لماذا لا يتفاعل نظام الأسد مع المبادرة العربية؟
تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT
اللقاءات بين لجنة الاتصال العربية بشأن سوريا ونظام بشار الأسد، لم تسفر عن تحقيق أي خرق سياسي في حل الأزمة، وهو ما يدفع للتساؤل عن أسباب ذلك.
يأتي ذلك في وقت تناولت فيه مصادر إعلامية دولية مؤخرا بأن لجنة الاتصال العربية تتجه إلى تعليق التواصل مع النظام السوري كرد فعل على عدم الاستجابة للمطالب العربية، وعدم التقدم سياسيا وأمنيا، ورافق ذلك تصريحات لمسؤولين أردنيين تنتقد النظام السوري.
وفي مايو/أيار الماضي، قرر وزراء الخارجية العرب تشكيل لجنة اتصال وزارية تضم: الأردن والسعودية والعراق ومصر، بالإضافة إلى الأمين العام للجامعة العربية لمتابعة تنفيذ بيان عمّان، ولاستمرار الحوار المباشر مع النظام السوري للتوصل لحل شامل للأزمة.
وبيان عمّان، صدر مطلع مايو/أيار الماضي، عن وزراء خارجية لجنة الاتصال العربية، بعد مباحثات حضرها وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، بالعاصمة الأردنية.
واتفق المشاركون في اجتماع وزراء خارجية لجنة الاتصال العربية، في أغسطس/آب الماضي، بالقاهرة على الحل السياسي للأزمة السورية.
وأعرب المشاركون عن تطلعهم لاستئناف المسار الدستوري السوري في سلطنة عُمان، قبل نهاية العام الجاري.
استعصاء سياسيعبد المجيد بركات نائب رئيس الائتلاف السوري المعارض، تحدث عن موقف النظام وأسباب عدم تفاعله مع المبادرة العربية بالقول، إن الاستعصاء السياسي في العملية السياسية ربما دفع العديد من الدول لإيجاد أساليب وطرق تستطيع من خلالها حلحلة الأمور، وإيجاد تفاهمات جديدة حول الملف السوري.
وأوضح عبد المجيد أنه ربما كان ذلك من دوافع دول عربية لكي تطبع علاقاتها مع النظام، من أجل الحصول على ضمانات منه متعلقة بالداخل السوري وفي قضايا منها: العملية السياسية، وضمانات أمنية متعلقة بالدول العربية، وربما بعض الضمانات العسكرية.
ويرى أن كل هذه الضمانات التي طلبتها الدول العربية لتطبيع العلاقات مع النظام لم تُوفّر؛ "لأن النظام لا يمتلك أساسا القدرة على صناعة القرار" .
ويعتقد عبد المجيد أن النظام رهن القرار السوري لإرادة إيران وروسيا.
كما أوضح أن هذه النتجية كانت السبب الرئيس لإعادة الدول العربية تفكيرها في التطبيع مع نظام الأسد.
وأشار إلى أن هناك أنباء عن إيقاف لجنة التواصل اتصالاتها مع النظام؛ لأن الأخير لم يقدم أي خطوة، ولم يحقق أي طلب، أو استحقاق طلبته الدول العربية للتطبيع.
وحسب عبد المجيد، فإن النظام السوري أثبت أنه غير جدير أن يكون شريكا سياسيا وإقليميا أو عربيا، خاصة أنه بعد مرحلة التطبيع كان هناك تصاعد في التهديد الأمني للمنطقة العربية، بالإضافة إلى زيادة تهريب المخدرات واستعصاء زائد في العملية السياسية السورية، وعدم خضوعه لأي تفاهمات تتعلق بالعملية، خاصة اللجنة الدستورية.
وأضاف "تكلمنا في هذا الإطار مع عدد من الدول العربية، وأكدنا لهم مسبقا بأن النظام لن يقدم أي شيء؛ لأنه بالأساس لا يمتلك القدرة على صناعة القرار، ولا التحرك بحرية".
ويوم الأربعاء الماضي، قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، إن عمليات تهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن زادت بعد محادثات التطبيع العربي التي حدثت في جدة وعمّان مع النظام السوري.
وقال الصفدي في مقابلة صحفية، إنه يتعيّن على الحكومة (النظام السوري) التحرك وفقا لنهج خطوة بخطوة لمعالجة جميع العواقب المترتبة على 12 عاما من الحرب .
استياء كبير
من ناحيته، قال رئيس "مركز عمران للدراسات" عمار قحف، إن أنباء تعليق التواصل مع النظام صحيحة؛ لأن "هناك استياء كبيرا لدى مجموعة الاتصال العربية بسبب عدم تلبية النظام للمطالب المقدمة، والخطوات التي قدمتها الجامعة العربية".
وأضاف عمار "لا تزال هناك مفاوضات كبيرة تجري من خلف الكواليس، حسب علمي".
وشدد على أن النظام السوري لا يتحكم بالأمن ولا بالاقتصاد في البلاد، "وإن تحكّم فلا يريد أن يعطي أي تنازلات".
وأشار إلى أن زيارة بشار الأسد للصين أفضل دليل على سعيه الدؤوب لفتح مسارات جديدة، بحيث لا يكون معتمدا على دول عربية، ولا على إيران وروسيا، وإنما يريد أن يدوخ الجميع ويبقى في مكانه، دون أي تنازلات ودون أي تغيير.
وتابع "المقاربة العربية تقوم على أنه بإمكانه التعديل على سلوك النظام، ولكن هذا أثبت أنه غير ممكن".
ولفت عمار، إلى أن الدول العربية ليست على أسلوب واحد في التعاطي مع النظام، وليس هناك تطبيع بالكلمة الحرفية، بل إعادة تواصل وتفاعل مع المنظومة السورية بشتى أركانها وأطيافها، حسب تعبيره.
وفي كلمته التي ألقاها مؤخرا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال ملك الأردن عبد الله الثاني، إن مستقبل اللاجئين السوريين في بلدهم، وليس في البلدان المستضيفة .
ودعا الملك الأردني إلى توفير الدعم لهم، حتى حلول الوقت الذي يتمكنون فيه من العودة.
عدم تقدم مسار التطبيع
من ناحيته، قال مدير مركز جسور للدراسات محمد سرميني، إنه لا يوجد إعلان رسمي بتعليق لجنة الاتصال العربية التواصل مع النظام السوري، لكن تُشير المعطيات إلى عدم تقدّم مسار التطبيع أي خطوة للأمام، حيث لم يُفعّل عمل مكاتب النظام وبعثاته في مؤسسات الجامعة العربية.
ويقول محمد سرميني، إن النظام السوري لم ينفذ أيّا من المطالب التي طُلبت منه: لا من ناحية توفير الظروف لإعادة اللاجئين، أو مكافحة الإرهاب، أو الانخراط الجاد في العملية السياسية، "بل على العكس هناك مزيد من الضغوط التي يُمارسها النظام".
ويضيف، أن النظام زاد حجم تهريب المخدرات نحو الأردن والدول العربية، بينما يقوم بخطوات شكلية حول ما يخص إعادة اللاجئين؛ كإلغاء محاكم الميدان العسكرية، على حد قوله.
ولفت إلى أن محاكم الميدان حتى بعد إلغائها لا تزال صلاحياتها موجودة لدى أجهزة ومؤسسات أخرى.
وعدّ أن سياسات النظام الحالية من قبيل استمرار رفع الدعم عن السلع والخدمات رغم الاحتجاجات في السويداء، ينذر بحدوث موجة لجوء جديدة.
وحول عدم استجابة النظام لمطالب لجنة الاتصال العربية، أفاد مدير مركز "جسور" أن ذلك يرجع إلى 3 أسباب، وهي: عجزه فعليا عن تلبيتها، وحرصه على استمرار سياسة الابتزاز، وعمله على حصر التفاهمات حول القضايا المطلوبة منه ضمن مستوى العلاقات الثنائية، وليس على مستوى الجامعة العربية، وفق تقديره.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: لجنة الاتصال العربیة العملیة السیاسیة مع النظام السوری الدول العربیة عبد المجید أن النظام إلى أن
إقرأ أيضاً:
لماذا الصمت العربي في حين تغيرت مواقف الغرب تجاه إسرائيل؟
توالت مواقف الدول الغربية التي تنتقد استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، في حين ظل الموقف العربي غائبا، في مفارقة تطرح تساؤلات عن التحول المتزايد في سياسات أوروبا مقابل صمت عربي.
ويأتي ذلك في حين تتجه عواصم غربية إلى تصعيد لهجتها ضد إسرائيل، ومراجعة علاقاتها السياسية واتفاقاتها العسكرية معها، بينما لم يصدر عن كثير من العواصم العربية سوى بيانات متفرقة لم تتجاوز حدود القلق، في الوقت الذي يتعرض فيه نحو 2.3 مليون فلسطيني لمجازر مستمرة وحصار خانق.
المواقف الأوروبية غير المسبوقة تطالب بعقوبات على المستوطنين، وبتعليق اتفاقيات التعاون الأمني مع إسرائيل وتدعو إلى فتح المعابر لإدخال المساعدات.
وفي ظل هذا التحرك الأوروبي المتسارع، يتعاظم التساؤل: أين الموقف العربي؟ ولماذا يلتزم العرب الصمت بينما ترتكب إسرائيل انتهاكات غير مسبوقة في غزة؟
موقع الجزيرة نت استطلع آراء عدد من المحللين والخبراء بشأن هذا التساؤل، إذ أجمعوا على أن الصمت العربي ليس حالة عابرة، بل نتيجة تراكمات سياسية وأمنية واقتصادية جعلت من الموقف تجاه غزة رهينة الحسابات لا المبادئ.
وقالت رئيسة مجلس شورى الرابطة الإسلامية في بريطانيا رغد التكريتي إن التحول في مواقف بعض الدول الغربية مثل فرنسا وكندا وبريطانيا تجاه العدوان على غزة يعد تطورا إيجابيا، مؤكدة أنه نقطة تحول مهمة كان يفترض أن تحدث منذ وقت مبكر.
إعلانوأضافت -في مقابلة مع الجزيرة نت- أن هذا التحول لم يأت من فراغ، بل جاء نتيجة ضغط مستمر من الشارع والبرلمانيين، وتغير في مواقف بعض القيادات السياسية بعد نحو 20 شهرا من القصف والدمار المتواصلين من قبل إسرائيل على غزة، وفي ظل صمت دولي مقلق.
ونوهت إلى أن الغرب، ومنه بريطانيا، يلعب دورا مباشرا في دعم إسرائيل وتسليحها، ولذلك فإن التغيير في مواقفه ينعكس على السياسات العربية التي تتأثر غالبا بالإستراتيجيات الغربية.
وشددت التكريتي على أهمية استمرار الضغط الشعبي، مشيرة إلى أن الرابطة الإسلامية في بريطانيا تواصل تنظيم المظاهرات والتحركات لتثبيت هذه التغييرات، وقالت "نحن لا يهمنا الكلام، بل تهمنا المواقف والأفعال".
وأكدت التكريتي أن الشعوب قادرة على كسر السقوف المفروضة عليها ولو تطلّب ذلك بعض التضحيات.
صمت عربي
ويرى الباحث الفلسطيني محمد غازي الجمل -في تصريحات للجزيرة نت- أن الصمت العربي الرسمي ليس مجرد غياب عن المشهد، بل انعكاس لتحولات عميقة في العقيدة السياسية لبعض الأنظمة.
ويعدد الجمل في حديثه للجزيرة نت جملة من الأسباب التي تفسر هذا الصمت:
أصبحت المقاومة الفلسطينية خصما مقابل التحالف السياسي والأمني والاقتصادي مع دولة الاحتلال، بناء على اتفاقات السلام والتطبيع، مما يجعلها أداة ضغط وقمع لأي حراك شعبي رافض لعدوان الاحتلال. الحياة السياسية جُرّفت في المجتمعات العربية، وتم تأميم أدوات العمل الجماعي، كالأحزاب والنقابات والبرلمانات، التي أصبحت هياكل خاوية من مضمونها الحقيقي. جُرّم التضامن مع الفلسطينيين ودعم مقاومتهم بفعل القوانين والأنظمة والخطاب الإعلامي في العديد من الدول العربية. هناك ضعف في قناعة الشعوب بأثر الاحتجاجات، وضعف في قدرة القوى الشعبية على ابتكار أشكال تضامن تتجاوز قيود الأنظمة. الولايات المتحدة والدول الغربية تربط مساعداتها بعلاقات الدول العربية بإسرائيل، وتدرج أشكال الدعم للفلسطينيين ضمن ما تسميه دعم الإرهاب، وتلاحق الخطاب والتبرعات ذات الصلة. أصل المشكلة -حسب الجمل- يرتبط بشرعية الأنظمة، فمن يعتمد على دعم الخارج يبقى مرتهنا لمعادلاته، أما من يستند إلى رضا شعبي ينسجم مع مشاعر أمته فموقفه مختلف.وفي قراءة مشابهة، يرى المحلل السياسي الفلسطيني إبراهيم المدهون أن الجهود العربية إن وجدت فهي محدودة جدا ومحكومة بحسابات دقيقة ومعقدة.
إعلانويشير المدهون -في مقابلة مع الجزيرة نت- إلى أن من أسباب الغياب العربي ضعف النظام الرسمي وتراجع دور جامعة الدول العربية، فضلا عن الانقسام الداخلي بين الدول سواء على مستوى السياسات أو التوجهات الفكرية.
ويضيف أن كلفة دعم غزة اليوم أصبحت مرتفعة سياسيا واقتصاديا، ويخشى بعض الحكام من تداعياتها الداخلية، لا سيما في ظل هشاشة شرعياتهم.
ورغم ذلك، يرى المدهون أن التحرك الأوروبي رغم تأخره وبطئه يعكس تغيرا نسبيا في المزاج السياسي في الغرب، ربما بفعل ضغط الشارع، أو تنامي السخط الأخلاقي، أو حتى بسبب الارتباك في العلاقة مع واشنطن على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية.
لكنه يحذر من الإفراط في التفاؤل، موضحا أن أغلب هذه الدول كانت شريكة للاحتلال وداعمة لسياساته وصامتة عن جرائمه، والتحرك الحالي لا يبدو مدفوعا فقط بدوافع إنسانية، بل تحكمه توازنات دقيقة وسعي لإعادة التموضع إقليميا ودوليا.
تجويع وتهجير
ويرى المحلل السياسي إياد القرا أن الردود العربية لم ترق إلى مستوى الجرائم التي ترتكبها إسرائيل، خاصة منذ استئناف القتال في مارس/آذار الماضي، وما تبعه من مجازر دامية وحصار خانق استمر شهرين، في واحدة من أقسى مراحل العدوان.
ويضيف القرا -في تصريحات للجزيرة نت- أن المواقف الرسمية العربية لم تتجاوز بيانات الشجب، من دون تقديم أي دعم حقيقي للفلسطينيين، لا على المستوى الدبلوماسي ولا الإنساني، في وقت تمضي فيه إسرائيل في سياسة تجويع وتهجير منظمة.
وبيّن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنشأ "دائرة الهجرة" ضمن مكتب المنسق، لتنفيذ التهجير القسري نحو دول مثل الأردن ومصر والسعودية تحت غطاء "الطوعية"، في حين يمارس القتل والضغط لإجبار الفلسطينيين على مغادرة غزة.
ويؤكد أنه حتى القمم العربية فقدت قيمتها، ولم تعد تحظى بثقة الشعوب بقدرتها على إحداث أي تغيير، مشيرا إلى أن القرار العربي بات مرتهنًا للإدارة الأميركية.
إعلانويلفت القرا إلى أن بعض الدول العربية باتت تحمّل حرمة المقاومة الإسلامية (حماس) مسؤولية ما يحدث، بدلًا من تحميل الاحتلال تبعات عدوانه.
وفي ظل هذا التحرك الأوروبي المتسارع والمواقف الغربية غير المسبوقة، أكد المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج أن ما تحقق حتى الآن من مواقف أوروبية يشكل خطوات أولى ضرورية، لكنه لا يرقى إلى مستوى الكارثة الإنسانية والجرائم اليومية المرتكبة.
ودعا المؤتمر -في بيان وصلت للجزيرة نت نسخة عنه- الحكومات الأوروبية إلى وقف شامل ونهائي لتصدير الأسلحة والتقنيات العسكرية للاحتلال.
كذلك جدد البيان رفضه أي محاولات لتجزئة الحقوق الفلسطينية أو فرض حلول منقوصة، مشددا على أن الحرية والعودة وتقرير المصير هي حقوق أصيلة غير قابلة للتفاوض، داعيًا الجاليات الفلسطينية والعربية وأحرار العالم إلى مواصلة الضغط الشعبي والإعلامي والقانوني حتى تتحقق العدالة والحرية للشعب الفلسطيني.