خلّف إعلان الجزائر قبول السلطات الحاكمة في النيجر لعرض الوساطة في الأزمة لغطا كبيرا خلال الساعات الماضية، إلى درجة أن بيانات صادرة عن الجانبين لم تكن كافية لتوضيح هذه التطورات الجديدة في الملف.
البداية كانت من بيان للخارجية الجزائرية أعلن تلقي موافقة على عرض الوساطة من سلطات نيامي، وعبر قنوات رسمية، لكن ما حدث هو أن خارجية النيجر ردّت بعد ساعات تؤكد أن ما تم تداوله حول قبولها بمضمون المبادرة الجزائرية ليس دقيقا.
وفي الوقت الذي ركزت وسائل الإعلام الجادة وحتى المحللون المحايدون على أن المجلس العسكري في النيجر أكد موافقته المبدئية على الوساطة الجزائرية رافضا أي خارطة طريق جاهزة حول الأزمة، قرأت أطرافٌ إعلامية أخرى رد نيامي على طريقة “ويل للمصلين”، بتقمص دور الناطق باسم سلطات النيجر وإعلان رفض الوساطة الجزائرية.
وفي الواقع جاء التوضيح سريعا من رئيس حكومة النيجر علي زين عندما أوضح في تصريحات خلال اجتماع مع أعيان البلاد، أن ما حدث “سوء فهم”، وأن ردّ نيامي كان على التأويلات التي غزت شبكات التواصل بشأن وجود مبادرة جاهزة لحل الأزمة.
قد تختلف قراءة أي متابع لمضمون بيان الخارجية الجزائرية حول قبول عرض الوساطة، لكن هل يتصور أي مراقب أن الدبلوماسية الجزائرية التي لها باعٌ طويل في الوساطات الدولية، يمكن أن تغامر بسمعتها ورصيدها بإعلان موافقة نيامي على مساهمتها في محاولات حل الأزمة من دون وجود ضوء أخضر منها؟
وهناك قاعدة في العمل الدبلوماسي مفادها أنه لا يمكن الشروع في وساطة إلا إذا قَبِلَ الخصمان أو طرفا النزاع الانخراط عن رضا في مساعي الحل، وبالتالي ماذا تستفيد الجزائر من هذا الإعلان لو لم تكن هناك تطوراتٌ حدثت في القضية بعد قرابة شهر من إعلان وزير الخارجية أحمد عطاف عرضَ الوساطة؟
كما أن الدبلوماسية الجزائرية سجلت نقاطا في بداية الأزمة دعّمت رصيدها كوسيط مقبول لدى أطراف النزاع وحتى الشارع في النيجر، بعد التزام الحياد ورفض أي تدخل عسكري خارجي، فضلا عن كونها دولة مجاورة بحدود على امتداد 1000 كلم.
وكان يمكن تفسير هذا اللغط بوجود عروض وساطة في الأزمة، لكن العرض الجزائري هو الوحيد في الساحة، رغم تداول حديث عن مقترح صيني لم يُعلن رسميا ولا وجود لمعلومات حول مضمونه.
وكما هو معلوم فالمبادرة الجزائرية أُطلقت نهاية أوت الماضي وبعد التنسيق مع أطراف بالمنطقة وأخرى دولية، في الوقت الذي كان هناك جمودٌ سياسي ودبلوماسي بشأن الأزمة، وكان الصوت الأعلى لتهديدات التدخل العسكري لفرض الشرعية من قبل مجموعة غرب إفريقيا بدعم فرنسي.
وكان التحرك الجزائري لتقديم بديل لقرع طبول حرب جديدة في المنطقة، ومع الوقت تراجعت حظوظ التدخل العسكري، لكن مخاطر استمرار هذا الجمود السياسي داخل النيجر تشكل تهديدا حقيقيا أيضا للمنطقة، بالنظر إلى تصاعد وتيرة الأعمال الإرهابية.
وبعيدا عن خطاب العواطف، لم يكن أحد يتوقع إطلاق قطار الوساطة الجزائرية بسهولة، بالنظر إلى تعقيدات الوضع في المنطقة ودخول لاعبين جدد إلى جانب فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، لكن هذا الخيار يُوفر مخرجا للمجلس العسكري في النيجر لإبعاد شبح التدخل العسكري نهائيا، وإطلاق عملية سياسية جديدة بحكم أن الوقت ليس في صالحه مع تزايد الضغوط الداخلية في ظل وضع اقتصادي واجتماعي صعب سببه حصار دول “إيكواس”.
وفي ظل عدم وجود بدائل، يعدُّ التحرك الجزائري مخرجا مناسبا لمجموعة “إيكواس” أيضا، للنزول من شجرة التدخل العسكري، بعد توالي المُهل للمجلس العسكري وفشل عقوباتها في ثنيه عن إزاحة نظام محمد بازوم عن الحكم.
(الشروق الجزائرية)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الجزائر النيجر الوساطة النيجر الجزائر وساطة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة التدخل العسکری فی النیجر
إقرأ أيضاً:
فوضى المفاهيم في الحياة الجزائرية
البابا و"الحنين" إلى الماضيالتصريحات الأولى للبابا الجديد عن الجزائر مفاجئة حقا، تنبش في "موضة" التنقيب عن التاريخ الجاهلي للمناطق، كما هو الحال في الدراسات الفرعونية في مصر، وتتجاهل معاناة البشرية، وهي من صميم الرسالة السماوية للكنيسة في العالم كما تأخذ هي على عاتقها. لم تكن هنالك جزائر في القرون الأولى للميلاد، بل مناطق يعيش فيها البربر معتقدين بـالأريوسية، التي عدتها الكنيسة بعد مؤتمر نيقية هرطقة، أي أن هذه العقيدة مهدت لقبول هؤلاء السكان الإسلام بعد البعثة المحمدية للتشابه بين الإيمانين.
إن القديس أوغسطين قسطنطيني الإيمان يقول بالثالوث وتأليه السيد المسيح (عليه السلام)، وميلاد شخص في بلاد ما لا يعني أية علاقة له بهوية الشعب الحالية في تلك المنطقة، فلقد ولد أبو جهل في مكة وابن سلول في يثرب كذلك. وليست الجزائر اليوم معنية بالفكر الأوغسطيني، كما أن صقلية اليوم ليست جزيرة المازري والإدريسي. وربط الأحداث التاريخية للأماكن بالنشاط الثقافي والسياحي بها قفزة سياسية لا مفهوم لها!
هل البابوبة مظلومة ليستجاب دعاؤها كما فهم قداسه من أجل السلام في العالم؟ ولماذا لم تدع البابوية بهذه الأدعية من قبل؟ على أن أغلب ما ورد من "استجابات" لم يقع بعد، كما في قضية أوكرانيا والصراع التجاري العالمي والملف الإيراني، لأن البابا لم يحدد بعد للعالم صراحة من هو الظالم فيها ومن هو المظلوم، حتى في قضية محسومة إنسانيا كقضية غزة.
لم يقل محمد الأمين إن الأمازيغ صنيعة صهيو- فرنسية، وإنما قال الأمازيغية، باعتبارها أيديولوجية، تنفي الأصل العربي العارب للبربر، وتغير الأبجدية التي كتبت بها اللغة البربرية التيفيناغ إلى الحرف اللاتيني، وتطمس التشابه الواضح بين المنطوق البربري والحميري، وترى في العرب غزاة وفي الإسلام خدعة، وتدفع نحو انفصال مناطق عن الجزائر وتشجع التنصير وتتحالف مع الصهيوني وتمارس الإرهاب.هنالك فضاء رحب جدا لدراسة الأديان ومقارنتها في جو من التسامح والمودة، بعيدا عن تسييس المسيحية واليهودية للعدوان على الشعوب واحتلال أراضيها، أي على أرباب الديانتين عدم التماهي مع هذه الأطماع الصليبية والصهيونية، وإلا فنحن أمام صدام حضاري ضخم. رجال الدين من أهل الكتاب وعلماء الإسلام الوسطيون أمامهم فرصة دوما لإقامة هذه العلاقات الطيبة والدراسات العميقة والحوارات الشيقة لخير البشرية وتعارفها وتخفيف حدة الصراع بين أبنائها؛ إنها "الكلمة السواء".
حدود الثقافي والأمني
في هذه المشهدية المبعثرة هنالك من يعمل على تجميل فوضويتها. النظرة إلى الأمير عبدالقادر، كشخصية متكاملة لم يضرها الاتصال بالعدو الفرنسي نفسه لعقد هدنة حرب، لا تزال نظرة قاصرة لم تستطع استيعاب أبعاد الأمة الجزائرية، خاصة بعدما تسلل الشيوعيون إلى مواقع التأثير في السلطة ولا يزالون قابعين فيها. واللافت أن الرأي العام على المنصات الإلكترونية وفي الواقع لا يتجنى على أحد متوازن النظرة إلى التاريخ والثقافة بل إنه ليحظى بالاحترام والتقدير، كما هو الشأن مع المؤرخ محمد الأمين لا غيره.
لم يقل محمد الأمين إن الأمازيغ صنيعة صهيو- فرنسية، وإنما قال الأمازيغية، باعتبارها أيديولوجية، تنفي الأصل العربي العارب للبربر، وتغير الأبجدية التي كتبت بها اللغة البربرية التيفيناغ إلى الحرف اللاتيني، وتطمس التشابه الواضح بين المنطوق البربري والحميري، وترى في العرب غزاة وفي الإسلام خدعة، وتدفع نحو انفصال مناطق عن الجزائر وتشجع التنصير وتتحالف مع الصهيوني وتمارس الإرهاب.
التكوين العلمي الرصين للباحث في التاريخ ومنطلقاته الفكرية الأصيلة وعقله الناقد صفات قلما تتوفر في المؤرخ الجزائري اليوم، وتدخل العمل الأمني في العمل العلمي مفسدة وأي مفسدة؛ لذلك لا نستغرب أن يكون عمداء في الجامعة الجزائرية إطارات انتدبتها وزرة الدفاع للعمل في المؤسسات المدنية كما هو صريح القانون. وبين ذا وذاك تتدحرج الجزائر نحو الخاتمة الطبيعية لكل دولة ولكن سريعا جدا.
لم تك هنالك خيارات لغوية مستقرة واعية في الجزائر منذ مئتي عام، خاصة بعد الاستقلال. الخيار اللغوي كان منشؤه أيديولوجي بحت، فسح للفرنسية وهمش العربية والبربرية بداية، ثم طفق اليوم يدفع بالفرنسية ويستجلب الإنجليزية، ليحلها ضرة أخرى للغة الوطنية الجامعة، وهكذا دواليك. ثم إن الأسس التي يقوم عليها المجتمع الجزائري غير مرعية الجانب بجد ووعي، ومنها تكريس العربية في كل مجالات الحياة، وتخصيص مجالات محددة للغات الأخرى في الفضاء المعرفي خاصة. وباستحضار مخاطر الانفتاح اللغوي الأجنبي غير المدروس على حياة الجيل الجديد في سن مبكرة على حساب الأصالة الشاملة، نغدو اليوم أمام خيار غير مأمون، يعرض الشخصية الجزائرية إلى مخاطر غير محسوبة العواقب في المستقبل المنظور.
فوضى الديني والمعيشي
يتحدث الأئمة والخطباء عن أجواء رمضان في الجزائر من منظور السلطة، مساجد عامرة خلال الصلوات، قيام واعتكاف وتهجد، مثابرة على ختم كتاب الله تعالى عدة مرات، مطاعم إفطار لأبناء السبيل، قفة رمضان للمعوزين، دروس علم ووعظ في الجوامع كل يوم، صدقات وصلات وزكوات وعمرات..
لا تشتكي قارة بحجم الجزائر من شعبها حصافة الرأي ولا قلة ذات اليد، ولا أراضيها الخصبة التي تغذي العالم بأسره. ولكنها تشتكي قيادة فاشلة تعتاش بمال الشعب كسمسار بين البائع والمشتري؛ وإلا فقل لي بربك، لماذا لا تطلع وزارة التجارة شعبها على أسماء المستوردين الذين يحتكرون التجارة الخارجية والداخلية في المواد الأساسية، أليسوا يعملون في الشرعية؟ إذن دع الناس تتعرف عليهم، وتطلع على حجم أصولهم المالية، وصفقاتهم العمومية، وتحويلاتهم النقدية.صيام رمضان وتحديد أول شوال لا يثبتان بحكم حاكم، بل بالرؤية، وقد استفاض خبر الرؤية ليلة الأحد في بلاد كثيرة. هلال واحد لمن اشترك ليله ونهاره. وللمفارقة، فإن الجزائر اعتادت بالتسليم لمراصد السعودية واتباع ما تسفر عنه ولو بادعاء الاستقلالية، لكنها هذه السنة خالفت! لا ننس موقف الجزائر من استبعادها في التحضير لقمة عربية، من قبل مصر والسعودية، ومشاركتها فيها على استحياء. هذا عندما تكون الرؤية بناء على المنظار السياسي، وعندما تكون طاعة ولي الأمر تودي بك إلى صيام يوم العيد!! إنه القدر الساخر بنا حقا.
للعلم، فإن المذهب المالكي السائد في بلاد المغرب، يأخذ بالعزيمة في الصيام، لذلك تجد الجزائريين لا يترخصون في صيامه وفي أعذاره، وليس ذلك عنادا موروثا من حقبة الاستعمار، كم يفهم بعض الناس. لا يكفي أن ترى بعض الشعائر كالصلاة، فليست تقام كما أمر بارئها، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهي كما تؤدى لا تفعل فعلها في النفوس ليقوموا بواجب النهي عن المنكر.
الزكاة غير مرعية والحج مضيق عليه، والصيام لا مرافقة فيه. بقيت الشهادتان، اللتان تنقلان صاحبهما من الضلال إلى الهداية غير مفهومتين لدى عامة الناس كما بجب؛ إذن في إيمان شعبنا ضعف، والقوة فيه خير وأبقى.
سنوار ثان وجدت جثته بعد ثلاثة وستين عاما من استقلال الجزائر، في كهف زحف إليه وهو ينزف من جراحه، ثم قضى وبين يديه البندقية وأوراق وحاجات خاصة، لم يعش هذا البطل المجهول فرنسيا ولم يهجر بلده المحتل، مات في سرداب ضيق كالقبر، تاركا وصية عابرة للأجيال.
لا تشتكي قارة بحجم الجزائر من شعبها حصافة الرأي ولا قلة ذات اليد، ولا أراضيها الخصبة التي تغذي العالم بأسره. ولكنها تشتكي قيادة فاشلة تعتاش بمال الشعب كسمسار بين البائع والمشتري؛ وإلا فقل لي بربك، لماذا لا تطلع وزارة التجارة شعبها على أسماء المستوردين الذين يحتكرون التجارة الخارجية والداخلية في المواد الأساسية، أليسوا يعملون في الشرعية؟ إذن دع الناس تتعرف عليهم، وتطلع على حجم أصولهم المالية، وصفقاتهم العمومية، وتحويلاتهم النقدية.
ولأن هنالك شيئا ما يعيق الجزائري عن صناعة خبزه اليومي بيده، منذ أن يلقيه حبا في الأرض حتى يستوي طعاما رئيسيا على مائدته_ تتعثر مشاريع الكهرباء الفلاحية في القرى والأرياف، التي يعول عليها في مد مدننا الكبرى بالرغيف، وتمضي خيطانها نحو الانتشار كمضي السلحفاة، بلا داع وجيه لهذا التواني والتأخير، رغم أن مردود فواتيرها على الخزينة العمومية أضعاف مضاعفة. في حين نرى مشاريع اللهو والترفيه تمضي سراعا وتهدر فيها أموال طائلة بلا رقيب ولا حسيب.