أربع ملاحظات في ثلاثينية اتفاق أوسلو
تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT
التطبيق
كان اتفاق أوسلو سيّئا ومنقوصا وغير عادلٍ في نصّه المكتوب والمدوّن على الورق، وكان كذلك حتى في المعاني والتسويغات والفذلكات، التي رافقت الإعلان عنه. لكنّ تطبيقه على أرض الواقع كان أسوأ بكثير، فالطرف الإسرائيلي هو الأقوى، وهو الذي تحكّم طيلة الوقت ليس بفرض تفسيراته للاتفاق فحسب، بل هو أخذ منه ما شاء ويشاء، ورمى ما بقي في سلّة المهملات، ورفض حتى وضعه على الرّف حتى يأتي حينه.
ولكن كان غريبا جدّا أن تطرح القيادة الفلسطينية مؤخّرا على الإدارة الأمريكية مشروعا للعودة الى تنفيذ اتفاق أوسلو بالكامل، واعتبار نصّوصه خطّة عمل ملزمة. لم تقبل الولايات المتحدة هذا المقترح، ورفضته بادعاء أن إسرائيل لا تقبل به وهو غير قابل للتطبيق. من المهم طبعا فضح خرق إسرائيل للاتفاقيات الموقّعة، ولكن ليس كمقدمة للعودة إليها، بل لإقناع العالم بأن الشعب الفلسطيني، لا يقبل أن يعيش تحت رحمة التفسير الإسرائيلي لأوسلو، ويحق له أن يعتبر الاتفاق لاغيا ملغيا، خاصة أن إسرائيل قضت عليه نهائيا. أمّا الادعاء بأن نص أوسلو جيّد، ولكن التفسير الإسرائيلي له شوّهه وتطبيقه على الأرض خرّبه، فهو لم يعد مقنعا لأحد، خاصة أن معارضي أوسلو الأوائل تنبأوا بما يحدث بناء على نصّه، التي ترك مجالا لإسرائيل لتفسّره على هواها، وسمح لها بتطبيقه كما تشاء، وعليه فإن الشرط الاستعماري الإسرائيلي هو الذي حسم وما زال يحسم، وأوسلو تحوّل إلى أداة في إطار هذا الشرط.
الاقتصاد
لعبت النخبة الاقتصادية التي أحاطت بوزير الخارجية الإسرائيلي أيام أوسلو شمعون بيريس، دورا مهمّا في دفع الحكومة الإسرائيلية للتوصّل إلى نوع من التسوية. وقد مثّلت هذه النخبة الصناعات التقليدية، التي أرادت التوسّع عبر تجنيد رؤوس أموال عربية، ومن خلال فتح الأسواق العربية للبضائع الإسرائيلية، وكذلك تحسين مكانة الدولة الصهيونية السياسية وما ينتج عنها من تسهيل التعامل الاقتصادي مع أطراف دولية وازنة. لقد استفادت إسرائيل من الاتفاق وحدثت طفرة كبيرة في النمو والتطوير، وزادت الاستثمارات وازدهرت السياحة وانخفضت معدّلات البطالة إلى النصف، وفتحت أسواق عالمية جديدة أمام الاقتصاد الإسرائيلي. وليس من المعروف ماذا كان مدى وعي المفاوض الفلسطيني بحاجة إسرائيل إلى الاتفاق في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية، ولكن من الواضح أن الحاجة الاقتصادية كانت مكشوفة وظاهرة للعيون لمن أمعن النظر ولو قليلا. ومع أن الاقتصاد الإسرائيلي شهد تطوّرا اقتصاديا كبيرا، لم يضاهه سوى ما كان بعد حرب 1967، إلّا أن الجشع الإسرائيلي دفع إلى استغلال الاقتصاد الفلسطيني إلى أقصى درجة، عبر فرض اتفاق باريس المجحف الذي فرض احتلالا اقتصاديا وجمارك عالية ومنع الاستيراد الرخيص، ومنح الأفضلية للسلع الإسرائيلية، ومنع عمليا استقلالية ولو نسبية للاقتصاد الفلسطيني. وقد اعترف وزير المالية الإسرائيلي عند التوقيع على اتفاق باريس، أبراهام (بايجا) شوحاط بأنه «جرت صياغة الاتفاق وفقا للمصالح الإسرائيلية بما منع من إنشاء اقتصاد فلسطيني مستقل، ولكن الفلسطينيين قبلوا بهذا الإرغام، والاتفاق عمل وما زال يعمل بشكل جيّد». وهكذا يعترف الوزير الإسرائيلي بأنه جرى تصميم الاتفاق بالمقاييس الإسرائيلية، وبأن الفلسطينيين قبلوا به حتى لو لم يعجبهم. على المنوال نفسه كتب الكولونيل احتياط أفرايم ليفيه، الذي كان أحد المسؤولين عن التنسيق مع السلطة الفلسطينية: «الاتفاق فُرض على الفلسطينيين، الذين أرادوا في الحقيقة اقتصادا مستقلّا. الاتفاق خلق تشوّهات في الاقتصاد الفلسطيني ما زالت قائمة حتى اليوم».
الشرط الاقتصادي هو شرط استعماري بالكامل، وله أبعاد سياسية كبرى، حيث تستغل إسرائيل سيطرتها الاقتصادية لابتزاز القيادة الفلسطينية. لقد آن الأوان للتحرر من الهيمنة الإسرائيلية في المجال الاقتصادي أيضا، الذي له تأثير كبير على حياة الناس ويمس معيشة كل فلسطيني وكل فلسطينية. كيف؟ في الحقيقة لا جواب عندي هنا، لكن يجب فتح هذا الموضوع المصيري للنقاش، خاصة أن الهيمنة الاقتصادية تؤدّي إلى إملاءات سياسية بالضرورة، وحرية القرار السياسي الفلسطيني تبدأ من الاقتصاد كما يبدو. وكل حريّة تبدأ بحرية القرار والإرادة.
التنسيق الأمني
من بين المصائب، التي جاء بها اتفاق أوسلو الالتزام بالتنسيق الأمني ومن طرف واحد تحديدا، فإسرائيل لا تلتزم بشيء. وبموجب هذا التنسيق على قوّات الأمن الفلسطينية منع ما يسمى «الإرهاب» ضد إسرائيل والإسرائيليين. وقد بدأ التنسيق بتسليم بعض المناطق والمدن من سلطة مباشرة للجيش الإسرائيلي، إلى إدارة أمنية فلسطينية، بشرط المحافظة على «أمن إسرائيل». وكان المنطق الذي حكم هذا الالتزام فلسطينيا هو السير نحو تسوية سياسية تضمن إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلّة، وجرى تسويق التنسيق الأمني على أنّه «شرّ لا بد منه» للوصول إلى بر أمان الاستقلال والتخلّص من الاحتلال، ولكن أين نحن من كل هذا اليوم؟ تغيّرت الظروف وبقي التنسيق. وفي ظل بعض حالات التوتّر اتخذت قرارات فلسطينية بوقف التنسيق الأمني، لكنّها كلّها لم تطبّق عمليا، حتى لو جرى الإعلان عنها رسميّا. وإذا كان هناك نقاش في الماضي على مبدأ التنسيق الأمني مع الاحتلال، وطرحت فيه فكرة أنّه ضروري للتوصّل إلى تسوية مقبولة، فعلام الإبقاء عليه الآن؟ والجميع يعرف ويقر بأنّه يستغل لتعميق الاحتلال لا للتخلّص منه، هو يستغل لتطويل عمر الاحتلال ونحن نريد تقصيره. لا منطق ولا مبرر ولا قبول بالحد الأدنى لبقاء التنسيق الأمني. المطلوب حقّا هو إلغاء التنسيق الأمني قولا وفعلا، والإعلان عن أن قوى الأمن الفلسطينية ستدافع عن المدن والقرى والمخيمات وتحميها من أي اعتداء، سواء من الجيش أو من المستوطنين. إذا أعلن هذا الموقف وخرج الى التنفيذ، فسيكون ذلك بداية استرجاع السلطة لشرعيتها وتأييدها في الشارع الفلسطيني، ومن دون ذلك ستكون ورطتها مع شعبها عويصة وصعبة.
الاستيطان
الخطيئة الكبرى لاتفاق أوسلو هي تأجيل موضوع الاستيطان والمستوطنات إلى مفاوضات الحل النهائي، بلا أي التزام بتفكيكيها ولا حتى بتجميد الاستيطان. هي الخطيئة الكبرى لسبب عملي وهو أن الانفلات الاستيطاني يعني تغيير الواقع جغرافيا وديموغرافيا، بما يمنع إقامة دولة فلسطينية مستقلة في حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967. وفي الثلاثين عاما، التي مضت على اتفاق أوسلو تضاعف عدد المستوطنين خمس مرّات: من حوالي 100 ألف عام 1993 عند توقيع أوسلو إلى ما يقارب 500 ألف في عام 2023. هذا لا يشمل القدس والمستوطنات في القدس الشرقية، وتنوي الحكومة الإسرائيلية رفع عدد المستوطنين في الضفة الغربية إلى مليون ومع القدس مليون ونصف المليون. تفعيل النضال الشعبي ضد الاستيطان والمستوطنات هو واجب والتركيز على هذه القضية تحديدا يمنح القضية الفلسطينية زخما مجددا. ويمكن طرح اقتراحات كثيرة بهذا الاتجاه منها مثلا مسيرات جماهيرية سلمية ضخمة تفرض حصارا على مستوطنات وتُغلق مداخلها ومخارجها، وبالمقابل حملة دبلوماسية وسياسية دولية ضد الاستيطان، وكذلك استثمار المعارضة المتنامية للاستيطان داخل إسرائيل ذاتها، وهي ظاهرة تتوسّع على هامش المظاهرات الاحتجاجية. ماذا نقول لاتفاق أوسلو في يوم ميلاده الثلاثين؟ نقول كفى، آن الأوان لتخرج إلى التقاعد.
(عن صحيفة القدس العربي)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه أوسلو الاقتصاد الفلسطينيين التنسيق الأمني الاحتلال الاحتلال أوسلو الاقتصاد التنسيق الأمني الفلسطينيين مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة اقتصاد سياسة مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة التنسیق الأمنی اتفاق أوسلو
إقرأ أيضاً:
هآرتس تستعرض قائمة الأسلحة الأميركية لدى إسرائيل
استعرض تقرير نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية "قائمة مشتريات إسرائيل من الآلات الحربية الأميركية"، في ظل اقتراب الاتفاق الحالي للمساعدات العسكرية بين البلدين على الانتهاء، وتصاعد انتقادات دعم إسرائيل داخل واشنطن من الديمقراطيين والجمهوريين.
وأوضح أن الاتفاق الإطاري الحالي، الذي وُقّع في عهد إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما للفترة 2019-2028، يوفّر للإسرائيليين أعلى مبلغ مساعدات سنوية بتاريخ العلاقات الأمنية بين البلدين.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2نيويورك تايمز: هكذا ستبدو حروب المستقبلlist 2 of 2صحف عالمية: أكثر من 40 ألف فلسطيني بغزة يعانون من إصابات بالغةend of listفاتورة حرب غزةووفق الاتفاقية تمنح الولايات المتحدة إسرائيل 3.8 مليارات دولار سنويا لشراء طائرات وذخائر ومعدات للجيش الإسرائيلي وكذلك لتمويل برامج الدفاع الصاروخي المشتركة.
ولفت كاتب التقرير عوديد يارون إلى أن قيمة المساعدات الأميركية تضاعفت خلال العامين الماضيين بسبب حرب إسرائيل في غزة، إذ أنفقت الولايات المتحدة نحو 32 مليار دولار، بينها 21.7 مليار دولار نقلت مباشرة للجيش الإسرائيلي، وهو مبلغ يساوي أكثر من 6 أضعاف قيمة التمويل السنوي العادي.
وأقر الكونغرس هذا العام حزمة مساعدات إضافية بقيمة 26 مليار دولار، شملت 4 مليارات لدعم القبة الحديدية و1.2 مليار لنظام الشعاع الحديدي، بحسب التقرير.
وفيما يلي "قائمة مشتريات" إسرائيل من الولايات المتحدة -وفق تعبير الكاتب- وتحوي كل نقطة على عدد العتاد العسكري ونوعه، ثم سعره والشركة المصنعة وتاريخ إتمام الصفقة، بجانب أي ملاحظات:
50 طائرة إف-15 آي إيه (19 مليار دولار) من شركة بوينغ. وقعت الصفقة بتاريخ أغسطس/آب 2024. الطائرة هي نسخة من أحدث طرازات طائرة إف-15، تم تعديلها خصيصا لإسرائيل. 18 مروحية سيكورسكي سي إتش-53 كيه سوبر ستاليون (3.4 مليارات دولار) من سيكورسكي ولوكهيد مارتن. وقعت الصفقة بتاريخ يوليو/تموز 2021. 25 طائرة إف-35 "أدير" (3 مليارات دولار) من شركة لوكهيد مارتن. وقعت الصفقة بتاريخ يونيو/حزيران 2024. من المتوقع أن يبدأ تسليم الطائرات في 2028. 8 طائرات بيغاسوس كيه سي-46 للتزويد بالوقود (2.4 مليار دولار) من شركة بوينغ. وقعت الصفقة بتاريخ مارس/آذار 2020. عشرات الآلاف من القنابل والذخائر الموجهة من طراز 500 كغم و1 طن وقنابل خارقة للتحصينات (9 مليارات دولار) من شركة بوينغ. وقعت الصفقة في 2025. تم استخدامها في غزة ولبنان وسوريا وإيران واليمن. آلاف صواريخ هيل فاير و أمرام (1.1 مليار دولار) من لوكهيد مارتن ورايثيون. وقعت الصفقة ما بين 2024-2025. قذائف ومدافع عيار 155 ملم و120 ملم (1.4 مليار دولار) من مخزونات الجيش الأميركي وشركة جنرال دايناميكس. وقعت الصفقة ما بين 2023-2025. محركات لناقلات الجنود نامر وإيتان (750 مليون دولار) من رولز رويس. وقعت الصفقة ما بين 2019-2025. شاحنات ثقيلة وناقلات صهاريج (250 مليون دولار) من أوشكوش وليوناردو. وقعت الصفقة ما بين 2022-2025. بنادق هجومية ورشاشات (160 مليون دولار) من سيغ ساور وكولت. وقعت الصفقة ما بين 2024-2025.شمل الدعم الأميركي أيضا -وفق التقرير- تمويلا لبناء قواعد ومنشآت تحت الأرض ومدارج جديدة، إذ وُقّعت منذ 2019 عقود بنحو نصف مليار دولار، مع خطط مستقبلية تتجاوز مليار دولار.
إعلانكما خصصت الولايات المتحدة منذ 2011 نحو 3.4 مليارات دولار لمنظومات الدفاع الصاروخي، بينها 1.3 مليار للقبة الحديدية، إضافة إلى تمويل تطوير صواريخ اعتراض متقدمة وبرامج مشتركة.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أفادت وكالة رويترز أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قدمت إلى الكونغرس اقتراحا لبيع إسرائيل أسلحة بقيمة حوالي 6.4 مليارات دولار، مما يشير إلى استمرار التعاون العسكري.
تحديات تجديد الاتفاقوأشار التقرير إلى أن الاتفاق الحالي -الذي مكن إسرائيل من الحصول على نحو 38 مليار دولار خلال العقد الماضي- ينتهي خلال عامين.
ولفت إلى أن إسرائيل باشرت عام 2016 -قبل عامين من انتهاء الاتفاقية السارية آنذاك في 2018- في مناقشة الاتفاقية القادمة، ولكن الظروف المختلفة اليوم تجعل من تجديد الاتفاق مهمة أكثر تعقيدا.
ويرى التقرير أن موقع إسرائيل التفاوضي أضعف اليوم بسبب تزايد الأصوات المناهضة لدعمها من اليسار واليمين في الولايات المتحدة، حيث توسعت انتقادات الديمقراطيين بعد الحرب في غزة، في حين يرى كثير من الجمهوريين -تحت شعار أميركا أولا- أن إسرائيل باتت عبئا كبيرا.
كما أظهرت استطلاعات رأي -وفق القرير- تراجعا غير مسبوق في شعبية إسرائيل لدى الجمهور الأميركي، بما في ذلك بين المحافظين، وهو ما يزيد من صعوبة تمرير حزم المساعدات في المستقبل.
وتجلت هذه التحديات في المناقشات الحالية حول تجديد الاتفاق، إذ طرحت إسرائيل إمكانية تحول الاتفاقية إلى نموذج "مشترك" بدلا من الدعم المباشر، في محاولة لجعل الاتفاق أكثر قبولا من جانب الإدارة الأميركية الحالية.
وخصصت أغلب الأموال من الاتفاق الحالي (2019–2028) لشراء المعدات من الولايات المتحدة، ومقارنة بذلك تم في عام 2019 تخصيص نحو ربع ميزانية إسرائيل فقط (815 مليون دولار) للمشتريات من الصناعات الدفاعية الإسرائيلية.
وبحلول 2028، من المتوقع أن ينخفض هذا المبلغ إلى الصفر، مما يعني أن جميع المساعدات ستُستخدم بالكامل لشراء أنظمة دفاعية أميركية، بحسب الكاتب.
وخلص التقرير إلى أنه -وعلى الرغم من ازدياد الضغط في واشنطن- من المرجح أن تظل إسرائيل معتمدة عمليا على التمويل والبنية التحتية الأميركية لعقود.