الخرطوم- توعّدت الإدارة الأميركية بفرض عقوبات على السودان، بعدما اتهمت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية تامي بروس، في بيان، الجيش السوداني باستخدام أسلحة كيميائية العام الماضي خلال صراعه مع قوات الدعم السريع.

وأوضحت بروس أن العقوبات ستدخل حيز التنفيذ في موعد قريب من السادس من يونيو/حزيران المقبل، بعد إخطار الكونغرس، وستتضمن قيودا على الصادرات الأميركية وخطوط الائتمان الحكومية الأميركية.

من جانبها، رفضت الحكومة السودانية بشدة الاتهامات الأميركية. وقال وزير الثقافة والإعلام خالد الإعسر إن ما صدر عن واشنطن من اتهامات وقرارات "تتسم بالابتزاز السياسي وتزييف الحقائق"، كما وصف الادعاءات الأميركية بـ "الكاذبة" معتبرا أنها استهدفت الجيش السوداني مجددا بعد إنجازات ميدانية غيرت واقع المعركة، وبعد تعيين رئيس للوزراء".

كما رجّح مراقبون ومحللون أن تكون دوافع العقوبات سياسية، لتزامنها مع تقدم الجيش عسكريا وفرضه واقعا جديدا على الأرض، وأن الإدارة الأميركية استعجلت بفرض العقوبات قبل التحقق من صحة الاتهام.

أهداف سياسية

وتعليقا على الموقف الأميركي الجديد، يرى الكاتب والمحلل السياسي ضياء الدين بلال أن اتهام الجيش باستخدام أسلحة كيميائية "فِرية جديدة ذات دوافع سياسية، تستهدف تقويض الانتصارات التي حققتها القوات المسلحة مؤخرا على مليشيا الدعم السريع".

إعلان

وتساءل بلال عبر صفحته بموقع فيسبوك قائلا "كيف لجيش يعاني منذ أكثر من عام من نقص الذخيرة والمعدات، وتُحتجز سفنه في الموانئ، أن يمتلك أسلحة كيميائية باهظة الثمن؟"، معتبرا أن الهدف من هذه الاتهامات هو "منح غطاء زائف للمليشيا وداعميها، بعد خسائرهم السياسية والعسكرية والدبلوماسية".

ويعتقد الكاتب أن هذه الاتهامات تعيد إنتاج سيناريوهات معروفة، بهدف التأثير على مسار الأحداث في السودان، مذكرا بأن واشنطن قصفت مصنع الشفاء للأدوية في الخرطوم في أغسطس/آب 1998 ودمرته بحجة إنتاج أسلحة كيميائية، قبل اعتراف مسؤولين أميركيين في وقت لاحق أن الأدلة التي دفعت الرئيس بيل كلينتون لأن يأمر بقصف المصنع "لم تكن موثوقة".

أما الخبير العسكري علي سالم، فيقول للجزيرة نت إن الإدارة الأميركية لم تقدم دليلا أو بيّنات كافية على اتهام الجيش باستخدام أسلحة كيميائية ضد قوات الدعم السريع التي لم تزعم ذلك، ولم تحدد واشنطن موقع استخدامها أو تاريخه، أو تحدد عدد ضحايا الواقعة إن تم حدوثها.

ووفقا للخبير للعسكري، فإن إثبات استخدام الأسلحة الكيميائية يتم إما بوجود أجهزة ومعدات تم استخدامها، أو بإخضاع الضحايا لفحوصات طبية، أو بأخذ عينات من التربة لفحصها، أو التحقيق من قبل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وكل ذلك لم يحدث.

ويضيف المتحدث أن من مفارقات الموقف الأميركي أن السودان تم انتخابه في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 لعضوية المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية للفترة من 2025 إلى 2027، وذلك خلال أعمال الدورة 29 لمؤتمر الدول الأعضاء في المنظمة، الذي عقد في مقرها بلاهاي.

محللون يربطون بين فرض العقوبات الأميركية وامتناع عبد الفتاح البرهان عن حضور مفاوضات جنيف 2024 (الجزيرة) ضغوط على البرهان

ويعتقد مراقبون ومحللون أن الإدارة الأميركية لم تكن ترغب في إقرار وقف الحرب خلال محادثات السلام بين الجيش والدعم السريع في منبر جدة الذي رعته مع السعودية، وإنما كانت تسعى لإدارة الأزمة واستمرار القتال لإضعاف الطرفين، وفرض تسوية لا تكون فيها يد الجيش هي العليا، حتى لا تستثمر سياسيا من قبل التيار الإسلامي الذي يقاتل شبابه مع الجيش، وتقصي قوى مدنية معارضة.

إعلان

ويرى المحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة التيار عثمان ميرغني، أن القرار الأميركي محاولة للضغط على الحكومة حتى تتجه للمفاوضات والتسوية السلمية.

وحسب حديث المحلل للجزيرة نت، فإن القرار سببه عزوف الحكومة -وخاصة رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان– عن المشاركة في مفاوضات سويسرا بأغسطس/آب 2024.

وبرأيه فإن القرار سيصيب الاقتصاد السوداني في مقتل، وسيؤدي إلى تجميد تواصل المصارف السودانية مع البنوك العالمية، وسينسحب ذلك سلبا حتى على القطاع الخاص.

خنق الاقتصاد

كما يرى خبراء أن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الإدارة الأميركية على السودان منذ 1997 وتم رفعها بعد أكثر من 20 عاما في مارس/آذار 2020، لا تزال مستمرة، حيث لا تزال المصارف العالمية لا تتعامل مع السودانية، إلى جانب عدم وفاء الأخيرة بتحقيق متطلبات وضوابط مرتبطة بمكافحة غسل الأموال وتمويل "الإرهاب".

ويقول الخبير الاقتصادي هيثم فتحي للجزيرة نت إن "العقوبات صارت عبئا أخلاقيا وإنسانيا وليس أداة ضغط سياسي، وهي لا تسقط الأنظمة ولكنها تسقط الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي السوداني".

ووفقا للخبير فإن العقوبات الأميركية السابقة التي لم ترفع بشكل عملي، تسببت في تعطيل بعض القطاعات الاقتصادية الصناعية والخدمية، والتجارة الخارجية، والتحويلات المصرفية العالمية والإقليمية مع السودان.

ويوضح أنه لا يوجد تعاون اقتصادي أو تبادل تجاري بين السودان والولايات المتحدة، سوى صادر الصمغ العربي من السودان، وبما لا يتجاوز 100 مليون دولار سنويا في أفضل حالاته.

ويذكر أن واشنطن كانت قد فرضت في يناير/كانون الثاني الماضي عقوبات على البرهان، واتهمته بالتمسك بإنهاء الصراع عن طريق الحرب وليس عبر المفاوضات.

كما خلصت الولايات المتحدة إلى أن أعضاء من قوات الدعم السريع و"المليشيات" المتحالفة معها ارتكبوا إبادة جماعية في دارفور، حيث فرضت عقوبات على بعض قياداتها، بما في ذلك قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي).

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الإدارة الأمیرکیة أسلحة کیمیائیة الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

أعلن انتهاء المعركة ضد الجيش.. هل يتجه الدعم السريع لتأسيس دولة جديدة؟

الخرطوم- فاجأ رئيس المجلس الاستشاري لقوات الدعم السريع، حذيفة أبو نوبة، الأوساط السودانية، بإعلانه انتهاء المعركة العسكرية بشكلها التقليدي ضد الجيش السوداني والانتقال إلى مرحلة جديدة تهدف إلى تأسيس "الدولة السودانية الجديدة".

وأكد قادة عسكريون تحدثوا للجزيرة نت، أن إعلان أبو نوبة نهاية الحرب في يوم اكتمال سيطرة الجيش السوداني على كامل ولاية الخرطوم، أمس الأربعاء، يهدف لتشتيت الانتباه وصرف النظر عن هزائم "المليشيا" المتلاحقة.

لكن عمران عبد الله، مستشار قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" قال للجزيرة نت، إن القصد من حديث أبو نوبة هو أن الحرب انتهت بانتصار قوات الدعم السريع وتقدمها بكل الميادين.

لا تراجع

وقال عمران إن "مضمون حديث أبو نوبة يظهر أن معركتنا الآن هي معركة وعي وبناء دولة حديثة على غرار الدول المتقدمة، مبنية على المساواة ويكون التفاضل فيها للوظائف بناء على الكفاءة وليس بالجنس أو اللون كما كان يحدث في السابق".

وأشار إلى ما وصفه بالتفاف عدد كبير من الشعب السوداني حول قوات الدعم السريع، وقال إن تحالف قوى سياسية وعسكرية على رأسها الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو وكل الحركات النضالية الأخرى معهم، يُعد انتصارا لإرادة الشعب، وتحقق حلمه في بناء دولة مدنية ديمقراطية تسع الجميع.

إعلان

وأكد عمران أن إعلان أبو نوبة انتهاء المعركة العسكرية بشكلها التقليدي ضد الجيش والانتقال إلى مرحلة جديدة لا يعني -مطلقا- أن هناك تقهقرا لقوات الدعم السريع.

وأثار إعلان أبو نوبة ردود فعل وقراءات متباينة لدلالتها في هذا التوقيت، حيث اعتبرها البعض مؤشرا على أبعاد سياسية وعسكرية خطيرة.

إعلان الدعم السريع انتهاء المعركة يأتي لتشتيت الانتباه عن انتصارات الجيش السوداني وفق مسؤولين (الصحافة السودانية) مخاطر الإعلان

وقال الخبير العسكري والإستراتيجي العميد جمال الشهيد للجزيرة نت، إن الحديث عن انتهاء المعركة التقليدية يوحي ضمنيا بأن قوات الدعم السريع وصلت إلى قناعة بأنها لم تعد تراهن على الحسم العسكري المباشر.

ولم يستبعد أن يكون هذا مؤشرا على تغيير في الإستراتيجية نحو حرب استنزاف طويلة الأمد، تعتمد على السيطرة الإدارية، والتشبيك السياسي، وزعزعة استقرار العمق العسكري للجيش عبر ضربات غير تقليدية، مثلما حدث في بورتسودان ومروي وعطبرة وكوستي.

وأفاد أن هذا التحوّل يأتي في ظل ضغط عسكري متزايد يتعرض له الدعم السريع بمناطق متعددة، منها دارفور وشمال كردفان، مع تنامي قدرة الجيش على استعادة زمام المبادرة في بعض المحاور الحيوية.

وأوضح العميد الشهيد أن الأخطر في تصريح أبو نوبة، أنه يُمثِّل تحولا من خطاب "المظلومية وإعادة الديمقراطية" إلى إعلان مشروع سياسي بديل، يتجاوز فكرة الشراكة في الحكم إلى تصور أحادي للدولة الجديدة المزعومة، مما يعني فعليا محاولة إحداث سلطة موازية خارج إطار الدولة السودانية الموحدة.

وأضاف أن هذا يحمل في طياته مخاطر انزلاق البلاد إلى سيناريوهات شبيهة بما جرى في ليبيا أو اليمن، حيث استبدلت المليشيات أدوات القتال بخطابات الشرعية الموازية، وسعت إلى فرض أمر واقع إداري وسياسي على الأرض.

الصادق آدم القيادي بالمقاومة الشعبية قلل من أي تأثيرات سياسية للدعم السريع (الجزيرة) نتاج الهزيمة

ومن جهته، قال الصادق آدم عمر، رئيس لجنة إعلام المقاومة الشعبية بالإنابة في ولاية الجزيرة وسط السودان، إن تصريح أبو نوبة يسعى إلى "تغيير الانتباه وصرف النظر عن الهزائم المتلاحقة للمليشيا المتمردة".

إعلان

وأضاف للجزيرة نت أن الھزائم باتت في أرض حواضنهم وأھليھم، الذين كانوا يكذبون عليھم بإعلان خادع يصورون أنھم يمسكون بزمام الأمور، ولكن تكشَّف الأمر لداعميهم بعد أن انتقلت المعارك إلى داخل أحيائهم وقراھم، فعملوا على تضليل أبنائهم الذين غدروا بالوطن.

وقلل آدم عمر، من أي تأثيرات سياسية للدعم السريع، وقال إنه لا وجود لھم في الساحة، ولا يمكن أن يعيشوا بين المواطنين بمجرد السكن، فكيف بمشاركتھم في حكم البلاد في أي مستوى من المستويات.

وأوضح أن القرار في هذا الشأن للشعب وليس القيادة، لأن الحرب هي بين "المليشيا" والمواطن، وأضاف "لذلك فالمواطن ھو صاحب القرار في دخول المليشيا في العمل السياسي".

فرض واقع جديد

وجاء حديث المسؤول في الدعم السريع أبو نوبة، في وقت تشهد فيه الحرب تحولات ميدانية غير معلنة، وتصاعدا في المبادرات الدولية والإقليمية لإعادة إحياء مسار التسوية، مع تغيير ملحوظ في موازين القوى التي يرى مراقبون أنها أصبحت تميل بوضوح لصالح الجيش السوداني.

وقال العميد جمال الشهيد إن حديث أبو نوبة عن انتهاء المعركة العسكرية جاء كمحاولة استباقية لفرض واقع تفاوضي جديد، أو كإعلان نوايا انفصالية مقنَّعة تهدف إلى جرِّ الأطراف إلى التعاطي مع الدعم السريع كسلطة قائمة، لا كمليشيا متمردة.

ورأى أن تصريح أبو نوبة يمثل تطورا لافتا في الخطاب السياسي لهذه القوة، ويفتح الباب أمام احتمالات مقلقة تتعلق بوحدة الدولة السودانية واستقرارها الإقليمي، وهو بمثابة إعلان انتقال المعركة من ميادين القتال إلى ميدان الصراع على الشرعية.

وأوضح أن هذا التطوَّر يتطلب يقظة وطنية شاملة، وتوافقا واضحا بين المؤسسة العسكرية والقوى المدنية على مشروع وطني جامع يقطع الطريق أمام المغامرات الانفصالية والتدخلات الأجنبية.

مقالات مشابهة

  • الإمارات: العقوبات الأميركية على الجيش السوداني تضع النقاط على الحروف
  • السودان ترد على المزاعم الأمريكية حول استخدام الجيش السوداني أسلحة كيميائية
  • الحكومة السودانية تنفي استخدام أسلحة كيميائية بعد اتهامات أميركية
  • الجيش السوداني في قفص الاتهام.. واشنطن تعاقب الخرطوم بعد تقارير عن استخدام أسلحة كيميائية
  • واشنطن: سنفرض عقوبات على السودان بسبب استخدام "أسلحة كيميائية"
  • عقوبات أمريكية على حكومة السودان بدعوى استخدام أسلحة كيميائية
  • الولايات المتحدة تعلن عقوبات على السودان لاستخدامه أسلحة كيماوية في الحرب الحالية
  • أعلن انتهاء المعركة ضد الجيش.. هل يتجه الدعم السريع لتأسيس دولة جديدة؟
  • لينا يعقوب: الجيش هزم وأبعد الدعم السريع عن العاصمة