إسرائيل تفقد توازنها من هول الصدمة.. ومخـــاوف من اندلاع حرب كبرى في الشـرق الأوسط
تاريخ النشر: 8th, October 2023 GMT
عواصم «وكالات»: واصلت إسرائيل تنفيذ ضربات جوية وشنت قصفا عنيفا على قطاع غزة اليوم الأحد بعد يوم من أدمى هجوم تشهده في عقود اجتاح خلاله مقاتلون من حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية «حماس» عددا من البلدات الإسرائيلية، وسقط مئات القتلى من الجانبين، مما يهدد باندلاع حرب كبرى جديدة في الشرق الأوسط.
وفي مؤشر على أن الصراع قد يمتد خارج القطاع، تبادلت إسرائيل وجماعة حزب الله نيران المدفعية والصواريخ، فيما قُتل سائحان إسرائيليان في الإسكندرية بمصر وكذلك مرشدهما المصري.
وخلال الليل وصباح الأحد، شنت إسرائيل ضربات جوية وقصفا عنيفا على أبراج سكنية وأنفاق ومسجد ومنازل لقادة في حماس في قطاع غزة وهي هجمات أودت بحياة أكثر من 300 من بينهم 20 طفلا بينما توعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو «بانتقام ساحق لهذا اليوم الأسود».
وفي جنوب إسرائيل، قال الجانبان إن مسلحي حماس لا يزالون «يخوضون اشتباكات ضارية» مع قوات الأمن الإسرائيلية في عدة مناطق رغم مرور أكثر من 24 ساعة على بدء حماس لهجومها المفاجئ بإطلاق وابل من الصواريخ وباقتحام متزامن للأسيجة الأمنية الفاصلة واجتياح لقواعد عسكرية ومستوطنات بمشاركة مئات المسلحين على بلدات ومواقع في غلاف قطاع غزة. وأفادت تقارير تلفزيونية إسرائيلية أن 700 إسرائيلي على الأقل قُتلوا وخُطف عشرات آخرون.
وقال الجيش الإسرائيلي، الذي يواجه أسئلة صعبة تتعلق بإخفاقه في منع الهجوم، إنه استعاد السيطرة على أغلب النقاط التي تسلل إليها المسلحون وقتل المئات من الفلسطينيين وأسر العشرات.
وقال متحدث عسكري إسرائيلي في إفادة للصحفيين «سنهاجم حماس بكل قوة وستكون تلك جولة عمليات مطولة للغاية».
وقال الجيش إنه نشر عشرات الآلاف من الجنود في المنطقة المحيطة بقطاع غزة، الذي يقطنه 2.3 مليون فلسطيني، ويعتزم إجلاء كل الإسرائيليين الذين يعيشون حول حدود القطاع.
وشكل هجوم حماس فجر أمس السبت أكبر توغل في إسرائيل وأسقط أكبر عدد من القتلى والمصابين في يوم واحد منذ أن شنت مصر وسوريا هجوما مفاجئا في يوم الغفران في حرب عام 1973.
وقد يقوض الصراع الجهود التي تدعمها الولايات المتحدة لتشكيل تحالفات أمنية في المنطقة وتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل.
وخاض حزب الله وهو حليف آخر لطهران في المنطقة حربا مع إسرائيل في 2006 ويتصاعد التوتر بين الجانبين بشكل متكرر منذ ذلك الوقت.
وقال المتحدث العسكري الإسرائيلي «نوصي حزب الله بعدم التدخل في ذلك ولا أعتقد أنه سيفعل».
رهائن
وما زال الحطام الناجم عن هجوم السبت يتناثر صباح الأحد في بلدات جنوب إسرائيل ومستوطنات وتجمعات على الحدود ويحاول إسرائيليون استيعاب الصدمة ومشهد الدماء والجثث الملقاة في الشوارع والسيارات والمنازل.
وتمكن المسلحون من العودة إلى قطاع غزة ومعهم عشرات الأسرى من المدنيين والعسكريين. وقالت حماس إنها ستصدر بيانا حول عدد الأسرى لديها.
وذكرت تقارير وسائل إعلام إسرائيلية أن نحو 30 مفقودا إسرائيليا كانوا في حفل راقص استهدف خلال هجوم حماس السبت خرجوا من المخابئ اليوم الأحد.
وجاء أسر هذا العدد الكبير من الإسرائيليين الذين تم تصوير بعضهم أثناء اقتيادهم عبر نقاط التفتيش الأمنية إلى قطاع غزة، ليزيد من تعقيدات الموقف المتأزم الذي يواجه نتانياهو في التعامل مع الموقف بالنظر إلى عمليات تبادل سابقة للأسرى بالعديد من المعتقلين الفلسطينيين.
وأطلقت حماس المزيد من زخات الصواريخ صوب إسرائيل اليوم الأحد ودوت صفارات الإنذار من الغارات الجوية في أنحاء جنوب إسرائيل وقال الجيش الإسرائيلي إنه سيخلي المناطق الحدودية ويمشطها بحثا عن مزيد من المسلحين.
وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي: إن مجلس الوزراء الأمني المصغر وافق على اتخاذ خطوات لتدمير القدرات العسكرية لحماس والجهاد الإسلامي «لسنوات عديدة» بما يشمل قطع إمدادات الكهرباء والوقود ودخول البضائع إلى غزة.
وبدأت إسرائيل في تنفيذ ضربات جوية على قطاع غزة بعد فترة قصيرة من هجوم حماس وواصلت تلك الضربات خلال الليل وصباح الأحد وقالت إنها دمرت مقرات ومعسكرات تدريب تابعة للحركة لكن القصف دمر أيضا منازل وأبراجا سكنية ومنشآت أخرى. وقالت حماس إن إسرائيل قطعت إمدادات المياه عن بعض المناطق.
وقالت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) إن أكثر من 20 ألف فلسطيني في غزة لجأوا إلى المدارس التي تديرها المنظمة الدولية.
وتصاعد دخان أسود وألسنة لهب في سماء القطاع بسبب ضربات إسرائيلية. ويمكن سماع أزيز طائرات إسرائيلية مسيرة تحلق في المنطقة. وتم نقل القتلى والجرحى في قطاع غزة إلى مستشفيات متهالكة ومكتظة في ظل نقص حاد في الإمدادات والمعدات الطبية.
وعلى خلاف بعض الضربات في جولات تصعيد سابقة، لم يصدر الجيش الإسرائيلي تحذيرا مسبقا قبل ضرب بنايات سكنية.
وفي مخيم لاجئين في وسط غزة، أزال جيران الحطام بأيديهم لانتشال جثث سبعة من أسرة واحدة من بينهم خمسة أطفال تعرض منزلهم للقصف.
أطفال مذعورون
في خان يونس جنوب القطاع، بحث سكان في أنقاض مسجد في الساعات الأولى من صباح الأحد. وقال أحد السكان ويدعى رامز حنيدق «أنهينا صلاة العشاء وفجأة تم قصف المسجد. أفزعوا الأطفال والمسنين والنساء».
وشهدت الضفة الغربية خلال الأشهر القليلة الماضية عددا متزايدا من المداهمات الإسرائيلية والهجمات على الشوارع الفلسطينية واعتداءات لمستوطنين يهود على القرى الفلسطينية. وتدهورت أوضاع الفلسطينيين في ظل حكومة نتانياهو اليمينية المتطرفة ودعت السلطة الفلسطينية إلى عقد اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية.
وتوقفت عملية السلام منذ سنوات. وخيمت الخلافات الحادة المتعلقة بالتعديلات القضائية على المشهد السياسي في إسرائيل.
وقال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس: إن الهجوم بدأ في غزة وسيمتد إلى الضفة الغربية والقدس. ويعيش سكان قطاع غزة تحت حصار إسرائيلي منذ 16 عاما.
وسلط هنية في كلمة له الضوء على التهديدات التي يتعرض لها المسجد الأقصى في القدس واستمرار الحصار على غزة والتطبيع الإسرائيلي مع دول في المنطقة.
وأضاف «كم مرة حذرناكم أن شعبنا الفلسطيني يعيش منذ 75 عاما في مخيمات اللجوء وأنتم لا تعترفون بحق شعبنا؟».
وفي الشمال، قال حزب الله في بيان إنه شن هجوما صاروخيا ومدفعيا على مزارع شبعا المحتلة.
وردت إسرائيل بقصف مدفعي على جنوب لبنان. ولم ترد تقارير عن سقوط قتلى أو مصابين.
ونددت دول غربية على رأسها الولايات المتحدة بالهجوم وتعهدت بدعم إسرائيل.
وفي البيت الأبيض ظهر الرئيس الأمريكي جو بايدن على شاشة التلفزيون ليقول إن إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها وأصدر تحذيرا صريحا لإيران والدول الأخرى المعادية لإسرائيل. وقال «هذه ليست اللحظة المناسبة لكي يستغل أي طرف آخر يعادي إسرائيل هذه الهجمات لتحقيق مكاسب. العالم يراقب».
وقال أسامة حمدان مسؤول حركة حماس في لبنان لرويترز: إن عملية السبت يجب أن تجعل الدول العربية تدرك أن قبول المطالب الأمنية الإسرائيلية لن يحقق السلام.
وأضاف أن إنهاء «الاحتلال الإسرائيلي» يجب أن يكون نقطة البداية لمن يتطلعون إلى تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة. وتابع أن بعض الدول العربية بدأت «للأسف» تتصور أن إسرائيل يمكن أن تكون البوابة إلى أمريكا للدفاع عن أمنها.
وخرجت احتجاجات دعما لحماس في أنحاء الشرق الأوسط لوح فيها مشاركون بأعلام فلسطينية في العراق ولبنان وسوريا واليمن. وأشادت إيران وجماعة حزب الله بهجوم حماس.
وقال صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس لقناة الجزيرة: إن الجماعة تحتجز عددا كبيرا من الإسرائيليين بينهم مسؤولون كبار. وأضاف أن حماس لديها ما يكفي من الأسرى لحمل إسرائيل على إطلاق سراح جميع الفلسطينيين في سجونها.
وأرجعت حماس الهجوم إلى ما قالت إنه تصعيد الهجمات الإسرائيلية على الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس وعلى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
ومع طبيعة الهجوم الذي أخذ قوات الأمن الإسرائيلية على حين غرة، يعد هذا أحد أسوأ الإخفاقات الاستخباراتية في تاريخ إسرائيل، كما أنه يمثل صدمة في دولة تتباهى بقدرتها الكبيرة على مراقبة واختراق الجماعات المسلحة.
وهبط مؤشرا بورصة تل أبيب الرئيسية (تي.إيه 125) و(تي.إيه 35) بما يصل إلى 6% الأحد، ويتوقع مستثمرون أن يتسبب العنف في الإسراع بشراء الذهب وغيره من الأصول التي تمثل ملاذات آمنة.
إيران تتضامن
وتحدّث الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي عبر الهاتف مع قادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وفق ما أفاد الإعلام الرسمي في طهران الأحد.
وأفادت وكالة «إرنا» أن «الرئيس رئيسي بحث في اتصال هاتفي مع الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة التطورات في فلسطين»، مشيرة إلى أنه أجرى اتصالا مماثلا برئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية.
وتقيم إيران علاقات وثيقة مع الحركتَين، وكانت من أولى الدول التي أشادت بالهجوم الذي بدأته حماس السبت.
من جانبه، قال رئيسي في رسالة وجّهها إلى «الأمة الفلسطينية» بحسب التلفزيون، إن «إيران تدعم الدفاع المشروع للأمة الفلسطينية. ينبغي تحميل النظام الصهيوني وداعميه (...) مسؤولية هذه القضية».
وأضاف «على الحكومات المسلمة أن تنضم إلى المجتمع المسلم لدعم الأمة الفلسطينية».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الفلسطینیین فی فی المنطقة هجوم حماس قطاع غزة حزب الله
إقرأ أيضاً:
ماذا سيحدث إذا خرجت واشنطن من الشرق الأوسط؟
تنص إستراتيجية الأمن القومي لإدارة ترامب على أن الولايات المتحدة تسعى إلى شرق أوسط لا يكون ملاذا آمنا أو بيئة خصبة للمتطرفين، ولا يخضع لسيطرة أي قوة معادية للولايات المتحدة، ويساهم في استقرار سوق الطاقة العالمي.
وتتوافق هذه الأولويات مع أولويات الإدارات السابقة، ويُعد الإرهاب ورفاهية إسرائيل والنفط، الأسباب الرئيسية لاهتمام الولايات المتحدة بالشرق الأوسط.
وخدمة لهذه المصالح، تُنفق الولايات المتحدة عشرات المليارات من الدولارات سنويا في محاولة لإدارة شؤون المنطقة. وقد أثارت هذه السياسة الخارجية الممتدة انتقادات داخلية متكررة، لا سيما من تيارات محافظة تطالب بتركيز الإنفاق على الداخل الأميركي، وتعتبر أن الدعم غير المشروط لبعض الحلفاء الإقليميين لا ينسجم مع مبدأ "أميركا أولا".
وفي أحد أكثر التقديرات دقة لتوفير التكاليف، يخلص يوجين غولز إلى أن التخلي عن مهمة الشرق الأوسط، سيضيف إلى خزينة الولايات المتحدة ما يتراوح بين 65 و70 مليار دولار سنويا.
وبحسب تقديرات جاستن لوجان ـ في المؤسسة البحثية الأميركية defense priorities ـ فإن هذه السياسات مكلفة ومحيرة، لأن المنطقة نظريا منطقة نائية إستراتيجيا، ويشكل ناتجها المحلي الإجمالي 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مقارنة بـ32.5% في نصف الكرة الغربي، و25% في كل من أوروبا وشرق آسيا.
ويتراوح عدد سكان الشرق الأوسط بين 3.5 و5% من إجمالي سكان العالم، وحتى لو سيطرت دولة واحدة ـ أو غزت ـ منطقة بتلك الموارد الاقتصادية والبشرية، فلن تشكل تهديدا عسكريا خطيرا للولايات المتحدة.
يقول لوجان: "إن الاعتقاد بأن المنطقة ذات أهمية كبيرة للأمن القومي الأميركي، اعتمد على نظريات غامضة حول اقتصادات الطاقة، وتوازن القوى الإقليمي، وتهديد الإرهاب".
بعد مخطط ترامب لوقف إطلاق النار في غزة، في نهاية سبتمبر/أيلول 2025، قال ويل والدورف، الأستاذ بجامعة ويك فورست، في defense one: تُعطي واشنطن الشرق الأوسط أكثر مما ينبغي، ولا ينبغي لها الآن أن تُعطي أكثر من ذلك لتهدئة الإحباطات بشأن اتفاق غزة، أو على نطاق أوسع لمحاولة إيجاد حل دائم وتحولي للمنطقة المضطربة، وهو ما يبدو أنه طموح ترامب الأكبر. بدلا من التدخل بشكل أعمق في الشرق الأوسط، على واشنطن أن تتراجع الآن.
إعلانويرى أنه لم يعد المحركان الإستراتيجيان الرئيسيان للانخراط الأميركي العميق في الشرق الأوسط، على مدى العقود الخمسة الماضية ـ النفط والإرهاب ـ يشكلان تحديين إستراتيجيين رئيسيين، حيث أصبحت الولايات المتحدة الآن مُصدّرا صافيا للنفط، مما يعني أنها لم تعد تعتمد على الوقود الأحفوري في المنطقة، ومع هزيمة تنظيم الدولة عام 2019 والضعف العام لتنظيم القاعدة بشكل كبير، يمكن للجهات الفاعلة المحلية التعامل مع التهديد الإرهابي في معظمه.
ويعتقد قطاع ليس بالقليل من المعلقين الأميركيين المؤثرين، أن الحروب الأميركية الباهظة وغير الحاسمة في الشرق الأوسط الكبير لم تُسفر عن سلام ولا استقرار.
وبالنظر إلى هذه التجارب، وخاصة الأخيرة، بلغ الرأي العام الأميركي ضد ما يصفه الكثيرون بـ"الحروب التي لا نهاية لها" ذروته، وبالتالي أصبح القادة السياسيون من كلا الحزبين أكثر تقبلا لدعوات الانسحاب التي طُرحت لعقود طويلة.
الدبلوماسي الأميركي الراحل مارتن إنديك ـ (توفي 25 يوليو/تموز 2024) والذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة في إسرائيل مرتين، والعضو في جماعة الضغط اليهودية في الولايات المتحدة إيباك- يعتقد في مقاله المنشور في صحيفة وول ستريت جورنال، أن الأهداف التي حددتها الولايات المتحدة في حقبة الحرب الباردة لم تعد ذات صلة بالوقت الحاضر.
مشيرا ـ على سبيل المثال ـ إلى أن اعتماد الولايات المتحدة على نفط الشرق الأوسط قد بلغ نهايته، مؤكدا أن إسرائيل قد حققت مستوى من القدرة على ضمان أمنها.
ويشدد إنديك على أنه لا يتعين أن تكون كل من القضية الفلسطينية وسوريا من اهتمامات الولايات المتحدة بعد الآن.
ويجادل بأنه بعد التضحية الكبيرة بأرواح الأميركيين، وإهدار موارد وجهود جبارة في مساعٍ مضللة، أسفرت في النهاية عن ضرر أكثر من نفع، من الضروري للولايات المتحدة أن تسعى إلى إيجاد وسيلة لتخليص نفسها من دوامة الحروب الصليبية والانسحابات المكلفة والمحبطة.
ويصادف هذا الرأي هوى لدى آخرين ممن يشاركونه وجهات نظر مماثلة. فهم يفترضون أن الشرق الأوسط لم يعد يحظى بأهمية قصوى بالنسبة للولايات المتحدة، وأن الاقتصاد الأميركي لم يعد يعتمد على النفط العربي.
أشار بول وولفويتز ـ أحد مهندسي الغزو الأميركي للعراق ـ ذات مرة، إلى أن تحوله من التركيز على الشرق الأوسط إلى العمل على شرق آسيا، كان أشبه بـ"الخروج من غرفة خانقة إلى ضوء الشمس والهواء النقي
حتى بين أقلية متناقصة في واشنطن، ممن يواصلون التأكيد على أهمية الشرق الأوسط، فإن احتمال استمرار النزاعات العربية، والصراعات العربية الإسرائيلية، والمناطق التي تعاني من الصراعات مثل لبنان وسوريا، وليبيا، والعراق، يثير النفور والتردد.
ويكافح العديد من المحللين السياسيين والباحثين الآن لفهم الغرض من الوجود الأميركي في الشرق الأوسط، كما يقول سيدات لاجينر في modern diplomacy.
لقد سلّط هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وما تلاه من العدوان الوحشي على غزة، الضوء على حدود النفوذ الأميركي، وتنامي جرأة القوى الإقليمية.
وفي الوقت الذي كانت تُعيد فيه واشنطن ضبط حضورها في الشرق الأوسط، كانت شبكة معقدة من التحالفات والمنافسات المحلية تعيد تشكيل المشهد السياسي.
ولذا، فقد بات من بين أهم الأسئلة المتداولة داخل أروقة مؤسسات صناعة القوة في الولايات المتحدة الأميركية، هو سؤال اليوم التالي لخروج واشنطن المتوقع والتدريجي و"النظيف" من "أوحال" الشرق الأوسط، على حد وصف البعض.
إعلانوفي السياق، لم تكن تُخفي إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن رغبتها في إخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط. وصرح وزير الخارجية أنتوني بلينكن في مقابلة أُجريت معه ـ قبل توليه منصبه ـ بأنه يتصور أن رئاسة بايدن ستُقلل التدخل في المنطقة لا أن تزيده.
وعلى مدى العقود القليلة الماضية، أشارت إدارة أميركية تلو الأخرى إلى خطط كبيرة لسياسة خارجية جديدة تركز على "التوجه نحو آسيا"، الذي أصبح ممكنا بفضل "الانسحاب" من الشرق الأوسط.
ومع كل إدارة جديدة، فسرت حكومات الشرق الأوسط ومحللوها الحزبيون في واشنطن كل خطوة أميركية في المنطقة بأنها دليلٌ على انسحاب جارٍ بالفعل، وردّوا على مثل هذه الجهود "المزعومة" بانتقادات غاضبة ومثيرة للقلق وحتى عاطفية، ووصفوا كل خطوة بأنها "تخلٍّ" عن الأصدقاء، يبرر توسيع العلاقات بين حكومات الشرق الأوسط، والصين، أو روسيا كتحوط رجعي طبيعي، على حد تعبير سارة ليا ويتسون.
هذا "الخروج" المحتمل سيُعد انعطافا مُزلزلا قد يشجّ ما استقرت عليه الجغرافيا السياسية العالمية الصلبة التي تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية، ويضع العالم أمام حزمة من التساؤلات القلقة بشأن الأمن الإقليمي، وحل النزاعات، وظهور تجليات القوى الناهضة الجديدة في منطقة تُعد من الناحية الإستراتيجية الأخطر في العالم.
ولا يزال الجدل قائما حول ما إذا كان تقليص التدخل الأميركي سيؤدي إلى استقرار أكبر أم تقلبات متزايدة.
ويرى المتفائلون أن القوى المحلية قد تجد حلولا أكثر استدامة للصراعات الإقليمية دون تدخل خارجي، بينما يخشى المتشككون من احتمال حدوث فراغ في السلطة، وتزايد المنافسة بين الجهات الفاعلة الإقليمية.
ولكن الواضح هو أن المنطقة تدخل مرحلة جديدة، حيث يُعاد النظر جذريا في أنماط النفوذ والتحالفات التقليدية.
ويتجاوز هذا التحول في النظام الشرق أوسطي مجرد سياسات القوة؛ إنه يمثل تحولا جوهريا في كيفية تصور وإدارة الأمن الإقليمي، والتنمية الاقتصادية، والعلاقات الدبلوماسية.
ومع تبلور هذا النظام الجديد، ستحدد قدرة الجهات الفاعلة الإقليمية على تطوير آليات فعالة لحل النزاعات والتنمية التعاونية ما إذا كان الشرق الأوسط، في ظل تراجع النفوذ الأميركي، سيصبح أكثر استقرارا أم أكثر تقلبا، وذلك بحسب توقعات تقرير لـ Jordan Times نشرته على منصتها الإلكترونية.
ولطالما برر الباحثون الموضوعيون المنطق الأميركي بعسكرة الشرق الأوسط، وكثيرا ما دافعوا عنه، ونفوا عنه أن يكون بدافع الجشع أو بالدوافع الأيديولوجية المسيحية أو حتى بافتراضات إمبريالية، ووصفوا تلك "الدوافع المزعومة" بـ"الخرافة".
ولطالما تمزقت السياسة الأميركية بين دافعين متعارضين: الحاجة إلى حماية المصالح الأميركية الدائمة من جهة، والرغبة في تجنب مشاكل المنطقة التي لا تنتهي من جهة أخرى.
وقد أشار بول وولفويتز- أحد مهندسي الغزو الأميركي للعراق ـ ذات مرة، إلى أن تحوله من التركيز على الشرق الأوسط إلى العمل على شرق آسيا، كان أشبه بـ"الخروج من غرفة خانقة إلى ضوء الشمس والهواء النقي".
وباستعارة هذا التشبيه، لطالما رغب المسؤولون الأميركيون في السير نحو ضوء الشمس مع إدراكهم أنهم لا يستطيعون الهروب تماما من الظلام، على حد وصف هال براندز في مؤسسة هوفر للأبحاث.
ثمة رؤى تؤكد أن "سردية الانسحاب" تم الترويج لها عن عمد كأداة اختبار لنوايا القوى الدولية الحالمة في إزاحة الولايات المتحدة عن مناطق نفوذها التقليدية؛ إذ تمنح واشنطن فرصة إستراتيجية لاستكشاف سلوك الوافدين الجدد مثل الصين في المنطقة، في ضوء الشعور المتصور بالغياب الأميركي.
وفي حين أن القيادة الصينية مترددة في الخروج من منطقة الراحة الخاصة بها، فإن صناع القرار الأميركيين يرغبون في معرفة المزيد عن النوايا والقدرات الحقيقية لبكين، وخاصة إذا ما كانوا سيواجهون مياه الشرق الأوسط الغادرة.
إعلانلكن على الرغم من المكاسب الإستراتيجية الناتجة عن الترويج ـ الذي يعتبره البعض "ترويجا ناجحا" ـ لرواية الانسحاب، فإن الحقائق على الأرض تُفنّد هذه الأسطورة.
إذ تحافظ الولايات المتحدة على هيمنتها في مبيعات الأسلحة، حيث تبلغ 54% من المبيعات العالمية، وتستحوذ على حصة كبيرة (78%) من واردات الأسلحة لبعض الدول في المنطقة، كما يقول بوراك المالي، الباحث في TRT World في إسطنبول.
ويبقى أن نشير ـ هنا ـ إلى أن تقارير رصينة تطابقت في إضاءة أزمة الثقة بالنفس التي واجهتها الولايات المتحدة في هذه المنطقة المضطربة والهشة أمنيا، عقب انتكاساتها في العراق، وأفغانستان.
وتوصي ـ تلك التقارير ـ بأن لا تكرر واشنطن أخطاء تجاربها السابقة في هذين البلدين، بل أن تتعاطى مع المنطقة بمراجعة التجارب، وإخضاع الإخفاقات للفحص والتأمل.
وفي السياق، ينقل سيدات لاجينر عن كتاب الوهم الكبير لستيفن سيمون، جزءا من شروحه بشأن أسباب تكبد أميركا خسائر في الشرق الأوسط على مدى أربعة عقود.
ويحدد العامل الحاسم في عدم فهم الأميركيين للمنطقة، مشددا على أنه إذا كانت واشنطن ترغب في ضمان النجاح في الشرق الأوسط، فيتعين عليها أن تتخلى عن فرض سياساتها أحادية الجانب، وأن تعطي الأولوية بدلا من ذلك للاستماع إلى حلفائها في المنطقة.
إذ تبقى مسلمة على رأس مسلمات وثوابت أية قوة حالمة في اعتلاء قمة القوى ذات الكلمة المسموعة في العالم.
ونظرا للأهمية الجيوستراتيجية والثقافية التي تجسدها، فلن يكون من المبالغة التأكيد على أن الهيمنة العالمية طويلة الأمد، وإحكام السيطرة على عجلة قيادة العالم، غاية لا يمكن إنجازها لأي قوة تفشل في ممارسة الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط في الأمد البعيد.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline