لماذا صلاة العشاء ثقيلة؟.. 7 أسباب ينبغي أن يعرفها المتكاسلون عنها
تاريخ النشر: 29th, October 2023 GMT
يثير استفهام لماذا العشاء ثقيلة ؟ حيرة الكثيرين، بل إنها قد تثير لديهم بعض المخاوف، خاصة لدى أولئك الذين يتكاسلون عن صلاة العشاء وينامون عن صلاة الفجر، حيث قد أقرت السُنة النبوية الشريفة أن صلاة العشاء تعد من أثقل الصلوات على المنافقين، بما يجعل سؤال: لماذا صلاة العشاء ثقيلة ؟ مطروحًا بلا انقطاع.
. 11 كلمة تملأ صباحك بالخير الكثير فردده الآن
وردت إجابة استفهام لماذا صلاة العشاء ثقيلة ؟، عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أثقل الصلاة على المنافقين صلاةُ العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأَتَوْهما ولو حَبْوًا»؛ متفق عليه، ومعنى (أثقل): أشق، وفيه إشارة إلى أن الصلوات كلها ثقيلة على المنافقين، (ولو يعلمون ما فيهما)؛ أي: من الخير والفضل والأجر العظيم، (ولو حبوًا)؛ أي: يزحفون إذا منعهم مانع من المشي على أرجلهم كما يزحف الصغير.
و أورد البخاري رحمه الله هذا الحديث في (باب فضل صلاة العشاء في الجماعة)، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس صلاةٌ أثقلَ على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا، لقد هممتُ أن آمُرَ المؤذِّن فيُقِيم, ثم آمُر رجلًا يؤمُّ الناس، ثم آخذ شعلًا من نار فأُحرِّق على مَن لا يخرج إلى الصلاة بعد»، فيما قيل في الفتح: وإنما كانتِ العِشاءُ والفجر أثقلَ عليهم من غيرهما لقوةِ الداعي إلى تركهما؛ لأن العشاء وقت السكون والراحة، والصبح وقت لذَّة النوم.
وقد أشار الله عز وجل إلى أن جميع الصلوات ثقيلة على المنافقين؛ حيث قال: « وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى » الآية 54 من سورة التوبة، وبيَّن أنه لا يفرح بها ولا يحرِص عليها إلا الخاشعون؛ حيث قال: « وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ » الآية 45 من سورة البقرة، ومعنى كبيرة؛ أي: ثقيلة، ولَمَّا كانت العشاء والفجر في غير وضح النهار، وهم لا يصلون إلا رياءً، فلا يشاهدهم مَن يراؤونهم من الناس غالبًا، فلا باعث يستخفُّهم لها، ولذلك كله ثقُلَت عليهم.
ويفيد الحديث: أولًا الحث البليغ على صلاة العشاء والفجر في الجماعة، وثانيًا أنه لا يستثقل جماعةَ العشاء والفجر إلا المنافقون، والصلاة على إطلاقها، لها فضل عظيم في الإسلام، فهي عماد الإسلام، بل أن العلماء يؤكدون أنها الفرق بين المسلم وغيره، لكن هناك أوقاتًا جعلها الله تمييزًا بين المؤمن والمنافق، كما في صلاة العشاء والفجر، كما أن الصلاة هي الأمر الذي ليس عليه أي خلاف بين العلماء، إذ أن هناك اتفاقًا على وجوبها في وقتها وبالمسجد، قال تعالى: «وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى» الآية 132 من سورة طه.
فضل صلاة العشاءورد فضل صلاة العشاء جهرية وأربع ركعات وهي ختام فرائض المؤمن في اليوم والليلة، ووقتها بعد غياب الشفق الأحمر، يقول تعالى: «أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ» الآية 78 من سورة الإسراء، وعن فضلها يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم: «من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل».
و اعتبرها النبي -صلى الله عليه وسلم- الصلاة الأثقل على المنافقين، لأن الناس حينها كانوا يعملون نهارًا منذ صلاة الفجر، فكان يغلبهم النوم بمجرد غروب الشمس، ومن ثم فإن انتظار صلاة العشاء كان من الصعوبة بمكان، لأن الجميع كان يقاوم النوم بشدة، بعد عناء يوم طويل.
ولذلك يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم في حقها: «ولو علم أحدهم أنه يجد عظمًا سمينًا لشهدها»، أما الآن فهي أيضًا ثقيلة على البعض ليس لأنهم يغلبهم النعاس بعد يوم شاق من التعب والعمل، وإنما يغلبهم مشاهدة المباريات أو المسلسلات أو الخروج للتنزه، ومن السنة النبوية تأخير صلاة العشاء، إلا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يرد أن يشق على الناس، لكنه لم يمنع تأخيرها إن أرادوا، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم قوله: «كان يستحب أن يؤخر العشاء».
وروي أيضًا عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه أخرها بالفعل في بداية الإسلام، فلم يخرج للصلاة حتى قال عمر ابن الخطاب: نام النساء والصبيان، فخرج النبي ثم قال لأهل المسجد: ما ينتظرها من أهل الأرض غيركم، ثم قال لهم: أبشروا إن من نعمة الله عليكم أنه ليس أحد من الناس يصلي هذه الساعة غيركم.
صلاة العشاءورد في صلاة العشاء أنه عندما فُرِضت الصّلاة في السّماء السّابعة، جاءت فرضيّتها على أنّها خمسون صلاةً، ثمّ خفّف الله على عباده لتصبح خمسًا في العمل، وخمسين في الأجر، وقد وُزِّعت الصّلوات على أوقات النّهار والليل؛ لتشملها ابتداءً من الفجر، حتّى آخر أوقات اليوم؛ وقت صلاة العشاء، بعد غياب الشّفق الأحمر، ولأنّ صلاة العشاء من الفرائض الخمس؛ فإنّ أداءَها واجبٌ على كلّ مسلمٍ، وهي صلاةٌ رباعيّة تتكوّن من أربع ركعاتٍ.
أفضل وقت صلاة العشاءيعد أفضل وقت صلاة العشاء وذلك إذا لم يَشقَّ على الناسِ، وهو مذهبُ الحنفيَّة، والحنابلة، وقول لمالكٍ، وقولٌ للشافعيِّ، وبه قال أكثرُ أهلِ العِلم، واختارَه ابنُ حَزمٍ، والشوكانيّ، حيث ورد عن سَيَّارِ بنِ سَلامةَ، قال: دخلتُ أنا وأَبي على أَبي بَرْزةَ الأسلميِّ، فقال له أَبي: كيفَ كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي المكتوبةَ؟ فقال: «... وكان يَستحبُّ أنْ يُؤخِّرَ العِشاءَ، التي تَدْعونَها العَتَمةَ، وكان يَكرَهُ النَّومَ قَبلَها، والحديثَ بَعدَها...» وعن جابرِ بنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: «كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُؤخِّرُ صلاةَ العِشاءِ الآخِرةِ».
وروي أهل العلم اختلفوا في آخر وقت يُصلي فيه الشخص العشاء حاضرًا، بحيث تكون صلاة العشاء بعد هذا التوقيت «قضاءً»، فمن العلماء من قال إن وقت صلاة العشاء ممتد إلى آخر ثلث الليل الأول، ومنهم من قال إلى نصفه، ومنهم من قال إلى طلوع الفجر الصادق الذي منه بدء الصوم، وهذا هو الراجح، وعليه الفتوى، وأن صلاة العشاء تكون أداء إذا أديت قبل أذان الفجر، فإذا أذن للفجر، فقد خرج وقتها اتفاقا، وهي بعد ذلك قضاء.
صلاة العشاء كم ركعةفقد أجمع العلماء على أنّ صلاة العشاء أربع ركعاتٍ؛ فهي من الصّلوات الرُّباعيّة، مثل: الظُّهر، والعصر، وهي صلاةٌ ليليّةٌ؛ تُؤدّى في الليل، وصلاةٌ جهريّةٌ؛ يجهر بها المصلّي في أوّل ركعتين منها، ويُسِرُّ في الرّكعتين الأخيرتين؛ سواءً كان إمامًا أو مُنفرِدًا، ويفصل بين ركعاتها الأربع بتشهُّدٍ أوسط بعد أن يصلّي ركعتين؛ حيث يجلس بعد نهاية السّجود من الرّكعة الثانية، ثمّ يُتِمّ الصّلاة حتّى يصل إلى الرّكعة الرّابعة، ثمّ يجلس للتشهُّد الأخير، ثمّ يسلّم.
سنة العشاءورد أن للعشاء سُنّة راتبة بعديّة فقط، وليس لها سُنّة راتبة قبليّة، إنّما يجوز أن يُصلّي المسلم قبل العشاء ركعتي نافلةٍ أو سنّةٍ لها، غير أنّها غير لازمةٍ، فيُؤجَر إن صلّاها، ولا يأثَم إن تركها، وتُسمّى تلك السنّة بالسنّة غير الرّاتبة، لما رُوِي من قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ حيث صحَّ عنه قوله: «عشرُ ركعاتٍ كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ يداومُ عليهنَّ: ركعتينِ قبلَ الظّهرِ، وركعتينِ بعدَ الظّهرِ، وركعتين بعدَ المغربِ، وركعتين بعدَ العشاءِ، وركعتين قبلَ الفجرِ».
آخر وقت صلاة العشاءونبهت لجنة الفتوى التابعة لمجمع البحوث الإسلامية، إلى أن أهل العلم اختلفوا في آخر وقت لصلاة العشاء والذي يُصلي فيه الشخص العشاء حاضرًا، بحيث تكون صلاة العشاء بعد هذا التوقيت «قضاءً».
وأضافت «البحوث الإسلامية» في إجابتها عن سؤال: «ما هو آخر وقت لصلاة العشاء؟»، أن من العلماء من قال إن وقت صلاة العشاء ممتد إلى آخر ثلث الليل الأول، ومنهم من قال إلى نصفه، ومنهم من قال إلى طلوع الفجر الصادق الذي منه بدء الصوم، وهذا هو الراجح، وعليه الفتوى.
وأشارت إلى أن صلاة العشاء تكون حاضرًا إذا أديت قبل أذان الفجر، فإذا أذن للفجر، فقد خرج وقتها اتفاقا، وهي بعد ذلك قضاء، ويبدأ وقت صلاة العشاء من خروج وقت المغرب، وهو مغيب الشفق الأحمر عند جمهور العلماء، وأجمع أهل العلم إلا من شذ عنهم على أن أول وقت العشاء الآخرة إذا غاب الشفق، والشفق هو حُمْرة تظهر في الأفق حين تغرب الشمس، وتستمر من الغروب إلى قُبَيْلِ العشاء.
والدليل على ذلك ما روي عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بن العاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهما، أنَّه قال: «سُئِلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن وقتِ الصلواتِ، فقال: «وقتُ صلاةِ الفجرِ ما لم يَطلُعْ قرنُ الشمسِ الأوَّلُ، ووقتُ صلاةِ الظهر إذا زالتِ الشمسُ عن بَطنِ السَّماءِ، ما لم يَحضُرِ العصرُ، ووقتُ صلاةِ العصرِ ما لم تَصفَرَّ الشمسُ، ويَسقُط قرنُها الأوَّلُ، ووقتُ صلاةِ المغربِ إذا غابتِ الشمسُ، ما لم يَسقُطِ الشفقُ، ووقتُ صلاةِ العشاءِ إلى نِصفِ اللَّيلِ».
واختَلَف أهل العِلمِ في آخر وقت صلاة العشاء على أقوالٍ، أقواها قولان: القول الأوّل: يمتدُّ وقتُ صلاةِ العِشاءِ الاختياريُّ إلى نِصفِ اللَّيلِ، والضروريُّ إلى طلوعِ الفجرِ، وهو روايةٌ عن الإمامِ أحمدَ، وبه قال الشافعيُّ في القديم، وهو قولُ ابنِ حَبيبٍ، وابنِ المَوَّازِ من المالكيَّة، واختارَه ابنُ قُدامةَ، والشوكانيُّ، والأدلَّة من السُّنَّة: عن أبي قَتادةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: خطَبَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: «إنَّكم تَسيرُونَ عَشيَّتَكم ولَيلتَكم..» وذكر الحديث، وفيه: «أمَا إنَّه ليس في النومِ تفريطٌ، إنَّما التفريطُ على مَن لم يُصلِّ الصَّلاةَ حتى يَجيءَ وقتُ الصَّلاةِ الأخرى...»، الحديثُ فيه دليلٌ على امتدادِ وَقْتِ كُلِّ صَلاةٍ مِنَ الخَمْسِ حتَّى يدخُلَ وَقْتُ الأُخرى، وهذا مُستَمِرٌّ على عمومِه في الصَّلواتِ إلَّا الصُّبْحَ؛ فإنَّها مخصوصةٌ من هذا العُمومِ بالإجماعِ، وعن عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو رَضِيَ اللهُ عَنْهما، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «وقتُ العِشاءِ إلى نِصفِ اللَّيلِ الأَوسطِ»، عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: «أخَّر النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلاةَ العِشاء إلى نِصفِ اللَّيلِ، ثم صلَّى، ثم قال: قد صَلَّى الناسُ وناموا، أمَا إنَّكم في صلاةٍ ما انتظرتُموها».
القول الثاني: يمتدُّ وقتُ صلاةِ العِشاءِ إلى نِصف اللَّيلِ، ولا يُوجَدُ وقتُ اختيارٍ وضرورةٍ، وهذا اختيارُ ابنِ حَزمٍ الظاهريِّ ، ومحتمَلُ قولِ الشافعيِّ ، وبه قال أبو سعيدٍ الإصطخريُّ من الشافعيَّة، الأدلَّة: أوَّلًا: من الكِتاب، قال الله تعالى: «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا» (الإسراء: 78)، وقوله: لِدُلُوكِ الشَّمْسِ، أي: زوالها، وغَسَق اللَّيل: نِصْفه، وهو الذي يتمُّ به الغسقُ، وهو الظُّلمةُ، فمِن الزوالِ إلى نِصفِ اللَّيلِ كلِّه أوقاتُ صلواتٍ متواليةٍ، فيَدخُلُ وقتُ الظهرِ بالزَّوالِ، ثم يَنتهي إذا صار ظلُّ كلِّ شيءٍ مِثلَه، ثم يَدخُل وقتُ العصرِ مباشرةً، ثم يَنتهي بغروبِ الشَّمسِ، ثم يدخُلُ وقتُ المغربِ مباشرةً، ثم يَنتهي بمغيبِ الشَّفقِ الأحمرِ، ثم يدخُلُ وقتُ العِشاءِ ويَنتهي بنصفِ اللَّيلِ؛ ولهذا فصَل اللهُ صلاةَ الفجر وحْدَها فقال: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ؛ لأنَّها لا يتَّصل بها وقتٌ قبلها، ولا يتَّصل بها وقتٌ بعدها ، ومن السُّنَّة عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهما، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «وقتُ العِشاءِ إلى نِصفِ اللَّيلِ الأوسطِ»، وعن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه قال: «أخَّر النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلاةَ العِشاءِ إلى نِصف اللَّيلِ، ثم صلَّى، ثم قال: قد صلَّى الناسُ وناموا، أمَا إنَّكم في صلاةٍ ما انتظرتُموها».
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: صلاة العشاء وقت صلاة العشاء
إقرأ أيضاً:
كيف أبر زوجتى بعد موتها؟.. الإفتاء توضح الطريق
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: هل يشرع للزوج التصدق عن زوجته أو بِرُّها بعد وفاتها بأيِّ عملٍ من أعمال الخير؟.
وأجابت دار الإفتاء عن السؤال قائلا: يُشرع للزوج بِرُّ زوجته بعد وفاتها بأنواع البر المختلفة، والتي منها أن يبرَّها بالثناء والذكر الحسن، وبالدعاء والاستغفار لها، وبالتصدق عنها، أو بأيِّ عمل آخر من أعمال الخير التي يصل ثوابها للمتوفى.
مظاهر بر الزوجة بعد وفاتها في الإسلام
جعل اللهُ الرباطَ الأوثقَ بين الزوجين هو المودة والرحمة، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21]، وقد حرص الإسلام على استدامة هذه المودة، حتى لو طرأ على الحياة الزوجية أسوأ ما يمكن أن تتعرض له، وهو انتهاؤها؛ وهو ظاهر قول الله تعالى بعد بيان الحقوق عند الطلاق قبل الدخول: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: 237].
والفضل والمودة بين الزوجين اللذين عاشا معًا -أوثق وأعمق ممَن تفرقَا قبل الدخول، وأنه أشد عمقًا بين من فرقهما موتُ أحدهما؛ إذ لا يوجد في الغالب ما يُضْعِفُ هذه المودة أو يؤثر على سلامتها، كما في الطلاق، فيكون خطاب الشارع الطالب لاستدامة المودة متوجهًا بالقياس الأولوي للزوجين عند انتهاء الزوجية بموت أحدهما.
وليس في الشرع الشريف ما يمنع من إحسان الزوج لزوجته وبرِّها بعد موتها، بل إن نصوص السُّنَّة النبوية المطهرة، ووقائعها أصَّلَت للبر بالزوجة المتوفاة بصور متعددة، تجعل الناظرَ في هذه النصوص مُدركًا بإيقانٍ معالم الإنسانية في أسمى معانيها.
فمن صور بِرِّ الزوج بزوجته بعد وفاتها: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يُكثر من ذكر زوجته أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها بعد موتها، وكان يُكْرِمُ أقرباءها؛ إكرامًا لها وبرًّا بها، فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت: «مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِيَّاهَا»، قَالَتْ: «وَتَزَوَّجَنِي بَعْدَهَا بثَلَاثِ سِنِينَ، وَأَمَرَهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ» رواه الشيخان، واللفظ للبخاري.
وعنها رضي الله عنها أيضًا أنها قالت: "اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ، فَارْتَاحَ لِذَلِكَ، فَقَالَ: «اللهُمَّ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ» فَغِرْتُ" متفقٌ عليه، واللفظ لمسلم، فدلَّ على امتداد المودة والوفاء بحقِّ الزوجة بعد موتها.
قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (15/ 202، ط. دار إحياء التراث العربي): [قولها: "فارتاح لذلك" أي: هش لمجيئها، وسُرَّ بها؛ لتذكره بها خديجة وأيامها، وفي هذا كله دليل لحسن العهد، وحفظ الْوُدِّ، ورعاية حرمة الصاحب والعشير في حياته ووفاته، وإكرام أهل ذلك الصاحب] اهـ.
ومن هذه الصور: أنه عليه الصلاة والسلام كان يُكرم أصدقاءها، ويتعهدهم بالهبات والعطايا، فعن أنسٍ رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أُتِيَ بالشيء يقول: «اذْهَبُوا بِهِ إِلَى فُلَانَةَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ صَدِيقَةَ خَدِيجَةَ. اذْهَبُوا بِهِ إِلَى بَيْتِ فُلَانَةَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ تُحِبُّ خَدِيجَةَ» رواه البخاري في "الأدب المفرد"، والحاكم في "المستدرك".
وعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: "جَاءَتْ عَجُوزٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ وَهُوَ عِنْدِي، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «مَنْ أَنْتِ؟» قَالَتْ: أَنَا جَثَّامَةُ الْمُزَنِيَّةُ، فَقَالَ: «بَلْ أَنْتِ حَسَّانَةُ الْمُزَنِيَّةُ، كَيْفَ أَنْتُمْ؟ كَيْفَ حَالُكُمْ؟ كَيْفَ كُنْتُمْ بَعْدَنَا؟» قَالَتْ: بِخَيْرٍ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلَمَّا خَرَجَتْ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُقْبِلُ عَلَى هَذِهِ الْعَجُوزِ هَذَا الْإِقْبَالَ؟ فَقَالَ: «إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا زَمَنَ خَدِيجَةَ، وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ»" رواه الحاكم في "المستدرك"، والبيهقي في "شعب الإيمان"، وغيرهم.
ومن هذه الصور: دعاؤه صلى الله عليه وآله وسلم لأم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها، واستغفاره لها، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ لَمْ يَكُنْ يَسْأَمُ مِنْ ثَنَاءٍ عَلَيْهَا وَالِاسْتِغْفَارِ لَهَا" رواه الطبراني في "المعجم الكبير".
فيتبين لنا من هذه الصور الإنسانية، وتلك المظاهر النبوية أن البر بالزوجة أمر مطلق عن الحصر، فيصح بكل ما يصلح برًّا.
حكم التصدق عن الزوجة بعد وفاتها
أما عن التصدق عنها بخصوصه، فمع كونه مشروعًا باعتباره أحد أنواع البر الذي يسن فعله -كما قررنا-، إلا أنه من جملة الأعمال التي لا يقطعها عن الإنسان قاطع حتى الموت، بل تكون متصلة به من حيث انتفاعُه بها بعد موته؛ لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» رواه مسلم، ووجه الدلالة من الحديث ظاهرة بأن الصدقة على الميت جائزة من أيِّ أحد من جهة، ويصل ثوابها إليه وينتفع بها من جهة أخرى، وقد نُقل الإجماع على ذلك.
قال الإمام الزيلعي الحنفي في "تبيين الحقائق" (2/ 83، ط. الأميرية): [الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره عند أهل السُّنَّة والجماعة، صلاة كان أو صومًا أو حجًّا أو صدقة أو قراءة قرآن أو الأذكار، إلى غير ذلك من جميع أنواع البر، ويصل ذلك إلى الميت وينفعه] اهـ.
وقال الإمام ابن عبد البر المالكي في "التمهيد" (20/ 27، ط. أوقاف المغرب): [أمَّا الصدقة عن الميت فمجتمع على جوازها لا خلاف بين العلماء فيها] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (5/ 323، ط. دار الفكر): [أجمع المسلمون على أنَّ الصدقة عن الميِّت تنفعه وتَصِله] اهـ.
وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 385، ط. عالم الكتب): [(وكلُّ قربةٍ فعلها مُسْلِمٌ وجعل) المسلم (ثوابها لمسلم حي أو ميت حصل) ثوابها (له ولو جهله) أي الثواب (الجاعل)؛ لأن الله يعلمه كالدعاء والاستغفار وواجب تدخله النيابة وصدقة التطوع إجماعًا... قال أحمد: الميت يصل إليه كلُّ شيء من الخير من صدقة أو صلاة أو غيره؛ للأخبار] اهـ.
فيظهر مما ذُكر أن الإحسان للزوجة وبرِّها بعد وفاتها بصفة عامة أمرٌ مشروع، وأنه من السنن التي سنها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن صنوف البر والخير أمرها واسعٌ، فيجوز برها وصِلتها بكلِّ شيءٍ يتحصل به البر، كالثناء عليها بالخير وذكرها به، أو الدعاء والاستغفار لها، أو بالتصدق عنها، أو بفعل أيِّ عبادة ثم وَهْب ثوابها لها.
وأوضحت بناءً على ذلك: أنه يُشرع للزوج بِرُّ زوجته بعد وفاتها بأنواع البر المختلفة، والتي منها أن يبرَّها بالثناء والذكر الحسن، وبالدعاء والاستغفار لها، وبالتصدق عنها، أو بأيِّ عمل آخر من أعمال الخير التي يصل ثوابها للمتوفى.