والخدمات والبنية التحتية وخاصة في المنطقة "ج" ما زالت تحت سيطرة الاحتلال، كما أن هذه الإدارة استمرت واتسعت، وسيطر عليها وزير مالية الاحتلال المتطرف، بتسلئيل سموتريتش.
وقد حذرت منظمة "السلام الآن" الإسرائيلية من أن سيطرة حزب "الصهيونية الدينية" اليميني المتطرف رغبته في السيطرة على الإدارة المدنية، التي تدير جوانب الحياة المدنية في حوالي 60% من الضفة الغربية، فقد يؤدي ذلك إلى "ضم المنطقة فعليا إلى إسرائيل".
تشكيل أجهزة الأمن
أما في بند "النظام العام والأمن"، نص اتفاق أوسلو على تشكيل المجلس التشريعي للقوة الشرطية الفلسطينية، من أجل ضمان النظام العام والأمن الداخلي لفلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة، بينما تواصل دولة الاحتلال مسؤولية "الدفاع ضد المخاطر الخارجية، وكذلك مسؤولية أمن الإسرائيليين العام بغرض حماية أمنهم الداخلي والنظام العام".
ونجح المنسق الأمني الأمريكي بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية كيث دايتون، خلال سنوات عمله، بتفكيك الأجهزة الأمنية الفلسطينية وإعادة ترتيبها وفق عقيدة أمنية، وقال دايتون في تصريحات تعود لأيار/ مايو 2009: "أذكر أن رجل أمن فلسطيني خلال تخريج دفعة أمنية قال للخريجين: أنتم يا رجال قد تعلمتم هنا لتحققوا أمن الشعب ولم تأتوا هنا لتتعلموا قتال إسرائيل".
واتهمت اللجنة السياسية في المجلس التشريعي، الذي تسيطر عليه حركة حماس ويعقد جلساته في مدينة غزة فقط، الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة بـ "الإخفاق في القيام بواجباتها في حماية شعبنا، مما أدى إلى تغوّل جيش الاحتلال والمستوطنين، وارتكاب جرائم بشعة ضد شعبنا، وباتت تلك الأجهزةُ تدار من خلال منسق أمني أمريكي، وتغيرت عقيدتها الأمنية، حيث أصبح دورها حماية المستوطناتِ والمستوطنين، وملاحقة الفلسطينيين الرافضين للاحتلال".
بنود إضافية
أقر الاتفاق أيضا تشكيل لجنة ارتباط مشتركة إسرائيلية فلسطينية، من أجل توفير تطبيق هادئ للإعلان ولأي اتفاقات لاحقة تتعلق بالفترة الانتقالية، وذلك لمعالجة القضايا التي تتطلب التنسيق وقضايا أخرى ذات الاهتمام المشترك والمنازعات.
كما أقر إنشاء لجنة تعاون اقتصادية إسرائيلية فلسطينية "إدراكا بالمنفعة المتبادلة للتعاون، من أجل التشجيع بتطوير الضفة الغربية وقطاع غزة وإسرائيل، ولتطوير وتطبيق البرامج المحددة؛ وذلك فور دخول إعلان المبادئ حيز التنفيذ".
وتضمن الاتفاق العمل على تسوية المنازعات الناجمة عن تطبيق أو تفسير إعلان المبادئ، أو أي اتفاقات لاحقة تتعلق بالفترة الانتقالية، بالتفاوض من خلال لجنة الارتباط المشتركة، مع الإشارة إلى أن "المنازعات التي لا يمكن تسويتها بالتفاوض يمكن أن تتم تسويتها من خلال آلية توفيق يتم الاتفاق عليها بين الأطراف".
وتعد مختلف بنود الاتفاقية، التي تحظى برفض شعبي واسع، معلقة أو مجمدة، بينما يتمسك الاحتلال الجوانب التي تخدم مصلحته فقط.
التنسيق الأمني
تضمنت ملاحظات اتفاق أوسلو أن جميع البروتوكولات الملحقة بها والمحضر المتفق عليه المتعلق بها، سيتم اعتبارها جزءا لا يتجزأ من هذا الاتفاق.
ويلزم الاتفاق أوسلو واتفاق أوسلو 2 "طابا" 1995، السلطة بـ "محاربة المقاومة ونشطائها" ضمن ما سمته الاتفاقيات بـ "الإرهاب"، وجعل السلطة مسؤولة عن اتخاذ الإجراءات المناسبة من خلال التعاون أمنيا.
والتنسيق الأمني هو تعاون استخباري وتبادل المعلومات مع أجهزة إسرائيلية مثل "الشاباك"، ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "CIA"، ويهدف لحماية الإسرائيليين أساسا، ونبذ "الإرهاب وأعمال العنف".
ويذكر أنه بعد فشل قمة كامب ديفيد عام 2000 انهار التنسيق كإحدى النتائج المباشرة للمواجهة الشاملة، لكن بعد طرح "خارطة الطريق" الأمنية عام 2003، عاد بشكل أقوى، وخصوصا بعد الانقسام الفلسطيني عام 2007، بحسب ما ذكر مركز مسارات للبحوث والدراسات.
وبسبب الجرائم الإسرائيلية المتخلفة وقمع الفلسطينيين والسلطة الفلسطينية على حد سواء، هدد رئيسها، محمود عباس، بوقف التنسيق الأمني في العديد من المناسبات، وذلك بعدما أعلن المجلس المركزي لمنظمة التحرير وقفه في عام 2015.
وجاءت تصريحات بالشروع في تنفيذ القرار بعد ذلك بعام، عندما كلفت اللجنة السياسية بمتابعة الأمر، ثم عادت اللجنة التنفيذية للمنظمة عام 2017 لتؤكد على وجوب "استمرار تنفيذ قرارات المجلس المركزي"، لكن دون تنفيذ على أرض الواقع رغم الضغط الشعبي والمطالبات الفصائلية.
وفي عام 2014، قال رئيس السلطة محمود عباس: إن "التنسيق الأمني مع إسرائيل مقدس وسوف يستمر سواء اتفقنا أو اختلفنا، الجانب الفلسطيني يتفهم المخاوف الإسرائيلية الداخلية في موضوع الأمن، ومستعد للتعامل معها وتلبيتها، ومن ثم نقوم بمناقشة باقي القضايا".
ومنذ ذلك الوقت حتى الآن جرى التهديد والتصريح أكثر من مرة بوقف التنسيق، وكان أبرزها مؤخرا عند إعلان وقفه ردا على الاقتحام الدامي لمخيم جنين للاجئين في الضفة الغربية، وذلك في كانون الأول/ يناير الماضي.
وأعلنت السطلة ذات القرار في أيار/مايو 2020، قبل أن يعود الوضع إلى حاله في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر من نفس العام، وقبلها جرى إعلان وقف التسيق في في تموز/ يوليو 2017، بسبب الجرائم بالمسجد الأقصى في القدس، قبل أن يُستأنف من جديد في تشرين الأول/ أكتوبر من نفس العام.
وفي 6 شباط/ فبراير الماضي، نشرت "فورين بوليسي" الأميركية مقالا للكاتب والباحث الأول في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، خالد الجندي، يرى فيه أن "التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية يمثل خسارة كاملة للرئيس الفلسطيني محمود عباس وسلطته، ومع ذلك لن يتوقف إلا بانهيار هذه السلطة".
وجاء في المقال أن هذا "التنسيق الأمني الذي وصفه عباس من قبل بالمسؤولية المقدسة يُعدّ ركيزة أساسية لعملية أوسلو منذ عام 1993، كما أنه أمر حيوي لوجود السلطة الفلسطينية وبقائها".
وتضمن أن "الورطة التي يعيشها عباس والسلطة الفلسطينية تتمثل في أن قطع العلاقات الأمنية مع إسرائيل بشكل دائم قد يؤدي إلى فرض عقوبات وتدابير عقابية أخرى من قبل إسرائيل، وعلى الأرجح من الولايات المتحدة أيضا، وذلك يعرّض وجود السلطة للخطر. ومن ناحية أخرى، فإن الاستمرار في التنسيق مع الجيش الإسرائيلي بينما يزداد الاحتلال قمعا وعنفا يقوّض ما تبقى من شرعية داخلية ضئيلة لعباس".
بينما وصف موقع "تايمز أوف إسرائيل" المحاولات الفلسطينية السابقة لـ "تعليق هذا التنسيق بقصيرة الأجل"، معتبرا أن ذلك "يرجع ذلك جزئيا إلى الفوائد التي تتمتع بها السلطة الفلسطينية من العلاقة، وأيضا بسبب الضغط الأمريكي والإسرائيلي للحفاظ عليها".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية أوسلو الاحتلال الفلسطينية فلسطين الاحتلال أوسلو سياسة سياسة سياسة تغطيات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الضفة الغربیة وقطاع غزة الأراضی الفلسطینیة والسلطة الفلسطینیة السلطة الفلسطینیة الإدارة المدنیة التنسیق الأمنی إعلان المبادئ اتفاق أوسلو من خلال
إقرأ أيضاً:
أبرز مضامين اتفاقية الشراكة التي يهدد الاتحاد الأوروبي بمراجعتها مع إسرائيل
دخلت اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل حيز التنفيذ في يونيو/حزيران عام 2000، وتمنح إسرائيل عددا من الامتيازات في الأسواق الأوروبية. وبلغ حجم التجارة بين الطرفين 46.8 مليار يورو عام 2022، مما جعل الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لإسرائيل.
توقيع الاتفاقيةوُقعت اتفاقية الشراكة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي في بروكسل يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1995، بحضور وزير خارجية إسرائيل ونظرائه في دول الاتحاد، لكنها لم تدخل حيز التنفيذ إلا عام 2000 بعد أن صادقت عليها جميع البرلمانات الأوروبية والكنيست الإسرائيلي.
تهدف الاتفاقية إلى إرساء إطار قانوني ومؤسسي منظم لتطوير الحوار السياسي وتعزيز التعاون الاقتصادي بين الجانبين. وتنص ديباجتها على التزام الأطراف بتعزيز اندماج الاقتصاد الإسرائيلي في الاقتصاد الأوروبي، بما يعكس التوجه نحو شراكة إستراتيجية طويلة الأمد.
عُقد أول اجتماع لمجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل يوم 13 يونيو/حزيران عام 2000 في لوكسمبورغ، بحضور وزير الخارجية الإسرائيلي ديفيد ليفي، ونظرائه من دول الاتحاد، إيذانا ببدء سريان الاتفاقية رسميا.
أهداف الاتفاقية إرساء إطار فعّال للحوار السياسي يتيح تطوير علاقات سياسية متينة ومستدامة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل. دعم النمو المتوازن للعلاقات الاقتصادية بين الجانبين عبر توسيع نطاق التجارة في السلع والخدمات والتحرير المتبادل لحق تأسيس الشركات، والتدرج في تحرير أسواق المشتريات الحكومية وتسهيل حركة رؤوس الأموال وتعزيز التعاون في مجالات العلم والتكنولوجيا، وذلك بما يسهم في تنشيط الاقتصاد وتحسين ظروف المعيشة والعمل وزيادة الإنتاجية وتحقيق الاستقرار المالي لدى الطرفين. تشجيع التعاون الإقليمي بما يعزز التعايش السلمي وتعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة. توسيع مجالات التعاون الثنائي في قضايا ومصالح مشتركة تخدم الطرفين. إعلان حقوق الإنسان وعلاقتها بالاتفاقيةتنص الاتفاقية على أن احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية يشكلان ركيزة أساسية للاتفاق، كما تقر بإنشاء مجلس شراكة يُعقد على مستوى وزراء الخارجية، مدعوما بلجنة شراكة متخصصة لضمان متابعة التنفيذ وتعزيز التعاون.
الإطار السياسي للاتفاقيةيهدف هذا الجانب من الاتفاقية إلى إضفاء الطابع المؤسسي والمنظم على الحوار السياسي القائم بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وتوسيعه ليشمل نطاقات جديدة للتعاون الثنائي.
وقد عُقد هذا الحوار في السابق على مستوى وزراء الخارجية بشكل غير رسمي ومتكرر على مدار العام، دون أن يستند إلى إطار قانوني ملزم.
غير أن الاتفاقية نصّت على تنظيم هذا الحوار ضمن لقاءات سنوية منتظمة تُعقد على مختلف المستويات، بدءا من صُنّاع القرار في أعلى المستويات الوزارية، ووصولا إلى الخبراء والمسؤولين الإداريين.
الإطار التجاريلا تقتصر الاتفاقية على الجانب السياسي فحسب، بل تنظم كذلك العلاقات التجارية والاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وذلك عبر تحديد آليات تبادل السلع والخدمات بين الطرفين.
وقبل دخول الاتفاقية حيز التنفيذ كان هناك بالفعل حجم كبير من التجارة بين الجانبين، وصل عام 1999 إلى نحو 22 مليار دولار، فمنذ عام 1975 أُنشئت منطقة تجارة حرة بين الجانبين، سمحت بتبادل السلع دون فرض ضرائب جمركية مرتفعة، مما سهّل تدفّق المنتجات بين الأسواق الأوروبية والإسرائيلية.
وقد حافظت اتفاقية الشراكة الجديدة على هذه المنطقة الحرة، مع إدخال تحسينات إضافية تتعلق بتبسيط الإجراءات الجمركية، منها تقليص الروتين وخفض الرسوم.
حجم التبادل التجاري بين الأطراففي 2024 بلغت حصة إسرائيل من إجمالي تجارة السلع للاتحاد الأوروبي نحو 0.8%، مما جعلها تحتل المرتبة 31 ضمن الشركاء التجاريين للاتحاد على المستوى العالمي. وعلى صعيد العلاقات الإقليمية، جاءت إسرائيل في المرتبة الثالثة بين شركاء الاتحاد الأوروبي في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
إعلانفي المقابل، يُعد الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأبرز لإسرائيل، إذ بلغ حجم تجارة السلع بين الطرفين نحو 42.6 مليار يورو في العام ذاته، مما يُمثل 32% من إجمالي تجارة إسرائيل مع العالم.
بلغت قيمة الواردات الأوروبية من إسرائيل عام 2024 نحو 15.9 مليار يورو، وتوزعت على عدد من القطاعات الرئيسية، من ضمنها الآلات ومعدات النقل في الصدارة بقيمة 7 مليارات يورو، أي ما يعادل 43.9% من إجمالي الواردات، والمواد الكيميائية بقيمة 2.9 مليار يورو (18%)، إضافة للسلع المصنعة الأخرى بقيمة 1.9 مليار يورو (12.1%).
أما صادرات الاتحاد الأوروبي إلى إسرائيل فقد بلغت 26.7 مليار يورو، تتكون في معظمها من الآلات ومعدات النقل التي سجلت 11.5 مليار يورو، ما يمثل 43% من إجمالي الصادرات. كما شملت الصادرات مواد كيميائية بقيمة 4.8 مليارات يورو (18%)، إضافة إلى سلع مصنعة أخرى بقيمة 3.1 مليارات يورو (11.7%).
وفيما يتعلق بالتجارة الثنائية في الخدمات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، فقد بلغ حجم التبادل عام 2023 نحو 25.6 مليار يورو. واستورد الاتحاد الأوروبي ما قيمته 10.5 مليارات يورو، بينما بلغت صادراته إلى إسرائيل 15.1 مليار يورو في العام ذاته.
مُساءلة حقوقيةفي 20 مايو/أيار 2025 أعلنت كايا كالاس، كبيرة الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، أن الاتحاد سيباشر مراجعة شاملة لاتفاق الشراكة مع إسرائيل، وذلك في ضوء ما وصفته بـ"الوضع الكارثي" في قطاع غزة، وجاء هذا الإعلان عقب اجتماع لوزراء خارجية دول الاتحاد في بروكسل.
وأوضحت كالاس أن "أغلبية قوية" من وزراء الخارجية أيدوا هذه الخطوة، في إشارة إلى الدعم الواسع لمراجعة الاتفاقية.
وأكّد دبلوماسيون أن 17 من أصل 27 دولة عضوا في الاتحاد دعمت هذه المراجعة، التي ستركز على تقييم مدى التزام إسرائيل ببند حقوق الإنسان المنصوص عليه في الاتفاقية. وقد جاء هذا الاقتراح بمبادرة من وزير الخارجية الهولندي كاسبر فيلدكامب.
إعلانبدوره، دعا وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورني إلى مراجعة الاتفاقية على خلفية استمرار جيش الاحتلال في حرب الإبادة الجماعية ضد سكان قطاع غزة ومنعه إدخال المساعدات.
وبعد إسبانيا وأيرلندا طالبت هولندا في وقت سابق أيضا بإجراء تحقيق عاجل فيما إذا كانت الهجمات الإسرائيلية على غزة تنتهك الاتفاقيات التجارية الموقعة مع الاتحاد الأوروبي.
وتجدر الإشارة إلى أنه في 2002، صوّت البرلمان الأوروبي لصالح تعليق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل، ردا على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في جنين ونابلس، إلا أن المفوضية الأوروبية آنذاك لم تتخذ أي خطوات عملية لتفعيل هذا القرار أو لمحاسبة إسرائيل على تلك الانتهاكات.