أدى حجاج دولة قطر أمس مع جموع حجاج بيت الله الحرام، الركن الأعظم من مناسك الحج، بالوقوف على صعيد عرفات الطاهر، وشهدوا الوقفة الكبرى في مشهد إيماني مهيب، مفعم بالخشوع والسكينة.
وصلى حجاج دولة قطر مع ضيوف الرحمن صلاتي الظهر والعصر جمعا وقصرا (جمع تقديم) بأذان واحد وإقامتين، تأسيا بسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، واستمروا في عرفات حتى غروب الشمس، مجتهدين في الدعاء والذكر والتلبية في أعظم أيام الحج.


وبعد مغيب الشمس، بدأ الحجاج نفرتهم إلى مشعر مزدلفة، لاداء صلاتي المغرب والعشاء جمع تأخير، وقضاء ليلتهم هناك على هدي الحبيب المصطفى، قبل التوجه اليوم إلى مشعر منى لرمي جمرة العقبة الكبرى، والبدء بمناسك يوم النحر.
وكان عدد من الحجاج القطريين قد قضوا يوم التروية في مشعر منى اقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، في أجواء إيمانية هادئة وسط تسهيلات لوجستية وتنظيمية وفرتها السلطات المختصة بالمملكة العربية السعودية الشقيقة لتسهيل حركة تفويج جموع الحجيج.      
من جانبهم أثنى حجاجنا على جهود بعثة الحج القطرية والتجهيزات الراقية والمتميزة التي نفذتها البعثة في مخيمات حملات الحج في المشاعر المقدسة بمشعري منى وعرفة، مشيرين إلى أن عملية تفويجهم لبدء أول أعمال الحج في مشعر منى وأهم مناسك الحج وهو الوقوف على صعيد عرفات تمت بسهولة ويسر عبر خطة التفويج التي وضعتها بعثة الحج القطرية وأشرفت عليها بالتعاون والتنسيق مع جميع الحملات.
وتعمل بعثة الحج القطرية وفق منظومة متكاملة عبر جميع وحداتها المساندة الخدمية والفنية وبالتعاون والتنسيق مع جميع الحملات لتوفير كافة السبل وتهيئة جميع الظروف التي تمكنهم من أداء فريضة الحج بيسر وأمان. 
وقد أشاد عدد من الحجاج بما تبذله بعثة الحج القطرية من جهود وما تقدمه من تعاون وتنسيق مثمر مع جميع الحملات؛ لتوفير أفضل الخدمات لحجاج دولة قطر. 
وفي هذا الإطار قال الحاج صالح عبدالله السليطي أحد حجاج حملة الهدى، إن الحملة وبدعم من بعثة الحج القطرية كانت متواجدة معهم طوال الرحلة لدعمهم وتيسير أمورهم منذ القدوم وحتى تواجدهم في مشعر عرفة، وقال إنه حج قبل ذلك وتفاجأ بمستوى الخدمات الراقية والتطور الكبير الذي تشهده جميع الخدمات، والتي تعد خدمات خمس نجوم، وشكر الحملة على اهتمامها بكل حجاجها وتوفير جميع المرافق والخدمات التي تعين الحجاج على أداء مناسكهم، وقدم الشكر للقيادة الرشيدة على ما يبذلونه في سبيل راحة حجاج الدولة.

خدمات متميزة 
وفي سياق متصل أشاد الحاج عيسى جمعة العنزي من حملة القدس، بخدمات الحملة وفريقها الإداري، وثمن جهود بعثة الحج القطرية في تجهيز مخيمات منى وعرفة وما أحدثته من تطور كبير في تجهيزات مخيم عرفة من استراحات مكيفة وخدمات متميزة تساعد الجميع على التفرغ للعبادة والدعاء.
وقدم الحاج علي جابر المري أحد حجاج حملة الحمادي، الشكر لسعادة السيد غانم بن شاهين الغانم وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية ورئيس بعثة الحج القطرية، وقنصل دولة قطر في جدة سعادة راشد بن سعيد الخيارين، على الجهود المبذولة في إنجاح موسم الحج، والحرص على التميز والتطور والإجراءات المستحدثة في تفويج الحجاج إلى مقار سكنهم فور قدومهم وخلال تفويجهم إلى مشعري منى وعرفة.

تنسيق مع الحملات 
ونوه الحاج أحمد عبدالعزيز المالكي الجهني أحد حجاج حملة الفرقان، بان الأمور ميسرة وترتيبات الحملة وبعثة الحج القطرية لمخيمات حجاج الدولة في منى وعرفة فاقت التوقعات، سواء الخدمات اللوجستية أو التفويج والتي تجعل الحاج يؤدي مناسكه بيسر وسهولة، وأشاد باهتمام سعادة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية ورئيس بعثة الحج والذي أشرف على التجهيزات وجميع الخدمات التي تقدمها البعثة القطرية بالتعاون والتنسيق مع الحملات، وقال نطمح في تقديم المزيد من الترتيبات والخدمات في الأعوام القادمة.
وتابع الحاج محمد عيسى الكبيسي أحد حجاج حملة لوسيل، ان هناك فرقا كبيرا في تحسين الخدمات عن ذي قبل، سواء في التنظيم أو حركة التفويج التي أصبحت سهلة وميسرة، وفي هذا العام تطور مشهود، وأكد أنه تفاجأ بهذا التجهيز المتميز في مخيم عرفة سواء الخيام المكيفة بجودة عالية ودورات المياه وفق أعلى المستويات، والبوفيهات، والاستراحات وغيرها من الخدمات التي تدل على جهود البعثة الحثيثة في التطوير والتحديث بما يخدم حجاج الدولة.

تنسيق في المواصلات والإعاشة 
ومن جانبه أوضح الحاج صالح حمد الحويل المري من حملة الركن الخامس، أنه يشعر بالراحة والاطمئنان في أداء المناسك بما يراه من تنسيق عال سواء في المواصلات والإعاشة وجميع الخدمات، وذكر أن الحملة تتابع جميع الحجاج وتلبي لهم كافة أمورهم، مؤكداً أن جميع الحجاج يحظون بالعناية والرعاية الكاملة من الدولة، وهذا ليس بغريب على قطر وعلى قيادتها الرشيدة التي تهتم بالمواطن القطري أينما وجد.
وذكر الحاج أحمد عادل العبيدلي أحد حجاج حملة الأقصى، وهو أصغر حاج في الحملة، أنه سمع عن صعوبة الحج من قبل، ولكنه وجد تنظيماً فائقاً ومتابعة مستمرة من مسؤولي الحملة وبعثة الحج القطرية، ووفروا للحجاج الإعاشة والخيام المجهزة وجلسات راقية ومكيفة يجتمع فيها جميع الحجاج من دولة قطر، وتيسر لهم التفرغ للعبادة والدعاء.
وبين الحاج حمد أحمد محمد المفتاح من حملة الأقصى، أنه سمع عن الصعوبات في الحج، ولكن عندما حضر وشاهد هذه التجهيزات الجديدة قال إنها خدمات من الدرجة الأولى، وأشاد بهذا الجهد المبذول في تطوير مخيم عرفة هذا العام، وأن هذا الترتيب والتنظيم المتميز لم يأت من فراغ. 

خدمات عالية المستوى 
ولفت الحاج عبدالعزيز أحمد الأخن من حملة نسك، أنه يحج للمرة الأولى وسمع من الأهل وممن حجوا قبل ذلك، أن الحج فيه بعض المعاناة والصعوبات، ولكن بفضل الله منذ المغادرة من الدوحة وحتى الوصول إلى الأراضي المقدسة جميع الأمور ميسرة وهناك متابعة متواصلة من الحملة والبعثة القطرية، وقال إن هذا التطوير الكبير في مخيم عرفة مذهل ولم يتوقع أن يكون بهذا الارتقاء في كافة المرافق والخدمات.
وأثنى الحاج فالح صالح الهاجري من حملة زمزم، على مسؤولي بعثة الحج القطرية ومسؤولي الحملة لما بذلوه من جهود في هذه الترتيبات العالية الجودة، وذكر أن جميع الأمور ميسرة بفضل الله، وتجهيز المخيمات وفق أعلى المستويات.
وأردف الحاج عبدالله عبد الرحمن البكري أحد حجاج حملة القدس، أن هذه الحجة مختلفة تماماً في تجهيزاتها التي لم يتوقع أن تصل إليها بهذه الصورة، وتجهيز المخيمات في عرفة فوق الممتازة، والخدمة على مدار الساعة، ليتفرغ كل حاج إلى العبادة والطاعة.
وأضاف الحاج هلال حمد المهندي من حملة طيبة، أن الخدمات على أعلى مستوى وكذلك توفير الرعاية الصحية لجميع الحجاج، لافتاً أن وراء هذه الخدمات جهود جبارة قامت بها بعثة الحج القطرية منذ وقت طويل لتجهيز المخيمات في مشعري منى وعرفة بهذا الشكل الراقي، وأشاد بمتابعة الحملة والإداريين لجميع الحجاج.
الجدير بالذكر أن بعثة الحج القطرية، قامت بتطوير مخيم عرفة حسب أعلى المواصفات والمقاييس المعتمدة، ووفق التصميم والمخطط المعد لتجهيزات المخيمات بصورة راقية، ليصبح واحدًا من أميز المخيمات في مشعر عرفة من حيث التنظيم والتجهيزات المتكاملة.
حيث خضع مخيم مشعر عرفة لتحديث شامل في البنية التحتية وتطويره بالكامل، ليضم خياماً مخصصة للحملات بأحجام مختلفة، إضافة إلى تخصيص استراحات مفروشة ومكيفة، كما تم فرش أرضيات المخيم بالانترلوك عالي الجودة، وممرات مزودة بالمراوح ذات الرذاذ لتلطيف الأجواء، وتخصيص استراحات متنوعة لاستقبال جميع الحجاج للتفرغ للصلاة والدعاء، إلى جانب تهيئة استراحتين إحداهما للرجال والأخرى للنساء، وهي استراحات مكيفة تلبي راحة واحتياجات حجاج الدولة.
وحرصت البعثة على توفير الخيام العازلة للحرارة (PVC) وتركيب مكيفات عالية الكفاءة تناسب درجات الحرارة المرتفعة في عرفات، وتم اختبار جاهزيتها وقدرتها على تحمل الظروف الجوية الحارة خلال الأيام الماضية للتأكد من عملها بجودة عالية، بما يضمن برودة الأجواء داخل الخيام وسهولة أداء المناسك براحة وطمأنينة، وتم فرش الخيام بسجاد ذات جودة عالية، وتوفير مقعد لكل حاج متعدد الاستخدامات وفق أفضل الخامات، والتي يمكن للحاج أن يستخدمها كسرير أو كمقعد وفق حاجته، مع طاولة خاصة لكل حاج لاستخدامها في تناول الطعام والمشروبات أو القراءة أو حفظ أمتعته الشخصية، كما تحتوي كل خيمة على بوفيهين مفتوحين مزودين بالثلاجات والمشروبات الباردة والساخنة والأطعمة الخفيفة والحلوى والفواكه، ليخدم جميع الحجاج ويوفر لهم خيارات غذائية متنوعة تناسب أذواقهم، كما يتم تقديم وجبة الغداء ضمن البوفيهات المفتوحة لتخدم جميع الحجاج وتوفر لهم الأطعمة المتنوعة وتتيح لكل حاج أن يختار الطعام الذي يفضله.
وتتواجد الوحدة الشرعية ببعثة الحج القطرية بجميع أعضائها في مشعر عرفة فضلاً عن المرشدين الشرعيين الذين رشحتهم الوحدة بالتنسيق مع إدارة الدعوة والإرشاد الديني لمصاحبة الحملات القطرية، وهم من الدعاة القطريين المؤهلين للإرشاد والفتوى بمناسك الحج، ويقومون بأداء عملهم من وعظ وإرشاد وفتوى وتبيان أحكام الحج الصحيحة، فضلاً عن التوعية والإرشاد الديني وتقديم الدعم المعنوي والإيماني لحجاج دولة قطر.

المصدر: العرب القطرية

كلمات دلالية: أخبار مقالات الكتاب فيديوهات الأكثر مشاهدة حجاج الدولة جمیع الحجاج منى وعرفة مشعر عرفة فی مشعر من حملة

إقرأ أيضاً:

وائل أبو عرفة.. طبيب مقدسي قلبه معلق بغزة

زار الطبيب المقدسي وائل أبو عرفة قطاع غزة 9 مرات لإجراء عمليات جراحية معقدة ولمتابعة حالة المرضى هناك، وزار القطاع خلال طفولته عشرات المرات برفقة والده تاجر الخضروات الذي كان يشتري بضاعته من مدينة غزة بالتحديد، لكنه يشعر بالحزن لعدم تمكنه من تسخير إمكانياته لخدمة فلسطينيي القطاع خلال حرب الإبادة.

وشكلت هذه الزيارات جزءا من ذاكرة أبو عرفة القريبة والبعيدة، وفي حوار خاص أجرته معه الجزيرة نت عن تجربته المهنية في غزة قال إن الكادر الطبي هناك لا مثيل له في أي بقعة أخرى لتفانيه في خدمة المرضى، وقدراته العلمية والمهنية العالية، مضيفا أنه يشعر نفسه مكبلا بسبب عجزه عن الدخول إلى القطاع لمساعدة المرضى والجرحى هناك جراء الحرب المستمرة.

وتاليا نص الحوار..

بداية، من هو الطبيب وائل أبو عرفة؟

أنا ابن القدس وابن فلسطين، ولدت في البلدة القديمة يوم 8 سبتمبر/أيلول 1958، وترعرعت في حي القِرمي داخل البلدة.

أنهيت المرحلة الثانوية من مدرسة المعهد العربي في بلدة أبو ديس شرقي القدس عام 1977، ثم درست تخصص الطب العام في رومانيا وحصلت على درجة البكالوريوس عام 1984، ولاحقا تخصصت في الجراحة العامة، ثم في جراحة الكلى والمسالك البولية للأطفال والبالغين وجراحة الأورام، وأنهيت هذه التخصصات في كل من القدس ومدينتي لندن البريطانية ونيويورك الأميركية.

ومنذ عام 2000 وحتى اليوم أخدم في مستشفيي مار يوسف (الفرنسي) في القدس ونابلس التخصصي.

زاوية في مكتب الطبيب وائل أبو عرفة تضم بعضا من الشهادات العلمية والتكريمية التي حصل عليها (الجزيرة) لماذا اخترت تخصص جراحة المسالك البولية؟

كان هناك نقص كبير في هذا التخصص، وكان هدفي العمل مع مجموعة من الزملاء الأفاضل لترسيخ جراحة المسالك البولية في كل فلسطين.

ماذا عن هذا التخصص في بلادنا، هل يوجد عدد كافٍ من المختصين الآن، وهل الإمكانيات متاحة لإجراء العمليات كافة في هذا المجال؟ إعلان

يوجد عدد كاف من المختصين الآن، والإمكانيات في بعض الأماكن جيدة وفي أخرى متواضعة.

تُجرى عمليات كبيرة في كل من القدس والضفة الغربية وغزة، وفي المستشفى الفرنسي نقوم بإجراء العمليات الجراحية التي تُجرى في أكبر مستشفيات العالم للبالغين والأطفال، ونستقبل في هذه المستشفى حالات تحتاج إلى جراحات معقدة لا تتوفر الإمكانيات لإجرائها في المحافظات الفلسطينية الأخرى، لحاجتها إلى خبرة طويلة وإمكانيات معينة.

%60 من مرضى المستشفى هم من الضفة الغربية وقطاع غزة الذي انقطع وصول مرضاه منذ اندلاع الحرب الأخيرة، ونُجري للغزيين جراحات مختلفة، إما بسبب أورام الكلى والمسالك البولية أو التشوهات الخلقية أو العمليات اللازمة بعد الإصابات النارية والحروق الناجمة عن الحروب.

ونُجري عمليات جراحية في أقسام أخرى كالصدر والعنق والجراحات العامة، لكن 80% من المرضى المحولين من غزة يصلون إلى قسم جراحة الكلى والمسالك البولية.

كم غزيا تستقبلون في قسم جراحة المسالك البولية سنويا؟ وما أكثر الجراحات التي يخضعون لها؟

كنا نستقبل بين 100 إلى 150 مريضا من غزة سنويا، ونُجري لمعظمهم عمليات جراحية تتعلق بالأورام والتشوهات الخلقية للأطفال.

هناك الكثير من التشوهات الموجودة في كل العالم، لكن التشوهات الموجودة في غزة تعود إما لزواج الأقارب أو للحروب المتتالية، ونتيجة للأسلحة التي تستخدم ضد الناس أصبحنا نستقبل عددا هائلا من مرضى السرطان، خاصة الأطفال.

لم نكن نستقبل قبل الحروب أطفالا تتراوح أعمارهم بين 10 و12 عاما يعانون من سرطان الكلى أو المسالك البولية، لكننا الآن نستقبل هذه الحالات بسبب استخدام الفسفور الأبيض واليورانيوم المنضب.

أبو عرفة: هناك الكثير من التشوهات الخلقية في غزة بسبب الحروب واستخدام الفسفور الأبيض واليورانيوم المنضب (الجزيرة) كم مرة زرت غزة؟ وفي أي إطار؟

زرتها كثيرا كمواطن عادي وكطبيب، وبدأت مهماتي الطبية هناك عام 2011، وأول زيارتين كانتا من خلال جمعية "مساعدة أطفال فلسطين"، ثم من خلال منظمتي "أطباء من أجل حقوق الإنسان" و"أطباء بلا حدود".

كانت آخر زيارة لي إلى القطاع قبل اندلاع الحرب الحالية بشهرين، وكان من المفترض أن أعود إليه في مهمة طبية في ديسمبر/كانون الأول 2023، أي بعد اندلاع الحرب بشهرين، لكن الزيارة ألغيت بطبيعة الحال.

المرضى في غزة بحاجة إلى عمليات جراحية كثيرة، إما بسبب مضاعفات يعانون منها بعد عمليات جراحية أجريت لهم سابقا، أو نتيجة إصاباتهم خلال الحروب والاعتداءات، والأورام السرطانية التي نشخصها في كافة أنحاء المسالك البولية، وتضاف إليها عمليات نجريها بسبب تشوهات خلقية يولد بها الأطفال.

كنت أمكث بين 3 إلى 7 أيام في كل زيارة، وأجري في اليوم الواحد بين 15 إلى 20 عملية جراحية برفقة الطواقم هناك.

قبل أن نتحدث عن المجال الطبي والعمليات التي أجريتها هناك، كيف وجدت غزة بصفتك مقدسيا؟

أعرف غزة منذ زمن بعيد، وبالتحديد في مرحلة الطفولة كنت أذهب مع والدي تاجر الخضروات لجلب بضائع من هناك، واحتلت هذه البقعة الجغرافية موقعا خاصا في قلبي.

إعلان

ولطالما شكلت غزة سلة الغذاء لفلسطين بأكملها، ولطالما جادت أراضيها بأجود الخضروات والفواكه، لكن كثرة القصف في الحروب قضت على الأراضي الزراعية هناك وأصبحت غير صالحة للزراعة.

أذكر أننا كنا نصل إليها في تمام الثامنة صباحا، ونعود إلى القدس في تمام الواحدة ظهرا، غزة قبل الحروب وخلالها هي قلب فلسطين، وناسها قمة في الوطنية والاحترام والكرم ويستحقون كل خير.

ماذا يميز الغزي؟ هل لمست في الغزيين شيئا ما مختلفا عن الفلسطينيين في المحافظات الأخرى؟

يختلف الغزيون كثيرا عن الفلسطينيين في المحافظات الأخرى، من ناحية حبهم للعمل وللحياة والتكافل الاجتماعي والروابط الأسرية، وأكثر ما لفتني كرمهم، ففي غزة يشعر الإنسان أنه في منزله وأكثر، فكل من تصادفه في الطريق وتلقي عليه التحية يدعوك إلى تناول وجبة الغداء في منزله مباشرة، ولا يجاملون في ذلك وإن كانت منازلهم تخلو من الطعام لأطفالهم.

وبالتالي، تؤلمني المجاعة الحالية هناك، لأنني رأيت كرما لا مثيل له، ونشأت بيني وبين الأطباء والكادر الصحي وعامة الناس علاقات طيبة، وكثير من المرضى ما زالوا يتواصلون معي حتى الآن ويستشيرون ويستفسرون، لكنني بصفتي طبيبا عاجز ولا يمكنني تقديم العلاج والمساعدة للمرضى المحاصرين عبر الهاتف.

ومن خلال احتكاكي بالأطباء لمست قدرات مهنية وعلمية عالية رغم قلة الإمكانيات، ولاحظت عطاء لا متناهيا، فمعظمهم يعملون في المناوبة بين 24 إلى 48 ساعة دون توقف أو تذمر، ولا يأبهون إذا كانت رواتبهم متاحة في نهاية الشهر أم لا.

لدى الكوادر الطبية هناك انتماء غريب لوظيفتهم، وحب لمساعدة المرضى، وجَلَد وقدرة على الصمود والتحدي بلا حدود.

لماذا يستعين القطاع بأطباء من الخارج؟ هل يرجع ذلك إلى الحصار وعدم قدرة الأطباء على السفر وتطوير قدراتهم؟

بالفعل، يعود ذلك إلى الحصار وعدم قدرة الكثير من الأطباء على الخروج من القطاع أو العودة إليه بعد إنهاء تعليمهم وتخصصاتهم وخبراتهم.

عدم قدرة الأطباء على إجراء بعض العمليات بسبب قلة الإمكانيات وصعوبة إدخال المواد والأجهزة الطبية سبب إضافي يدفعنا للتوجه إلى القطاع، وحين نذهب نجلب معنا كل ما يلزم لإجراء الجراحات المختلفة، ويضاف إلى ذلك عدد المرضى الكبير ممن يحتاجون للمساعدة والعلاج.

عملت في معظم المستشفيات، وأبرزها مجمع الشفاء الطبي والأوروبي وشهداء الأقصى.

جانب من مرافق مستشفى الشفاء بغزة بعد أن دمره جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال الحرب الجارية على غزة (الجزيرة) معظم مستشفيات غزة خرجت من الخدمة، بصفتك طبيبا كيف تنظر إلى ذلك في ظل تفشي الأوبئة والأمراض السارية؟

(مُقاطعا) بل جميعها خرجت من الخدمة، وأشعر إزاء ذلك وكأنني فقدت شيئا من أملاكي، والخسائر في المجال الطبي كبيرة، فهناك الكثير ممن عملت معهم من الأطباء من استشهد أو أصيب أو فقد عائلته أو غادر غزة في بداية الحرب.

عملت مع عدد كبير من الأطباء، وعلاقتي بهم جيدة، ورحبوا بنا كثيرا خلال زياراتنا المتكررة، ومنهم مدير مستشفى الإندونيسي مروان السلطان الذي استشهد وعائلته، والطبيب المعتقل منذ أشهر حسام أبو صفية، وعدنان البرش الذي استشهد في السجن، بالإضافة إلى مدير مجمع الشفاء الطبي محمد أبو سلمية.

كل طبيب استشهد أو اعتقل أو غادر قطاع غزة هو خسارة كبيرة للمجتمع الغزي والطبي والأهلي الفلسطيني.

ماذا يعني ألا يتوفر محلول من أجل الجفاف للأطفال الآن ولا في أي مؤسسة طبية؟ وماذا يعني إخراج العيادات الطبية وسيارات الإسعاف وكل ما يتعلق بالمجال الإغاثي من الخدمة إلى جانب المستشفيات؟ أليس هذا حكم بالإعدام وحرب إبادة؟

منذ نحو عامين لم يصل أي مريض غزي إلى القدس، ما خطورة تأجيل العمليات المتعلقة بالكلى والمسالك البولية؟ وما المضاعفات التي يواجهها المريض؟ إعلان

عدم تلقي العلاج اللازم في الوقت المناسب هو حكم بالإعدام على هؤلاء المرضى، ويؤسفني أنهم باتوا يبحثون الآن عن الخبز والماء لا عن العلاج.

تذبذب غسيل الكلى لمرضى الفشل الكلوي وتوقفه أحيانا خلال الحرب، ما خطورة ذلك من ناحية طبية؟

ماكينات غسيل الكلى متوقفة منذ بداية الحرب تقريبا، وما تبقى منها في مركز طبي أو اثنين يحتاج إلى مواد وإمكانيات من أجل تشغيلها، وتوقف هذا العلاج شبه اليومي يعني صدور حكم بالإعدام على مريض الفشل الكلوي.

ومع توقف غسيل الكلى يتسمم كامل الجسم بسبب السوائل والسموم التي لا تُصرّف خارجه، ويرتفع البوتاسيوم أحيانا مما يؤدي إلى اضطراب نبضات القلب، وبالتالي توقف عضلة القلب، والكثيرون ماتوا بسبب عدم توفر هذا العلاج المنقذ للحياة.

في حال توقفت الحرب ولو لفترة وجيزة هل ترغب في العودة إلى القطاع، أم أن ذلك سيكون مستحيلا في ظل انعدام الإمكانيات؟

إذا توقفت الحرب اليوم فسأعود إلى غزة غدا، حاولت خلال الحرب الدخول إلى هناك لكن ذلك كان مستحيلا.

دخل العديد من أصدقائي من الأطباء الكويتيين والفلسطينيين المقيمين في أوروبا خلال الحرب، وأنا على تواصل دائم معهم.

صورة لميناء غزة قبل تدميره في الحرب على غزة حيث كان وجهة للغزيين والمصطافين (الجزيرة) ما أكثر ما اشتقت له في غزة؟

اشتقت لغزة وناسها، ومَن التقيت منهم خلال زياراتي المتكررة لها، واشتقت لفندق المتحف الذي كنت أقيم به خلال زياراتي، وبجواره كان يقع فندق المشتل وتضرر كلاهما، ويقع مقابل الفندقين مسجد الخالدي الذي قصف ودمّر، وجميع هذه المباني تقع على شاطئ البحر وبالقرب من مخيم الشاطئ.

ما أمنيتك؟

أن تنتهي هذه الحرب، وأن أعود إلى غزة بأسرع وقت، لست وحدي من أريد العودة للخدمة هناك، بل الكثير من الأطباء يريدون ذلك.

مقالات مشابهة

  • مديرية الحج والعمرة تعلن آلية استرداد أموال الحجاج السوريين غير المسافرين
  • منة عرفة تشارك جمهورها استمتاعها بالعطلة في المالديف
  • من أمام كنيسة مارمرقس.. مشهد مهيب في وداع لطفي لبيب
  • مشهد نادر يجمع الملك خالد والرئيس السادات أثناء أداء العرضة .. فيديو
  • نائب أمير مكة يستقبل رعاة حملة توعية ضيوف الرحمن
  • اللواء الركن متقاعد سعيد السالمي يتفقد برنامج الانضباط العسكري
  • Galaxy S26 Ultra تصميم مألوف بقدرات متطورة وشحن أسرع
  • مُسن أردني مفقود منذ 21 يومًا
  • كاريكاتير أسامة حجاج
  • وائل أبو عرفة.. طبيب مقدسي قلبه معلق بغزة