طهران- طالما تحدثت أطراف غربية خلال العقود الماضية عن "شرق أوسط جديد" وفق مواصفاتها وحليفتها إسرائيل، وأعادت معركة "طوفان الأقصى" الحديث عن هذا المشروع إلى الأوساط الإيرانية انطلاقا من قدرة الحروب على تغيير الجغرافيا والاصطفافات السياسية.

وقد تكون تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وتوعده "بتغيير منطقة الشرق الأوسط" بيت القصيد في القراءة الإيرانية التي انقسمت بشأن ما بعد المعركة.

وبينما تجمع الأوساط الإيرانية على أن عمليات طوفان الأقصى قد غيّرت بالفعل قواعد الاشتباك في الأراضي المحتلة، تعتقد شريحة أن المنطقة أمام "سايكس بيكو جديد"، في حين يذهب طيف آخر إلى أن المشاريع الدخيلة لم تعد قادرة على تغيير خارطة المنطقة، وأن أبناءها هم من سيرسمون ملامح المرحلة الجديدة لصالح القضية الفلسطينية.


تغييرات عالمية

في غضون ذلك، يرى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة طهران محسن جليلوند، أن نتائج معركة غزة سوف تفوق تغيير ملامح الشرق الأوسط لتترك بصمة بارزة على خارطة العالم، على شتى المستويات الجيوإستراتيجية والجيوسياسية والجيواقتصادية على غرار مرحلة ما بعد 11 سبتمبر/أيلول 2001، كما يتوقع حدوث تغييرات جيوثقافية على المدى المتوسط.

وفي حديثه للجزيرة نت، يعتبر الأكاديمي الإيراني أنه لا بد من المعركة البرية على غزة لاستعادة إسرائيل هيبة الردع التي فقدتها، وأن تداعياتها ستكون مفصلية في ترسيم ملامح الشرق الأوسط الجديد خلال الأسابيع القليلة المقبلة، مضيفا أن اليد العليا لن تكون من نصيب الجانب الإسرائيلي في الشرق الأوسط الجديد.

وأضاف جليلوند أن العقلية الإسرائيلية ترى في التطورات الراهنة "هولوكوست ثانية"، وتسعى حثيثا لاستغلالها ذريعة لتثبيت وجودها في المنطقة كما استغلت قبل نحو 8 عقود الهولوكوست الأولى لتأسيس كيانها على الأراضي الفلسطينية.

مكانة إيران

ولفت إلى أن إسرائيل تحظى بدعم غربي مطلق في المرحلة الراهنة يحفزها على ارتكاب مجازر لتحييد الخطر الذي يهدد وجود دولة الاحتلال، مستدركا أن إطالة فترة الحرب ستنعكس سلبا على الجانب الإسرائيلي في ملامح الشرق الأوسط الجديد، وذلك لافتقاره العمق الإستراتيجي ومحدودية الموارد والثروات مهما حاول الجانب الغربي أن يجلبها من الخارج.

ورأى جليلوند، أن الكيان الإسرائيلي لن يتمكن من القضاء على حركة حماس باعتبار الأخيرة الحلقة الأولى للأمن القومي الإيراني، مؤكدا أن وقف إطلاق النار في المرحلة الراهنة سيعني نجاح إيران في رسم قواعد اشتباك جديدة والقضاء نهائيا على مشروع نتنياهو السياسي والتطرف الصهيوني بحق الفلسطينيين.

وأوضح الباحث الإيراني، أنه وفق نتائج المعركة البرية على غزة سوف تتفاوت مكانة طهران في الشرق الأوسط الجديد بين طرف يمتلك اليد العليا، ويحسب له الجانب الغربي ألف حساب إذا انتصرت المقاومة، وطرف آخر قد تتفاقم الضغوط الغربية ضده، ويتقوّض نفوذه في القطاع إذا اختلفت النتيجة.


تنافس دولي

وخلص المتحدث ذاته إلى أن العديد من القوى الغربية والشرقية تتنافس على الشرق الأوسط، وتريد تسجيل حضورها وضمان مصالحها في المنطقة خلال فترة ما بعد طوفان الأقصى، واصفا روسيا الرابح الأكبر من معركة غزة، موضحا أن نتائج الحرب الراهنة سوف تؤثر بشكل مباشر على حرب الممرات الدائرة بين القوى الغربية والشرقية، وعلى رأسها الصين والولايات المتحدة.

وختم بالقول "إن حرب غزة شأنها شأن الحروب الأخرى، إنها استمرار للسياسة بطرق وأدوات أخرى، مؤكدا أن جميع السيناريوهات محتملة وفقا لمدى انخراط الجانبين الأميركي والإيراني في الحرب أو قدرتهما على إبقاء القنوات الدبلوماسية مفتوحة لتفادي حرب شاملة".

في المقابل، يعتقد علي بيكدلي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الشهيد بهشتي، أن المعركة الراهنة لن تحدث تغييرا لافتا على خارطة الشرق الأوسط ما عدا التغييرات المتواصلة منذ أكثر من 7 عقود في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

اصطفافات جديدة

واعتبر الباحث الإيراني –في حديث للجزيرة نت- أن معركة طوفان الأقصى منقطعة النظير في تاريخ القضية الفلسطينية، بسبب حجم العنف الإسرائيلي المستخدم ضد أهالي غزة والإنجاز الذي حققه الجانب الفلسطيني فيها حتى الآن، مؤكدا قدرتها على إعادة الاصطفافات وسياسة المحاور بالمنطقة.

ورأى بيكدلي، أن وطأة تداعيات عملية طوفان الأقصى ستكون الأشد على الداخل الإسرائيلي وحزب الليكود أكثر منه من خارطة المنطقة، موضحا أن هناك مساعي إسرائيلية حثيثة لتغيير الواقع القائم في القطاع المحاصر، بيد أن الجانب الأميركي يسعى لهندسة العنف الإسرائيلي لمنع انفلات الأمور.

واستبعد الباحث نفسه، تدحرج كرة الحرب إلى خارج حدود غزة، موضحا أنه رغم التنافس الحقيقي بين طهران وواشنطن في الشرق الأوسط، فإن الجانبين لا يرغبان في توسعة رقعة الحرب، واصفا النزاع الجاري بالمنطقة بأنه صراع أميركي روسي بالأساس، وأنه يصب في مصلحة الأخيرة.


نظرية الردع

من ناحيته، يعتقد علي سقائيان، الدبلوماسي الإيراني سفير طهران السابق في أرمينيا والبرازيل، أن خارطة الشرق الأوسط قد بدأت بالتغيير فعلا مع عملية طوفان الأقصى، وأن "وجه المنطقة بعد العملية التي كسرت هيبة الاحتلال وأسطورة جيشه الذي يقهر" لن يكون كما قبلها.

وفي حديثه للجزيرة نت، يقرأ الدبلوماسي الإيراني الدعم الغربي لإسرائيل في سياق "رفع المعنويات المنهارة لكيان الاحتلال وجنوده الذين ذاقوا طعم الهزيمة والانكسار بعد أن تجرعوها لأول مرة خلال العدوان على جنوب لبنان عام 2006″، على حد تعبيره.

ورأى سقائيان، أن الموجات الارتدادية لعملية طوفان الأقصى سوف تلاحق الاحتلال بعد أن أسقطت نظرية الردع الإسرائيلية، وأفرزت مشهدا جديدا بالشرق الأوسط من خلال حصر المعركة في الجبهة الداخلية للعدو الإسرائيلي وتحقيقها مكاسب عسكرية وإعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة الأجندة الدولية.

وخلص الدبلوماسي ذاته إلى أن ملامح الشرق سوف تتغير بعد أن غيّرت عملية طوفان الأقصى قواعد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي التي استمرت على مدى أكثر من سبعة عقود، مما سينعكس إيجابا على "إنهاء الاحتلال" وتغيير خارطة المنطقة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الشرق الأوسط الجدید ملامح الشرق الأوسط عملیة طوفان الأقصى إلى أن

إقرأ أيضاً:

خطط إسرائيلية لاغتيال السنوار والضيف رُفضت سياسياً قبل "طوفان الأقصى"

كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، اليوم الثلاثاء، عن معطيات جديدة تشير إلى أن الجيش الإسرائيلي وضع، قبل هجوم "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023، خططًا واسعة لاغتيال قائدي حركة حماس في غزة ، يحيى السنوار ومحمد الضيف، إلا أن القيادة السياسية الإسرائيلية رفضت تنفيذها وأصرت على الحفاظ على حالة الهدوء في القطاع.

وبحسب شهادات قدمها ضباط كبار أمام طاقم التحقيق العسكري الذي يترأسه الجنرال الاحتياطي سامي ترجمان، فإن قائد القيادة الجنوبية إليعزر توليدانو أعد خطة من أربع مراحل، تتضمن اغتيال قيادات حماس، وتدمير منشآت تصنيع الأسلحة، وشن غارات جوية مكثفة، يعقبها اجتياح بري محدود تشارك فيه ثلاث فرق نظامية.

انقسامات بين المستويين العسكري والسياسي

التقرير يوضح أن رئيس أركان الجيش آنذاك، هيرتسي هليفي، فضل التركيز على الجبهة الشمالية مع حزب الله، بينما شدّد المستوى السياسي، بقيادة بنيامين نتنياهو ووزير الأمن السابق يوآف غالانت، على عدم المبادرة لأي عملية واسعة في غزة خلال فترات الهدوء، حفاظًا على التوازن القائم.

كما نقل التقرير أن نتنياهو “عمل لسنوات على إبقاء حماس في الحكم”، وأن الخطة المقترحة لم تهدف إلى إسقاطها، بل إلى ضربها بشكل كبير لردعها لسنوات.

اختلاف الروايات داخل الجيش

وبينما تشير إفادة أولى إلى أن هيئة الأركان رفضت خطتي الاغتيال والاجتياح مرتين خلال عام ونصف، قدّم ضابط آخر رواية مناقضة، أكد فيها أن الشاباك هو من بادر لطرح تصفية السنوار والضيف في أيار/مايو 2022 عقب عملية "إلعاد"، وأن القيادة الجنوبية أعادت الطرح في أبريل 2023 بعد إطلاق صواريخ من غزة.

وأضافت الإفادة أن الشاباك، برئاسة رونين بار، أبدى دعمه للخطة، بينما تحفظ رئيس الأركان هليفي، معتبرًا أن الظروف السياسية غير ناضجة لاتخاذ قرار بهذا الحجم.

تجاهل خطة "سور أريحا"

وأفاد الضباط بأن الجيش وجد خلال الاجتياح البري للقطاع مواد في حواسيب حماس تشير إلى نيتها تنفيذ خطة “سور أريحا” في أبريل 2023، مستغلة حالة الانقسام الداخلي الإسرائيلي والاحتجاجات على إصلاحات القضاء. ومع ذلك، لم تعرض القيادة الجنوبية هذه المعلومة على المستوى السياسي أو رئيس الأركان حينها.

الأولوية للجبهة الشمالية

وخلال الفترة نفسها، كان الجيش يرفع حالة التأهب استعدادًا لاحتمال مواجهة مع حزب الله وإيران عقب حادثة "مفترق مجدو"، وهو ما دفع القيادة السياسية لتأكيد أن تبقى غزة "جبهة ثانوية وهادئة".

وبحسب الشهادات، فإن نتنياهو كان يميل إلى الموافقة على عمليات نوعية فقط بعد أحداث تهدد مكانته سياسيًا، مثل اغتيال القيادي في الجهاد الإسلامي بهاء أبو العطا عام 2019، والذي نُفذ بعد ضغوط عسكرية وإحراج سياسي للقيادة.

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من الأخبار الإسرائيلية نتنياهو: لا توجد تفاهمات أو اتفاقيات تم التوصل إليها بين إسرائيل وسوريا إسرائيل تعيد فتح معبر "اللنبي" لإدخال المساعدات والبضائع إلى غزة ترامب يعارض بقاء الجيش الإسرائيلي عند "الخط الأصفر" ويطالب بانسحاب آخر الأكثر قراءة تفاصيل لقاء "مصطفى" مع مساعد وزير الخارجية الياباني لشؤون إعمار غزة الاحتلال يعتقل أشقاء شهيد بيت ريما وقريبه ويهدد عائلته بالصور: غزة: الهلال الأحمر يعزّز المنظومة الصحية بافتتاح مستشفى تأهيل جديد مجلس الوزراء يعلن رسميا موعد إجراء انتخابات الهيئات المحلية في فلسطين عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • إطلاق شركة “وايزمِن الشرق الأوسط” في أبوظبي لتعزيز حلول الطاقة الذكية في المنطقة
  • عاجل. بارّاك: هذه لحظة ترامب في الشرق الأوسط وإيران هي العقبة وطبيعة المنطقة القبلية تمنع قيام دول كبرى
  • شهداء الحركة الرياضية .. الحلقة 379 (زين نصر)
  • أمة الأرق.. دراسة: كيف أثر طوفان الأقصى على نوم الإسرائليين؟
  • خبير بالشأن الإسرائيلي: ترامب قادر على لجم نتنياهو وفرض التهدئة بغزة والمنطقة
  • يديعوت تكشف تفاصيل خطة لاجتياح غزة بريا قبل طوفان الأقصى
  • خطط إسرائيلية لاغتيال السنوار والضيف رُفضت سياسياً قبل "طوفان الأقصى"
  • عاصفة «بايرون» تقترب من الشرق الأوسط وسط تحذيرات من أمطار غزيرة وفيضانات
  • شهداء الحركة الرياضية .. الحلقة 377 (عدنان البرش)
  • الإعلام الإسرائيلي يبث مشاهد لفرار رئيس الموساد الجديد خلال طوفان الأقصى