تطل الذكرى التاسعة لثورة الـ21 من سبتمبر، وهي تذكرنا بحركة الكينونة التي لازمتها على مدى تسعة أعوام ظلت فيها تخوض معركة وجودية لم يهدأ أوارها إلا لكي تشتعل من جديد .
تسعة أعوام من معركة الوجود تكالب فيها العالم كي يتمكن من فرض ثنائية السيطرة والخضوع ولم يتمكن، لأن اليمن كشعب وكثورة لم يساوم على مبدأ الحرية والسيادة والاستقلال، وبسبب مبدأ الحرية والسيادة والاستقلال ظلت الحرب تمارس غوايتها دماراً وحصاراً وتجويعاً وعزلة سياسية فلم تلن قناة الحرية والاستقلال والسيادة بل ظلت تقاوم حركة الفناء التي يريدها الغرب ودول الإقليم لهذا البلد .
اليوم تحتفل اليمن بالعيد التاسع وهي لا شك تتذكر أن ما حدث ويحدث لم يعق حركة الحياة من الصناعة والتجدد, فالثورة التي بزغت من بين غيوم الأزمات والوصاية الدولية والإقليمية ومن تحت ركام الصراع وانهيار النظم العامة والطبيعية ما زالت تعلن عن وجودها، لكن بعد أن شبت عن الطوق وأصبحت قادرة على فرض وجودها، وانتزاع الاعتراف بهذا الوجود، فالقوة التي كانت تعوزها في بداية تفجرها أصبحت اليوم تملكها بعد سنوات تسع من المواجهة والقتال مع قوى الاستكبار العالمي وقد دل العرض العسكري على نمو مطرد في القوات المسلحة كقوة رادعة لأحلام المستعمر .
لم تكن ثورة 21سبتمبر حركة اجتماعية أو سياسية عابرة بل جاءت من خصب وثراء ثوري كي تبدع الأخصب والأكثر ثراء ثورياً في عالم يصر على وأد كل حركة تحرر لا تعترف بقيم الاستغلال والغبن التي يمارسها النظام الرأسمالي منذ تفرد بقيادة العالم .
ومن البديهي أن كل حركة ثورية حقيقية تطمح إلى تحول تاريخي عميق يجعل منها مركزا مهما في حركة التاريخ ويمكنها مع غيرها من صنع القرار والمبادرة والإسهام في الحضارة الكونية كندٍّ وليس كتابع، وهذا ما كانت عليه حركات التحرر في القرن الماضي قبل أن تصاب بالثبات والجمود، وقبل أن تتعرض للمؤامرات والاستهداف كالناصرية مثلا – وهي تجربة يمكن الاستفادة من تفاعلها مع حركة التاريخ في زمنها ومثل ذلك من تمام الحكمة والعقل، إذ لكل تجربة مراكز قوة ومراكز ضعف وقراءة التجارب تجعلنا أكثر تمكناً من التحكم في مقاليد الثورة والمستقبل – وهذا هو الحال ذاته الذي هي عليه ثورة 21سبتمبر، وهي ثورة تسعى إلى الاستقلال الكامل، والحرية الكاملة، وتحاول أن تُحدث تقدماً تاريخياً، وهي تخوض حرباً ضروساً للوصول إلى هدفها، ولا نحبذ بعد الحروب والأزمات والنضالات والجهاد في كل الجبهات والهدر للطاقات المادية والبشرية أن نصل إلى ذات النتائج التي وصلت إليها ثورات القرن الماضي، وحتى لا نصاب بالعمه التاريخي لا بد من القراءة العميقة وسد الفراغات والاشتغال على المستويات المتعددة للوصول إلى الغايات .
ولذلك لا بد لثورة 21سبنمبر أن تحل الإشكالات الفكرية والسياسية وأن تقف أمامها بمسؤولية تاريخية وأخلاقية وتتمثل في قضايا معقدة ومتشابكة وذات تواشج، مثل كيفية القضاء على الإرث الاستعماري، وتجديد المفاهيم التي عمل المستعمر على تعويمها مثل الحرية الوطنية والاستقلال… إلخ، وعليها أن تواجه سؤال بناء الدولة الوطنية والدولة القومية، وكيف تضمن كرامة الإنسان العربي والمسلم للوصول به إلى مرتبة المواطن الفاعل والخروج إلى واقع ثقافي جديد بهوية عربية مسلمة .
فالحالة الثورية هي تعبير عن التناقضات الموجودة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهي تمثل ذروة تفاقمها.
إذن نحن بحاجة إلى التحليل والنقد وإعادة تشكيل وبناء الجسور والتواصل وإلى مقاربات سوسيولوجية علمية عقلانية، لمشكلات مجتمعنا العربي وتحدياته الثقافية والحضارية.
ومعالجة الواقع الجديد – بالنقد والتفكيك – على ضوء أبرز الأدبيات العلمية والفكرية والأكاديمية المعاصرة أصبحت ضرورة ثورية في سبيل توظيف ذلك الإنتاج الضخم ومفاتيحه النظرية لتحليل إشكالية مفهوم الثورة والهوية وتداخلهما مع ما تطرحه الرؤى الثورية التي اجتاحت مجتمعاتنا العربية في ظل مناخ ما كان يسمى الربيع العربي، فالثورة والهوية تركا في واقعنا مصفوفة من التحديات، نشهد آثارها حولنا، تشظيًا وتفككًا للمشتركات الجامعة، وتضخمًا غير مسبوق للانتماءات والولاءات الطائفية والمذهبية والإثنية.
لعل اشتغالنا على صناعة وعي جديد وواقع جديد هو من تمام الوعي الثوري، فالثورة هي أسلوب من أساليب التغيير الاجتماعي تشمل الأوضاع والبنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وعملية التغيير لا تتبع الوسائل المعتمدة في النظام الدستوري القديم للدولة وتكون جذرية وشاملة, تؤدي إلى انهيار النظام القائم وصعود نظام جديد ويفترض أن يكون تقدمياً قياساً بسابقه.
وحديثنا عن الثورة كحالة تبدل وتحديث لا يعني الانتقاص من قيمة المراحل – وهو فهم دأبنا عليه – ولكن يفترض أن ينزاح إلى حركة التجديد والتحديث، فالحياة في تطور مستمر والجمود هلاك وتحلل وتأسن، وهو حالة غير لائقة بالتمدن البشري في كل مراحل التاريخ، وفي المقابل الوقوف عند نقاط مضيئة في الماضي لا يعني تطوراً وثورة بل يعني الاستسلام والهزيمة لشروط الواقع وأيضاً فهماً قاصراً للحدث وتموجاته وإرهاصاته، فقدرة أي حدث تُقاس من خلال الأثر الذي تركه في البناءات وليس من خلال الموقف الوجداني والانفعالي منه.
ولا بد لنا من التأكيد على أن أهم الخصائص الأساسية للثورة وللثقافة الثورية التحولية -وهي خصائص يؤكد عليها علماء الأنثروبولوجيا والاجتماع – هي: اللغة، الخصوصية التاريخية، الاستجابة للحاجات الإنسانية، الشخصية الأساسية للثورة، ولا بد للثورة أن تركز على هذه الخصائص حتى تضمن نجاحها واستمرارها.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
بوغالي: مظاهرات 11 ديسمبر أصر فيها الشعب الجزائري على درب الحرية والسيادة
بعث رئيس المجلس الشعبي الوطني، إبراهيم بوغالي عشية الذكرى الـ65 لمظاهرات 11 ديسمبر 1960. رسالة أكّد فيها أنّ إحياء هذه المحطات التاريخية يأتي في سياق الحرص الدائم للدولة، بقيادة رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون. على صون الذاكرة الوطنية وترسيخ قيم الوفاء لتضحيات الشهداء والمجاهدين.
وأوضح بوغالي، أنّ مظاهرات 11 ديسمبر تعدّ علامة فارقة في مسار الثورة التحريرية، إذ خرج الجزائريون في مظاهرات سلمية عارمة ليعبّروا بصوت موحّد عن رفضهم لمخططات الاستعمار ومحاولاته طمس الهوية الوطنية. رافعين راية الكفاح من أجل الحرية والاستقلال، ما جعل العالم أجمع يقف على عدالة القضية الجزائرية داخل أروقة الأمم المتحدة.
وفي تغريدة له عبر حسابه الشخصي قال بوغالي “في الذكرى الـ65 لمظاهرات 11 ديسمبر 1960، نحيّي بإجلال تضحيات شعبنا الأبي. الذي شقّ بإصراره درب الحرية والسيادة، وسيّـج بدمائه وحدة الوطن بالالتفاف حول الثورة المجيدة وقيادتها.”
كما أشار رئيس المجلس الشعبي الوطني إلى أنّ تلك المظاهرات جاءت امتدادًا لمسار نضالي طويل توّج بانتصارات متتابعة: من مظاهرات 17 أكتوبر 1961 بباريس، إلى يوم النصر في 19 مارس 1962. وصولاً إلى استرجاع السيادة الوطنية في 05 جويلية 1962. مؤكّدًا أنّ دماء الشهداء أثبتت أن الحرية تنتزع ولا تمنح.
وشدّد بوغالي على أنّ الدفاع عن الذاكرة مسؤولية جماعية لا تسقط بالتقادم. وأنّ الجزائر الجديدة المنتصرة، بقيادة رئيس الجمهورية، تمضي بخطى ثابتة لتجسيد مضامين بناء دولة قوية بمؤسساتها وقوانينها. وتنمية شاملة تعلي من شأن المواطن وتكرّس مبادئ العدالة والرفاه. وذلك من خلال البرامج والإصلاحات التي تنفّذ في كل القطاعات عبر الوطن.
واختتم رئيس المجلس رسالته بالتأكيد على أنّ الاحتفاء بهذه الذكرى هو تجديد للعهد مع الشهداء والمجاهدين. والتزام راسخ بمواصلة مشروع بناء الجزائر المنتصرة التي تليق بتاريخها العريق وطموحات أبنائها.