البوابة نيوز:
2025-06-08@02:39:19 GMT

سنة أولى فى مدرسة العميان!

تاريخ النشر: 29th, September 2023 GMT

كانت لحظات وداع شاقة وصعبة على النفس لشهور الصيف مهما بلغت درجة حرارتها، فأنت تودع أيام المرح واللعب والاستيقاظ متأخرًا لتستقبل عامًا دراسيًا جديدًا بكل ما فيه من مشقة؛ مغادرة مبكرة للفراش الدافئ، دروس صعبة، ومدرسون ليسوا جميعًا ممن تشعر معهم بالارتياح.

ومع ذلك مازلت تحتفظ بالحنين إلى رائحة كتب المدرسة وطرقاتها وبعض الشقاوات السرية بعيدًا عن أعين الناظر أثناء طابور الصباح.

بعض تلك الذكريات يرتبط بمدرسة طه حسين للمكفوفين بشارع ترعة الجبل بمنطقة الزيتون؛ كانت أول أيام سنة أولى ثانوى مختلفة تمامًا عن تسع سنوات سبقتها فى المرحلتين الابتدائية والإعدادية.

نعم، هناك مشاعر الوداع الطفولية لعطلة الصيف، لكننى أيضًا كنت مقبلًا على مدرسة جديدة.. كل طلابها من المكفوفين وكذلك قسم كبير من مدرسيها.

صحيح أمضيت شهور الصيف فى تعلم طريقة البرايل قراءة وكتابة باللغة العربية والانجليزية والفرنسية على يد معلمى وأستاذى الكفيف النابه محمد درويش؛ لكنه يبقى بالنسبة لى عالمًا جديدًا مثيرًا للفضول ومعتمًا فى ذات الوقت.

أمضيت أغلب سنوات الطفولة أعانى ضعف البصر الشديد وعند نهاية المرحلة الإعدادية آن الأوان لما تبقى من ضوء ليغادر عيناى وأصبحت مدرسة المكفوفين المكان الوحيد الأنسب للدراسة. حينها تبقى بصيص نور يمكّننى بالكاد من ملاحظة المجسمات الكبيرة استخدمته أحيانًا ببراءة الأطفال لخداع الأستاذ درويش الأعمى تمامًا؛ وكان دائمًا يفاجئنى باكتشاف ألاعيبى الصغيرة ويقول: (ستذهب إلى المدرسة بعد أيام قليلة ولو فعلت هذا مع زملائك أو مدرسيك سيكتشفون ذلك سريعًا ولن يغفروا لك ألاعيبك واستغلالك ما تبقى لك من ضوء خافت تعتقد أنه يميزك).

جاء أول يوم دراسة وعلى غير العادة كنت متحمسًا بسبب شغفى لاكتشاف هذا العالم المظلم المعتم، عالم كله من العميان.

من باب الدعابة وأثناء التعارف فى أول يوم أطلق علّى أستاذ اللغة العربية وعازف العود الماهر الأستاذ محمد زكى رحمه الله لقب (صقر الفصل) فقط لأننى احتفظ ببقايا ضوء فى عيني.

لم يكن الأسبوع الأول لطيفًا فكل من حولى يريد اكتشافى ومدى قدرتى على الإبصار ورؤية الأشياء، ومدى قوتى البدنية؛ وانتهى الأسبوع بمعركة حامية الوطيس بينى وبين أغلب طلاب الفصل.

فى هذا الوقت كنت بدينًا وأتمتع برشاقة وسرعة فى الحركة.. وهذا النوع من المعارك تعودت عليه فى مدرسة النقراشى الإعدادية ولما كان ضعف بصرى نقطة ضعفى مع طلاب المدرسة الإعدادية الأشقياء كنت استخدم ألواح المقاعد الخشبية وأضرب بعنف مفرط غير مبالٍ بحجم الإصابات فلا بديل للنصر وإلا المهانة واستغلال نقطة ضعفى طوال العام.

اعتمدت نفس الأسلوب مع زملائى العميان فى بداية المعركة لكنهم تكاثروا وللحظة أدركت أن هزيمة نكراء فى انتظارى بعد لحظات، ولم يكن أمامى سوى الالتحام إلا أننى فوجئت بأن ميزان المعركة يميل لصالحى فقد أصبح الجميع يضرب فى الجميع وما كان منى إلا أن تسللت حتى خرجت من ساحة الوغىَ ثم صرخت ضاحكًا وساخرًا: أنتم تضربون بعضكم البعض، فضحك أحدهم لتتوالى بعد ذلك الضحكات وسرعان ما تصافت النفوس بعد أن سخر العميان من أنفسهم ثم صرنا أصدقاءًا وأصحابًا نتشارك شقاوات التزويغ والهروب من المدرسة والتجول فى الشوارع المحيطة وبعضهم كان يعتمد على بقية الضوء الذى فى عينى لكنه كان سرعان ما يلاحقنى باللعنات مع أول اصطدام بشجرة أو سقوط حر فجائى من أعلى رصيف حجرى شبه مدمر.

اعتقدت أن مسألة إدارة فصل من العميان أمر شبه مستحيل على مدرس كفيف لكن الأمر لم يكن كذلك على الإطلاق.

كان لكل منهم طريقته الخاصة فى عملية إدارة فصل من الشياطين، بعضهم عمل على اكتساب محبتنا واحترامنا بأحاديثه المتنوعة والشيقة التى يدمجها فى عملية شرح الدرس، وبعضهم كان حاسمًا صارمًا حازمًا حتى أننا كنا نخشى اللهو بصمت مع بعضنا البعض رغم يقيننا أنه لن يرانا. 

اللافت أن التسيب والإنفلات فى الفصل كان يحدث فى حضور بعض المدرسين المبصرين ربما لشفقة فى نفوسهم أو إدراكهم أنهم يستطيعون التحكم فى الأمر إذا خرج عن الحد المسموح.

لا أدرى لماذا تتدافع هذه الذكريات فى عقلى، ليس من سبب محدد، وربما هى نسائم سبتمبر التى تذكرنا ببداية العام الدراسى الجديد لكن ثمة حكمة أو مجموعة من العِبَر تعلمتها فى مدرسة العميان من المدرسين والمدير وزملائى الذين أصبحوا أصدقاء العمر.

التمسك بموقف أو فكرة أو أسلوب ثبت فشله للجميع ويعد من أخطر أنواع العَمىَ، فأنت وحدك من تعتقد فى سلامة موقفك أو فكرتك لذلك أنت أعمى.

النظر لأى مسألة أو موضوع من زاوية واحدة وإهمال بقية الزوايا وعدم الإكتراث بالنظرة الشمولية لإعادة ترتيب وتركيب أبعاد القضية يعميك عن الدرب الصحيح والطريق السليم.

الأنانية والرغبة فى الاستحواذ على كل شىء والإمساك بجميع المفاصل يسمى عمىَ حيثى، أما الشخص الذى يوصف بالأعمىَ القٌح فذلك الذى يستكبر على مشورة من حوله وسؤال السائرين معه على نفس الدرب.

تلك العبر وغيرها تعلمتها فى طابور الصباح وداخل الفصل وأثناء تجوالى مع زملائى فى الشوارع والميادين المحيطة، عندما كنت أرفض السؤال عن اتجاهات الشوارع أو المشى بحذر فوق أرصفة غير معبدة فتكون النتيجة الاصطدام بحدة فى حائط أو شجرة أو السقوط فى بالوعة تركها أحد العمال المهملين مفتوحة بعد إصلاحها.

بعض هذه الحكم والعبر رسختها سنوات عملى فى بلاط صاحبة الجلالة، واليوم وبعد أن رحل عن عيناى آخر شعاع نور أدين بالفضل لمدرسة العميان فبفضلها تعلمت المشى منفردًا وأصبح الاصطدام بالجدران نادرًا وأقل حدة وبات السقوط احتمالًا قائمًا لكن مستبعد.

بعد كل هذه السطور ورغم كل ما ذكرته بقى شىء فى نفسى عبرة لم أقلها، ربما لأنها مازالت فى طور التبلور وربما لأنه لم يحن أوانها بعد.

*كاتب صحفى

المصدر: البوابة نيوز

إقرأ أيضاً:

تحدي القراءة العربي يتوّج محمد جاسم إبراهيم بطلاً لدورته التاسعة في البحرين

فاز الطالب محمد جاسم إبراهيم بلقب بطل تحدي القراءة العربي في دورته التاسعة على مستوى مملكة البحرين، في ختام تصفيات شهدت مشاركة 137375 طالباً وطالبة مثلوا 241 مدرسة، وتحت إشراف 489 مشرفاً ومشرفة أسهموا في نجاح الدورة الجديدة من التظاهرة القرائية الأكبر من نوعها باللغة العربية على مستوى العالم، والتي تنضوي تحت مظلة مؤسسة «مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية».

وجرى تتويج الطالب محمد جاسم إبراهيم من الصف الخامس في المدرسة الأهلية التابعة لمنطقة التعليم الخاص باللقب، خلال الحفل الختامي للدورة التاسعة، الذي شهدته العاصمة البحرينية المنامة، بحضور سعادة فهد محمد بن كردوس العامري سفير دولة الإمارات لدى مملكة البحرين، وسعادة نوال إبراهيم الخاطر وكيل وزارة التربية والتعليم في البحرين، ومشاركة الدكتور فوزان الخالدي مدير إدارة البرامج والمبادرات في مؤسسة «مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية»، وعدد من المسؤولين والتربويين، والمهتمين بالشأن الثقافي في البحرين وأولياء أمور الطلبة المشاركين في المنافسات. كما شهد الحفل الختامي تتويج شيخة محمد الرميحي من «المنطقة الأولى»، بلقب «المشرفة المتميزة»، ومدرسة الحد الإعدادية من «المنطقة الرابعة»، بلقب «المدرسة المتميزة»، فيما تم تكريم الطالبة فاطمة كاظم مسلم محمد من الصف الأول الثانوي في مدرسة سترة الثانوية للبنات من «المنطقة الثانية» بعد نيلها المركز الأول في فئة أصحاب الهمم من بين 123 طالباً وطالبة شاركوا في تصفيات هذه الفئة. وتأهل إلى التصفيات النهائية على مستوى مملكة البحرين عشرة طلاب وطالبات، تنافسوا على اللقب، وضمّت القائمة إضافة إلى الطالب محمد جاسم إبراهيم كلاً من: أمينة صلاح جناحي من الصف الثاني الإعدادي في مدارس الإيمان الخاصة - قسم البنات التابعة لمنطقة التعليم الخاص، وطاهرة السيد محمود أحمد من الصف السادس في مدرسة الروابي الخاصة «التعليم الخاص»، وغفران حمزة حسن من الصف الثاني الإعدادي في مدرسة مدينة عيسى الابتدائية الإعدادية للبنات «الثالثة»، وسلمى أحمد ناصر من الصف الخامس في مدرسة شهركان الابتدائية للبنات «الأولى»، وآشلي محمد مصطفى من الصف الأول الثانوي في مدرسة خولة الثانوية للبنات «الرابعة»، وآمنة وهب يوسف من الصف الثالث الإعدادي في مدرسة مدينة عيسى الابتدائية الإعدادية للبنات «الثالثة»، ومريم حسين عبدالله من الصف الأول الثانوي في مدرسة غازي القصيبي الثانوية للبنات «الأولى»، وفاطمة حسن الصائغ من الصف الثالث الثانوي في مدرسة النور الثانوية للبنات «الثانية»، وسارة إسماعيل الجودر من الصف الثاني الثانوي في مدرسة المحرق الثانوية للبنات «الرابعة».

أخبار ذات صلة رينارد: نتيجة أستراليا واليابان تحدد رسالتي للاعبي السعودية! عبدالله بن زايد يهنئ مملكة البحرين بانتخابها لعضوية مجلس الأمن الدولي

وأكد الدكتور محمد بن مبارك جمعة وزير التربية والتعليم في مملكة البحرين أنّ العمل على نشر ثقافة القراءة وتعزيز مكانة اللغة العربية لدى الطلاب والطالبات سيبقى أولوية في الخطط الاستراتيجية التي تضعها وزارة التربية والتعليم في المملكة، لما يمثله ذلك من أهمية قصوى في صياغة مستقبل مشرق قائم على العلوم والمعارف والإبداع، مثمناً الدور الملهم الذي يلعبه تحدي القراءة العربي في صقل قدرات الأجيال الجديدة وتوثيق ارتباطها بلغة الضاد والثقافة العربية، والكشف عن مواهب واعدة قادرة على التعبير عن أفكارها وإحداث التأثير الإيجابي في المجتمعات العربية. وقال إن طلبة مملكة البحرين أظهروا خلال تصفيات الدورة التاسعة من تحدي القراءة العربي، اهتماماً كبيراً بالمشاركة وتسجيل حضور لافت كعادتهم في الدورات الماضية، وهو ما تجلى بخوص 137375 طالباً وطالبة المنافسات بكل جدية وإصرار على التميّز والحصول على المراكز الأولى لتمثيل مملكة البحرين خلال المرحلة النهائية، التي تجري في دبي، والتطلع إلى التتويج في ختام هذه المبادرة القرائية العظيمة، التي جسّدت منذ انطلاقتها حرص دولة الإمارات ومؤسسة «مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية» على بناء جيل عربي جديد مؤمن بقدراته للتفوق في مجالات الثقافة والفكر.

وهنّأ الفائزين في فئات التحدي على مستوى مملكة البحرين، وجميع المشاركين في التصفيات وذوي الطلبة، والكوادر التعليمية وإدارات المدارس، مقدماً الشكر لمؤسسة «مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية» والجهات التي دعمت وسهّلت إجراءات تصفيقات الدورة التاسعة في البحرين. من جانبه، قال الدكتور فوزان الخالدي، إن المشاركة الكثيفة لطلبة مملكة البحرين في تصفيات الدورة التاسعة من تحدي القراءة العربي، تأتي امتداداً للمشاركة البحرينية المتميزة في جميع دورات التحدي منذ انطلاقه في العام 2015، مؤكداً أن هذا النجاح البحريني المتواصل في عدد المشاركين والمستويات الرفيعة التي يظهرونها على صعد الحصيلة المعرفية والقدرة على التعبير عن الذات والتمكن في اللغة العربية، هو نجاح للمنظومة التعليمية البحرينية وترجمة لجدية الطلاب والطالبات ومثابرتهم للوصول إلى أعلى المراتب العلمية والثقافية، كما يمثل انعكاساً للتعاون الكبير بين مؤسسة «مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية»، ووزارة التربية والتعليم في مملكة البحرين.وهنأ الطالب محمد جاسم إبراهيم بعد فوزه بلقب بطل الدورة التاسعة في البحرين، وأوائل فئات التحدي وجميع المشاركين في التصفيات، وأسر الطلاب والطالبات مثمناً دورها في تحفيز أبنائها على الاجتهاد والتميّز في المنافسات.
وتوجه الخالدي بالشكر والتقدير إلى وزارة التربية والتعليم في مملكة البحرين، والهيئات التدريسية في جميع مناطق المملكة، معرباً عن ثقته بإمكانات طلبة البحرين وجدارتهم بتحقيق إنجازات جديدة في الدورات المقبلة من تحدي القراءة العربي. وشهدت الدورة التاسعة من مبادرة تحدي القراءة العربي، مشاركة قياسية وصلت إلى 32 مليوناً و231 ألف طالب وطالبة من 50 دولة يمثلون 132112 مدرسة، وبإشراف 161004 مشرفين ومشرفات. ويهدف التحدي، الذي أطلق في العام الدراسي 2015 - 2016 بتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، إلى إنتاج حراك قرائي ومعرفي شامل، وترسيخ ثقافة القراءة باللغة العربية بوصفها لغة قادرة على مواكبة كل أشكال الآداب والعلوم والمعارف، وتشجيع الأجيال الصاعدة على استخدامها في تعاملاتهم اليومية، وتطوير آليات الاستيعاب والتعبير عن الذات بلغة عربية سليمة، وتنمية مهارات التفكير الإبداعي.
ويسعى التحدي إلى تعزيز أهمية القراءة المعرفية في بناء مهارات التعلم الذاتي، وبناء المنظومة القيمية للنشء من خلال اطلاعهم على قيم وعادات ومعتقدات الثقافات الأخرى، وهو ما يرسّخ مبادئ التسامح والتعايش وقبول الآخر.

المصدر: وام

مقالات مشابهة

  • وكيل إدارة مكافحة المخدرات السابق: نواجه مدرسة جديدة لا تخضع لأي قواعد
  • شوقي علام: كتاتيب القرية هي المدرسة الأولى التي نتعلم ونتربى فيها
  • "بمكالمة تهنئة وتشجيع".. مدير ثانوية بنات نجع حمادي يطلق مبادرة لتحفيز الطالبات المتفوقات
  • بدائل الثانوية العامة.. المدارس التكنولوجية لطلاب الشهادة الإعدادية 2025
  • ننشر المواد المنظمة لكيفية الفصل في النزاع حول شخصية المحكوم عليه
  • تكريم المدارس والطلبة المجيدين في مسابقة القراءة المعبرة بالظاهرة
  • عاجل.. الاحتلال يقتحم مدرسة التحدي شمال طوباس
  • أرباب المقاولات يتوقعون ارتفاع الإنتاج في الصناعة التحويلية خلال الفصل الثاني من 2025
  • تحدي القراءة العربي يتوّج محمد جاسم إبراهيم بطلاً لدورته التاسعة في البحرين
  • العقبة تحتفي بالاستقلال وتخريج طلبة “العلمية النموذجية” برعاية مدير التربية والتعليم