كتبت سابين عويس في" النهار": لم يكد مجلس الوزراء يقر مشروع القانون بصفة المعجل المكرر الرامي الى تخصيص بعض الإيرادات الضريبية المباشرة لتمويل صندوق استرجاع الودائع المزمع إنشاؤه، قبل نحو أسبوع، حتى بدأت الاعتراضات تتوالى من مؤسسات القطاع الخاص ولا سيما القطاع التجاري التي رأت أن المشروع يفتقر الى الواقعية ويتسم بالتسرّع والتفرّد بحيث لم يُطرح للنقاش أو البحث، لا على مستوى الوزراء ولا على مستوى القطاعات المعنية، بما يتيح تجنيبه أي ظلامة أو خطأ يؤدي الى تكبيد القطاع الخاص أكلافاً مالية إضافية، بعدما نجح في تجاوز الانهيار وسدّد ديونه، ونجح الى حدّ ما في التكيّف مع الأزمة، فاسترجع القدرة على الوقوف مجدداً.

  في النقاشات الاخيرة التي حصلت مع وفد لبنان الى الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي، شكل هذا المقترح بنداً أساسياً يعتقد المصرف المركزي أنه أحد الاقتراحات الأساسية الآيلة الى تمويل صندوق استرجاع الودائع، الى جانب استثمار أصول الدولة. وللصندوق رأي مخالف، إذ في حين يوافق ويشجع على فرض ضريبة معينة ومشروطة على القروض المسددة على سعر ١٥٠٠ ليرة (وهو ما بدا واضحاً اعتماده في مندرجات المشروع الذي ميز بين نوعية القروض وقيمتها) يرفض أي مساس بأصول الدولة نظراً الى افتقاد الثقة بتوفر الشفافية لدى السلطات المتهمة بالفساد، وحسن إدارتها لتلك الاصول.

اللافت أن الإيرادات المرتقبة من المشروع المقترح يمكن أن تصل الى نحو ٣ مليارات دولاروفق التقديرات، نظراً الى أن المشروع سينطبق على قروض تفوق قيمتها ٣٥ مليار دولار، وهي قيمة توازي ما سيقدمه الصندوق بموجب الاتفاق الاولي الموقع مع لبنان على امتداد ٤ سنوات من بدء تطبيقه، أي إن إمكانية إعادة جزء من الودائع ولا سيما تلك التي لا تتجاوز مئة ألف دولار تصبح ممكنة وقابلة للتنفيذ إذا ما توافرت النية والإرادة الجدية لدى السلطات اللبنانية للقيام بذلك بعد ٤ أعوام على أزمة تآكلت خلالها مدخرات اللبنانيين وودائعهم بسبب الاقتطاع التدريجي البطيء لها.

ليس المشروع منزلاً في شكل لا يمكن به أن يخضع للتعديلات التي يرى القطاع الخاص أنها مجحفة في حقه، وهذه مسؤولية المجلس النيابي الذي يُفترض أن يشرع في دراسته، نظراً الى طابع العجلة الذي يتسم به، ولكن المهم ألا يُدفن هناك، كما هو حاصل بالنسبة الى مشاريع أخرى لا تقل أهمية، لو أقرت في وقتها لكانت ضيقت الفجوة المالية مثل قانون الكابيتال كونترول الذي لا يزال يقبع في المجلس، أو قانون الانتظام المالي.


هذا ما يعتقده أيضاً نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي الذي أعد المشروع أساساً بالتعاون مع الجهات المعنية مع أنه قد لا يكون مثالياً ولكن الهدف الاساسي منه يكمن في أن الأزمة أدت الى تحول في الثروة حيث استفاد أفراد وشركات من سداد قروضهم بأسعار لا تتوافق مع أسعار صرف السوق.

يستغرب الشامي كيف أن الانتقادات للمشروع بدأت عشية إقراره وقبل أن يطلع المنتقدون على مضمونه. وهذا ما يجعله يخشى أن ينجح المتضررون في إحباطه، ما يحبط كل محاولة لتغذية صندوق استرجاع الودائع ويقضي على الآمال الحكومية المعقودة لضمان إعادة الحقوق لأصحابها. وهو ما تشير إليه بوضوح الأسباب الموجبة للمشروع التي تركز على أن لبنان قد شهد وما زال أزمة مالية ونقدية حادة غير مسبوقة مع تعذّر تغطية أو تسديد الودائع والمتوجبات المصرفية بالعملة الأجنبية الصعبة من قبل المصارف التي، بغياب أي تدخل مباشر من المشترع، قد بادرت إلى اعتماد تدابير استنسابية ووضع قيود صارمة على السحوبات والتحويلات وحقّ التصرف بالودائع مدعومة في بعض الأحيان بتعاميم موازية من المصرف المركزي، مما استتبع في بعض الحالات عدم مساواة بين المودعين ونزاعات ودعاوى قضائية لدى المحاكم لم تزل عالقة لغاية تاريخه. فضلاً عن وجود عدة أسعار صرف للدولار الأميركي بالنسبة للعملة الوطنية مما سمح لمعظم المقترضين الكبار، بتغطية من السلطة الناظمة، بتسديد مستحقاتهم بقيمة أدنى بكثير من قيمتها الحقيقية. وذلك في أغلب الأحيان من خلال شراء ذمم دائنة في المصارف من مودعين محجوزة ودائعهم وبالتالي تحقيق أرباح باهظة على حساب هؤلاء وسواهم من المودعين. هذه الثغرة المالية، التي لم تعالجها السلطة النقدية، أفاد منها عشرات الألوف من المقترضين، إلا أنها في المقابل أذابت نحو ثلاثين مليار دولار أميركي تقريباً من ودائع الناس ورؤوس أموال المصارف وأدت بما أدت إليه إلى ضرب مبدأي العدالة والمساواة المصونين دستورياً.

ولأنه لا دخل ولا ربح يمكن ألا يخضع للضريبة، وحق الإدارة الضريبية تدارك حقوق الخزينة، ووجوب المكلفين التصريح وتأدية الضريبة، وانطلاقًا من مبدأ الشمول الضريبي اعتماد الضريبة المخصصة للتعويض على المودعين المحتجزة ودائعهم، أتاح المشروع خيار الإعفاء فضلاً عن استثناء قروض دون الـ١٠٠ ألف دولار. ولعل الأهمّ أن الإيرادات التي سوف تحصلها الدولة من الأرباح غير المصرح عنها وغير المسددة والتي لم تسقط بفعل مرور الزمن، ستخصّص لتمويل صندوق استرداد الودائع.

في الخلاصة، يشكل المشروع خطوة أولى على طريق الألف ميل نحو استعادة المودعين بعضاً من أموالهم المحتجزة التي تتبخر يوماً بعد يوم. لكن هذه الخطوة ستبقى في مربعها الأول إن لم تأخذ في الاعتبار النقاط التي تعوق تطبيقه ولا سيما قضائياً نظراً الى أن تسديد القروض لم يخالف القوانين بل تحت سقفها، تماماً كما كانت الحال مع الأموال المهربة الى الخارج التي يتعذر النيل منها لأنه لا قانون يمنع خروجها!  

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

واشنطن تعلن مغادرة أول دفعة مهاجرين طوعا.. بعد مكافأة الألف دولار

أعلنت السلطات الأمريكية أنّ مجموعة أولى من المهاجرين غير النظاميين الذين وافقوا على تلقّي ألف دولار "لترحيلهم طواعية" من الولايات المتّحدة غادروا الإثنين على متن رحلة نقلتهم إلى هندوراس وكولومبيا.

وقالت وزارة الأمن الداخلي في بيان إنّ الطائرة أقلعت من مدينة هيوستن بولاية تكساس جنوبي الولايات المتحدة وعلى متنها 64 مهاجرا.

وأضافت "لقد حصل كلّ منهم على مساعدة سفر هي عبارة عن مبلغ قدره ألف دولار مع احتفاظهم بخيار العودة بشكل قانوني إلى الولايات المتّحدة يوما ما".

وبحسب البيان فإنّ الطائرة أعادت 38 مهاجرا إلى هندوراس و26 إلى كولومبيا.

ونقل البيان عن وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم مطالبتها سائر المهاجرين غير النظاميين الذين ما زالوا في الولايات المتّحدة بالاستفادة من برنامج الترحيل المسمّى "مشروع العودة إلى الوطن".

وقالت الوزيرة مخاطبة المهاجرين "تحكّم بكيفية مغادرتك وتلقّيك دعما ماليا للعودة إلى ديارك. إذا لم تفعل ذلك، فمن المرجّح أن يتمّ تغريمك، واعتقالك، وترحيلك، وعدم السماح لك بالعودة أبدا".

وأضافت "إذا كنت موجودا في هذا البلد بشكل غير قانوني، فغادر البلد من تلقاء نفسك الآن واحتفظ بفرصة العودة بشكل قانوني".

وتعهّد الرئيس دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية بترحيل ملايين المهاجرين غير النظاميين، وقد بادر منذ عودته إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير إلى اتّخاذ خطوات عديدة لتسريع عمليات الترحيل.

مقالات مشابهة

  • المؤتمر: تعديلات قوانين الانتخابات خطوة ضرورية لضبط الخريطة الانتخابية
  • خبير تربوي يعلّق على تعديلات قانون التعليم: خطوة ضرورية ولكن تحتاج إلى ضبط وتوضيح
  • الكنيست يمدد قانونا مؤقتا يحظر الإعلام الأجنبي الذي يمس بأمن إسرائيل
  • يحمل اسم شخصية توراتية.. ماذا نعرف عن مشروع "استير" الذي تبناه ترامب؟
  • محمود العسيلي لـ "الفجر الفني": كريم عبد العزيز أيقونة سينمائية.. وخطوة السينما مؤكدة ولكن ليس الآن
  • ترامب يعلن عن القبة الذهبية.. وهذه أبرز التحديات التي تواجهها
  • "ساما": 2.8 % نمو للسيولة في الاقتصاد السعودي
  • نقابة المعلمين طالبت بتصحيح آلية اصدار قانون تمويل صندوق التعويضات
  • واشنطن تعلن مغادرة أول دفعة مهاجرين طوعا.. بعد مكافأة الألف دولار
  • هل تمشي كفاية؟ هذا عدد الخطوات الذي يخفض خطر الإصابة بالسرطان