الروائي الأردني جلال برجس يكتب: لم يكن “خالد خليفة” صديقي..
تاريخ النشر: 4th, October 2023 GMT
أثير- الروائي الأردني جلال برجس
عرفت خالد خليفة حين قرأتُ عام ١٩٩٤ روايته ” حارس الخديعة” والتقيت به فيما بعد، ولأول مرة في شهر تشرين الثاني عام ٢٠٢١ في معرض الشارقة الدولي للكتاب، كنا مدعوين-إلى جانب عدد كبير من الكتاب العرب-لندوات موضوعتها الرواية، ومسارات أدبية أخرى. كان يجلس إلى طاولة قرب نافذة مطعم الفندق بعد أن تناول إفطاره، يشرب قهوة، ويحدّق بالبحر في ذلك الصباح الهادئ.
لم يقل: هل قرأت لي؟ لم يتحدث عن نجاحاته في الكتابة، ولا عن انتشار ترجمات روايته إلى مختلف اللغات العالمية، ولا عن جولاته في أوروبا، وأميركا. لم يفتح باب النميمة؛ فيحط من شأن كاتب ما، أو يقلل من قيمة رواية وجدت رواجًا لدى القراء. لم يتذمر من شيء شخصي أو ثقافي، بل بدا لي إنسانًا متفائلًا، ومقبلًا على الحياة. لم نتحدث في الأدب، بل راح يتطرق لهوايته في الطبخ، بعد أن سألني عن دوافع عادتي بإعداد وليمة لعائلتي بعد الانتهاء من كتابة أي رواية. كان يتحدث عن تلك الوجبات التي يعدّها بولع من يعيد بناء مدينة عمَّها الخراب. يحكي عن مكونات تلك الأطباق، وتوافق عناصرها بروح مكلومة بذل جهدًا في مداراتها وراء ابتسامته الساخرة. كان نصف حديثنا ضحكًا، ونصفه الآخر تسطيح للمواجع، مرده فقدانه ثقته بكل ما هو سائد كان له أن يحمي روحه، ومنزله، وبلاده من نيران الكارثة؛ فراح عبر الكتابة، والأمل، وعبر هوايته بالطهو يحاول المشي على حبل مربوط بين بنايتين آيلتين للسقوط.
في ذلك اليوم شارفت الساعة على انتصاف الظهيرة ونحن نتسلى بالحديث عن مواضيع حياتية متفرقة، تخللتها نكات، واستعادة لطرائف حياتية. وكلما دعوته للخروج نحو غرفة مخصصة للتدخين يهمس لي ضاحكًا: أجلها أيها النحيل. إلى أن جاء وقت الغداء؛ فتناولنا طعامنا على الطاولة نفسها. لم يأكل كثيرًا، قال إنه يستمتع بإعداد الطعام لأصدقائه أكثر مما يستمتع بما يعده لنفسه. بعد الغداء اقترحت عليه الذهاب إلى المعرض لأقتني بعض الكتب، لكنه فضل أن يقرأ ثم ينام لساعات. لم يخرج حتى في باقي الأيام إلا للندوة التي تحدّث فيها عن تجربته في الكتابة.
في اليوم التالي التقيت به على الطاولة نفسها عند وقت الإفطار رفقة الروائي العراقي محسن الرملي، وبعض المدعوين إلى المعرض، وحين غادروا بقيت بصحبته حتى الظهيرة. في ذلك اليوم كان مزاجه مختلفًا، يعتريه الحزن، وسوداوية مردها ما يحدث في سوريا التي كلما قرر أن يغادرها إلى إحدى البلدان الأوروبية، تراجع عن قراره. رأيته مثل شجرة تقف في وسط حقل يحترق، ووجدتُ كيف للخراب الخارجي أن ينسحب على معمار الإنسان الداخلي، وبالتالي تصبح الكتابة وسيلة للخلاص من الانهيار من جهة، وتسليط الضوء على كل ما هو معتم من جهة أخرى. هنا ينتفي عن الكاتب سعيه إلى النجومية مهما كانت مشروعة ومغرية، وتجد كتاباته طرقها إلى قرَّائه بسهولة كبيرة، لأن ما بين أيديهم روايات كُتبت بصدق كبير، كتبت من عمق الشارع، بخلاف الذين كتبوا وهم ينظرون إلى الشارع من النافذة.
طوال إقامتي في ذلك الفندق التي امتدت لأربعة أيام، كنت ألتقي خالد خليفة كل صباح، وأحرص على أن أكون مستمعًا جيدًا له أكثر مما أكون متحدثًا، رغم أنه دفعني لمرات إلى جهة المتحدث ليتعرف بي أكثر. كان مزاجه في حالة من التذبذب الذي أتفهمه جدًا. تمامًا مثل طباعة اللافتة؛ فهو اجتماعي، وفي الآن نفسه ينحاز إلى عزلته رغم كل ما يحدث حوله.
أربعة أيام كانت كفيلة بأن تقربني من روائي معجون بالجرأة، والتمرد، والطيبة، والشغف الكبير بالأدب، وبالحياة، بل إني وجدته من القلة القليلة من الكتاب الذين لا فرق بينهم ونصوصهم الأدبية.
منذ تشرين الثاني عام 2021 لم نتواصل، حتى عبر رسالة في فيس بوك؛ فلم تنشأ بيننا صداقة بالمعنى المتعارف عليه من التواصل حتى لو كان متقطعًا، لكن خالد خليفة استقر في الجانب المشرق من الذاكرة بكل ما أحببته فيه، فهو ليس ممن يمرون، بل من أولئك الذين يستقرون في الوجدان بجدارة عالية.
وها هي ريح الأبدية تحمل ورقته عن شجرة الحياة إلى الأعالي برفقة أيلول وقمر الحصادين يتوسط السماء؛ فقد اكتمل البدر بسطوعه العالي. رحل خالد خليفة تاركًا وراءه إرثًا أدبيًّا مهمًا، وأماكن شاسعة في قلوب محبيه، وحزنًا كبيرًا حتى في قلوب الذين كانوا يغارون منه، ويحسدونه على ما وصل إليه من مكانة في الأدب الذي ما فشل خالد خليفة في أن يكون فيه صادقًا، وجريئًا، ويعرف ما معنى أن يصير الإنسان روائيًا يقف بوجه الخراب.
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: خالد خلیفة فی ذلک
إقرأ أيضاً:
جامعة أسيوط تنظّم ورشة عمل حول الكتابة والصياغة الإبداعية للخطابات
نظّمت الإدارة العامة لإدارة وتنمية المواهب بجامعة أسيوط ورشة عمل بعنوان: "الكتابة والصياغة الإبداعية للخطابات والمراسلات والتقارير الإدارية"، وذلك بإشراف الدكتور جمال بدر نائب رئيس الجامعة لشئون الدراسات العليا والبحوث، وشوكت صابر أمين عام الجامعة.
وشهدت الورشة حضور كلٍّ من: أسامة السيد أمين عام الجامعة المساعد، والدكتور محمود عبدالمعطي، الأستاذ بقسم اللغة العربية، كلية الآداب، وعبد القادر مهران رئيس الإدارة المركزية للموارد البشرية، وخالد عمران مدير عام إدارة وتنمية المواهب، بمشاركة نحو (70) من العاملين بمختلف الإدارات بالجامعة.
أكد الدكتور أحمد المنشاوي، أن الجامعة حريصة على تطوير مهارات العاملين ودعم قدراتهم الوظيفية، مشيرًا إلى أن التدريب على مهارات الكتابة والصياغة الإدارية يمثل عنصرًا أساسيًا للارتقاء بجودة الأداء داخل مختلف الإدارات. وأكد على استمرار الجامعة في تنفيذ برامج تدريبية متخصصة تُسهم في تعزيز جهاز إداري كفء قادر على مواكبة متطلبات العمل الجامعي الحديث.
وأكد الدكتور جمال بدر في المحاضرة التي القاها أهمية موضوع الورشة في إكساب المشاركين مهارات الكتابة والصياغة الإبداعية للخطابات والمراسلات والتقارير، باعتبارها أحد ركائز التواصل الفعّال والاحترافي داخل منظومة العمل، موضحًا أن إحكام صياغة الوثائق الإدارية يعكس قوة المؤسسة وكفاءة كوادرها' كما أوضح للمشاركين نماذج مختلفة من الخطابات المكتوبة بشكل غير صحيح وكيفية تصحيح هذه الخطابات الرسمية مع ضرورة الالتزام باستخدام نماذج الخطابات طبقا لقواعد الجودة.
وأشار الدكتور جمال بدر إلى حرص إدارة الجامعة على الارتقاء بمهارات العاملين بالجهاز الإداري بصورة مستمرة، وإتاحة فرص التطوير المهني لهم، لافتًا إلى أن قطاع الدراسات العليا اتخذ عددًا من الإجراءات الداعمة في هذا الإطار، من بينها تشجيع العاملين على استكمال دراساتهم العليا أثناء العمل، وتقديم الدعم والتخفيضات المالية اللازمة، تعزيزًا لقدراتهم الإدارية ودعمًا لكفاءة منظومة العمل بالجامعة.
وأضاف شوكت صابر أن البرنامج التدريبي ركّز على تطوير مهارات المشاركين في الكتابة والصياغة الإبداعية للخطابات والمراسلات والتقارير الإدارية، بما يواكب متطلبات العمل المعاصر، ويمكنهم من إعداد وثائق احترافية تُسهم في تحقيق أهدافهم الوظيفية بكفاءة.
وتناولت الورشة عددًا من المحاور المهمة، من بينها مهارات الصياغة اللغوية في إعداد الرسائل والمذكرات، والأخطاء النحوية الشائعة والنبرات غير الملائمة التي قد تسبب سوء فهم لغوي، ويقدمها الدكتور محمود علي عبد المعطي الأستاذ بقسم اللغة العربية بكلية الآداب.
كما شملت الورشة شرح خطوات إعداد وصياغة الخطابات والمراسلات والتقارير الإدارية ومحاضر الاجتماعات، إلى جانب التعريف بشروط الكتابة الإدارية بأنواعها (التقارير، الرسائل، المذكرات، المحاضر)، وتناولها الدكتور أحمد سيد سباعي المدرس بقسم إدارة الأعمال بكلية التجارة.
وكما نظّمت إدارة رعاية الطلاب بالمدن الجامعية للطلاب بالجامعة حفل ختام الأنشطة الطلابية للفصل الدراسي الأول، والذي تضمن إقامة المباراة النهائية لدوري الوحدات السكنية بين طلاب المدن الجامعية، وذلك بحضور الدكتور أحمد عبد المولى نائب رئيس الجامعة لشئون التعليم والطلاب، ومحمود عنتر مدير عام المدن الجامعية، وعماد محمد سيد مدير المدن الجامعية طلاب، إلى جانب عدد من رؤساء الوحدات والطلاب المقيمين.
وشهد الحفل إعلان نتائج مسابقات الدوري؛ حيث حصلت الوحدة السكنية (ج) على المركز الأول في بطولة كرة القدم، وجاء مبنى (أ) في المركز الثاني، يليه مبنى (ع) في المركز الثالث. وفي منافسات الكرة الطائرة، حصد مبنى (ز) المركز الأول، تلاه مبنى (ج) في المركز الثاني، ثم مبنى (ب) في المركز الثالث.
وأشاد الدكتور أحمد المنشاوي، بالجهود المبذولة داخل قطاع المدن الجامعية في تنظيم الأنشطة الطلابية، موضحًا أن الجامعة تعمل باستمرار على توفير مناخ داعم يتيح للطلاب المشاركة في مختلف الفعاليات الرياضية والثقافية والفنية، مؤكدًا أن الأنشطة الطلابية تمثل ركيزة مهمة في بناء شخصية الطالب الجامعي، لما تتيحه من فرص لتنمية مهارات القيادة والعمل الجماعي، وتعزيز روح الانتماء والمنافسة الشريفة بين الطلاب.
وأعرب الدكتور أحمد عبد المولى عن سعادته بالمشاركة في ختام فعاليات الأنشطة الطلابية للترم الأول، مؤكدًا حرص جامعة أسيوط على توفير كامل الدعم للأنشطة الطلابية بمختلف أنواعها، لما تمثله من أهمية في بناء شخصية الطلاب واكتشاف مهاراتهم واستثمار طاقاتهم في خدمة المجتمع.
وفي ختام الاحتفال، قام الدكتور أحمد عبد المولى بتكريم الطلاب الفائزين بالمراكز المتقدمة في المسابقات.