ماذا حققت جولة مفاوضات واشنطن وطهران الخامسة؟ وما علاقة إسرائيل؟
تاريخ النشر: 24th, May 2025 GMT
اتفق محللان سياسيان على أن جولة المفاوضات الخامسة بين واشنطن وطهران أظهرت مؤشرات على تقدم جزئي، لكنها لا تزال تصطدم بعقبة مركزية تتعلق بحق إيران في تخصيب اليورانيوم، وسط ضغط إسرائيلي متصاعد يسعى إلى فرض معادلة "صفر تخصيب"، وهو ما يهدد بنسف أي توافق محتمل.
ووسط أجواء مشحونة بالتصعيد والتوجس اختُتمت في العاصمة الإيطالية روما الجولة الخامسة من المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران بشأن البرنامج النووي الإيراني، والتي وصفها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بأنها "الأكثر مهنية" حتى الآن، مشيرا إلى أنها قد تفتح الباب أمام تقدم مرتقب.
وعُقدت هذه الجولة الجديدة من المحادثات في مقر سفارة سلطنة عمان في روما بحضور المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف ووزير الخارجية الإيراني، وتزامنت مع لقاء جمع ويتكوف بمسؤولين إسرائيليين قبل انطلاق المحادثات، مما أعاد إلى الواجهة تساؤلات بشأن الدور الإسرائيلي وتأثيره المحتمل على مسار هذه التفاهمات النووية.
وأشارت روكسان فارمان فارمايان أستاذة العلاقات الدولية في جامعة كامبردج إلى أن وصف الجولة بالمهنية يعكس جدية الطرفين، لكنها أوضحت أن الولايات المتحدة طرحت للمرة الأولى موقفا صارما يتمثل في المطالبة بتوقف إيران الكامل عن تخصيب اليورانيوم، وهو ما تعتبره طهران خطا أحمر لا يمكن التنازل عنه.
إعلانوترى فارمايان أن الموقف الأميركي الجديد لا يتيح هامشا كبيرا للحلول الوسط، مشيرة إلى أن إيران أعلنت صراحة أن لا اتفاق ممكنا من دون الإقرار بحقها في التخصيب، مما يعني أن التناقض في المواقف لا يزال قائما في جوهر الملف.
تجنب المواجهة
بدوره، اعتبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الدكتور خليل العناني أن المفاوضات تعكس رغبة الطرفين في تجنب المواجهة، مشيرا إلى أن لدى كل طرف خطوطا حمراء لا يرغب في تجاوزها، أبرزها مستوى التخصيب ونطاقه.
ويضيف العناني أن الموقف الأميركي يعاني انقساما داخليا، فهناك تيار متشدد يطالب بتفكيك البرنامج الإيراني بالكامل، في حين تقبل أطراف أخرى بالتخصيب المحدود ضمن المعايير السلمية التي حددها اتفاق 2015، مع فرض رقابة صارمة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وأشار إلى أن الإيرانيين يطالبون في المقابل بضمانات قانونية ملزمة تمنع انسحاب واشنطن من أي اتفاق كما حدث عام 2018، مؤكدا أن مسألة الثقة بين الطرفين لا تزال أبرز العقبات في طريق التوصل إلى تفاهم مستدام.
وبينما أبدى المسؤولون الأميركيون تفاؤلا مشوبا بالحذر فإن إسرائيل -بحسب فارمايان- باتت تتخذ خطوات ميدانية استعدادا لعمل عسكري ضد المنشآت الإيرانية، مما يضيف ضغطا إضافيا على طهران وواشنطن لتسريع التفاهم، وإن كان ذلك لا يبدد الهواجس المتعلقة بخيارات تل أبيب المنفردة.
وأوضحت فارمايان أن خطر التصعيد يزداد مع تنامي القناعة الإسرائيلية بأن المفاوضات لن تسفر عن تفكيك كامل للبرنامج الإيراني، ولا سيما بعد إعلان طهران عن تطوير قدرات جديدة في مجال الطائرات المسيرة قادرة على استهداف إسرائيل وقواعد أميركية في المنطقة.
اتفاق جديد
وفي هذا السياق، يرى العناني أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يسعى إلى صياغة اتفاق جديد يمنحه زخما سياسيا داخليا، ويمنع في الوقت نفسه انزلاق واشنطن إلى مواجهة عسكرية غير محسوبة، خاصة في ظل الانتشار العسكري الأميركي الواسع في الشرق الأوسط.
إعلانويضيف أن الإدارة الأميركية تواجه معضلة الموازنة بين مطامح إسرائيل التي ترفض مبدأ التخصيب من أساسه، والواقع الجيوسياسي الذي يفرض حلا وسطا يضمن لإيران حقها السيادي في الاستخدام السلمي للطاقة النووية.
وبحسب فارمايان، فإن الخطر لا يقتصر على تباين المواقف بين واشنطن وطهران، بل يشمل أيضا التجاذبات الداخلية داخل الكونغرس الأميركي الذي يضم تيارا قويا مواليا لإسرائيل يرفض أي اتفاق لا يتضمن "صفر تخصيب"، مما يجعل تمرير الاتفاق داخل الكونغرس محفوفا بالتعقيدات.
ورجحت أن يذهب ترامب نحو توقيع اتفاق بصفة تنفيذية دون إحالته إلى الكونغرس، محاولا بذلك تسويق الاتفاق بأنه نجاح شخصي وتجاوز لفشل الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما رغم أن هذا المسار قد يعيد إنتاج الأزمة في حال تغيرت الإدارة الأميركية لاحقا.
ورغم كل التعقيدات فإن العناني يرى أن اللحظة الراهنة قد تكون أكثر نضجا من مفاوضات 2015، مشيرا إلى أن توافقا داخل إدارة ترامب بدأ يتبلور بشأن الحاجة لاتفاق يبعد خيار الحرب عن الطاولة، ويمنح واشنطن فرصة لاحتواء التهديد النووي الإيراني ضمن معايير قابلة للتنفيذ.
ضربة عسكرية
ولم تخفِ فارمايان مخاوفها من إمكانية أن تقدم إسرائيل على توجيه ضربة عسكرية لإيران دون الرجوع إلى واشنطن، مشيرة إلى أن اتصالات أجريت مؤخرا بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عقب مقتل دبلوماسييْن إسرائيلييْن اثنين في واشنطن قد تشير إلى تنسيق أمني جديد يعيد ضبط إيقاع العلاقة بين الجانبين.
من ناحيته، شدد العناني على أن ما يطالب به نتنياهو يشبه "الحل الليبي"، أي تفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل، وهو ما تعتبره طهران إهانة لسيادتها الوطنية، مؤكدا أن أميركا لا تتبنى هذا الطرح المتطرف حتى اللحظة.
ويختم العناني بالتأكيد على أن المسار التفاوضي لا يزال ممكنا إذا ما تم تثبيت نقطتين رئيسيتين: قبول تخصيب محدود للأغراض السلمية، وضمان عدم انسحاب أميركي مستقبلي من الاتفاق، وهو ما قد يخلق أرضية سياسية قابلة للبناء عليها في المرحلة المقبلة.
إعلانوعلى الرغم من أن الجولة الخامسة لم تُفضِ إلى اتفاق نهائي فإن أجواءها حملت إشارات مزدوجة تعكس في آن واحد تصعيدا في الخطاب وتشبثا بمسار التفاوض، في معادلة لا تزال معلقة بين التصعيد والتهدئة وبين ثوابت طهران وتحفظات واشنطن وحسابات تل أبيب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات إلى أن وهو ما
إقرأ أيضاً:
مسقط تعلن عن تقدم "غير حاسم" بالجولة الـ5 من محادثات واشنطن وطهران
مسقط- أعلن وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي، الجمعة 23 مايو 2025، أن الجولة الـ5 من المحادثات بين واشنطن وطهران بشأن البرنامج النووي الإيراني، التي انعقدت في روما، أحرزت "تقدما غير حاسم".
وعبر حسابه على منصة "إكس"، قال البوسعيدي: "انتهت اليوم في روما الجولة الخامسة من المحادثات بين إيران والولايات المتحدة".
وأضاف أن محادثات هذه الجولة "أحرزت بعض التقدم، لكنه ليس حاسما"، دون تقديم أية تفاصيل بالخصوص.
وأعرب البوسعيدي، عن أمله في أن "يتم خلال الأيام المقبلة توضيح القضايا المتبقية (التي لم يتم حسمها بين الجانبين بعد)، بما يسمح بالمضي قدما نحو الهدف المشترك المتمثل في التوصل إلى اتفاق مستدام ومشرف".
وترأس الوفد الإيراني في المحادثات، اليوم، وزير الخارجية عباس عراقجي، فيما قاد الوفد الأمريكي مبعوث الرئيس دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف.
وتأتي هذه الجولة استكمالا للمحادثات غير المباشرة التي انطلقت في 12 أبريل/ نيسان الماضي، بعد أن بعث ترامب، في مارس/ آذار، برسالة إلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، دعا فيها إلى استئناف المفاوضات النووية، مهددا ضمنيا باستخدام القوة.
وردت طهران على الرسالة عبر قنوات دبلوماسية في سلطنة عُمان، ما مهد لعقد خمس جولات من التفاوض غير المباشر بين الجانبين، توزعت بين مسقط وروما.
وفي 18 مايو/ أيار الجاري، شدد ويتكوف على أن "مواصلة إيران تخصيب اليورانيوم يمثل خطا أحمر لإدارة ترامب"، مضيفا: "لا يمكننا السماح بذلك، لأنه يُمكّن من التسليح النووي".
ويشكل هذا التصريح تراجعا عن إشارات سابقة من الإدارة الأمريكية بإمكانية القبول بتخصيب محدود النسبة، ما يعكس تصلبا في الموقف الأمريكي، وسط استمرار التباين مع الموقف الإيراني.
من جهتها، تطالب طهران برفع العقوبات المفروضة عليها مقابل الحد من بعض أنشطتها النووية، مع التأكيد على حقها في الاستخدام السلمي للطاقة الذرية.
وفي وقت سابق الجمعة، قال عراقجي، في منشور عبر "إكس"، إن "إيجاد طريق للتوصل إلى اتفاق ليس بالأمر الصعب: عدم وجود أسلحة نووية يعني وجود اتفاق، عدم التخصيب يعني عدم وجود اتفاق. حان وقت اتخاذ القرار".
وتأتي هذه التطورات بعد حالة من الجمود الطويل في الملف النووي، أعقبت انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في عهد إدارة ترامب عام 2018، وما تبعه من تصعيد سياسي واقتصادي بين الطرفين.