لجريدة عمان:
2025-05-24@09:58:15 GMT

تحليل الشخصية اليهودية من خلال النص القرآني..

تاريخ النشر: 9th, November 2023 GMT

المتابع للأحداث الجارية في فلسطين وما يصاحبها من مشاهد مروعة من قتل الأطفال والنساء من قبل دولة الاحتلال الصهيوني، وما تقوم به من جرائم في حق الإنسانية من خلال قصفها للمستشفيات والمساجد والمدارس والمجمعات السكنية يقف مذهولا من طغيان هذا الكيان الغاصب وفي انتفاء مشاعره الإنسانية، وفي طغيانه الذي تجاوز الحد في الإفساد وإهلاك الحرث والنسل.

والمتأمل في كل ذلك يحاول أن يجد مقاربة منطقية تعينه على فهم شخصية الإنسان اليهودي فضلا عن كونه صهيونيا مؤسسا لحركة الصهيونية العالمية التي قامت في عام 1849م، فهل اليهودي في طباعه وغرائزه وطريقة تفكيره ونزعته إلى الشر مرتبط بهذا العرق ارتباطا وثيقا لا يمكن الفكاك منه، لرجوعه إلى عوامل جينية وعقدية مشوهة، ولا أدل على تفسير هذه الأمور وتجليتها إلا من خلال القرآن الكريم الذي فصّل في ذكر اليهود وأوصافهم وطبائعهم ومعتقداتهم، فالله أعلم بخلقه، فنبيهم الذي أرسل إليهم وهو موسى عليه السلام هو أكثر الأنبياء ذكرا في القرآن الكريم حيث تم ذكره 136 مرة، وقد أخبرنا الله عن أصلهم، وكيف كانت بداياتهم، وأين سكنوا، ومن استعبدهم ومن قام باستنقاذهم وتحريرهم، كما حدثنا عن جحودهم وتكذيبهم وجدالهم وتحايلهم، وما هي الأوصاف التي وصفوا بها ربهم، وما الأوصاف التي وصفهم الله بها، وما هي المعجزات الباهرات التي أرسلها الله إليهم ولم يؤمنوا بها، وكل ذلك في تفاصيل تستطيع إسقاطها على الواقع الدموي الذي تقوم به قوات الاحتلال في غزة في الحرب الدائرة الآن، وكيف يبرر اليهود الغاصبون هذا الإسراف في القتل، فهم أعداء المسلمين بنص كتاب الله فقد قال الله تعالى في سورة المائدة: " لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا"

قساوة القلب

من المعروف أن إسرائيل هو النبي يعقوب عليه السلام ابن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، وأبناؤه هم الذين سماهم الله تعالى في كتابه العزيز بني إسرائيل، ولو تتبعنا قصة سيدنا يوسف بن يعقوب عليهما السلام مع إخوته الذين يعتبرون أجدادا لليهود لوجدنا في القصة القرآنية دلالات واضحة على فساد مسلك إخوته، فنجدهم حسدوا يوسف عليه السلام على محبة أبيه له، وأرادوا قتله، فلك أن تتصور أن يقوم أخوك بقتلك لأجل أن أبيك يحبك حبا شديدا، فلك أن تتصور قساوة قلوبهم وجرأتهم على القتل حتى قتل الأطفال، وقد كان يوسف عليه السلام طفلا، فتشاوروا على قتله، ووصلوا إلى أن يقذفوه في البئر السحيقة، فلا تستغرب من أحفادهم الذين نراهم اليوم يقتلون الأطفال في غزة بدم بارد.

فقد وصف الله اليهود بقساوة القلوب، وأن قلوبهم أشد قسوة من الحجارة؛ لأن الحجارة تتفجر منها المياه بينما قلوب اليهود قاحلة جافة لا خير فيها فقال تعالى في سورة البقرة: " ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً".

ولو تتبعنا قصة سيدنا يوسف قرآنيا لوجدنا أنها تطرح الكثير من الدلالات على الطباع اليهودية منذ تكوينا الأول، فهؤلاء الأبناء الأحد عشر وصفوا أباهم النبي ابن النبي ابن النبي وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام وصفوه بقولهم: "إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ"، فلك أن تتصور أن أحدا يصف أباه بأنه في ضلال مبين فضلا أن يكون أبوه نبيا من الله وأبوه نبي وجده نبي، بل لم يكتفوا بوصفهم له هذا الوصف وهو غير حاضر معهم، عندما كانوا يخططون لقتل أخيهم يوسف عليه السلام، وإنما قالوها له مرة أخرى في وجهه بكل وقاحة وجراءة بل وأقسموا على ذلك، عندما قال لهم بعد سنين عديدة: إني أجد ريح يوسف فقالوا له: "قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم" وفي حقيقة الأمر هم أهل الضلالة.

الكذب وتزييف الحقائق

وفي ملمح آخر من قصة إخوة يوسف عليه السلام، وخاصة في ما يتعلق بحفظ العهود والمواثيق، والكذب والتزييف والاحتيال وهذا دأبهم وديدنهم إلى وقتنا الحاضر، فنجدهم يألفون القصص حول ضحاياهم من الأطفال بينما هم الذين يقتلون ويقصفون الأطفال في غزة،

لوجدنا أنهم احتالوا على أبيهم ليبعث معهم أخاهم ليقتلوه، فقالوا له :أرسله معنا لأجل أن يلعب ويرتع وإنا له لحافظون، قال لهم يعقوب: أخاف أن يأكله الذئب إذا غفلتم عنه، قالوا لئن أكله الذئب ونحن أحد عشر رجلا فنحن إذن خاسرون، فعندما غدروا به ولم يوفوا بعهدهم الذي قطعوه لأبيهم في حفظ أخيهم، لجأوا إلى الكذب وتزييف الحقائق وقلب الأقوال، فقالوا لأبيهم: إننا كنا نتسابق وتركنا أخانا عند متاعنا فأكله الذئب، فبدلا من ترك يوسف يلعب وحمايته، ذهبوا هم للسباق واللعب على حسب زعمهم وتركوا يوسف عند المتاع لحفظه وحمايته، وكذلك في تزييفهم وكذبهم قال الله تعالى: " وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ" فالقميص سليم وإنما ملطخ بالدماء، فاستغرب يعقوب عليه السلام كيف لهذا الذئب أن يأكل ابنه يوسف ولم يمزق القميص، فعلم أنه سولت لهم أنفسهم أمرا.

بل لم يكتفوا بأن تخلصوا من أخيهم فهم غير نادمين أو آبهين لهذه الجريمة التي قاموا بها بل ووصفوا أخاهم يوسف بأنه سارق وأن أخاه الشقيق الصغير يتبع خطوات أخيه يوسف في السرقة فقالوا: " قَالُوا إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ".

وقد جاء بهم يوسف عليه السلام من البادية إلى مصر واستقروا بها، قال تعالى: "وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي" وقد أخذوا في التناسل ولكنهم قاموا بافتعال المشاكل في مصر حتى تسلط عليهم الفراعنة فأخذوا يسومونهم سوء العذاب يذبحون أبناءهم ويعتدون على نسائهم، فكانوا مثل الأمم المقهورة المستخدمة للسخرة والاستعباد، حتى قال الله تعالى عن ذلك العذاب " بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ".

افتعال المشاكل

وعلى الرغم من كل هذه المهانة والاستعباد والسخرة، كانوا لا زالوا يفتعلون المشاكل، وقد ذكر الله لنا نموذجا من اقتتال أحد بني إسرائيل بآل فرعون، فقال تعالى: " وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ" وقد تيقن موسى من أن هذا الرجل من بني إسرائيل هو الذي يفتعل المشاكل، ويدخل في خصومات ومن ثم يستنقذ أحدا من بني إسرائيل ليعينه، فقال تعالى: "فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ" فهذا يدل على ما كانوا عليه من الضلال وافتعال المشاكل، وهذا ظهر جليا من خلال مواقفهم مع نبيهم موسى عليه السلام، وكيف أنهم كانوا يرون المعجزة تلو الأخرى ولا يؤمنون بها.

فساد المسلك

وعلى الرغم من أن موسى عليه السلام كان فيهم ويدعوهم إلى عبادة الله كما كان يدعوا فرعون، وقد أرسل الله تسع آيات معجزات إلى فرعون وقومه، وقد شاهد بنوا إسرائيل تلك المعجزات الواحدة تلو الأخرى، وكما أحصاها المفسرون وهي: العصا، واليد، والسنون، ونقص الثمرات بمختلف الآفات، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، وهي آيات بينات واضحات إلا أن تلك المعاجزات الخاصات لدعوة فرعون لم تكفهم لأن يؤمنوا ويصدقوا بموسى عليه السلام، فأجرى الله على يده معجزة كانت سببا في نجاتهم من القتل، فبعد أن خر السحرة ساجدين بعد التحدي الذي حضره جميع الناس قام فرعون بمطاردة موسى وبني إسرائيل فكاد أن يدركهم عندما وصلوا إلى شاطئ البحر فقالوا: "إنا لمدركون" ولكن أجابهم موسى عليه السلام: " قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ" أي سيهديني إلى طريق أنجو فيه من فرعون، فقال تعالى: "فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ" فتصور أن ينشق البحر فيكون في وسطه أرض جافة بين جبلين من الماء، ولكن ماذا فعل بنو إسرائيل بعد أن نجاهم الله وأغرق فرعون وجنوده وزال الخطر عنهم، ما فعلوا كان يدل على فساد مسلكهم، وعلى فطرتهم التي أشربت بالشرك وعبادة غير الله، قال تعالى: "وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ" فكيف لك أن تدعوا قوما أنجاهم الله من القتل أو الغرق ولا يكاد أن تجف أقدامهم من ماء البحر حتى يعودون للشرك والطلب من موسى أن يجعل لهم إلها صنما يعبدونه، إلا أنهم في غواية وجهالة عظيمة.

وقد نهاهم موسى عن هذا الطلب وذكرهم بالله ووحدانيته وأخبرهم أنه ذاهب لموعد ربه فسبقهم إلى طور سيناء، فما كاد أن يغيب عنهم موسى 40 ليلة إلا صنعوا عجلا من الذهب الذي حملوه معهم بعد أن أغواهم السامري فأخذوا يعبدونه من دون الله، مع أن هارون عليه السلام نهاهم عن ذلك ولكنهم هددوه بالقتل، وخاف أن يفرق كلمتهم ويحصل التقاتل بينهم فانتظر حتى جاء أخوه، ومن شدة غيض موسى عليه السلام وغضبه عليهم وعلى فعلتهم أخذ يجر أخيه من شعره ولحيته لماذا لم يمنعهم، فأخبره بالسبب، وحلت اللعنة على السامري.

التكذيب والعناد

فهم قوم تغلب عليهم صفة الشر والضلالة وقد أتعبوا موسى عليه السلام في دعوته لهم، وقد اختار موسى عليه السلام 70 رجلا منهم لميقات الله، فقال تعالى: "وَاخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاءُ وَتَهْدِي مَن تَشَاءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ" فلك أن تتصور أن هؤلاء هم صفوتهم فماذا طلبوا من موسى؟! قالوا له: " وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ" طلبوا منه أن يريهم الله عيانا في الجهر، عنادا واستكبارا، وجحودا، كما أنهم في عصر النبي محمد صلى الله عليه وسلم طلبوا منه أن ينزل عليهم كتابا من السماء ليقرؤوه فقال له الله لا تستغرب فعلهم فقد سألوا نبيهم أكبر من ذلك فقال تعالى: " يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذَٰلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ" فأرسل الله عليهم صاعقة تأخذهم واحدا تلو الآخر وهم ينظرون إليها حتى مات السبعون رجلا، ثم أحياهم الله بعد موتهم فقال تعالى: " ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" بعد كل هذه المواقف والمعجزات التي عاينوها بأعينهم وحصلت لهم إلا أنهم لا يزالون في ضلالهم وتكذيبهم لنبيهم.

نكران الحق

ماذا يفعل موسى عليه السلام مع هؤلاء القوم المكذبين لأجل أن يؤمنوا به ويعبدوا الله، فأجرى الله معجزة عظيمة أخرى لعلهم يؤمنون فماذا حصل؟ نتق الله الجبل واقتلعه من الأرض ورفعه في السماء فوق رؤوسهم يظللهم وظنوا أنه سيقع عليهم، فقال تعالى في سورة البقرة: "وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" وقال في سورة الأعراف: " وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" وقال الله تعالى في سورة البقرة: "وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ۖ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا" فماذا كان جوابهم؟ "قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا"، من يرى كل هذه المعجزات من البشر الأسوياء لن يغفلوا عن ذكر الله وعبادته ساعة، فهذه المعجزات كفيلة بخضوع البشر واستكانتهم وانقيادهم لله عز وجل، ولكن بني إسرائيل لم يطرف لهم جفن من كل هذه المعجزات، حتى أن الله أحياهم بعد موتهم إلا أنهم أبوا إلا كفرانا وإعراضا ونفورا، فقالوا سمعنا وعصينا.

الجدل والمماطلة

وقد سمى الله أطول سورة في القرآن الكريم بـ"البقرة" وهي بقرة بني إسرائيل، والقصة أنه وقعت حادثت قتل رجل في بني إسرائيل ولكنهم لم يعرفوا القاتل، فجاؤوا إلى موسى عليه السلام وطلبوا منه أن يكشف لهم عن القاتل، فقال لهم إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة فقالوا له: هل تسخر منا قال: أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين الساخرين، فلم يمتثلوا للأمر ولكن أخذوا يجادلون ويماطلون فأخذوا كل مرة يستفسرون عن شكلها ولونها وعمرها وفي ماذا تستخدم، وكان الله عز وجل يصعب لهم العملية في كل مرة، فوجدوها عند رجل من أهل القرية ولكنهم اشتروها بثمن باهض وبعد ذلك ذبحوها وضربوا بأجزاء منها الرجل الميت فعاد حيا وأخبرهم عن قاتله ومات مرة أخرى، ولكن الشاهد في أنهم لم يمتثلوا أمر الله ويبادروا بفعل ما أمرهم الله به، وإنما أخذوا يماطلون ويجادلون ويسوفون، وهذا حالهم وطبعهم.

الاحتيال

وأخبرنا الله عن طائفة أخرى من بني إسرائيل وهم أصحاب السبت فقال تعالى: " وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ" فقد حرم الله عليهم أن يصطادوا يوم السبت، وقد كانت الأسماك تخرج لهم يوم السبت وتأتي قريبة من الشاطئ بكميات كبيرة، وفي بقية الأيام لا تأتي، فماذا فعلوا لكي يحتالوا على أوامر الله -وهذا حالهم ودأبهم وديدنهم-؟ نصبوا الشباك يوم الجمعة، فتأتي الأسماك وتعلق فيها يوم السبت، ويسحبونها يوم الجمعة، ويظنون أنهم يستطيعون أن يخدعوا الله ويحتالوا على أوامره، ولقد نهاهم بعض المؤمنين منهم من هذا الفعل، ولكنهم أبوا أن ينتهوا، فعاقبهم الله بأن خسف بهم بأن جعلهم يتحولون إلى قردة وخنازير، فقال تعالى: "فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ" وقال في سورة البقرة: "وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ".

وصفهم لربهم

بل من ضلالهم وطغيانهم تجرؤوا على وصف الله بأوصاف لا تليق -تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا- فقد وصفوا الله بأنه بخيل قال تعالى في سورة المائدة: " قَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ".

وقالوا عن الله إنه فقير فقال الله تعالى في سورة الأنبياء: " لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ۘ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ". وقالوا إن الله له ولد: " وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ".

فمن يتجرأ على الله بهذه الأوصاف، ويتجرأ على أنبيائه ورسله بالقتل، فهو أولى بأن يتجرأ على بقية الناس، بالقتل والتنكيل والتعذيب.

والمفارقة القائمة أن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت وصف مقاتلي غزة بالحيوانات، ولكن نحن نرى القرآن الكريم وصف اليهود الذين أرسلت لهم التوراة ولم يعملوا بها وصفهم بالحمير، فقال تعالى في سورة الجمعة: " مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا" وقال عن علماء اليهود في سورة الأعراف: " وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" وكذلك وصفهم الله بأن جعل منهم قردة وخنازير فقال تعالى في سورة المائدة: " قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ ۚ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ".

حرصهم على الحياة

وقد وصفهم الله بأنهم يحرصون على الحياة الدنيا ويتمنون أن يعمروا ألف سنة، ولذلك انعكس هذا على حالهم في حالة الحرب فهم جبناء يخافون من الموت، ولذلك لا يقاتلون إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر، فنجدهم يقاتلون وهو يختبئون خلف دباباتهم ومدرعاتهم، وتحسبهم جميعا ولكن قلوبهم متفرقة، وهم قساة القلوب حتى على بعضهم البعض، فنجدهم اليوم يريدون أن يقتلوا حتى رهائنهم الإسرائيليين الذين يوجدون في أيدي المقاتلين الفلسطينيين. ويقولون بأن الجنة لن يدخلها إلا من كان يهوديا أو نصرانيا، ويحتقرون الخلق، ويرون أنهم هم أبناء الله وأحبائه.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فقال تعالى فی سورة قال تعالى فی سورة یوسف علیه السلام فی سورة البقرة قال الله تعالى القرآن الکریم الله تعالى فی فقال تعالى ف بنی إسرائیل الله بأن من خلال م الله إلا أن کل هذه

إقرأ أيضاً:

من كل بستان زهرة – 102-

من كل #بستان #زهرة – 102-

#ماجد_دودين

مَثِّلْ وُقُوفَكَ يَوْمَ الْحَشْرِ عِريَانا … مُسْتَعْطِفًا قَلِقَ الأحْشَاءِ حَيْرانَا

النَّارُ تَزْفُر مِنْ غَيْظٍ وَمِن حَنَقٍ … عَلَى العُصَاةِ وَتَلْقَ الرَّبَ غَضْبَانَا

مقالات ذات صلة هل سيوقف ترمب و حلفائه الغربيين الحرب على غزة؟ 2025/05/20

اقْرَأ كِتَابَكَ يَا عَبْدِي عَلَى مَهَلٍ … وَانْظُرْ إِليه تَرَى هَل كَانَ مَا كَانا

لَمَّا قَرَأت كِتابًا لَا يُغَادِر لِي … حَرفًا وَمَا كَانَ فِي سِرٍّ وَإعْلانَا

قال الجليل خُذُوْهُ يَا مَلَائِكَتِي … مُرُوا بِعَبْدِي إِلَى النِّيْرَانِ عَطْشَانًا

يَا رَبِّ لَا تَخْزِنَا يَوْمَ الْحِسَابِ وَلا … تَجْعَلْ لَنَارِكَ فِيْنَا اليَوْمَ سُلْطَانَا

اللهم ارزقنا أنفسًا تقنع بعطائك، وترضى بقضائك، وتصبر على بلائك، وتوقن بلقائك وتشكر لنعمائك وتحب أوليائك وتبغض أعداءك واغفر لنا ولوالدينا وجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.

السعداء هم الذين تركوا الدنيا فأصابوا، وسمعوا منادي الله فأجابوا، وحضروا مشاهد التقى فما غابوا، واعتذروا مع التحقيق ثم تابوا وأنابوا، وقصدوا باب مولاهم فما ردوا ولا خابوا.

قال ابن القيم في وصف عرائس الجنّة:

فَاسْمَعْ صِفَاتِ عَرَائِس الْجَنَّاتِ ثُمَّ … اخْتَر لنَفْسُكَ يَا أَخَا العِرْفَانِ

حُوْرٌ حِسَانٌ قَدْ كَمَلْنَ خَلائِقًا … وَمَحَاسِنًا مِنْ أَجْمَلِ النِّسْوَانِ

حَتَّى يَحَارُ الطَّرْفِ فِي الْحُسْنِ الَّذِي … قَدْ ألْبِسَتْ فَالطَّرْفُ كَالْحَيْرَانِ

وَيَقولُ لَمَّا أَنْ يُشَاهِدَ حُسْنَهَا … سُبْحَان مُعْطِي الْحُسْنِ وَالإِحْسَانِ

وَالطَّرْفُ يَشْرَبُ مِن كِئوسِ جَمَالِهَا … فَتَراهُ مِثْلَ الشَّارِب النَّشْوَانِ

كملت خلائقها وأكمل حسنها … كالبدر ليل الست بعد ثمان

والشمس تجري في محاسن وجهها … والليل تحت ذوائب الأغصان

فتراه يعجب وهو موضع ذاك من … ليل وشمس كيف يجتمعان

فيقول سبحان الذي ذا صنعه … سبحان متقن صنعة الإنسان

وكلاهما مرآة صاحبه إذا … ما شاء يبصر وجهه يريان

فيرى محاسن وجهه في وجهها … وترى محاسنها به بعينان

حمر الخدود ثغورهن لآليء … سود العيون فواتر الأجفان

والبدر يبدو حين يبسم ثغرها … فيضيء سقف القصر بالجدران

من كان داؤه المعصية، فشفاؤه الطاعة، ومن كان داؤه الغفلة، فشفاؤه اليقظة، ومن كان داؤه كثرة الأشغال، فشفاؤه في تفريغ المال.

فمن تفرغ من هموم الدنيا قلبه، قل تعبه، وتوفر من العبادة نصيبه، واتصل إلى الله مسيره، وارتفع في الجنة مصيره، وتمكن من الذكر والفكر والورع والزهد والاحتراس من وساوس الشيطان، وغوائل النفس.

ومن كثر في الدنيا همه، أظلم طريقه، ونصب بدنه، وضاع وقته، وتشتت شمله، وطاش عقله، وانعقد لسانه عن الذكر، لكثرة همومه وغمومه، وصار مقيد الجوارح عن الطاعة، من قلبه في كل واد شعبة، ومن عمره لكل شغل حصة.

تَبْغِيْ الوُصُولَ بسَيْرَ فيه تَقْصِيْرُ … لاَ شَكَّ أنَّكَ فِيْما رُمْت مغْرُوْرُ

قَدْ سَار قَبْلَكَ أَبْطَالٌ فَمَا وَصِلُواْ … هَذا وفي سَيْرهَمْ جِدٌ وَتَشْمِيْرُ

يا مُدَّعِي الحُبَّ في شَرْعِ الغَرامِ وَقَدْ … أَقَامَ بَيَّنَةً لَكِنّهَا زُوْرُ

أَفْنَيْتَ عُمْرَكَ في لَهْوٍ وفي لَعِبٍ … هَذَا وَأَنْتَ بَعْيدُ الدَّارِ مَهْجُوْرُ

لَوْ كَانَ قَلْبُكَ حَيًا ذُبْتَ مِنْ كَمَدٍ … مَا لِلْجرَاح بَجِسْمِ المَيْتِ تَأْثِيْرُ

لا تغتم إلا من شيء يضرك في الآخرة، ولا تفرح بشيء لا يسرك غدًا، وأنفع الخوف ما حجزك عن المعاصي، وأطال الحزن منك على ما فاتك من الطاعة، وألزمك الفكر في بقية عمرك.

عليك بصحبة من تذكرك الله عز وجل رؤيته، وتقع هيبته على باطنك ويزيد في عملك منطقه.

ويزهدك في الدنيا عمله، ولا تعصي الله ما دمت في قربه، يعظك بلسان فعله ولا يعظك بلسان قوله.

خُذْ مَا صَفَا لَكَ فَالْحَيَاةُ غُروْرُ … وَالْمَوتُ آَتٍ وَاللَّبِيْبُ خَبِيْرُ

لَا تَعْتِبَنَّ عَلَى الزَّمَانِ فَإِنَّهُ … فَلَكٌ عَلَى قُطْبِ الْهِلاكِ يَدورُ

تَعْفُو السُّطوْرُ إِذَا تَقَادَمَ عَهْدُهَا … وَالْخَلْقُ فِي رِقِّ الْحَيَاةِ سُطُوْرُ

كُلّ يَفرُ مِن الرَّدَى لِيَفُوتَهُ … وَلَه إِلَى مَا فَر مِنْهُ مَصِيْرُ

فَانْظُرْ لنَفْسُكَ فَالسَّلَامَة نُهْزَةٌ … وَزَمَانُهَا ضَافِي الْجَنَاحِ يَطِيْرُ

مِرْآةُ عَيْشِكَ بِالشَّبَابِ صَقِيْلَةٌ … وَجَناحُ عُمْرَك بِالْمَشِيْبِ كَسِيْرُ

بَادِرْ فَإِنَّ الوَقْتَ سَيْفٌ قَاطِعٌ … وَالعُمْرُ جَيْشٌ وَالشَّبَابُ أَسِيْرُ

بذكر الله تحيا القلوب من موت غفلتها فالله الله بالمداومة على ذكر الله سرًا وجهارًا ليلاً ونهارًا قيامًا وقعودًا ماشين ومضطجعين.

ذاكر الله لا يستطيع الشيطان في ظله مقيلا، ذاكر الله لا يجد الشيطان إلى إغوائه سبيلا، ذاكر الله لا يزال شيطانه مدحورًا ذليلا، ذاكر الله قد تكفل الله بحفظه وكيف يضيع من كان الله به كفيلا، بذكر الله تطمئن القلوب وتحيا، قال الله تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: ٢٨]. وقال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: ١٥٢(

وَالذِّكرُ فِيْهِ حَيَاةٌ لِلْقُلُوبِ كَمَا … تَحْيَا البِلَادُ إِذَا مَا جَاءَهَا الْمَطَرُ

قال أحد الزهّاد: مَا لِي وَلِهَذَا الْخَلْق كنت فِي صلب أبي وحدي … …

ثم صرت في بطن أمي وحدي … …ثم دخلت الدنيا وحدي … …ثم تقبض روحي وحدي … …

ثم أدخل في قبري وحدي … …ثم يأتيني منكر ونكير فيسألاني وحدي … …فإن صرت إلى خير صرت وحدي … …

ثم يوضع عملي وذنوبي في الميزان وحدي … …وإن بعثت إلى الجنة بعثت وحدي … …

فما لي وللناس؟!! … ..

قال الحسن البصري ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي يا ابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فتزود مني فإني إذا مضيت لا أعود.

وَمَا الْمَرْءُ إِلَاّ رَاكِبٌ ظَهْرَ عُمْرِه … عَلَى سَفَرٍ يُفِنْيِه بِاليَوْمِ وَالشَّهْرِ

يَبِيْتُ وَيُضْحِى كَل يَومٍ وَلَيْلَةٍ … بَعِيْدًا عَنْ الدُّنْيَا قَرَيْبًا إِلَى القَبْرِ

فالذي ينبغي للإنسان أن يحافظ على وقته أعظم من محافظته على ماله، وأن يحرص على الاستفادة منه في كل لحظة فيما ينفعه في دينه وفي دنياه، مما هو وسيلة إلى الدار الآخرة.

قال حكيم من أمضى يومًا من عمره في غير حق قضاه، أو فرض أداه، أو مجد أثله، أو حمد حصله، أو خير أسسه، أو علم اقتبسه، فقد عق يومه وظلم نفسه.

قال بعض العلماء أغلق باب التوفيق عن الخلق من ستة أشياء.

انشغالهم بالنعمة عن شكرها.

ورغبتهم في العلم وتركهم العمل.

وإقبال الآخرة وهم معرضون عنها.

والاغترار بصحبة الصالحين وترك الاقتداء بفعالهم.

وإدبار الدنيا عنهم وهم يتبعونها.

والمسارعة إلى المعاصي والذنوب وتأخير التوبة.

وَكَمْ ذِيْ مَعَاصٍ نَالَ مِنْهُنَّ لَذَّةً … وَمَاتَ وَخضلَاّهَا وَذَاقَ الدَّوَاهِيَا

تَصَرَّمُ لذات المعاصي وتنقضي … وتبقى تباعات المعاصي كما هيا

فَيَا سَوْءَتَا وَاللهِ رَاءٍ وَسَامِعٌ … لِعَبْدٍ بِعَيْنِ اللهِ يَغْشَى الْمَعَاصِيَا

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال أخذ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بمنكبي فقال: «كن في الدنيا كَأَنَّكَ غريب أو عابر سبيل» وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك. رواه البخاري.

قالوا في شرح هذا الحديث معناه لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطنًا ولا تحدث نفسك بطول البقاء فيها ولا تشتغل فيها إلا بما يشتغل به الغريب فقط الذي يريد الذهاب إلى أهله، وأحوال الإنسان ثلاث: حال لم يكن فيها شيئًا وهي قبل أن يوجد.

وحال أخرى وهي من ساعة موته إلى ما لا نهاية له في البقاء السرمدي فإن لنفسك وجود بعد خروج الروح من البدن إما في الجنة وإما في النار وهو الخلود الدائم وبين هاتين الحالتين حالة متوسطة وهي أيام حياته في الدنيا فانظر إلى مقدار ذلك بالنسبة إلى الحالتين يتبين لك أنه أقل من طرفة عين في مقدار عمر الدنيا.

يَا غَافِلَ الْقَلْبِ عَنْ ذِكْرِ الْمَنَيَّاتِ … عَمَّا قَلِيْل سَتُلْقَى بَيْنَ أَمْوَاتِ

فَاذْكُر مَحَلَّكَ مِن قَبْل الْحُلُولِ بِهِ … وَتُبْ إِلَى الله مِنْ لَهْوٍ وَلَذَّاتِ

إِنَّ الْحِمَامَ لَهُ وَقْتٌ إِلَى أَجَلٍ … فَاذْكُرْ مَصَائِبَ أَيَّامٍ وَسَاعَاتِ

لَا تَطْمَئِنَّ إِلَى الدُّنْيَا وَزِيْنَتَهَا … قَدْ آنَ لِلمَوْتِ يَا ذَا اللَبِّ أَنْ يِأْتِي

ليس العجب من انهماك الكفرة في حب الدنيا والمال فإن الدنيا جنتهم وإنما العجب أن يكون المسلمون يصل حب المال والدنيا في قلوبهم إلى حد أن تذهل عقولهم وأن تكون الدنيا هي شغلهم الشاغل ليلاً ونهارًا وهم يعرفون قدر الدنيا من كتاب ربهم وسنة نبيهم – صلى الله عليه وسلم – أليس كتاب الله هو الذي فيه {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} [الشورى: ٢٠)

ويقول: {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً} [الإسراء: ١٩ .

قال أحد العلماء رحمه الله تعالى أعلم أن الدنيا رأس كل خطيئة كما قال – صلى الله عليه وسلم – وقد صارت عدوة لله وعدوة لأوليائه وعدوة لأعدائه، أما عداوتها لله تعالى فلأنها قطعت الطريق بينه وبين أوليائه.

ولهذا فإنه لم ينظر إليها منذ خلقها، وأما عداوتها لأوليائه فلأنها تزينت لهم بزينتها وغمرتهم بزهرتها وتزهت لهم بنضارتها حتى تجرعوا مرارات الصبر في مقاطعتها وتحملوا المشاق في البعد منها.

وأما عداوتها لأعدائه فلأنها استدرجتم بمكرها ومكايدها واقتنصتهم بحبائلها وأقصدتهم بسهامها حتى وثقوا بها وعولوا عليها.

فخذلتهم أحوج ما كانوا إليها وغدرت بهم أسكن ما كانوا إليها فاجتنوا منها حسرة تنقطع دونها الأكباد. وحرمتهم السعادة الأخروية على طول الآماد فانتبه يا من اغتر بها قبل أن يصيبك مثل ما أصاب المغترين بها.

قال بعض العارفين إذا كان أبونا آدم عليه السلام بعد ما قيل له أسكن أنت وزوجك الجنة صدر منه ذنب واحد فأمر بالخروج من الجنة فكيف نرجو دخولها مع ما نحن مقيمون عليه من الذنوب المتتابعة والخطايا المتواترة.

يجب على من لا يدري متى يبغته الموت أن يكون مستعدًا له ولا يغتر بشبابه وصحبته فإن أقل من يموت الشيوخ الطاعنين في السن. وأكثر من يموت الشبان خصوصًا في زمننا الذي كثرت فيه الحوادث ولهذا يندر من يكبر وقد أنشدوا:

يَعَمَّرُ وَاحدٌ فَيَغُرُّ قَوْمًا … وَيُنْسَى مَن يَمُوتُ مِن الشَّبَابِ

آخر:

لَا تَغْتَرِرْ بِشَبَابٍ نَاعِمٍ خَضِلٍ … فَكَمْ تَقَدَّمَ قَبْلَ الشَّيْبِ شُبَّانُ

ومما يعنيك على الجد والاجتهاد في الطاعة تصور قصر عمرك وكثرة الأشغال، وتصور قوة الندم على التفريط والإضاعة عند الموت، وطول الحسرة على البدار بعد الفوت.

وتصور عظم ثواب السابقين الكاملين وأنت ناقص، والمجتهدين وأنت متكاسل، واجعل نصب عينيك ما يلي: قوله تعالى: {تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ} [يونس: ٣٠

وقوله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً} [آل عمران: ٣٠

وقوله تعالى: {يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} [النبأ: ٤٠

وقوله تعالى: {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ} [الزمر: ٥٦

وقوله تعالى: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [مريم: ٣٩ . فتصور الحسرة والندامة والحزن عندما ترى الفائزين.

إِذَا أَنْتَ لَمْ تَرْحَلْ بِزَادٍ مِن التُّقَى … وَأَبْصَرْتَ بَعْدَ الْمَوتِ مَن قَد تَزَودَّا

نَدِمْتَ عَلَى أَنْ لَا تَكُونَ كَمِثْلِهِ … وَأَنَّكَ لَمْ تُرْصَدْ كَمَا كَانَ أَرْصَدَا

فالبدار البدار والحذر الحذر من الغفلة والتسويف وطول الأمل فإنه لولا طول الأمل ما وقع إهمال أصلاً.

وإنما يقدم على المعاصي ويؤخر التوبة لطول الأمل وتبادر الشهوات.

وتنسى التوبة والإنابة لطول الأمل وتفقد أوقاتك وما عملت فيها من الذنوب.

وتنسى التوبة والإنابة لطول الأمل فيا أيها المهمل وكلنا كذلك انتهز فرصة الإمكان وتفقد أوقاتك وما عملت فيها من الذنوب.

فبادر في محوها بالتوبة النصوح وأكثر من الدعاء والاستغفار كل وقت خصوصًا أوقات الإجابة

مقالات مشابهة

  • فتوح يحذر من خطوة المجموعات الدينية اليهودية التي تطالب بفتح أبواب الأقصى
  • تفسير معنى البر.. رئيس جامعة الأزهر يكشف جوانبا من ثراء النص القرآني
  • ما حكم بيع سجاد الصلاة المكتوب عليه أسماء منها "لفظ الجلالة"؟ الإفتاء تجيب
  • هل أنا من عليه أن يتغير.. فالجميع مني ينفر
  • هذه نتائج تحليل نوعية المياه في نهر الليطاني وقنوات الري التابعة له
  • ذِكر واحد من واظب عليه صباحا ومساء أصبح من أهل الجنة
  • في نص ساعة.. أسرع طريقة لاستخراج البطاقة الشخصية 2025
  • هل يجوز لي الحج عن غيري وما حكم أداء فريضة عن الميت؟.. الأزهر للفتوى يجيب
  • من كل بستان زهرة – 102-
  • نائب رئيس جامعة الأزهر: الوعي المجتمعي له دوره الكبير في مواجهة الشائعات