وكما مرت قبلها إحدى وعشرون ليلة من حرب الإبادة المتواصلة، مرت ليلة البارحة وأصبحنا في تاريخ جديد، تاريخ لن نعثر على عنوانه بعد حتى تنتهي هذه الحرب المفتوحة لشراهة المخيلة.
الصورة المكثفة على غزة تزداد كثافة كل ساعة إلى حد العتمة، فبعد ثلاثة أسابيع من انقطاع الماء والكهرباء والدواء والغذاء، دخلت الحرب منذ ليلة الجمعة الأخيرة مرحلة جديدة بعد أن قطع الاحتلال الإنترنت والاتصالات عن القطاع ليستفرد بالمدنيين العُزَّل في عز الظلام الذي لا يضيئه سوى جحيم الغارات، وفي وحشة الصمت الذي لا تمزقه سوى أصوات الانفجارات.
رعدٌ وبرق على غزة يذكرنا بليلة سقوط بغداد في قبضة المغول الجدد أوائل شهر أبريل عام 2003. والبارحة، ضاعف الاحتلال الحصار على القطاع المعزول واقعيا بعزله افتراضيا بعد قطع الاتصالات عنه. أطفئت عيون الكاميرات وغادر عدد من الشبكات الإعلامية مواقعه خشية من الاستهداف العشوائي أو المتعمد. ولم تبقَ سوى كاميرا وائل الدحدوح وحدها تحرس مربعا صغيرا من القطاع، تنيرُ مشهدا حالكا لا نرى منه شيئا إلا حين يهبط عليه جحيم الطيران أو المدفعية فيتحول إلى ظهيرة برتقالية قبل أن ينطفئ خلال ثوان.
إنها سياسة التعتيم الإعلامي المضاعف التي يحرص عليها جيش الاحتلال قبل وأثناء وبعد كل مرة يقدم فيها على ارتكاب عملية عسكرية من هذا النوع. وهذا ما يُفسر قتله حتى اللحظة لـ29 صحفيًا خلال تأدية عملهم في مختلف مناطق القطاع المنكوب منذ بداية الحرب، وذلك حسب ما أعلنته لجنة حماية الصحفيين CPJ، أي بمعدل أكثر من صحفي في اليوم الواحد. مبلغًا في الوقت نفسه، بكل صفاقة وبرود دم، وكمن يتبرأ من الجريمة استباقيًا، وكالتي رويترز وفرانس برس بأن قواته لا تستطيع ضمان سلامة الصحفيين التابعين لهما. هذا فضلًا عن استهدافه غير المباشر للطواقم الصحفية، سواء بالتهديد المبطن أو الابتزاز أو باستهداف عائلاتهم و«الانتقام منهم في الأولاد» كما حدث مع مراسل قناة الجزيرة الشجاع وائل الدحدوح الذي لم تكسره المجزرة العائلية التي راح ضحيتها عدد من أفراد عائلته، من بينهم زوجته وابنه وابنته وحفيده، فعاد ليطل علينا من شاشة الجزيرة بعد أقل من 24 ساعة على الكارثة، فأي جلد هذا، وأي برج من أبراج غزة الصامدة هو وائل الدحدوح!
يرافق كل هذا التعتيم الممنهج غطاء إعلامي غربي أصبح تبنيه للرواية الصهيونية، بشكل ساذج وببغائي متعمد، فضيحة علنية تُبطل معنى كل تلك الإنجازات المتراكمة التي حققتها مؤسسة الإعلام الغربية فيما يتعلق بالمهنية والموضوعية والاستقلالية. بل أعادت في كثير من الأحيان، منذ اندلاع هذه الحرب، إنتاج تلك اللغة العنصرية المزدوجة في التعاطي مع مآسي الشعوب الأخرى الخارجة عن دائرة الرجل الأبيض، فبعثت من جديد حقبة سابقة من النظرة النمطية الاستشراقية التي ظن البعض أنه تم تجاوزها، إلا أن الدعاية الغربية المحابية لإسرائيل توحي بأن الإعلام العالمي قد عاد إلى أجواء الصحافة والتلفزة التي سادت بعد هجمات 11 سبتمبر. ولا بدَّ من استدعاء إدوارد سعيد كثيرًا في هذه الأيام، فنحن بأمس الحاجة إليه اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى.
ليلة النار، جمعة السابع والعشرين من أكتوبر- الكارثة التي لم يوقفها مجلس الأمن لن توقفها الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي صادف اجتماعها ذات الليلة الجحيمية، حيث قدمت 120 دولة خطابات تتوسل إسرائيل تأجيل قتل من تبقى من المدنيين إلى جولة أخرى ووقفَ إطلاق النار، لكن إسرائيل كعادتها لا ترعوي ولا تعبأ بالتوسلات، ماضية في البطش الهائج والمجنون لعلها تداوي نرجسية القوة التي جرحها الفلسطينيون يوم السابع من أكتوبر، حين باغتوا القوة بالحيلة ودقوا جدار الخزان وأعادوا اهتمام العالم، كل العالم، إلى قضيتهم فاحتلوا من جديد مكانتهم كشهداء أو أبطال في الخبر العاجل.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
نتنياهو لن يوقف الحرب في غزة إلا برحيل حماس.. والمعارضة تهاجمه وتتهمه بالكذب
أعلن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن أي وقف لإطلاق النار في قطاع غزة سيكون "مؤقتًا"، مشددًا على أن العملية العسكرية لن تتوقف حتى تحقق "إسرائيل" سيطرة أمنية كاملة على القطاع، والقضاء الكامل على حركة حماس.
وقال نتنياهو "إذا وجدت إمكانية لوقف إطلاق نار مؤقت مقابل استعادة الأسرى، سنوافق، لكن عند انتهاء عملية عربات جدعون، ستكون مناطق قطاع غزة تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية، وسيتم القضاء على حماس تمامًا".
هجوم على إدارة بايدن
وحمّل نتنياهو الرئيس السابق جو بايدن مسؤولية إعاقة ما وصفه بـ"تحقيق النصر المطلق في غزة"، قائلاً:"نحمل إدارة بايدن مسؤولية عدم قدرتنا على تحقيق النصر الكامل جراء حظر تصدير الأسلحة إلى إسرائيل".
يأتي هذا التصريح بعد تقارير متواترة عن تأخير واشنطن تسليم شحنات ذخيرة وقنابل موجهة لتل أبيب، في إطار ضغوط لمنع اجتياح مدينة رفح جنوب القطاع، وهو ما أكده مسؤولون أمريكيون في تصريحات نقلتها صحيفة واشنطن بوست الأسبوع الماضي
وزعم نتنياهو نجاحات عملياتية ميدانية، مؤكدًا:"على ما يبدو، لقد قمنا بتصفية محمد السنوار" شقيق رئيس حركة حماس الشهيد يحيى السنوار.
وأضاف نتنياهو في تصريحاته أن "إسرائيل" أعادت 177 أسيرًا، بينهم 148 أحياء، بينما يُعتقد أن 20 رهينة لا يزالون على قيد الحياة. وقال: "نحن مستعدون لوقف مؤقت إذا كان الثمن هو استعادة الأسرى، ولكن نهاية الحرب ستكون فقط عندما تُسلّم حماس سلاحها، ويُنفى قادتها، وتُعاد جميع الأسرى".
وفي ختام حديثه، أكد أن "خطة ترامب للسلام" يمكن تنفيذها فقط بعد القضاء على حماس – في إشارة إلى مباردة ترامب لتهجير الفلسطينيين وكذلك "صفقة القرن" التي أطلقها الرئيس الأمريكي عام 2020، وتواجه رفضًا فلسطينيًا واسعًا
هجوم المعارضة على نتنياهو
من جانب أخر هاجم زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد تصريحات نتنياهو، واصفًا إياها بـ"الكاذبة"، وقال: "نتنياهو كذب الليلة عندما قال إن لديه تنسيقًا كاملاً مع الإدارة الأمريكية. في الحقيقة، هو فقد حتى تعاطف ترامب".
بدوه، قال زعيم حزب الديمقراطيين في دولة الاحتلال يائير غولان: "رأيت عرضا لرجل كاذب ومضغوط ومهووس.. لدي وعدان لنتنياهو: سأقاضيك بتهمة التشهير بسبب الأكاذيب التي تنشرها عني وسنهزمك في الانتخابات قريبا جدا".
من جهتها، هاجمت هيئة عائلات الأسرى الإسرائيليين، نتنياهو، وقالت إنه "لا يملك خطة حقيقية وهذه الحكومة تجر إسرائيل إلى عملية إخفاق القرن وتزرع أوهام النصر".
تأتي هذه التصريحات في ظل تصاعد العمليات الإسرائيلية في رفح، ووسط ضغوط دولية متزايدة لوقف الحرب التي أوقعت أكثر من 50 ألف شهيد في القطاع، وفق وزارة الصحة في غزة، كما يواصل الاحتلال منع دخول المساعدات الإنسانية في وقت يترقب فيه أهالي القطاع بدء دخول قوافل المساعدات بعد إعلان الإمارات اتفاقها مع الاحتلال الإسرائيلي على السماح بتسليم مساعدات إنسانية عاجلة سترسلها إلى القطاع.