الجيش الأبيض.. متطوعون يكافحون آثار العدوان الإسرائيلي بغزة
تاريخ النشر: 6th, November 2023 GMT
غزة- وجد الطبيب الشاب إسماعيل زياد عمر، نفسه عاجزا عن مداواة طفل مصاب بصدمة عنيفة بعد فقدانه كافة أفراد أسرته شهداء تحت أنقاض منزلهم إثر غارة جوية إسرائيلية سوّته بالأرض في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة.
لم يدرس عمر في كتب الطب البشري عن علاج جروح النفس لطفل ليس على لسانه إلا سؤال "وين ماما.. وين بابا؟"، فيما الأتربة وغبار الركام تكسو جسده الغض، بعد انتشاله بأعجوبة حيا من تحت الأنقاض التي ابتلعت باقي أسرته.
هذا مشهد من بين مشاهد مؤلمة كثيرة ومتكررة يقول الطبيب عمر (28 عاما) إنها ستبقى عالقة في ذاكرته ولن تمحوها السنون، وهو الذي يشق أولى خطواته العملية بعد التخرج.
مشاهد مؤلمة
والطبيب عمر، واحد من بين أطباء وممرضين وطلبة طب وأطباء متقاعدين، استجابوا لنداء وزارة الصحة بالتطوع والالتحاق بالعمل في المستشفيات التي تواجه أزمات حادة، إحداها قلة الكوادر الطبية والتمريض، لمواكبة تداعيات عدوان الاحتلال الإسرائيلي الشرس على القطاع، والذي يوشك دخول شهره الثاني بعد عملية "طوفان الأقصى".
وقال عمر للجزيرة نت إن "شلال الدم النازف في غزة، ومشاهد الضحايا من الأطفال والنساء، تستدعي أن يقدم كل منا ما يستطيع من مساعدة لمجابهة هذا العدوان، ولم أتردد لحظة في التطوع لتقديم الخدمة الطبية للضحايا في مستشفى أبو يوسف النجار، الوحيد في مدينة رفح".
وقبيل الحرب بقليل أنهى عمر سنة الامتياز التي تؤهله للعمل كطبيب، وكان لتوه قد تخرج من كلية الطب في إحدى الجامعات السودانية. وقال "خلال دراستي الطب في السودان تطوعت للعمل بمستشفى لتقديم الخدمة لضحايا المواجهات المسلحة هناك، لكن ما شاهدته خلال الأسابيع الماضية في غزة كان صادما، حيث أطفال ونساء تمزقت أجسادهم إلى أشلاء".
وكثير من هذه المشاهد يقف الطب أمامها عاجزا، فكيف يمكن تهدئة طفل يرتجف ألما وخوفا، وقد استشهد جميع أفراد أسرته؟ يتساءل عمر بنبرة حزينة، مضيفا "مؤلم جدا مقدار القهر الذي نشعر به في غزة، والعالم الذي يدعي الإنسانية لا يحرك ساكنا لوقف نزيف دم الأبرياء".
في هذا السياق، يعلّق الطبيب أمجد فؤاد عليوة أن هذه حرب "لا حصانة فيها لأحد"، وكل إنسان في غزة معرض أن يكون في أي لحظة شهيدا أو جريحا، وقد استشهد أطباء وصحفيون ومسعفون، ودمرت المنازل السكنية فوق رؤوس ساكنيها، وأغلبهم من الأطفال والنساء.
ونزح عليوة بأسرته مع أشقائه وأسرهم من مدينة غزة إلى رفح، إثر تهديدات إسرائيلية وإنذارات لسكان شمال القطاع، الأمر الذي حال بينه وبين وصوله إلى عمله في مستشفى "الصداقة التركي الفلسطيني" الوحيد المتخصص بأمراض الأورام والسرطان، والذي خرج عن الخدمة قبل يومين جراء الاستهداف الإسرائيلي ونفاد الوقود.
لم يمنع ذلك الطبيب عليوة من التطوع، وقال للجزيرة نت "أشعر بعجز كبير ومؤلم لعدم قدرتي على تقديم الرعاية الطبية لمرضى السرطان في رفح من مراجعي مستشفى الصداقة، لعدم توفر الأجهزة والأدوية الكيماوية الخاصة بهم في مستشفى أبو يوسف النجار الصغير".
ويحول فصل قوات الاحتلال شمال غزة عن جنوبها، دون تدفق الأدوية والمستلزمات الطبية بين المستشفيات، حتى أن سيارات الإسعاف باتت هدفا لصواريخ الاحتلال وقذائفه، بعدما قطع الشارعين الرئيسيين الواصلين بين شمال القطاع وجنوبه، بتمركز دباباته في شارع صلاح الدين، وسيطرته بقوة النار على شارع الرشيد بمحاذاة ساحل البحر.
ويشاطر الطبيبان عليوة وعمر زملاءهم من الكوادر الطبية، الشعور بالخطر الشديد على أنفسهم وأسرهم، مع تنامي الاستهداف الإسرائيلي للمستشفيات وتكثيف الغارات الجوية في محيطها، وتصاعد جرائم استهداف المدنيين داخل منازلهم.
وبدافع وطني وإنساني، تطوعت الممرضة العشرينية سندس زعرب، في الأسبوع الأول للعدوان لمساعدة الضحايا الأبرياء. ووجدت تشجيعا من أسرتها، وقالت للجزيرة نت "البلد بحاجة لجهودنا جميعا، إمكانياتنا ضعيفة، ولكن لا بد من التكاتف".
وتعرضت سندس (23 عاما) لصدمات عنيفة نتيجة مشاهد أشلاء الأطفال والنساء الذين استشهدوا بفعل غارات جوية استهدفت منازلهم، ما جعلها تنزوي جانبا وتغرق في دموعها. ولعدة مرات، كانت تحتاج للوقت لتتمالك نفسها من جديد وتعود للعمل والتنقل من جريح إلى آخر داخل الأقسام وفي ممرات المستشفى، حيث لم تعد فيها أَسرّة شاغرة، تستوعب الأعداد الكبيرة المتدفقة لجرحى العدوان.
وتخرجت سندس حديثا من كلية التمريض بالجامعة الإسلامية في غزة، التي سوّت غارات جوية إسرائيلية عنيفة الكثير من مبانيها بالأرض، وتصف تجربة العمل بالحرب بأنها "مؤلمة وصادمة".
فدائيون بالرداء الأبيض
بدوره، يصف المدير العام لوزارة الصحة الدكتور منير البرش، المتطوعين من الأطباء والممرضين والمسعفين بـ"الفدائيين الأبطال"، وقال إن هناك استجابة واسعة لنداء الوزارة من كل أصحاب التخصصات الطبية للالتحاق بالمستشفيات والتطوع لخدمة أبناء شعبهم الذين يتعرضون لحرب عنيفة وغير مسبوقة.
وقال البرش للجزيرة نت، إن الكوادر الطبية يعملون في ظروف استثنائية من حيث الخطر المحدق بهم، جراء التهديدات الإسرائيلية، التي ترجمتها الطائرات الحربية إلى غارات استهدفت مداخل المستشفيات ومحيطها، وقصف سيارات الإسعاف.
ولم تكن الكوادر الطبية في مأمن من الاستهداف المباشر، وارتقى منهم شهداء وجرحى. وبحسب توثيق وزارة الصحة فقد استشهد 136 كادرا صحيا، ودُمرت 26 سيارة إسعاف، واستهدف الاحتلال 102 مؤسسة صحية، وجراء هذا الاستهداف ونفاد الوقود خرجت 16 مستشفى و32 مركز رعاية أولية عن الخدمة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الکوادر الطبیة للجزیرة نت فی غزة
إقرأ أيضاً:
مركز حقوقي: ارتفاع إصابات العيون بين المدنيين في غزة جراء العدوان الإسرائيلي المستمر
غزة - صفا
قال مركز غزة لحقوق الإنسان إن إصابات العيون سجلت ارتفاعًا كبيرًا خلال العدوان العسكري الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، وسط حرمان المدنيين من الأجهزة الطبية الأساسية والعلاجات اللازمة للحفاظ على البصر.
وقد كشف مركز غزة لحقوق الإنسان عن تصاعد خطير في أعداد الإصابات، مشيرًا إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يتعمد إحداث إعاقات دائمة لدى المدنيين، سواء عبر القصف المباشر أو استخدام مقذوفات تنشر شظايا، إضافة إلى القنص المباشر الذي يستهدف العيون.
وذكر المركز أن نحو 1700 فلسطيني فقدوا أعينهم خلال 25 شهراً من العدوان، فيما يواجه حوالي 5000 آخرين خطر فقدان النظر كلياً أو جزئياً نتيجة الحرمان من العلاج.
وأوضح أن الاحتلال دمر البنية التحتية للمستشفيات والمولدات والأجهزة الجراحية، ومنع إدخال الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية، مما أدى إلى تفاقم أمراض مثل ارتفاع ضغط العين، واعتلال القرنية والشبكية، والمياه البيضاء، ما يهدد المرضى بالعمى الدائم.
وتوجد حاليًا وفق المركز حوالي 2400 حالة على قوائم انتظار لعمليات جراحية عاجلة غير متوفرة داخل القطاع.
وحسب إفادة الدكتور إياد أبو كرش، رئيس قسم العمليات والتخدير في مستشفى العيون بغزة، فقد استقبل المستشفى منذ يناير 2024 وحتى سبتمبر 2025 أكثر من 2077 إصابة في العينين، أي ما يمثل حوالي 5% من إجمالي إصابات الحرب في شمال غزة فقط، ما يشير إلى أن الأعداد الفعلية أكبر بكثير.
وأشار إلى أن 18% من الإصابات أدت إلى تفريغ العين، فيما تضمن 34% وجود أجسام غريبة داخل العين، وتعرض 9% من المصابين لإصابة في كلتا العينين.
ويمثل الأطفال 30% من الإصابات، بينما يشكل الذكور 42% والإناث 28%، ما يعكس استهداف المدنيين بشكل مباشر أو غير مباشر.
وأكد المركز أن زيادة معدل إصابات العيون كانت بارزة خلال فترة ذروة المجاعة، حيث اضطر المدنيون للذهاب إلى نقاط توزيع المساعدات القريبة من مواقع انتشار الجيش، وتعرضوا لإطلاق النار المباشر أثناء محاولتهم تأمين الغذاء والمواد الأساسية.
وقال الطفل محمد أ (14 عاماً) إنه أصيب بعينه اليمنى أثناء محاولته الوصول إلى مركز توزيع المساعدات في رفح، وفقد عينه نتيجة ذلك.
وأشار المركز إلى أن الجيش الإسرائيلي لم يكتفِ بإحداث الإصابات، بل عمل على حرمان المصابين من العلاج عبر منع السفر أو عرقلة إدخال الأجهزة والمعدات الطبية الضرورية، ما أجبر الطاقم الطبي على التعامل مع الحالات باستخدام أدوات بسيطة لا تتناسب مع حجم الإصابات. وأكد أن أكثر من 50% من المصابين يحتاجون إلى علاج مستمر غير متوفر داخل القطاع.
وحذر المركز من أن استمرار منع دخول الأجهزة والمستلزمات الطبية يشكل جريمة عقاب جماعي وانتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، داعياً المجتمع الدولي والأمم المتحدة للتحرك الفوري والسماح بإدخال الأجهزة الطبية وفتح ممرات آمنة للمرضى.
كما طالب بتوفير دعم عاجل لمستشفى العيون والمرافق الصحية في غزة، وإيفاد فرق طبية متخصصة للحد من تفاقم حالات فقدان البصر، مؤكداً أن تجاهل المجتمع الدولي لهذه الكارثة الإنسانية يزيد من معاناة المدنيين ويشجع الاحتلال على مواصلة سياساته.