لخفض الصراع بين الهند وباكستان.. هذا ما يمكن أن تفعله السعودية والإمارات
تاريخ النشر: 9th, October 2023 GMT
تبدو السعودية والإمارات في وضع جيد لبدء تدابير بناء الثقة بين الجارتين المتنافستين الهند وباكستان؛ مما قد يخدم التحسينات في الأمن الإقليمي، ويمكن إسلام أباد من تركيز جهودها على القضايا الاقتصادية والسياسية الداخلية.
ذلك ما خلصه إليه الدكتور سيد محمد علي، وهو محاضر في كلية كريجر للآداب والعلوم بجامعة جونز هوبكنز بالولايات المتحدة، عبر تحليل في "منتدى الخليج الدولي" (Gulf International Forum) ترجمه "الخليج الجديد".
علي قال إنه "بفضل موقعها الجيوستراتيجي وروابطها التاريخية، تتمتع باكستان بعلاقة معقدة مع دول الخليج (العربي)، تشمل أبعادا اقتصادية وعسكرية وسياسية".
وتابع: "تقع باكستان ضمن منطقة جيواستراتيجية حيوية، وهي ثاني أكبر دولة إسلامية في العالم، والدولة (الإسلامية) الوحيدة التي تمتلك قدرات نووية".
واستدرك: "مع ذلك، فهي أيضا عالقة في منافسة طويلة الأمد مع الهند المجاورة، تمتد منذ تقسيم شبه القارة الهندية (إلى الهند وباكستان) في عام 1947 من قِبل (المستعمرين) البريطانيين".
"وتعاني باكستان أيضا من صراعات داخلية كبرى هي: اختلال التوازن المدني العسكري، والتوترات العرقية والطائفية، والضغوط الاقتصادية المستمرة، والتهديدات المتزايدة التي يتعرض لها المناخ. وقد تفاقمت كل هذه القضايا بسبب حالة عدم اليقين السياسي المستمرة في البلاد"، كما أردف علي.
وزاد بأنه "في مواجهة هذه التحديات، يحاول شركاء باكستان الدوليون اكتشاف أفضل السبل لتشكيل علاقاتهم الثنائية مع إسلام أباد من أجل تعزيز مصالحهم المتبادلة على أفضل وجه".
اقرأ أيضاً
بعد الممر الاقتصادي.. هل قررت السعودية فصل نزاع الهند وباكستان عن سياساتها بجنوب آسيا؟
علاقات وثيقة
وبينما تحاول باكستان، بحسب علي، "موازنة علاقاتها مع الولايات المتحدة والصين، حافظت أيضا على علاقات وثيقة مع العديد من دول الخليج، خاصة مع السعودية والإمارات".
وتابع: "بالإضافة إلى ارتباطاتها الأيديولوجية الواضحة خاصة مع السعودية، مهد الإسلام ووجهة فريضة الحج التي يؤديها العديد من الباكستانيين كل عام، فإن جمهورية باكستان الإسلامية ذات الأغلبية السُنية لديها أيضا علاقات اقتصادية تربطها بدول الخليج".
وأوضح أن "أكثر من نصف التحويلات المالية الباكستانية تأتي من دول الخليج، إذ يعمل أكثر من 77% من العمال الباكستانيين في الخارج في السعودية والإمارات وحدهما".
و"ساعدت العمالة الباكستانية في بناء قسم كبير من البنية التحتية الجديدة في دول الخليج، ويلعب الباكستانيون أيضا دورا مهما في القطاعين المالي والصحي في السعودية والإمارات. كما أقامت إسلام أباد علاقات أمنية ثنائية قوية مع كل من الرياض وأبوظبي"، وفقا لعلي.
اقرأ أيضاً
حماية من الصين وباكستان وشراكة مع أمريكا.. الهند تعيد هيكلة الجيش
ضرورات جيواقتصادية
علي قال إن "العالم أصبح الآن متعدد الأطراف، وأصبحت الضرورات الجيواقتصادية لها الأسبقية على المواقف الجيواستراتيجية التقليدية التي يهيمن عليها الأمن، فقد أدركت دول الخليج، مثلا، الحاجة إلى التعامل مع إسرائيل؛ ما قد يتيح لها نفوذا أكبر لمعالجة محنة الفلسطينيين".
وزاد بأنه "على نحو مماثل، تستطيع دول الخليج إقناع الهند وباكستان بضرورة إصلاح العلاقات من خلال الانخراط في المزيد من التجارة أو التعاون البيئي الذي تشتد الحاجة إليه".
ورأى أن "مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (COP28)، الذي سيعقد في الإمارات (بين 30 نوفمبر/ تشرين الثاني و12 ديسمبر/ كانون الأول المقبلين)، يمثل فرصة مثالية لاستكشاف إمكانية دعم جهود التخفيف من آثار تغير المناخ عبر الحدود بين الهند وباكستان".
و"لن يكون تيسير التعاون البيئي عبر الحدود في شبه القارة الهندية مفيدا في حد ذاته فحسب، بل سيوفر أيضا للدولتين المتنافستين الأساس للبدء في معالجة المشاكل الأطول أمدا مثل نزاع (السيادة على) كشمير"، كما زاد علي.
ومضى قائلا إن "الدبلوماسية السعودية والإماراتية في وضع أفضل بكثير للعب دور وساطة في جنوب آسيا، مقارنة بالصين أو الولايات المتحدة، اللتين غذتا حتى الآن انعدام الأمن الإقليمي".
وأضاف أنه "في حين أن حالة الديمقراطية في باكستان محفوفة بالمخاطر حاليا، فإن التدخل الدبلوماسي السعودي و/أو الإماراتي للمساعدة في تقليل التنافس الهندي الباكستاني يظل ممكنا، حتى لو ظل الجيش الباكستاني لاعبا قويا في سياسة البلاد".
و"إذا أثمرت جهود الوساطة هذه بعض الثمار، فمن الممكن أن تقطع شوطا طويلا في المساعدة على تحقيق التوازن في العلاقات المدنية العسكرية داخل باكستان، فضلا عن تمكين البلاد من تركيز مواردها على معالجة التحديات الاقتصادية وتحديات التنمية البشرية العالقة"، كما ختم علي.
اقرأ أيضاً
الهند وباكستان.. علاقة تتكامل اقتصاديا وعسكريا مع دول الخليج
المصدر | سيد محمد علي/ منتدى الخليج الدولي- ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الهند باكستان تنافس السعودية الإمارات وساطة السعودیة والإمارات الهند وباکستان دول الخلیج
إقرأ أيضاً:
مهمة مستحيلة.. لماذا لا يمكن هزيمة الحوثيين في اليمن؟ (ترجمة خاصة)
منذ ظهورهم كقوة سياسية داخل اليمن في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تحول المتمردون الحوثيون، إلى قوة إقليمية رئيسية تحمل أفعالها عواقب عالمية.
سواءً أكان ذلك بإسقاط النظام القديم في اليمن، أو مقاومة التحالف العربي بقيادة السعودية، أو محاربة الولايات المتحدة حتى الجمود، فقد أظهر الحوثيون صمودًا يُثير الصدمة بقدر ما يثير الإعجاب، بالنظر إلى تفاوت القوة الظاهري بينهم وبين خصومهم.
ورغم وصفهم خطأً بالوكلاء لإيران، فقد أظهر الحوثيون استقلالية في أفعالهم الداخلية والخارجية، مما جعل إيجاد حل لمقاومتهم المستمرة في مواجهة صعوبات تبدو ساحقة مهمة مستحيلة.
تستمد حركة الحوثيين في اليمن اسمها من قبيلة الحوثي التي تهيمن على صفوفها التنظيمية والحكومية، بما في ذلك أعلى المناصب. يتجذر الحوثيون في هوية دينية زيدية شيعية تتجاوز البعد الروحي إلى جوهر قضيتهم - واجب مقاومة الظلم.
هذا يكمن في صميم المذهب الزيدي، الذي تأسس على ثورة القرن الثامن التي قادها زيد بن علي ضد الخلافة الأموية، والتي تنص على أن أي سليل عالم من سلالة علي يمكن أن يصبح إمامًا بإثبات حقه والدفاع عنه.
وهذا يتعارض مع المعتقد الشيعي التقليدي القائل بأن الأئمة يجب أن يكونوا معينين من الله. هذا الاختلاف العقائدي هو أحد الأسباب الرئيسية لعدم خضوع الحوثيين لإيران: فمبدأ ولاية الفقيه، المفهوم الذي يقوم عليه الحكم الديني الأعلى في إيران، يُبغضه الحوثيون.
أطلق الحوثيون على حركتهم اسم "أنصار الله". هذا ليس مجرد لقب، بل إشارة إلى أهل المدينة الذين رحّبوا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه ودعموه وحموه في السنوات الأولى للإسلام. يحمل مصطلح "أنصار الله" في طياته التزامًا قويًا بالإيمان واستعدادًا للدفاع عن الحق. في حين يُستهزأ بالحماسة الدينية في الغرب أو يُقلل من شأنها، فإن صدق إيمان الحوثيين، ومدى تحديده لوجودهم، يكمن في أساس ثبات قناعاتهم ومرونتهم في نضالهم.
تاريخ من النضال
بدأت المظاهر المعاصرة لإحياء الحوثيين بدافع المقاومة في تسعينيات القرن الماضي كصحوة ثقافية ودينية زيدية تُسمى "الشباب المؤمن"، تطورت إلى انتفاضة مسلحة بحلول عام 2004 بعد مقتل زعيم الشباب المؤمن على يد قوات الأمن أثناء اعتقاله. يكمن جوهر مقاومة الحوثيين في الدين وفي المفهوم الأكثر علمانية للاستقلال عن التدخل الخارجي (ولا سيما تأثير كل من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية على شؤون اليمن).
تقوم حركة الحوثيين اليوم على ثلاثة مبادئ أساسية: الهوية الطائفية (الزيدية)، والحكم الذاتي المحلي، ورفض التدخل الأجنبي. ثار الحوثيون ضد الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح في عام 2014. وبعد السيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء، تحولت الجماعة من تمرد كلاسيكي إلى كيان سياسي شرعي أثبت قدرته على تولي مهام تحديد وبناء هياكل الدولة بما يتجاوز مجرد الجيش.
في عام 2015، أطلقت المملكة العربية السعودية، بالتعاون مع تحالف من الدول العربية وبدعم كامل من الولايات المتحدة، عملية "عاصفة الحزم"، وهي هجوم جوي ضخم ضد الحوثيين، بهدف سحقهم كحركة عسكرية وسياسية، وتنصيب حكومة موالية لهم مكانهم. أدى فشل العملية في تحقيق النتائج المرجوة إلى تصعيد السعوديين لحربهم من خلال شنّ توغل بري في اليمن الخاضع لسيطرة الحوثيين.
وعلى الفور تقريبًا، واجه السعوديون حقيقة أن الحوثيين لا يُرهبون بسهولة. توسعت مقاومة الحوثيين من إحباط التوغلات التي تقودها السعودية إلى نقل المعركة إلى المملكة العربية السعودية، وضرب البنية التحتية الحيوية للطاقة بالصواريخ والطائرات المسيرة، بينما شنّوا هجماتهم البرية على الأراضي السعودية. وبحلول عام 2023، كان السعوديون يتطلعون إلى إنهاء حربهم مع الحوثيين. في الواقع، كان إنهاء الصراع مع الحوثيين عاملاً دافعاً وراء التقارب الذي توسطت فيه الصين بين المملكة العربية السعودية وإيران في ربيع عام 2023.
انسحاب الولايات المتحدة
شكّل هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 مبرراً للحوثيين لبدء عمليات عسكرية ضد السفن الإسرائيلية بهدف فرض حصار بحري فعلي على ميناء إيلات جنوب إسرائيل. ربط الحوثيون أفعالهم بمطلب إسرائيل قبول وقف إطلاق النار ضد حماس والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة. من نوفمبر/تشرين الثاني 2023 إلى يناير/كانون الثاني 2025، هاجم الحوثيون أكثر من 100 سفينة تجارية كانت تعبر مضيق باب المندب الاستراتيجي الرابط بين البحر الأحمر وخليج عدن.
أدى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، الذي توسطت فيه الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني 2025، إلى تهدئة مؤقتة لهجمات الحوثيين على السفن، لكنها استؤنفت في مارس/آذار 2025 عندما انتهكت إسرائيل وقف إطلاق النار. بالإضافة إلى مهاجمة السفن، أطلق الحوثيون طائرات مسيرة وصواريخ باليستية على إسرائيل، مهددين بفرض حصار جوي عبر منع الرحلات التجارية من وإلى مطار بن غوريون الإسرائيلي.
بدأت الولايات المتحدة، بدعم من المملكة المتحدة وانضمت إليها إسرائيل، حملة جوية واسعة النطاق تهدف إلى معاقبة الحوثيين وردعهم عن تنفيذ هذه الهجمات. كان الضرر الذي ألحقته هذه الضربات بالبنية التحتية المدنية في اليمن الخاضع لسيطرة الحوثيين كبيرًا، مما أسفر عن سقوط مئات الضحايا المدنيين. إلا أن التأثير العسكري لغارات القصف التي قادتها الولايات المتحدة كان أقل إثارة للإعجاب، حيث هدد الحوثيون سفن البحرية الأمريكية العاملة في البحر الأحمر، بينما استمروا في ضرب إسرائيل بالصواريخ الباليستية.
في حين أن العديد من المراقبين يصورون الحوثيين على أنهم ذراع تابعة لـ"محور المقاومة" الموجه من إيران، ومهمته مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة ودول الخليج العربية، فإن مستوى استقلالية الحوثيين في العمل مرتفع للغاية. في الواقع، اتُخذ قرار البدء في اعتراض الشحن الإسرائيلي بعد أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 دون موافقة إيران.
علاوة على ذلك، فإن وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في أوائل مايو بين الولايات المتحدة والحوثيين، والذي وافقت فيه إدارة ترامب على وقف الغارات الجوية مقابل موافقة الحوثيين على وقف مهاجمة السفن الأمريكية، قد تم التوصل إليه إلى حد كبير لأن الصراع الحوثي الأمريكي كان يقوض جهود الولايات المتحدة للتفاوض على اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني.
لكن المثير في الاتفاق الأمريكي الحوثي هو أنه لم يُلزم الحوثيين بوقف هجماتهم الصاروخية ضد إسرائيل. إن حقيقة أن إدارة ترامب نفذت هذا الاتفاق بشكل مستقل عن إسرائيل تؤكد حقيقة أن مقاومة الحوثيين لا يمكن كسرها بقوة النيران الأمريكية، وأن استمرار العمل العسكري ضدهم سيضر بمصالح الأمن القومي للولايات المتحدة.
لقد خرج الحوثيون من صراعهم مع الولايات المتحدة أقوى من أي وقت مضى، سواء من حيث الشرعية المحلية أو من منظور دولي، حيث قاتلوا أقوى جيش في العالم حتى جمدوا شوكتهم، بينما فرضوا إرادتهم على الواقع الجيوسياسي العالمي. لقد ثبت أن روح الحوثيين الصلبة تُشكل مشكلةً مستعصية على الحل بالنسبة للدول التي وقعت في مرمى نيران شعورهم بمقاومة الظلم.
*يمكن الرجوع للمادة الأصل: هنا
*ترجمة خاصة بالموقع بوست