صائد جند الاحتلال.. لِمَ يُعَدُّ مدفع الهاون صديق القساميين الصدوق؟
تاريخ النشر: 6th, November 2023 GMT
خلال العملية البرية على غزة، نشرت كتائب القسام مقاطع فيديو تتضمن استخدام مقاتليها لقذائف الهاون في ضرب فِرَق جنود الاحتلال وآلياته الحربية، التي تتقدم داخل غزة حاليا في محاولة لقطع شمالها عن جنوبها، وفي مساء الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني نشرت القسام كذلك مشاهد لتشكيل مُنظَّم من الجنود في سلاح المدفعية القسامي، يواصل دك قوات العدو المتوغلة والمحتشدة بمئات قذائف الهاون.
منذ اللحظة الأولى التي سعت فيها قوات الاحتلال للتوغل بريا في غزة، كان الهاون صديق القساميين الصدوق، ورغم أن جنود المقاومة امتلكوا بالفعل أسلحة فعالة أخرى مثل قذائف الياسين والكورنيت والعبوات الناسفة وغيرها، فإن قذائف الهاون لها ميزة خاصة جدا بالنسبة للمقاومة، فهي بديل سلاح المدفعية خلال المسافات القصيرة.
الهاون مدفع بسيط في النموذج الأساسي الخاص به (1)، يمكنه توفير نيران تكتيكية، ويمكن حمله بسهولة، وهو يمتلك ماسورة ضرب قصيرة تصل إلى نحو متر واحد، وكما تلاحظ من المقاطع التي بثتها المقاومة فإنه يمكن تحميل القذائف من فوهة الهاون، فيُطلقها فورا للأعلى على أهدافه البعيدة. إنه تحفة فنية أخرى للحرب، ومنذ استُخدم لأول مرة في وقت مبكر من عام 1453 من العثمانيين، وكان وقتها عبارة عن جهاز كبير يزن نحو 4-5 أطنان قادر على إطلاق قذائف يزيد وزنها على مئة كيلوغرام، أصبح رفيقا للجنود على مر التاريخ من ذلك الوقت وإلى لحظة كتابة هذه الكلمات، ولا نظن أنه سيندثر قريبا، بل بالعكس تماما.
بسيط.. قوي.. قاتل
سر قوة الهاون ينبع من بساطة فكرته وطريقة عمله (2)، حيث يتكون كما تلاحظ في فيديوهات القسام من أنبوب مائل مرتكز على ما يشبه صينية معدنية دائرية من الأسفل، وحامل ثنائي يرتكز تقريبا عند منتصف الأنبوب، يُشغَّل السلاح عن طريق وضع القذيفة في الأنبوب، أسفل الأنبوب من الداخل توجد شوكة تعمل بمنزلة قادح يفعل فتيل تشغيل القذيفة، فتنطلق فورا ناحية الهدف.
ولتحديد موقع الهدف، يُضبط ميل الأنبوب الرئيسي، حيث يوجد على الحامل ما يشبه المنظار الذي يستخدمه المقاتل لتحديد الهدف وبالتبعية ضبط زاوية ميل الأنبوب، وإلى جانب ذلك فقد يعمل مقاتل آخر على استخدام منظار أو ميزان مسح ليساعد على تحديد الهدف ورصد الضربات من أجل تعديل زاوية ارتفاع الأنبوب لتقريب أو إبعاد المسافة.
أما الصينية المعدنية الدائرية في أسفل الهاون، فعادة ما يحفر لها في الأرض، وتكون مُصمَّمة لامتصاص الصدمة الارتدادية الناجمة عن الصاروخ المنطلق، ويمكن لمقاتل واحد أن يستخدم الهاون لإطلاق القذائف بمعدل 30 قذيفة في الدقيقة، ومع ارتفاع أعداد قطع الهاون، يمكن لنا تخيل شكل الوابل الذي تطلقه وحدة هاون بسيطة مكونة من 10-15 مقاتلا، حيث يعمل على الهاون الواحد فردان إلى ثلاثة، إلى جانب فريق الإدارة والرصد.
كيف يفيد الهاون كتائب القسام؟
لنبدأ أولا بتوضيح أن الهاون له عيارات عدة (3)، والعيار هو قُطر الجزء الذي ينطلق من القذيفة ليصيب الهدف، وهو بالتبعية قُطر أنبوب الهاون الرئيسي، ومن ملاحظتنا لفيديوهات القسام يتبين أنهم يشغِّلون نوعين على الأقل من مدافع الهاون، الأول بقُطر 82 ملم، والثاني بقُطر 120 ملم، ويعني ذلك أن القسام تمتلك على الأقل نطاقَيْ مدفعية؛ الأول متوسط بحدود قصوى تصل إلى 5.5 كيلومترات، والثاني أكبر قليلا بحدود تصل إلى 7.5 كيلومترات.
لكن إلى جانب المدى الأقصى فإن حدود استخدام مدفع الهاون في المدى الأدنى مدهشة، فتصل إلى 75 أو 100 متر فقط، ما يخبرنا عن أول مزايا هذا النوع من الأسلحة لكتائب القسام، وهو أن الهاون يصلح بشكل ممتاز بوصفه سلاح مدفعية في حالة النطاقات قصيرة المدى التي لا يمكن للمدفعية المعتادة أن تصل إليها، ويعني ذلك أنه يصلح بشكل رئيسي في حالة الاجتياح البري حيث تكون المسافات بين المهاجم (الاحتلال) والمدافع (المقاومة) قصيرة.
أضف إلى ذلك نقطة أخرى لا تمتلكها المدفعية المعتادة، وهي أن درجة تقوس مسار القذيفة المنطلقة من الهاون تكون عادة عالية (4)، أعلى من 45 درجة، ما يسمح لقذائف الهاون باصطياد الجنود والآليات التي تحتمي في الخنادق والمناطق المنخفضة أو بقايا المباني، لأن القذيفة تكون قادمة من أعلى.
لفهم الفكرة فقط تخيل أن هناك كوبا فارغا، بينما تجلس أنت على كرسي على مسافة مترين أو ثلاثة منه، وتود إسقاط عُملة في هذا الكوب، هنا لا بد أنك سترفعها للأعلى بتقوس عالٍ كي تسقط في الكوب، أما لو ألقيتها مباشرة في خط شبه مستقيم فقد تصطدم بالكوب، لكنها لن تسقط داخله. ويصب ما سبق في صالح ميزة أخرى وهي قدرة الهاون على الإطلاق من الأنفاق أو المناطق المتخفية أو الخنادق، لأنه يطلق بزاوية عالية ولا يحتاج إلى مساحة مفتوحة للعمل.
كل هذا ولم نتحدث عن مزايا الهاون الأخرى مثل قابلية النقل وحرية الحركة دون الحاجة إلى دعم لوجستي. في النهاية لا يمكنك حمل مدفع هاوتزر مثلا على ظهرك إلى موقع إطلاق النار. إلى جانب ذلك فالهاون بسيط الاستخدام وسريع الإطلاق، والأهم أن نطاق تشظي قذائفه واسع، فإذا سقطت قذيفة من عيار 82 ملم على الأرض على سبيل المثال، فإن شظاياها تصل بفاعلية إلى مساحة قدرها 250 مترا مربعا، وتصل إلى 650 مترا مربعا في حالة القذائف عيار 120 ملم.
حرب غير متكافئة
تسمح قذائف الهاون بتقديم دعم ناري فوري دقيق، وهذه هي ميزة المدفعية قصيرة المدى خفيفة الوزن بالنسبة لكل جيوش العالم تقريبا، التي تستخدم وحدات قذائف الهاون والقنابل اليدوية على مستوى أسلحة المشاة، في حين أن القطع الميدانية مثل مدافع الهاوتزر غالبا ما تتمركز في وحدات منفصلة.
لكن في الحرب الحضرية، تلك التي يكون للمُدافع فيها ميزة على المهاجم بوجود الأول داخل تضاريس تُمكِّنه من الاحتماء واصطياد الطرف الآخر، فإن الهاون يكون مناسبا للقوات غير النظامية خاصة، التي تتلاقى مع القوات النظامية في شكل من أشكال الحرب غير المتكافئة (5)، وهي نوع من الحروب يكون المتحاربان فيها غير متكافئي القوى. فكما تلاحظ، يمتلك الاحتلال آليات عسكرية من طائرات ودبابات ومدافع وجنود وجاهزية تتفوق تقنيا على المقاومة التي قُيِّد حصولها على السلاح على مدى سنوات طويلة وبكل الطرق الممكنة.
لكن ذلك لا يعني أن أي جيش يمكن أن ينتصر لمجرد تفوقه التقني، لأنه في الحرب غير المتكافئة من هذا النوع يمكن للطرف الأضعف تقنيا أن يلجأ إلى تكتيكات غير تقليدية تعطيه الأفضلية في ساحة المعركة، مثل إستراتيجيات الفر والكر، أو انتقاء المعارك، أو استخدام أسلحة أرخص لكنها تكون فعالة جدا في نطاق عملياتي محدد بحيث توازن القوى مع تقنيات أغلى.
وفي تلك النقطة تحديدا تظهر قوة القسام الضاربة، فهم يستخدمون قذائف الياسين التي تنطلق من قاذفات رخيصة نسبيا ضد المدرعات والدبابات مرتفعة الثمن والمتقدمة التي تخترق تضاريس قطاع غزة الحضرية، ويتمكنون من بناء كمائن مُحكَمة عبر العبوات الناسفة محلية الصنع لضرب القوافل العسكرية المتحركة أو بوضعها مباشرة على الآليات العسكرية، ويُسقطون قنابل يدوية رخيصة الثمن من مسيرات تجارية رخيصة، فيتمكّنون من خلالها من جعل الأرض كابوسا للجنود الإسرائيليين، فيكون خروجهم من المدرعات لاستنشاق الهواء محاولة انتحارية.
في هذا النوع من الحروب لا يمكن للقوات النظامية أن تنتصر بسهولة، لأنه لا توجد أصلا مواجهات مباشرة بين القوتين ولا يحسب الانتصار بعدد القتلى، ولكن هناك دائما في الخلفية معركة سياسية ونفسية تمارسها المقاومة لتضغط على صُنَّاع القرار في دولة الاحتلال، وكلما طال أمد المعركة ووقعت خسائر أكبر في الجيش وتضرر اقتصاد الاحتلال، كان الانتصار أقرب للطرف الأضعف تقنيا، وهنا مثلا تكون فيديوهات القسام وحدها جانبا مهما من هذه المعركة، وسلاحا قويا.
في هذا السياق، تأتي مدافع الهاون مساندا مهما جنود المقاومة الذين لا يمتلكون وحدات مدفعية متقدمة، فتصبح ذات قوة هائلة فقط بمجرد اتخاذ قوات الاحتلال قرارا بالمُضي قُدُما والاقتراب منهم على مسافة قصيرة، وفي هذا السياق تصبح تلك القطعة البسيطة قصيرة المدى التي سُميت يوما "مدفع الفقراء" بمقام مدفع هاوتزر، رغم الفارق التقني في القوة والدقة كليهما.
——————————————————————————————
مصادر:1- mortar- weapon
2- Mortar-indirect fire weapons
3- What is a mortar
4- 60 mm Mortar Weapon Systems models M224 and M224A1
5- Special Operations from a Small State Perspective pp 141–154 Chapter Irregular Warfare—A Strategy for Small States
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: قذائف الهاون إلى جانب تصل إلى فی هذا
إقرأ أيضاً:
نجا عدة مرات.. من هو رائد سعد الذي أعلنت “إسرائيل” اغتياله في غزة؟
#سواليف
أعلن #جيش_الاحتلال، اليوم الخميس، #اغتيال القيادي في #كتائب_القسام، الذراع العسكري لحركة #حماس، #رائد_سعد، في #غارة استهدفت سيارة على شارع الرشيد غرب مدينة غزة، في عملية أسفرت عن #استشهاد 5 #فلسطينيين على الأقل وإصابة نحو 20 آخرين.
ووصف جيش الاحتلال في بيان رسمي، سعد بأنه “الرجل الثاني” في #كتائب_القسام، والذي يتولى حاليا ملف إنتاج السلاح، وإعادة بناء القدرات العسكرية للجناح العسكري لحركة #حماس في قطاع غزة.
ويعد رائد سعد من مواليد العام 1972، وساهم في تأسيس الذراع العسكري لحركة حماس، وتدرج في شغل عدة مناصب ولعب أدوارا قيادية على مدار فترة عمله. وقبل #حرب_الإبادة_الإسرائيلية على غزة، كان سعد يُعتبر الرقم 4 في قيادة “القسام” بعد محمد الضيف ومروان عيسى اللذين اغتالتهما إسرائيل، وبعد عز الدين الحداد الذي تزعم المنظومة الأمنية الإسرائيلية توليه قيادة الذراع العسكرية لـ”حماس”.
مقالات ذات صلة البنتاغون يعلن حصيلة قتلاه الجنود والمصابين في كمين لداعش تعرضوا له في تدمر 2025/12/13وأصبح سعد الرقم 2 في “القسام” بعد عمليات الاغتيال التي طالت عددا كبيرا من أعضاء المجلس العسكري.
وشغل سعد قيادة لواء غزة، وهو أحد أكبر ألوية كتائب القسام، لسنوات حتى الفترة التي أعقبت الانسحاب الإسرائيلي من القطاع عام 2005 وحتى عام 2021، حينما تولى مهمة جديدة في الذراع العسكرية لـ”حماس”. وانتقل سعد عام 2021، وبعد معركة “سيف القدس” التي يطلق عليها الاحتلال اسم “حارس الأسوار”، لشغل منصب مسؤول ركن التصنيع في الحركة، وهو المسؤول عن وحدة التصنيع التي تُعنى بتطوير وإنتاج الأسلحة، مثل الصواريخ، والقذائف المضادة للدروع، وشبكة الأنفاق.
وأفادت وسائل إعلام عبرية بأن سعد أمضى في عام 1990 فترة اعتقال قصيرة في سجون الاحتلال الإسرائيلي على خلفية فعاليات تنظيمية. وفي بداية العقد الثاني من الألفية، أسس القوة البحرية التابعة لـ”حماس” في غزة، وتولى قيادتها. وبعد حرب عام 2014، انضم سعد إلى ما يُعرف بـ”هيئة الأركان” في “حماس”، وأصبح عضوا في المجلس العسكري المصغر للحركة.
وبحسب الإعلام العبري فقد “تم تعيينه قائدا لركن التصنيع، وفي إطاره أصبح مسؤولا عن إنتاج كافة الوسائل القتالية لصالح الجناح العسكري لحماس تمهيدا لعملية السابع من أكتوبر”. كما كان أحد مهندسي خطة “جدار أريحا”، التي هدفت إلى إخضاع فرقة غزة التابعة لجيش الاحتلال، خلال طوفان الأقصى.
وزعم الإعلام العبري أن سعد عمل بعد ذلك “لإعادة إعمار قدرات “حماس” في إنتاج الأسلحة خلال الحرب، وكان مسؤولا عن قتل العديد من الجنود الإسرائيليين في قطاع غزة خلال الحرب، نتيجة تفجير عبوات ناسفة قام ركن التصنيع بإنتاجها”.
وأكدت وسائل إعلام إسرائيلية أن الغارة التي استهدفت سعد جاءت بعد سلسلة محاولات اغتيال فاشلة خلال الفترة الأخيرة، من بينها محاولتان خلال الأسبوعَين الماضيين لم تنضجا في اللحظات الأخيرة، كما نجا من عدة محاولات اغتيال خلال الحرب.