الفنان التشكيلي علي فرزات: الفن مرآة للهُوية الثقافية ويكتمل بمواكبة الحداثية والتجارب الخصوصية
تاريخ النشر: 6th, June 2025 GMT
لجأت إلى اللون الصارخ كي أعبّر عن الفاجعة التي كنا نمر بها
الوجوه التي رسمتها بطريقتي المبتكرة تشبه حزني
ولجت فضاء القصيدة لأجسد التغريبة السورية من خلالها
الحرية هي المغامرة والبحث والاكتشاف والفن يجب أن يستوفي كل شروط الحرية
فشل الحوار بين الرسام والمساحة البيضاء هو فشل للعمل
ينتمي الفنان أسعد فرزات لأسرة فنية عشقت اللون والكلمة، منهم الرسام والأديب، ورسم لنفسه مسارا إبداعيا تجلى بأسلوبه التشكيلي المتفرد الذي استطاع من خلاله أن يصل به إلى حيث يريد، وكانت الريشة والألوان واللوحات صوته العالي الذي عبر من خلاله عن الظلم والقهر والمنفى، فقدم لنا أعمالا خالدة ومتميزة.
تحدث أسعد عن الفن التشكيلي العُماني وعن تجاربه الفنية وقضايا الفن، في حديث خاص لجريدة (عمان)...
بحكم اطلاعك على التجارب الفنية العربية..كيف ترى المشهد التشكيلي في سلطنة عُمان..؟
سجل الفن العُماني بصمة واضحة في الساحة التشكيلية العربية وحضورا مميزا منذ نهاية السبعينيات وأقيمت عدة فعاليات منها مرسم الشباب، والمشاركات بـ"بيناليات" عربية، وهو فن يعكس هُوية ثقافية محلية بمواكبة حداثية وتجارب فيها خصوصية على يد عدة فنانين منهم: سعيد العلوي وحسين الحجري ورابحة محمود وسيف العامري وعالية الفارسي وآخرون.. كما أن التراث الشعبي له دلالة واضحة في الأعمال التشكيلية العُمانية وإصرار الفنان العُماني على التمسك بجذوره وفخره بثقافته ليقدم من خلالها صيغة تشكيلية تحمل مضمونا فلسفيا خاصا بمحيطه، وخاصة الموروث والإرث الشعبي كان واضحا بأعمالهم التي قدموها.
نتابع من اللحظة التي نعيشها اليوم وهي انتصار الثورة السورية، كيف عشتها، وكيف ستكون لوحاتك القادمة، هل ستتغير الألوان، وهل سنرى أسلوبا مختلفا في التعبير...؟
حقيقة في بدء اللحظة، عندما أتى الخبر مفاجئا، اختلط عندي الأمر هل هو حقيقة أم خيال؟ فليس بالسهولة وبعد ٥٥ عاما من القهر والقتل بشتى أنواعه أن يأتيك خبر الحرية، خفت أن تتلاشى خيوط الفرح من بين أصابعي وأفقدها، لذلك حاولت ألا أغمض عينيّ حينها؛ أما بالنسبة لتغير الأسلوب والخوض بموضوع تشكيلي آخر، فهذا ليس قرارا اتخذه اليوم وأنفذه غدا، المسألة تحتاج إلى وقت كي يعود الأمر إلى تقلبات عناصر الكيمياء بالدماغ ويساهم الظرف المكاني والزماني لإنتاج صيغة ذهنية متجددة.
كنت واحدا ممن عبّروا عن المحنة السورية ومآسيها، وكان الرسم سبيلك، إلى أي حد يمكن أن يصبح الفنان حاملا راية التغيير والتأثير في المجتمع...؟
وظيفة الفن والعمل الفكري هو ترجمة الحدث بعدة وسائل، وخاصة المآسي والكوارث الإنسانية التي تحصل على مدى التاريخ منذ الحقبة الجيولوجية الأولى حتى يوما هذا، ففي العصر الحجري كان الفنان يترجم ما يحصل في حياته اليومية بأدوات بسيطة من رحلة الصيد والأفراح وحتى الموت، جميعها نجدها مدونة على جدران الكهوف، كذلك ما يحصل في العصر الحديث ظهرت المدرسة الدادئية سواء بالأدب أو الفن كردة فعل عن الحرب وما نتج عنها، عبر من خلالها الرسام بتقنيات وأفكار عديدة كترجمة لما حصل.
رمزية الألوان ودلالتها عندك فيها تعبير صارخ عن الفاجعة السورية بكل تفاصيلها، كيف جعلت الحزن يتدفق من خلالها...؟
فيزيائية اللون علميا مسألة معقدة للمتلقي والفنان معا، قد يصل اللون الصارخ لدرجة الصفعة الحقيقية..ما كان يحدث ليس جريمة عابرة منفردة إنما كارثة إنسانية لم يمر مثلها بتاريخ البشرية، بتلك الحالة هل أستطيع أن أكون بكامل هدوئي وأخطط لصنع مشهد ضوئي فيزيائي جمالي كما "مونية"، أم سألجأ إلى فيزياء اللون الصارخ والمشبع بالموت الذي يحدث كل دقيقة..ليس هناك خيار آخر، أتساءل أحيانا هل باستطاعتي العودة للون والضوء بالمعنى التقليدي رغم أن مشاهد الموت كانت مليئة بالضوء المشع بالمعنى الذهني البعيد.
رسمت مئات الوجوه بحثا عن وجه الحقيقة، هل وجدتها، وأين وكيف، وماذا تلمست فيها...؟
قال أحد النقاد المعروفين يصف وجوهي إن الفنان عادة يرسم ذاته للبحث عن ملامحه كما فعل فان جوخ، بينما أسعد رسم وجوه الآخرين للبحث عن ملامحه، وهذا ما حصل حقيقة من خلال تجربة البورتريهات أو الوجوه التي نفذتها كنت أبحث عن ملامحي بوجوه أصدقائي الذين رحلوا بتلك المأساة أو من غادرنا إلى العالم الآخر سواء عن طريق موجة بحرية ابتلعته أو بين أسنان حيوانات مفترسة بالغابات أو بحوض أسيد أو بطلقة عابرة اجتاحت جمجمته ولم يفلحوا بالوصول لشط الأمان للأسف، بالنسبة لوجوهي التي نفذتها لاتزال التعبيرية هي هاجسي سواء بمشروع الوجوه أو غيرها من أعمالي وهي الأكثر حضورا سواء بالمساحة أو اللون وهذا واضح من خلال الخط المتعرج والقلق الذي ترتسم به وجوهي وخاصة عند العيون، مما اضطر أحيانا إلى إخفائها بالكامل أو إظهار واحدة منها بينما الثانية تلفها العتمة لإظهار ما وراء التعبيرية، وجوه تحمل مضمون نتائج كارثة ليس لها شبيه بالعالم، وجوه بخطوط تعبيرية تشبه حزني أنا بطريقة رسم ليست سائدة، لذلك أن جردت وجوهي من الخطوط والدلالات تصبح لوحة تجريدية تحمل لونا وخطوطا فقط، أعمالي تعبيرية تجريدية إن وصفناها بطريقة مدرسية، وربما هي أبعد من هذا الوصف التقليدي وتدلى ذلك بأعمالي ما بعد 2014 عموما.
قلت: "أنا من هواة التنزه بالعالم التشكيلي واكتشاف الأراضي البكر فيه بعيدا عن مزاج الصالات" هل تعتبر هذا تمردا على ضوابط الفن التشكيلي، أم ماذا...؟
المسألة ليست سهلة حقيقة، إما أن ترضخ لمزاج صاحب الصالة وزبونه وإما أن تتمسك بحريتك كرسام وبما تنجزه من أعمال فكرية وذهنية وهذا يحتاج إلى ثقافة عالية سواء لصاحب الصالة أو المقتني. دعني أصارحك قليلا، حول غموض كثير من اللوحات التي ترسم بعيدا عن المدرسة الواقعية، هناك من لا يستطيع أن يفهم ماذا تعني له تلك الضربات في الريشة ولا موحيات اللون، ولا رمزية ما يراه من تشكيل.. لماذا هذا الغموض، يتساءل الجمهور...؟
هذا السؤال يعود بنا للسؤال السابق، الصورة الذهنية والفكرية بالفن التشكيلي تحتاج إلى ثقافة عالية، فمن الصعب على الفنان الذي يملك صورة ذهنية تحمل مضمونا فكريا وإنسانيا أن يتنازل ليقدم مشهدا جاهزا لإرضاء البعض، هناك صالات متخصصة بهذا النوع من الفن بإمكان المتلقي أن يحصل على طلبه بما يرغب ويفهم.
*لديك تجربة مهمة ومتميزة في نقل الكلمة إلى لوحة، وكنت قد تذوقت برهافتك الفنية قصيدة للشاعر نوري الجراح وجسدتها إلى لوحات معبرة، حدثنا عن هذه التجربة المؤثرة، وهل ستكررها...؟
أنا ونوري جمعتنا مأساة واحدة، هو وجد في لوحاتي مناخا وصورا لقصيدته "الخروج من شرق المتوسط" وأنا وجدت بقصيدته صورا تشكيلية تتطابق مع الصورة الذهنية بلوحاتي، ومن خلال ولوجي بفضاء القصيدة وجدت نفسي أمام تغريبة سورية ليس فقط عمرها أربعة عشر عاما، بل تلامس وجع السوريين منذ اكثر من ٥٥ عاما من القهر والذل، فتلك الموجة البحرية صعدها قبلنا أشخاص منهم من عبر بسلام ومنهم من لقى حتفه، لذلك كان مشروعا مشتركا ممسرحا تراجيديا بصريا.. لخص الهلوكست السوري الكارثي على مدى طويل.
والنتيجة عمل مشترك بيننا أنجزناه في باريس عام ٢٠٢٢ وعُرضت بعض من اللوحات في زيوريخ أيضا ونخطط الآن لتكون الفعالية بسوريا موطن المأساة التي ترجمناها معا.
لكل مبدع وحي يوحي له بمفردات قصيدته أو روايته أو قصته، كيف يلتقط الفنان أسعد أطراف لوحاته..؟
الأمر يتعلق بالمخزون البصري وترجمة مفردات الواقع بشكل يتناسب مع ماهية الفكرة لدى الفنان وأبعادها، التقط مفرداتي أحيانا من طفل ترك "خربشاته" على حائط ومضى، أو من امرأة تركت توقيعها على قلبي، واحيانا أقوم خلسة بسرقة مشهد خبأته بذاكرتي لهذه اللحظة كي أدونه على مساحة بيضاء من ورق أو قماش، أتذكر خطواتي الأولى نحو النهر وتسلق الأشجار العالية، كل هذا الفضاء متاح لي وأتناول من خلاله ما أشاء من مفردات بدءا من الشمس في الأعالي إلى عشبة تنمو على طرف الرصيف..لكن خلال الأعوام التي مضت كانت مفرداتي عبارة عن قارب فارغ، رصاصة، غيمة رمادية.. لا استطيع أن أتجاوز ما حصل حقيقة.
مابين الرسم التجريدي ومزجه بالتعبيري رسمت لنفسك مسارا متفردا بالمشهد التشكيلي بحيث أصبحت لوحاتك علامة "فرزاتية" فارقة...
لم أسع إلى ذلك عنوة، البعض يبحث عن طريق خاص به بالاستعانة بأساليب وتقنيات مسبقة من الغير، هذا لا يجدي نفعا بصنع مشهد يحمل عالما خاصا لا يشبه إلا صاحبه، الفن بصراحة أبسط من هذا كله، فقط العودة إلى العاطفة الخالصة بدون استعارتها، مدعمة بالخبرة والثقافة والمخزون البصري وهي من مقومات الرسام.
قلت "الفن مرتبط بالحرية.." هل تقصد الحرية بمفهومها الشاسع في التعبير..؟
اقصد الحرية في الفن أنها تبدأ من أول خطوة يقوم بها الرسام، بدءا من اختيار الفكرة وانتهاء باختيار التقنية التي يرغبها دون قيود أو ضوابط مفروضة سواء من المحيط أو من منطق تقليدي.. لو عدنا لتاريخ الفن لوجدنا أن المدرسة الواقعية هي كانت ثورة على الكلاسيكية النمطية، وكذلك الواقعية المحدثة ثورة على الواقعية، والانطباعية ثورة على المحدثة.. وهكذا وصولا للتعبيرية والتجريدية والحداثوية إلى التجارب الخاصة للفنان التي لا تنتمي سوى إلى أفكاره الذاتية؛ الحرية المطلقة للأفكار تخلصنا من عقد ومتلازمات قد ينتجها الدماغ بشكل نمطي أحيانا، لذلك الحرية هي المغامرة والبحث والاكتشاف. البعض لاتزال عنده عقدة الخوف من فتح الباب على مصراعيه.. أو لا يرى أبعد من الأفق الذي يراه من خلال نافذة محصورة، الفن يجب أن يستوفي كافة شروط الحرية.
*غالبا ما تشكل الأنثى محور أعمال المبدعين، المرأة في حياة وأعمال الفنان أسعد فرزات، كيف تجسدت، وبأي الألوان والخطوط وجدتها أكثر جاذبية وتعبيرا..؟
مجرد ذكر المرأة كمصطلح مجرد يعود بي الأمر إلى تفاحة آدم التي قضمها وأنجبت قابيل وهابيل بكل ما يحمله الاسمان من لغز وحكايا، ويذهب الخيال بعيدا إلى كل تفاصيل عشتار وجلجامش، وعصر الباليولتيك الحجري الأول، وعودة إلى رسوم الكهوف أيضا وتجسيد شكل المرأة وهي حتى في حالة الصيد والحب.. والى عظمة الرسام والنحات الفرعوني كذلك السومري بإظهار مكنونات المرأة السحرية باختلاف حكاياتها..وفي الطرف الآخر شخصية ميديا، وكليتمنسترا، وكارمن مرورا بالجوكندا، ونساء ماتيس، وعشيقات بيكاسو، ومأساة فريدا كاهلو، وجمالية لوحات موديلياني بتناوله للمرأة.. بالنسبة لي كل هذه التناقضات الثقيلة الخفيفة تسكن دماغي، بهذا التناقض المتفرد ارسم حوضها الجميل بخط منحني يبدأ من منتصف اللوحة وينتهي بالأعلى، هو نفسه الحوض الذي احتضنني بداخله تسعة أشهر وجعلني أتنفس لأكمل دورة الحياة..فيما بعد رسمت المرأة السورية المكلومة بكل حالاتها وهي من ضمن الوجوه التي حملتها معي هي وعباءتها المخضبة بالدم والتي أصبحت جزءا من تغريبتي المرسومة.
رسمت كثيرا من قصص الأساطير بشجونها المختلفة، كفنان هل تتنبأ بأسطورة جديدة سترسمها، أسطورة السوري الذي لم يستسلم، وأسطورة الفلسطيني الذي يقف في وجه الموت..ماذا في مخيلتك من أساطير حقيقية اليوم..؟
يبدو مصيرنا نحن والفلسطينيين أن نكون تاريخيا ضمن الشعوب الأسطورية، ونحن بالأساس شعوب لها تاريخ أسطوري ثقافي جمالي أدبي ومنذ القديم حاربت القهر ولديها رموز وأبطال يتكررون، فلسطين أنجبت أهم الشعراء والأدباء في العرب، كذلك سوريا؛ الإجرام بحقنا كان واحدا، رسمت عدة لوحات عندما كانت أدلب تقصف بالبراميل عنونتها "من غزة إلى أدلب ومن أدلب إلى غزة" والقادم سيظهر في حينه.
الغربة، كم حفرت في حياتك، وأثرت على عملك..؟
الغربة لم تكن خيارا إراديا، تعرضت وأسرتي للخطر، أما الاعتقال والمضايقة أو الهجرة، فكانت هي الخيار رغم خطورتها.
كما أننا شعوب ترتبط ذاكراتنا بالمكان بقوة، عندما غادرت مدينتي متجها للدراسة بدمشق حملت معي سماء الصحراء بكل صفائها وتجلياتها، وعنفوان الفرات وعذوبته، ورائحة أشجار الغرب عند المساء، وشجرة الصفصاف بخطها الأفقي الذي لا ينكسر، وحكايا جدة صديقي عندما كنا أطفالا عن "سعلويات" النهر في الأساطير القديمة، كانت تحذرنا من الذهاب إلى النهر عند مغيب الشمس خشية أن تخطفنا الجنية، جرني الفضول يوما أن أقول لصديقي أنا ذاهب إلى النهر أرغب بأن تخطفني الجنية كي أرى ماذا في عالمهم.. وفعلا وقتها غامرت وذهبت وانتظرت الجنية ولم تأت.. اذكر أيضا أنني حملت معي بضعة أعواد من "الزل" التي تنمو على ضفاف الفرات، احتفظ بها بزاوية غرفتي الرطبة التي كنت اسكنها بدمشق.. لكن عندما اضطررت الذهاب إلى المنفى.. حملت معي وجوه أصدقائي الذين فقدتهم بالمعتقلات أو من غادرنا إلى العالم الآخر، حملت معي صورة أخي أسعد بكدمات وجهه وأصابعه التي حطمها الدكتاتور، بسبب إصراره على الحرية..بالإضافة إلى رائحة البارود وصوت أزيز الرصاص..وطفلتي التي كانت تنازع الموت.
ما قصتك مع الموت..؟
يبدو أن لعبتي مع الموت كانت مبكرة بحياتي أحيانا نكون أصدقاء وأحيانا نكون أعداء.. حاول خطفي عندما كنت مراهقا بحادث سير مميت لكنه لم يتمكن مني.. بعدها أخذني بغيبوبة استطعت أن استفيق منها شاهدته وهو يخرج من غرفة الإنعاش مبتسما... في الأربعة عشر عاما الماضية حملني كل وجوه أحبتي الذين غادروني وهذا الهلاك.. بالإضافة انه استطاع قهري أيضا عندما خطف مني طفلتي الوحيدة التي انضمت إلى وجوهي التي أنجزتها.
المبدع الذي يجسد معاناة الناس وآلامهم، يعيش تفاصيلها بحلاوتها ومرارتها، أي لحظات يمكن أن يمر بها الفنان وهو يعبر عن تلك اللحظات، أم أنها عابرة كما يمر بها الممثل الذي يتلبس الدور ويخرج منه حالما ينتهى العمل..؟
الحالتان مختلفتان بين الممثل والرسام، الممثل قد يتقمص دورا لفترة يسكنه ثم ينتقل لدور آخر، بينما هناك مشاهد تسكن دماغ الرسام طويلا وينتج عنها عدة حالات ومشاريع، وحتى البحث عن أفكار وتقنيات جديدة تدور حول المشهد ذاته.
* قبل أن تمسك الفرشاة وتبدأ مزج الألوان، كيف تحاكي الفكرة قبل أن تجسدها على اللوحة البيضاء، رحلة المخاض والولادة وطقوس الرسم، كيف تصف لنا هذه اللحظات..؟
هناك علاقة حب بين المساحة البيضاء والرسام شرط لغة الحوار وتقبل الآخر، أحيانا المساحة تحاورني أثناء العمل وكأنها تهمس لي بأنها ليست بحاجة إلى لون ما، تكتفي بالأسود والأبيض وأحيانا العكس تماما.. إن فشل الحوار بين الرسام والمساحة البيضاء فشل العمل.
العالمية هاجس أي فنان، وقد استطعت أن تصل بريشتك إلى آفاق بعيدة، هل حققت ما تريد...؟
بالتشكيل لا يوجد بأنني ختمت المحتوى وحفظته، هناك دائما بحث متطور ومتجدد، المختبر الموجود عند الفنان يأخذه أحيانا إلى عوالم مختلفة من البحث والاكتشاف سواء بمجال الصورة واللون أو حتى التقنية أو الموضوع، مسألة العالمية بالنسبة للفنان تبدأ من المشهد المحلي بكل تفاصيله سواء بملامحه الجمالية أو الكارثية.
الفن التشكيلي السوري مر بمحطات مهمة، وهناك فنانون آثروا وبصموا عربيا وعالميا، وهناك من يرى أن جذوة الفن التشكيلي قد بدأت تخبو قليلا مع تلك الأجيال المؤثرة، كيف ترى المشهد السوري التشكيلي..؟
منذ بداية القرن العشرين استطاع الفن السوري أن يرسخ هوية وخصوصية ويكون أحد أعمدة التشكيل العربي المعاصر خاصة من فنانين أوفدوا للغرب للدراسة وعادوا بأفكار متجددة، وممن وضع اللبنة الأساسية لؤي كيالي وفاتح مدرس ومحمود حماد وآخرون. ثم تتالت التجارب على يد أجيال بعدهم استطاعوا تأكيد وتطوير هذه الهُوية ومواكبة الحداثة، وأصبح هناك تجارب خاصة بعيدة عن التصنيف التقليدي للمدارس الفنية، وساهم جيل الشباب بذلك، كما أن المأساة التي حصلت أخذت بعض الفنانين إلى ترجمة عوالم ما أنتجته الحرب وتقديم تجارب خاصة مختلفة عن تجاربهم ما قبل الثورة.
بقعة لون
"1"
لم أقرر أن أصبح رساما، اعتقد ولدت هكذا، نشأت بأسرة أغلب أفرادها يمارسون الرسم والكتابة، كانت لعبتي المفضلة وأنا طفل العبث بالألوان على الجدران والورق عكس بقية الأطفال الذين تستهويهم ألعاب السيارات والطائرات وما شابهه.
"2"
عشت طفولتي على ضفاف الفرات لم يخطر ببالي أبدا أن أرسم الضفة والشجرة، كما هي بشكلها التقليدي مثلا...الفرات هو حكاية وأسطورة لا نستطيع أن نختزله بشكل رسم سياحي ومباشر.
"3"
كل المحطات الفنية بالنسبة لي هي حصيلة ونتاج فكري سواء نجحت ببعضها أو أخفقت بما فيها ترجمتي للكارثة السورية.
"4"
لوحاتي التي فقدتها في الأردن تضاف إلى الكوارث التي مرت بحياتي لايزال الأمر شائكا ومعقدا بسبب الروتين وعدم الصدق بالتعامل للأسف.
"5"
المشروعات بالنسبة للفنان لا تتوقف والفنان لا يتقاعد.
"6"
في أوروبا، حيث أقيم استطعت أن ألفت أنتباه العالم إلى قضيتنا وفاجعتنا، عندما أقمت عدة معارض تتعلق بالحرب ومواضيع إنسانية مختلفة، كانت في باريس وغرناطة وزيوريخ ومدن أخرى، كانت الحفاوة والاهتمام واضحين على وجوه الزوار والإعلام.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الفن التشکیلی من خلال
إقرأ أيضاً:
أفكار حول التعامد الوظيفي بين النخبة الحداثية وعدوّها الصهيو-إمبريالي
رغم انخراط أغلب النخب التونسية "الحداثية" في مسار الانتقال الديمقراطي بصور متفاوتة، فإن مواقفها المعادية لبناء حقل سياسي ما بعد استبدادي أو ما بعد استعماري -أي حقل يقطع مع منظومات الاستعمار الداخلي ونواتها الصلبة في تونس وغيرها- قد جعل منها الأداة الأهم لإفشال ذلك المسار برعاية محور الثورات المضادة، وهو ما أدى إلى العودة المظفّرة للمنظومة القديمة بواجهة سياسية جديدة وفرتها في مرحلة أولى "حركة نداء تونس" منذ انتخابات 2014، ثم سردية "تصحيح المسار" منذ انتخابات 2019. ومن باب الموضوعية، فإن المراقب للشأن التونسي لا يستطيع أن يُنكر دور حركة النهضة وحلفائها -منذ تجربة الترويكا- في فشل الانتقال الديمقراطي، بعد أن اتخذت قرارها الاستراتيجي بالتطبيع مع المنظومة القديمة ثم التوافق معها بشروطٍ/خياراتٍ هي أبعد ما تكون عن استحقاقات الثورة وعن الانتظارات المشروعة لعموم المواطنين.
إن استقراء مسارات الثورات العربية ومآلاتها يظهر أنها كانت منذروة للفشل مهما كانت خياراتها ومهما كان شكل علاقتها بالنوى الصلبة للمنظومات القديمة، بل مهما كان الدعم/الاحتفاء الدولي بها في مراحلها الأولى. وهذا لا ينفي مسؤولية النهضة أو غيرها من الحركات الإسلامية التي قبلت بالعمل القانوني وخرجت من منطق البديل إلى منطق الشريك تحت سقف الدساتير والقوانين الوضعية، بل منتهى ما يشير إليه هو وجود قرار إقليمي/دولي بإفشال "الثورات العربية" ومنعها من النجاح، أو التحول إلى نماذج سياسية مختلفة عن تلك التي سادت العالم العربي في مرحلة الاستقلال الصوري للكيانات الوظيفية التي تسمى مجازا "دولا وطنية"، أي مختلفة عن أنظمة الحكم في مرحلة الاستعمار غير المباشر.
التسليم بالمسؤولية المشتركة لحركة النهضة وحلفائها من جهة أولى، ولمكونات "العائلة الديمقراطية" من جهة ثانية في فشل الانتقال الديمقراطي؛ لا يؤدي بالضرورة إلى التسوية بين الطرفين سياسيا وأخلاقيا
بناء على ما تقدّم، فإن ما يميز مثلا بين حركة النهضة وبين أغلب مكونات ما يسمى بـ"العائلة الديمقراطية" في تونس ليس أن النهضة لم تكن مساهمة في إفشال الانتقال الديمقراطي سياسيا واقتصاديا، بل هو أن دورها في ذلك الفشل كان نتيجة سوء تقدير للتوازنات الداخلية والخارجية، مع فائض ثقة في قوة النصوص وفي مصلحة القوى الدولية في استدماج "الإسلام الديمقراطي" ورعاية علاقته بالقوى "الحداثية" بعيدا عن منطق التنافي والمقاربات الأمنية-القضائية. أما أغلب مكوّنات "العائلة الديمقراطية" -خاصة اليسار الوظيفي بشقيه الماركسي والقومي، وورثة التجمع الدستوري المنحل- فإن انخراطها في المسار التأسيسي وما تلاه لم يكن نتيجة إيمان بوجود "ثورة" أو بفائدة الديمقراطية التي تُخرج الإسلاميين من وضعية "الملف الحقوقي" إلى مركز الحقل السياسي بقوة الإرادة الشعبية، بل كان نتيجة حسابات براغماتية تتحين الفرص -بل تحاول خلقها منذ المرحلة التأسيسية- للانقلاب على الانتقال الديمقراطي برمته؛ بالاستقواء بالقوة الصلبة -خاصة النقابات الأمنية المسيّسة والمُؤدلجة- وبالتحالف الاستراتيجي مع محور الثورات المضادة.
إن التسليم بالمسؤولية المشتركة لحركة النهضة وحلفائها من جهة أولى، ولمكونات "العائلة الديمقراطية" من جهة ثانية في فشل الانتقال الديمقراطي؛ لا يؤدي بالضرورة إلى التسوية بين الطرفين سياسيا وأخلاقيا. فدور النهضة في إفشال الانتقال الديمقراطي هو أثر منبثق -أي غير مقصود- لخيارات استراتيجية مبنية على تقديرات سياسية خاطئة، سواء في فهم قوتها الحقيقية أو في فهم قوة خصومها ورعاتهم الأجانب، ولكن ذلك كله لا يجعلها خارج إطار المساءلة "السياسية"، أما دور "العائلة الديمقراطية" فإنه يعكس استراتيجية انقلابية واعية، وهي استراتيجية تتعارض جذريا مع منطوق الخطابات "الديمقراطية" وادعاءاتها الذاتية، وتلتقي استراتيجيا مع مصالح النواة الصلبة للمنظومة القديمة ومع مصالح محور الثورات المضادة والتطبيع. ولذلك سيكون من العسير أن نتحدث عن فشل الانتقال الديمقراطي في تونس دون أن نستحضر دور الثالوث الوارد أعلاه باعتباره قاطرة الاستراتيجيات الانقلابية منذ المرحلة التأسيسية: القوى الوظيفية في الحقل السياسي والمجتمع المدني والنقابات، النواة الصلبة للمنظومة القديمة، محور الثورات المضادة.
إن استعملنا أحد المفاهيم الأساسية في معجم المرحوم عبد الوهاب المسيري ألا وهو مفهوم "اللحظة النماذجية" (تلك اللحظة التي تنطلق من "الايمان بأن ثمة اختلافا جوهريا بين الواقع والنموذج المهيمن، وأن النموذج لا يمكن أن يتحقق كلية في الواقع، ولكن هناك لحظات نادرة يقترب فيها النموذج من حالة التحقق الكامل، وهذه اللحظة رغم ندرتها قد تعبّر عن جوهر النموذج أكثر من اللحظات أو الحلقات الأخرى")، فإننا سنقول إن "السردية الديمقراطية" بكل ادعاءتها الحداثية والتقدمية والحقوقية والمدنية وبجميع مكوناتها "الإصلاحية" و"الثورية" قد وجدت لحظاتها النماذجية التي تظهر جوهرها الانقلابي بعد "الربيع العربي". فأغلب السرديات "الديمقراطية" قد تعاملت مع الثورات باعتبارها مؤامرة صهيو-إمبريالية، أو باعتبارها "ربيعا عبريا" حتى وإن انخرطت في مساراته الانتقالية. فقد أثبتت مواقف "القوى الديمقراطية" التونسية من القضايا الداخلية والخارجية أن لحظتها النماذجية هي لحظة وظيفية-انقلابية وليست لحظة تحريرية-مواطنية، وهو الأمر التي تشترك فيه مع الأغلب الأعم من محتكري الحداثة والمدنية والتقدمية في الوطن العربي.
بصرف النظر عن غياب مصاديق الادعاء الديمقراطي من جهة التاريخ والأدبيات والعلاقات الداخلية داخل تنظيماتها في مختلف الحقول السياسية والمدنية والنقابية.. الخ، فإن "القوى الديمقراطية" قد أثبتت بمواقفها أنها أكبر حليف موضوعي لاستراتيجيات الإذلال المزدوج: إذلال السلطات للمواطنين والحرص على إبقائهم في مرحلتي ما قبل المواطنة أو ما دون المواطنة (انظر مقالنا: مفهوم المواطنة وتحولاته منذ بناء الدولة الوطنية التونسية) وإذلال ما يسميه "الديمقراطيون" بالقوى الامبريالية لوكلائها من الحكام المحليين وأذرعهم الوظيفية في الوطن العربي.
فوصم الثورات بـ"العبرية"، والعمل على إفشال أي تسويات تاريخية بين الإسلاميين والعلمانيين ببناء مشترك مواطني جامع يتجاوز الانقسامات الهوياتية القاتلة، فضلا عن مساندة الانقلابات العسكرية والأنظمة الطائفية (سلطة الأقليات)، كل ذلك جعل من اللحظات النماذجية لأغلب السرديات "الحداثية" التونسية بمختلف مرجعياتها الأيديولوجية لحظات انقلابية بامتياز. وهو ما تجلى بصور جزئية منذ الأيام الأولى للثورة بدعوة الجيش لإصدار البيان رقم واحد، ثم بمحاولة إفشال أعمال المجلس التأسيسي قبل إنهاء مهامه، وبعد ذلك إسقاط حكومة الترويكا، و"الانتخاب المفيد" للمرحوم الباجي قائد السبسي الممثل الأهم للمنظومة القديمة، انتهاءً بالتمهيد لإجراءات 25 تموز/ يوليو 2021 ودعمها بصورة صريحة أو ضمنية إلى حدود كتابة هذا المقال.
إن موقف النخب "الديمقراطية" المعادي للإسلام السياسي -خاصة في نسخته الإخوانية التي قبلت بالعمل القانوني وبمنطق الشراكة مع العلمانيين- لا يمكن أن يفهم إلا في المستوى الماكرو-سياسي، أي في المستويين الإقليمي والدولي. فإذا كان من مصلحة "الديمقراطيين" -انطلاقا من فهمهم اللائكي التنويري المشوّه لعملية التحديث- إقصاء حركة النهضة باعتماد منطقي الاستئصال الصلب أو الناعم، فإن تلك المصلحة لا يمكن أن تتحقق إلا بالتعامد الوظيفي مع النواة الصلبة للمنظومة القديمة ومع محور الثورات المضادة والتطبيع. ورغم إصرار مكونات "العائلة الديمقراطية" على نفي هذه العلاقة "التخادمية" بحكم كلفة ذلك الاعتراف وقدرته المؤكدة على نسف شرعيتها "النضالية" من الأساس، فإننا لا نستطيع فهم مسارات الانتقال الديمقراطي في تونس ومآلاته دون استحضار تلك العلاقة التي تجعل من الحرب على "الإخوان" حربا على الديمقراطية في حدها الأدنى (أي حربا لفائدة الدولة العميقة ونواتها الصلبة التي قد تُهدّد مصالحها بصورة جدية في أي مشروع ديمقراطي حقيقي)، وكذلك حربا بالوكالة لفائدة محور التطبيع وللكيان (أي للقوى الصهيو-إمبريالية) في حدها الأقصى.
مهما اختلفت السرديات السلطوية في استهداف الحركات الإخوانية بعد الثورات العربية، فإنها لا يمكن أن تُفهم إذا حصرناها في سياقاتها المحلية، أي إذا لم نربطها باحتياجات المشروع الصهيوني ورهاناته الاستراتيجية. فرغم الانقلاب على حماس -الحركة الإخوانية- بعد الانتخابات التشريعية الفلسطينية يوم 25 كانون الثاني/ يناير 2006، ورغم تكفل سلطة التنسيق الأمني بتحقيق مصالح الكيان منذ ذلك الحين، فإن الثورات العربية قد جعلت الكيان ومن ورائه القوى الإمبريالية العالمية تتوجس خيفة من هيمنة الحركات الإخوانية باعتبارها حليفا استراتيجيا لحركة المقاومة الإسلامية "حماس". ففي الحد الأدنى لا يمكن لتلك الحركات "الإخوانية" (في مصر أو تونس أو المغرب أو ليبيا أو السودان.. الخ) أن تضادد الرأي العام المناصر للمقاومة،التنوير قد أصبح جزءا من آليات التزييف والدمغجة في مرحلة "ما بعد الحقيقة"، بل أصبح سوطا مسلّطا على كل تفكير حر يدعو إلى فتح نقاش عمومي حول مقدسات "النمط" المُعلمنة، وكذلك شأن الإرادة الشعبية، فهي مجرد شعار أجوف ولكنها تستطيع أن تسندها بصورة أكثر خطورة على الكيان سواء في المستوى الديبلوماسي أو الإعلامي أو حتى العسكري، كما فعلت مصر زمن حكم المرحوم محمد مرسي. ولذلك كان من مصلحة الكيان أن يضرب أي حصن متقدم للمقاومة، وهي مصلحة تلتقي مع مصالح دول التطبيع ومع مصالح النوى الصلبة لمنظومات الحكم في دول "الربيع العربي".
ولذلك لم يكن من الغريب أن تسعى بعض "القوى الديمقراطية" في تونس إلى تصنيف حماس والحركات الإخوانية "حركات إرهابية" قبل إجراءات 25 تموز/ يوليو 2021، وليس غريبا أيضا تحريضها إلى أيامنا هذه على حل حركة النهضة بقرار قضائي. وحتى لو افترضنا فشل تلك القوى في تمرير مشروعها كما فشلت من قبل، فإنها في أدنى الحالات تكون قد قدمت خدمة جليلة للكيان وللقوى الإمبريالية التي تسنده. فتصنيف حماس أو أي حركة إخوانية حركة إرهابية -أو حتى حلها لمخالفتها لقانون الأحزاب أو تهديدها للأمن القومي- كل ذلك يعطي مصداقية للسردية الصهيونية التي تروّج لاعتبار حركة المقاومة حركة إرهابية.
ولا شك عندنا في أن تفكيك السرديات "الديمقراطية" بعيدا عن ادعاءاتها الذاتية سيجعلنا أمام سرديات تشتغل واقعيا ضد كل شعاراتها الكبرى، بل ستجعلنا في محضر سرديات وظيفية في خدمة ما تعاديه خطابيا. فمعاداة منظومة الفساد والاستبداد لا محصول واقعيا لها إلا التذيّل الوظيفي لتلك المنظومة قبل الثورة وبعدها، أما معاداة الإمبريالية والصهيونية فلا محصول له إلا التحالف مع وكلائهما في محور الثورات المضادة والتطبيع، وكذلك الشأن في "التنوير" أو احترام "الإرادة العامة". فالتنوير قد أصبح جزءا من آليات التزييف والدمغجة في مرحلة "ما بعد الحقيقة"، بل أصبح سوطا مسلّطا على كل تفكير حر يدعو إلى فتح نقاش عمومي حول مقدسات "النمط" المُعلمنة، وكذلك شأن الإرادة الشعبية، فهي مجرد شعار أجوف لا قيمة له ما دام لا يرد إلى "الديمقراطي" صورته المتخلية وامتيازاته الرمزية والمادية المرتبطة نشأةً ووظيفةً بدولة الفساد والاستبداد، والمهدّدَة بالتالي وجوديا بأي مشروع ديمقراطي مواطني حقيقي.
x.com/adel_arabi21