لم تكن الأرض سوى قصة حزينة كتبتها نكسة ٦٧، فبات كل مصري في فراشه مسكونا بالحزن والهم، أما جنود الجيش المصري فباتوا على عكس الجميع مسكونين بالأمل وإنتظار اليوم الذي سوف يثأرون فيه لكرامة الوطن وإستعادة كل حبة رمل دنستها أقدام العدو.

مائة وثمانين ألف جندي مصري عبروا قناة السويس في يوم العاشر من رمضان، السادس من أكتوبر رافعين علم مصر فوق أرض سيناء والأغاني الوطنية تنساب هادرة من المذياع الذي التف حوله الأطفال والكبار، الرجال والنساء مهللين فرحين بالنصر.

عشرات الضباط ومئات العساكر كانوا على يقين من أن النصر آت..لكل منهم قصة ولكل قصة ألف عبرة..

كان هو أحد هؤلاء الجنود..وتلك هي بعض ملامح قصته..

كان أبي أحد جنود معركة الكرامة، ضابط مصري في عنفوان الشباب، إلتحق بالكلية الحربية إيمانا منه بقيمة الوطن وقدسية الزي العسكري.

عقب تخرجه إنضم إلى سلاح المدرعات، لتصبح معشوقته هي الدبابة التي بات يعرف خطوطها كما يعرف كف يده، يدافع عنها بحياته وحين يقف فوقها يشعر وكأنه إمتلك العالم!. 

تزوج من امرأة مصرية شاركته الحُلم، وأصبحت هي السكن حين يعود والسند حين يرحل..

كانت تعي معنى أنها تزوجت ضابط مصري، وكيف أن مهمتها ثقيلة..سيغيب وعليها أن تتولى زمام الأمور..سينكسر ودورها أن تضمد جراحه..سيحمل سلاحه وعليها أن تحمي ظهره..سيضعف ولكنه سيستقوى بها.

عقب هزيمة ٦٧ لم يكن يشغل باله أي شئ سوى الأخذ بالثأر، رحلة العودة، حرب إسترداد الكرامة، كان يحلم مثله مثل كل الجنود بأنهم سيحاربون، ولكن متى تحين اللحظة؟.

في أحد الأيام أخبرها أنه ذاهب إلى الفيوم، سألته عن السبب، رد:

" مجرد تدريبات"

كان يعلم أنه قد صدرت لهم التعليمات للتدرب كل يوم في بحيرة قارون على عبور قناة السويس، كم كان يتمنى لو أخبرها أن النصر قد بات وشيكا لتشاركه الحُلم من جديد، لكنه الوطن، وسر الوطن الذي يجب أن يبقى في الصدور حتى اللحظة المناسبة.

في أحد الأيام، حزم حقيبة سفره ولملم أشياؤه الصغيرة، وأخبرها أنه يجب أن يتحرك مع كتيبته اليوم، قبل أن يغلق الباب خلفه إلتفت إليها وقال مبتسما: "لو شاء الزمان أن يفرقنا ولم أعد..أعديني بأن تربي أولادنا كما حلمنا لهم، إبنتنا ستصبح طبيبة وإبننا سوف يصبح ضابطا..لا إله إلا الله".

ابتسمت له وقالت: "يقيني أنك ستعود وسنربيهما سويا..محمد رسول الله".

نطلق إلى سيناء وانتصرت مصر وجاءها أول خطاب منه بخط يده، إحتضنت الخطاب بين ضلوعها ودموعها تنساب هادرة، قرأت:

" زوجتي الحبيبة..أكتب إليك من أرض الفيروز"

عاد يروي لها ولنا وللدنيا كيف مرت الساعات وكيف قضى الأيام وكيف عبر جيشنا المصري قناة السويس محطمين أسطورة خط بارليف الزائفة.

كان وقتها برتبة رائد، رئيس أركان الكتيبة المدرعة، ذهب مع قائد الجيش ليشهد تدريبات مشروع عبور قناة السويس في سيناء، عاد في نهاية اليوم مبتسما سعيدا ودخل على جنود كتيبته يبشرهم قائلا:

" سنعبر قناة السويس يا رجالة..بإذن الله سننتصر وسنرقص فوق الدبابات..أعدكم" 

هلل جنود الكتيبة، تعانقوا وباتوا ليلتهم فرحين يحلمون بالنصر، وحين تحقق لهم النصر وقفوا فوق الدبابات يهللون ويرقصون ويهتفون: "تحيا مصر"

عاد الجميع ولم يعد، تصور الجميع أنه لقى حتفه، إلا هي..زوجته التي باتت تجوب المستشفيات كل يوم، تبحث عن إسمه في كشوف المصابين تسأل زملائه عنه وتأبى أن تنظر في كشوف الشهداء، لأنه سيعود، وعدها وسيعود..

صدق حدسها..وعاد..عاد بطلا يحمل حقيبة بها ذكرياته وسلاحه ومتعلقات بعض الجنود الشهداء من كتيبته وهدية لها، فقد خلع من فوق أحد دبابات العدو حرفين باللغة الإنجليزية تمثل أول حرف من إسمه وإسمها..هديته لها هذه المرة كانت أغلى من الذهب والماس، إنها رمز الإنتصار..ولازالت حتى هذه اللحظة وبعد مرور خمسون عاما على نصر أكتوبر هديته لها، حرفي الـS  الـR  من وسط كلمة (إسرائيل) معلقتان خلف باب البيت الذي جمعهما سنوات وسنوات..

في يوم الذكرى الخمسين لحرب أكتوبر المجيدة، هذا اليوم الذي كان أبي اللواء أح/ سمير حسني رحمة الله عليه ينتظره من العام للعام ليبتسم ويتذكر ويروي لأبنائنا عن تلك الأيام بكل فخر، فيعلمهم أن تحمل الشدائد وأزمات الوطن واجب عليهم كما كانت يوما واجب على الجنود.

أبي العظيم..كنت ولازلت وستظل فخرا لنا ولأبنائنا..

أبي العزيز..رحلت عن دنيانا وتركت لنا إرثا من الفخر والعزة والكرامة..

كل عام ونحن ممتنون لك ولكل جندي مصري ولكل حبة رمل على أرض مصر،

كل عام وأنا أتذكر صوتك الحنون وأنت تشدو لنا بفخر نشيد الجيش:

رسمنا على القلب وجه الوطنْ         نخيلًا ونيلًا وشعبًا أصيلا

وصناكِ يا مصرُ طولَ الزمنْ.          ليبقى شبَابُك جيلًا فجيل

على كل أرضٍ تركنا علامة          قلاعا من النور تحمي الكرامةْ

أبي الغالي..سلام عليك أينما كنت من أرض الفيروز التي كان وسيظل ترابها يحمل إسمك ودماء من رحلوا..

                                                      [email protected] 

 

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: قناة السویس

إقرأ أيضاً:

هند عصام تكتب: الملك شيشنق الأول

كنا قد ودعنا ملوك وملكات الأسرة الحادى والعشرون الأسبوع القبل الماضي وكان هناك فاصل بملكة أشورية ولكننا لا نستطيع الإبتعاد كثيراً عن سرد  قصص ملوك وملكات حضارة مصر الفرعونية القديمة وسريعاً ما نعود ونشتاق لحكاوى ملوك وملكات مصر الفرعونية ونبدأ بقصة مؤسس الأسرة الثانى والعشرون وهو الملك شيشنق.

الملك عنخ خبري ستب إن رع شيشنق الذى حكم حوالي 943–922 قبل الميلاد و كان فرعونًا مصريًا قديمًا ومؤسس الأسرة الثانية والعشرين في مصر الفرعونية القديمة، وتعود اصوله لقبيلة المشواش الليبية. 

تزوج الملكة شيشنق الأول من باتارشنس كارومات
وأنجب كلا من اوسركون الأول و إيبوت الأولى و نيملوت الثاني.

وكان شيشنق هو القائد الأعلى للجيش المصري في عهد آخر ملوك الأسرة الحادية والعشرين، بسوسنس الثاني، الذي كانت ابنته ماعت كا رع زوجة الابن الأكبر لشيشنق، الملك المستقبلي أوسركون الأول.
يرجع نسب الملك شيشنق إلى أسرة من مدينة إهناسيا، وحسب لوحة حور باسن المحفوظة الآن بمتحف اللوفر والتي أقامها حور باسن وذكر فيها أجداده، فإن نسب جده الثامن الفرعون شيشنق هو: شيشنق بن نمرود بن شيشنق بن باثوت بن نبنشي بن ماواساتا بن بويو واوا.

وكان جده الأعلى (بويو واوا) مستقرأً في خليج سرت موطن المشواش الأصلي، ولذلك عرفت أسرته لدى المهتمين بالتاريخ المصري القديم باسم الأسرة الليبية، وكذلك ينتمي بويو واوا لقبيلة المشواش الليبية، أما ابنه ماواساتا فقد انتقل إلى العيش بمدينة إهناسيا وانخرط في صفوف الكهنة حتى صار كاهن معبد مدينة إهناسيا وقد خلفه ابنه نبنشي، الذي خلفه ابنه باثوت، الذي خلفه ابنه شيشنق، والذي ورث عن أجداده وظيفة الكاهن، وصار بعد ذلك الكاهن الأعظم وقائد حامية إهناسيا وقد تزوج من (محنتو سخت) ابنة زعيم قبيلة مي، وأنجب منها نمرود، الذي تزوج من الأميرة تنتس بح، والتي أنجب منها شيشنق، فأصبح فرعون مصر ومؤسس الأسرة الثانية والعشرين، بعد أن اندمج في المجتمع المصري وعاشت أسرته فيها لمدة خمسة أجيال، وبعد أن استقر جده الرابع ماواساتا بمدينة إهناسيا.

علماً بأن نمرود بن شيشنق توفي في حياة والده، الذي قام بدفنه في مكان مقدس حسب اعتقاده، وهو مدينة أبيدوس ( التي تقع بمحافظة سوهاج الآن)، وقد نهب قبره، فقام والده شيشنق الكبير بتقديم شكوى للفرعون، الذي اهتم بالشكوى لمكانته المرموقة في مدينة إهناسيا. وبالنسبة لحفيده شيشنق، والذي ورث منصب جده الكاهن الأعظم ورئيس حامية إهناسيا ورئيس قوم مي (المشواش)، بالإضافة إلى ألقاب أخرى منها «الرئيس الأعظم المشرف على الصعيد».

استطاع شيشنق أن يتولى حكم مصر ويحمل لقب الفرعون وأسس بذلك لحكم أسرته الأسرة الثانية والعشرين في عام 950 ق.م التي حكمت قرابة قرنين من الزمان. وقد عرفه الإغريق فسموه سوساكوس. خلال حكم الأسرة الحادية والعشرون الذي دام مائة وثلاثين عامًا تقريبًا عصفت خلالها الأحداث بمصر من الداخل والخارج وعم الفساد بالدولة وأنهكت الضرائب كاهل الشعب مما أدى إلى تفكك البلاد ولم يجد الفرعون بداً من محاولة حل المشاكل سلميا واضطر من خلالها إلى مهادنة مع بني إسرائيل أيضا التي كانت قوتها تتعاظم في فلسطين تحت حكم داود في هذه الفترة كان ظهور شيشنق وتزوج من ابنة الفرعون بسوسنس الثاني آخر ملوك هذه الأسرة وأعلن قيام الأسرة الثانية والعشرين، وكان ذلك حوالي عام 940 قبل الميلاد. فالمرجح انه نجح في تولي الحكم في مصر وديا وسلميا ليس كمحتل ،في عهده كتب في إحدى الصخور في وادي الملوك بمصر أقوى المعارك التي قادها منتصرا.

بالنسبة لعمر الأسرة التي أسسها شيشنق فقد خص مانِتون الأسرة الثانية والعشرين بمئة وعشرين عاما فقط، ولكن التسلسل الزمني المقبول حاليا يجعل المدة تزيد على قرنين كاملين، من 950 ق.م إلى 730 ق.م.

وقد تعرف العالم على الفرعون شيشنق بعد اكتشاف مقبرته من قبل الفرنسي البروفيسور مونيته في سنة 1940م والتي وجدت بكامل كنوزها ولم تتعرض للنهب ، وكان هذا الاكتشاف سيشكل حدثا هاما مثل حدث اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون لولا أن توقيت هذا الاكتشاف كان على أعتاب الحرب العالمية الثانية فلم ينل التغطية والاهتمام كما حدث عند اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون.
وتاريخ تولية «شيشنق» الملك لا يمكن معرفته على وجه التأكيد ولًكنه لابد قد وقع بعد عام 945 ق.م. وقد كشفت لنا اللوحة التي دون عليها «حور باسن» تاريخ أحد عجول أبيس عن تاريخ أسرة «شيشنق» ورسوخ قدمها في مصر منذ زمن طويل وقد عرفنا منها ومن غيرها من النقوش ماكان لهذه الأسرة الليبية من نفوذ في أنحاء البلاد ، وبخاصة من الوجهة الحربية والوجهة الدينية .

وتدل شواهد الأحوال على أنه قد تسلم مقاليد الحكم دون أية مقاومة ، والظاهر أن طول مقام الليبيين في مصر علّمهم كيف يستطيعون الاستيلاء على الملك دون أن يقاومهم الشعب المصري ، وذلك بالحرض الشديد على تقاليد المصريين السياسية والدينية الموروثة من أقدم عهود التاريخ. والصحيح أنه وإن كان أصله البعيد يرجع إلى ليبيا، لكن أسرته تمصًرت منذ أن استوطنت مصر من عدة أجيال سابقة وسكنوا إهناسيا المدينة، وصاروا من المواطنيين، وتقلد كثير منهم مناصب الدولة، وأظهروا فيها إخلاصآ لوطنهم مصر.

طباعة شارك شيشنق الملك شيشنق بسوسنس الثان

مقالات مشابهة

  • ما الذي أخر التنفيذ؟.. الكشف عن مخطط اجتياح غزة واغتيال السنوار والضيف قبل 7 أكتوبر
  • الرعاية الصحية : مجمع الفيروز يضم أول وحدة حكومية متكاملة للتخاطب
  • علامات حسد الأقارب.. كم علامة من 40 ظهرت عليك وعلى أطفالك؟
  • لابيد ساخرا من نتنياهو: اكتشفوا الذي تجاهل جميع التحذيرات في 7 أكتوبر
  • الرعاية الصحية: مجمع الفيروز الطبي بالطور يحصل على درجة الاعتماد القومية GAHAR
  • نجاح مجمع الفيروز الطبي في الحصول على درجة الاعتماد القومية GAHAR
  • مقتل فنان مصري في مشاجرة كبيرة مع زوج طليقته أمام أحد النوادي الشهيرة بمدينة أكتوبر
  • مونيكا وليم تكتب: انعكاسات التقدم الروسي في أوكرانيا على فرص التسوية
  • هند عصام تكتب: الملك شيشنق الأول
  • نجاة عبد الرحمن تكتب: حرب الهوية