رأي.. بشار جرار يكتب عن الإطاحة بمكارثي: حمّى العزل تطال شاغر المنصب الثاني بعد الرئيس
تاريخ النشر: 5th, October 2023 GMT
هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
ما كان ليخطر على بال الآباء المؤسسين لبلاد العم سام أن يتحول ولع الأمريكيين بكل ما هو فريد ومتميز إلى حرق مراحل التغيير فيما يصل إلى مصاف الثورة.
بعد ثلاثة أسابيع من إطلاق ثالث عملية عزل لرئيس في غضون ولايتين رئاسيتين متتاليتين، تم لأول مرة في تاريخ أمريكا عزل رئيس مجلس النواب.
تفاديت عمدا ذكر الأسماء لأن ما يجري في "العالم الجديد"، ما حدث الثلاثاء الماضي "العظيم" كان تاريخيا صادما، وإن كان متوقعا بل ومحتوما، في "القطب الأوحد" لعالم اليوم رغم إرهاصات تحوله إلى عالم جديد "جدا" متعدد الأقطاب.
تغيرت نبرة التحدي في أقل من 24 ساعة، بعد أن قال له عبر الصحافة: افعلها "برينغ إت أون"، أقر كيفين مكارثي الرئيس الخامس والخمسون لمجلس النواب، يوما بأن 5 أصوات فقط كفيلة بإطاحته، فزادها قائد "الثورة" أو "التمرّد" لصقور محافظي الحزب الجمهوري (يمين اليمين) النائب ماثيو (مات) غيتس، زادها ثلاثا، فانتهى الأمر بتصويت 8 جمهوريين مع خصومهم الديمقراطيين لصالح إطاحة مكارثي ومن الجولة الأولى، خلافا لـ15 جولة نال في ختامها الثقة التي لم تدم سوى 9 أشهر.
لم تكن زلة لسان في مؤتمره الصحفي الوداعي الذي أكد فيه عدم نيته الترشيح لاسترداد مقعده، عندما أشار مكارثي إلى اعتقاده بأن سلفه نانسي بيلوسي "ستقف إلى جانبه". خليفتها في زعامة الديمقراطيين في مجلس النواب حكيم جيفريز، ترك مكارثي يواجه "مكارثية" يمين اليمين في حزبه -إن جاز التعبير- واعتبر أن مقعد مكارثي "كان في حقيقة الأمر شاغرا" منذ فوز الجمهوريين بأغلبية المجلس في انتخابات التجديد النصفي أو التمهيدية.
وفيما بدا وكأنه السجال ذاته الدائر حتى في دول يطلق عليها اسم بلاد العالم الثالث، فإن جميع الأطراف ادعت أن ما جرى "فوضى" تسيء لمصالح الناخبين الأمريكيين ولصورة الديمقراطية الأمريكية. تلك "الفوضى" التي خاب رهان الديمقراطيين عليها بعد أن تصدر أربع جمهوريين سباق خلافة مكارثي في مقدمتهم، ستف سكاليز زعيم الجمهوريين في مجلس النواب وجيم جوردان رئيس لجنة الشؤون القضائية، أبرز من تصدى لعزل الرئيس السابق دونالد ترامب مرتين، وأقوى "المدعين العامين التشريعيين" إن جاز التعبير في عزل الرئيس جو بايدن.
لأسباب صحية تتعلق بعلاج سكاليز من سرطان الدم، آثر جوردن عدم طرح نفسه إلا بعد ما بدا وأنه اتفاق بين الرجلين -اللذين يحظيان بسمعة طيبة في الحزبين- وربما بعد التنسيق مع ترامب الذي دعا عدد من الجمهوريين إلى توليه المنصب بنفسه، الأمر الذي لم يقطع ترامب برفضه مما يزيد المشهد "سوريالية" في قيام رئيس معزول مرتين بقيادة عملية عزل رئيس، كلاهما مرشحان لانتخابات العام المقبل، وكلاهما -هما وأنجالهم- في معركة قضائية من بين المزاعم الموجهة فيها، مزاعم فساد مالي واختراق أو ابتزاز من أطراف خارجية، واللافت أن أوكرانيا وروسيا والصين هي تلك الأطراف المشتركة بين الجانبين!
الثلاثاء المقبل سيستلم "المطرقة" جمهوري آخر ممن يحظون برضى من وصفوا بحركة "ماغا" وهو شعار ترامب في حملاته الرئاسية الثلاثة "لنجعل أمريكا عظيمة من جديد". الأهم من ذلك اليوم بالنسبة لدافع الضرائب الأمريكي هو السابع عشر من نوفمبر، موعد انقضاء مهلة تفادي الإغلاق الثاني والعشرين، في تاريخ أمريكا.
غيتس رد على منتقديه في "التمرد" على مكارثي بأن "الفوضى" ليست بإطاحة مكارثي، بل بالسكوت على "نكوثه بعهوده مع الجميع وقت استحقاقها". من الجليّ أن خطوطا حمراء رسمها صقور المحافظين، وضمنيا يرضى بها حتى الوسط وهي:
- كبح جماح الإنفاق والعجز الحكومي الذي يتصاعد منذ سنة 1961 حيث منذ ذلك الوقت لم يتوقف نزيف العجز الذي أوصل المديونية الأمريكية إلى 33 تريليون دولار.
- تخفيف -ما لم يكن- وقف الدعم لأوكرانيا، خاصة النقدي.
- إنهاء التصويت بالجملة على مشاريع قوانين الموازنة، وعدم المماطلة لحين استحقاق الثلاثين من سبتمبر كل عام لابتزاز المشرعين بالضغط الشعبي الرافض للإغلاق الحكومي، بغية تمرير تمويل لقضايا إما مرفوضة أو اعتبارها ليست أولوية، على الأقل في نظر من يملك الأغلبية في المجلس.
- تحديد أقصى مدة للخدمة في السلطة التشريعية بولايتين على غرار رئاسة السلطة التنفيذية، وليس بما يشبه وضع المحكمة العليا للبلاد (السلطة القضائية)، عضوية القضاة التسعة مدى الحياة. بعض أعضاء الكونغرس دنت خدمتهم جراء إعادة انتخابهم، زهاء النصف قرن. بايدن خدم 36 عاما في مجلس الشيوخ قبل توليه ولايتين كنائب للرئيس وسعيه للظفر بولاية ثانية كرئيس رغم تعالي الأصوات من داخل حزبه بإفساح المجال لقيادة شابة من صفوف الحزب قد تعين الرئيس الأسبق باراك حسين أوباما للبيت الأبيض كنائب لما قد يكون أول رئيسة من أصول إفريقية لأمريكا، ميشيل أوباما.
كل شيء ممكن في المشهد الأمريكي حتى تحت قبة رمز وصرح الديمقراطية، الكونغرس. بيلوسي التي رحّلها من مكتبها الوجاهي بصفتها السابقة كرئيسة للمجلس، الرئيس المؤقت وأحد المرشحين لخلافة مكارثي، باتريك ماكهنري، قام بالطرق القوي المتكرر الذي أعاد للأذهان تمزيق بيلوسي خطاب ترامب قبل ثلاث سنوات. مجرد تخيل جلوس ترامب في ذلك المقعد وإن كان مستبعدا جدا، يشير إلى أن كل شيء وارد بما فيه، ساكن البيت الأبيض المقبل.
المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: رأي مجلس النواب
إقرأ أيضاً:
رئاسة على المحك: هل يجرؤ النواب على تغيير الوجوه على أعتاب الدورة الجديدة: هل آن أوان فرز رئيس جديد
صراحة نيوز – د. خلدون نصير – المدير المسؤول
مع اقتراب انعقاد الدورة العادية الجديدة لمجلس النواب في تشرين الثاني المقبل، يعود إلى الواجهة مجددًا ملف رئاسة المجلس، وسط تسريبات تؤكد نية الرئيس الحالي أحمد الصفدي الترشح لولاية رابعة .
وهنا، يطرح سؤال: هل يمكن أن تستمر المؤسسة التشريعية بذات القيادة حتى لو لم تُقنع الشارع ولم تحمِ هيبة النواب أو تعزز دورها الرقابي؟
الإجابة، باختصار: لا.
رئاسة استنزفت رصيد المجلس
خلال الدورة الماضية، وعلى مدار أكثر من عامين، لم تُفلح الرئاسة الحالية في تعزيز صورة المجلس أو في رفع سويّة الأداء التشريعي أو الرقابي. بل على العكس، ظهر الرئيس في أكثر من مناسبة بموقع “عريف صف”، كما يصفه ناشطون عبر الفضاء الاكتروني. كما برزت ملامح تفرد في إدارة الجلسات، وتهميش لأدوات المساءلة، وسوء تعامل مع نواب يمثلون قوى حزبية وازنة.
وما زاد الطين بلة، أن رئاسة المجلس لم تتمكن من مساءلة الحكومة بجدّية، رغم حجم الأسئلة والاستفسارات التي طُرحت، كما لم تُناقش أي من الاستجوابات التي تقدم بها النواب تحت القبة، ما حوّل المجلس إلى ما يشبه منصة شكلية.
أرقام لا تكذب: تقرير “راصد” نموذجًا
في معرض تقييمه لأداء الدورة العادية، يؤشر مركز “راصد” إلى ضعف الأداء الرقابي؛ إذ قُدّم 898 سؤالًا من 105 نواب، لكن نسبة الأسئلة النوعية لم تتجاوز 1.4%، فيما استحوذت الأسئلة الشكلية على النسبة الأكبر، في انعكاس مباشر لضعف التوجيه والإدارة تحت القبة.
الاستجوابات لم تجد طريقها للنقاش، والنظام الداخلي ظل حبرًا على ورق في عديد جلسات، وسط غياب الحزم وضعف السيطرة على الإيقاع النيابي. هذه الحال لا يمكن إعفاؤها من مسؤولية الرئاسة، لا شكلاً ولا مضمونًا.
التغير لمصلحة النواب اولا قبل القواعد الشعبية
الدعوة للتغيير لا تأتي فقط استجابةً لرغبة الشارع أو من منطلق التقييم السياسي، بل تنبع من حاجة ملحّة للنواب أنفسهم لاستعادة هيبتهم التي تآكلت، وقدرتهم على التأثير والرقابة والتشريع. فبقاء القيادة الحالية لن يُفضي سوى إلى مزيد من فقدان الثقة بين الشعب وممثليه، وسيعزز مشاعر السخط والتشكيك في جدوى البرلمان.
التغيير هو بمثابة حق وواجب في آنٍ واحد، وهو بوابة نحو تجديد الأداء، وإعادة بناء صورة المجلس كمؤسسة قادرة على حمل الملفات الوطنية ومحاسبة الحكومة لا مجاملتها.
ورسالتي الى النواب المحترمين أنتم أمام مفرق طرق، فإما أن تختاروا رئيسًا جديدًا قادرًا على ضبط الإيقاع وتفعيل أدوات الرقابة، وإما أن تُعيدوا المشهد الذي دفع الناس إلى اليأس من المجالس والتمثيل.
اختيار الرئيس ليس إجراءً بروتوكوليًا، بل هو رسالة سياسية تُطلقونها للناس: هل أنتم مع التغيير والإصلاح؟ أم مع التكرار والاستمرار في إخفاقات لا يحتملها الوطن؟
خلاصة القول:
إذا أراد النواب أن يُعيدوا للمجلس اعتباره، وإذا أرادوا أن يُحسنوا تمثيل شعبهم، وإذا أرادوا أن يثبتوا أنهم أصحاب قرار لا أدوات ضمن مشهد مُجهَز سلفًا، فعليهم أن يبدأوا التغيير من الأعلى، من رئاسة المجلس.
التغيير ليس مطلبًا شعبيًا فحسب، بل فرصة نيابية لإنقاذ مؤسسة دستورية يجب أن تبقى قوية ومهابة