لجريدة عمان:
2025-12-12@20:27:26 GMT

كيف ستغير هذه الحرب مجتمعاتنا؟

تاريخ النشر: 11th, November 2023 GMT

بعد مرور أكثر من شهر على المجازر الغاشمة التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي في أرض غزة، في ظلِ مراوحةِ المجتمع الدولي عند الأدوات الدبلوماسية ذاتها التي يستعملها، ودون أفق واضح لإيقاف آلة الحرب، لا نملك إلا أن نترحم على أرواحِ الشهداء، ونسأل الله أن يلطف بهم، ويخفف عنهم، ويعم برحمته عليهم، ويجعل الفرج قريبًا مبينًا.

في الواقع فإن هذه الحرب في سياقها الزماني والمكاني لهي على المستوى الاستراتيجي تغير كافة القواعد، فهي حرب غير متكافئة، ومباغتاتها وسيناريوهاتها غير متوقعة. وهي في الآن ذاته نقطة تاريخية يتوقف وسيتوقف عندها العالم كثيرًا كونها ستغير الكثير من المفاهيم والسرديات، والمؤكد أن نسق العالم بعدها - على الأقل من ناحية المفاهيم - لن يكون كما كان قبلها. هي إذن حرب (مواقف) وحرب (اصطفافات)، كما هي في الآن ذاته حرب (سرديات) وحرب (آلة إعلامية مهولة) تنتصر لسردية وتحاول طمس سردية أخرى. وهذه السرديات لا تحتاج اليوم إلى سنوات عديدة لكشف بنائها وتركيبها وزيفها من صدقها، بقدر حاجتها إلى بعض ساعات أو دقائق لدحضها وتعريتها أو ترويجها ومحاولة تعميمها. تأتي هذه الحرب ولا تديرها وسائل الإعلام التقليدية ويتلقاها المتسمرون خلف الشاشات أو أوراق الصحف أو الإذاعات، هي تأتي من الميدان لحظة بلحظة، بمآسيها، بوحشيتها، بتجسيد أقدارها، وبصمود وجلد الفلسطينيين فيها.

وبقدر ما تدفع هذه الحرب بوحشيتها إلى مراجعات سياسية كبرى، سواء في منطق الدعم والتحالفات والاصطفافات ومواقف الشعوب ودورها في تكوين الخط السياسي لاتجاهات حكوماتها، بقدر ما تعيد التفكير في مفردة وأركان السلام مع «إسرائيل»، لكنها على الجانب الآخر تعيد بناء الذهنية الاجتماعية العربية تجاه الموقف من القضية الفلسطينية من ناحية، وتجاه المواقف السياسية من ناحية أخرى، فهي إلى جانب كونها أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة رغم محاولات وضعها على الهامش، وتسطيحها؛ سيكون فعلها في المجتمعات العربية التالي:

- الدفع نحو مجتمعات أكثر بحثًا عن الحقيقة: يعود طيفٌ واسع من الأفراد اليوم في المجتمعات العربية وخصوصًا في فئة الشباب إلى التاريخ بعين ناقدة، يبحثون عن أصل القضية ومساراتها التاريخية، يكشفون عن المراحل التي مرت بها، والمنعطفات التي عقدتها، ليكونوا أكثر فهمًا، وأكثر قوة في مواجهة الزيف ومحاولة تشويه الحقائق. هم يتحصنون اليوم بسلاح المعرفة، والمحاججة. ويصبحون يومًا بعد آخر أكثر حملًا للحقيقة وتجسيدًا لها.

- ترسيخ عقلية ناقدة لهيمنة الصورة الإعلامية: لا يمكن اليوم الاستهانة بتفكيك الصورة الإعلامية التي يشتغل عليها المتلقون لها في بعض دقائق، سواء كانت في تزييف الواقعة، أو في توجيه الرأي العالم بمفردات ومفاهيم معينة، أو في محاولة قلب الحقائق استنادًا إلى قوة وانتشار وسطوة آلة إعلامية بعينها. تنبرئ اليوم مجتمعاتنا على حد سواء لتفنيد منتجات تلك الهيمنة وإعادة بنائها. وهو سلاح آخر لليوم والغد، وأداة تعبر عن حيوية هذه المجتمعات في مواجهة قضاياها المتعددة.

- مجتمعات تصنع سرديتها، وتكون أكثر قدرة واتساقًا لترويج تلك السردية: مكنت وسائل التواصل الاجتماعي المجتمعات العربية «المتضامنة» من صنع سرديتها الخاصة حيال الأوضاع الجارية، وظفت من خلال كل الرمزيات الممكنة والمبتكرة، واستخدمت الميز والمساحات التي تتيحها هذه المواقع لجعل الجميع في قلب الحدث، والأهم لحشد الجميع لترويج سردية المقاومة، والمقاومة هنا بمفهومها الواسع (العقدي والتاريخي والسياسي والشعبي). بإمكانك أن ترى اليوم انتشارًا موسعًا لقنوات على منصة «Instagram» تنقل لحظة بلحظة ما يحدث، عوضًا عن حراك الساحات والميادين، ومقاومة الصورة والبودكاست والكاريكاتير وسواها. كلها حوامل للسردية الخاصة بهذه المجتمعات، وهو ما أبان اليوم عن انتشار تلك السردية، والحكي بها في دول ومجتمعات ما زالت حكوماتها تقف إلى الجانب الآخر، وليس أدل من ذلك سوى سردية الشهداء وخصوصًا من الأطفال، والتي أصبحت أيقونة في الجامعات، وأمام أشهر المؤسسات الإعلامية، والساحات الأشهر عالميًا. لا شك أن قوة الاتصال وشبكاته أسهمت في زيادة مساحة القناعة العالمية بحقيقة وصدقية هذه السردية.

- مجتمعات تبتكر أدواتها في المقاومة والضغط: وهنا يتجسد في البحث الدقيق عن المؤسسات الداعمة للكيان المحتل، سواء اقتصاديًا أو تجاريًا أو علميًا وثقافيًا. والتقصي خلف أجندتها، وابتكار أدوات الضغط في مواجهة منتجات كل منها. وتشكيل خط واضح للالتزام بالـ «المقاطعة الاقتصادية»، كإحدى الأدوات الموجهة للضغط. تشير الأبحاث التي أجرتها كلية ميلبورن للأعمال حول حملات المقاطعة الاقتصادية والتجارية التي جرت على بعض الشركات منذ بداية التسعينات في القرن الفائت بأن «المقاطعة الجيوسياسية أصبحت أكثر شيوعًا، ويبدو من المرجح أن يستمر هذا الاتجاه مع تزايد عولمة العالم». وفي الجانب المقابل فإن المقاطعة لا تكون في بُعدها الاقتصادي اللحظي أو تأثيرها التجاري المحدود في وقته. بل تشير باولا كورتني المتخصصة في علوم رضا العملاء «إن الذكريات السيئة تدوم لفترة أطول من الذكريات الجيدة فعندما شهدت إحدى شركات الاتصالات نتائج سيئة في ولاء العملاء، كشفت المقابلات معهم أن ذلك ينبع من ممارسة فوترة مثيرة للجدل كانت الشركة قد ألغتها قبل 10 سنوات».

عوضًا عن ذلك سنكون أمام مجتمعات أكثر مساءلة للمواقف السياسية، وهي في الآن ذاته مجتمعات تتفاعل مع المعرفة والمفاهيم نقدًا، وتفكيكًا، وإعادة بناء. نتذكر جميعًا الدراسة الشهيرة التي أصدرها «Pew Research Center» بعد عام من حرب العراق، حول وجهات نظر الرأي العام تجاه أمريكا وداعميها في أوروبا ما بعد الحرب، إن ثمة مشهدا اليوم يبدو أكثر تعقيدًا مما كان عليه الوضع آنذاك. هذا المشهد تغذيه أحداث اللحظة، وتوضحه أكثر حالة التفاعلية السريعة التي تجري مع هذه الأحداث، مما يشيئ أننا أمام تغير واسع لخريطة المفاهيم، والمواقف، والقناعات، سينعكس على كافة تركيب هذه المجتمعات من أطفالها، وشيوخها، وشبابها، والفاعلين فيها.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذه الحرب

إقرأ أيضاً:

معركة العقول: كيف تسيطر إسرائيل على السردية العالمية؟

 

وبحسب حلقة "معركة العقول" من برنامج "المقاطعة" التي بثت على موقع الجزيرة 360 بتاريخ (2025/12/11) ويمكن متابعتها من (هذا) الرابط، فإن منظومة متكاملة من الأدوات التي يستخدمها الاحتلال لفرض روايته، بدءا من تأسيس صحيفة "جيروزاليم بوست" عام 1948 لترويج السردية الإسرائيلية للرأي العام الغربي، وصولا إلى عقود بمليارات الدولارات مع عمالقة التكنولوجيا.

ورصدت الحلقة كيف تحولت حركة المقاطعة (BDS) إلى "خطر إستراتيجي" بنظر الحكومة الإسرائيلية، حيث نُقل ملفها عام 2013 من وزارة الخارجية إلى وزارة الشؤون الإستراتيجية التي كانت تُعنى بملفين فقط: البرنامج النووي الإيراني وحركة المقاطعة.

وأنفقت إسرائيل واللوبي الصهيوني، وفق تقرير مجلة "ذا نيشن"، نحو 900 مليون دولار لمحاربة حركة المقاطعة خلال سنوات قليلة، في حين تجاوزت ميزانية وزارة الشؤون الإستراتيجية 70 مليون دولار سنويا لإدارة عمليات "دعاية سوداء" وتشويه وتجريم للناشطين.

وفي سياق متصل، وثّقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أكثر من ألف حالة رقابة على محتوى داعم لفلسطين مارستها شركة "ميتا" خلال أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2023 وحدهما، في نمط ممنهج من الإقصاء الرقمي.

وسلّطت الحلقة الضوء على مشروع "نيمبوس" الذي وقّعته الحكومة الإسرائيلية عام 2021 مع شركتي "غوغل" و"أمازون" بقيمة 1.2 مليار دولار، ويوفر للجيش الإسرائيلي أدوات متقدمة للتعرف على الوجوه وتتبع الأشياء وتحليل المشاعر.

حملة مضايقات

وعرضت شهادة المهندسة زيلدا مونتيس، التي فُصلت من يوتيوب بعد مشاركتها في احتجاجات ضد المشروع، حيث وصفت كيف تعرّضت لحملة مضايقات منظمة واتُهمت بـ"معاداة السامية" لمجرد معارضتها تواطؤ الشركة مع الاحتلال.

ومن جهة أخرى، استعرضت الحلقة تجربة عمدة برشلونة السابقة آدا كولاو التي علّقت علاقات مدينتها مع تل أبيب، وواجهت حملات تشويه وشكاوى جنائية، مؤكدة أن "منع مظاهرات لصالح فلسطين أمر غير ديمقراطي وينتهك الحقوق الأساسية".

وعلى صعيد الأصوات اليهودية المعارضة للصهيونية، أبرزت الحلقة شهادة المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه الذي وصف كيف يُهندَس المجتمع الإسرائيلي ليصبح "عنصريا ومتفوقا"، محذرا من أن الجيل الجديد "أكثر عنصرية من الأجيال السابقة".

وأكد الحاخام يرحميئيل هيرش من حركة "ناطوري كارتا" أن الصهيونية "تناقض مطلق لما يجب أن يكون عليه اليهودي"، مشيرا إلى أن 99.9% من اليهودية الأرثوذكسية عارضت الفكرة الصهيونية تاريخيا.

وختمت الحلقة بشهادة الفنان البريطاني روجر واترز، مؤسس فرقة "بينك فلويد"، الذي تعرّض لحملات ممنهجة لتدمير مسيرته الفنية بسبب دعمه لفلسطين، مؤكدا أن "حركة المقاطعة حققت خطوات مذهلة" رغم كل محاولات التشويه والإسكات.

Published On 11/12/202511/12/2025|آخر تحديث: 20:07 (توقيت مكة)آخر تحديث: 20:07 (توقيت مكة)انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعيshare2

شارِكْ

facebooktwitterwhatsappcopylink

حفظ

مقالات مشابهة

  • ألمانيا تستدعي السفير الروسي.. ما القصة؟
  • الدورة الكاملة للقيمة… اقتصاد يبني مجتمعات أكثر مرونة
  • مناوي: غالبية التجار في أسواق دارفور ينتمون إلى مجتمعات إثنية محددة
  • المجتمعات العمرانية توقف تعاملات خليج الغرام .. والزمالك يرد على القرار
  • كايسيد يحتفل بمرور 10 أعوام على برنامج الزمالة الدولية
  • الزمالك يتلقى خطابًا رسميًا بوقف التعاملات في منطقة خليج الغرام
  • معركة العقول: كيف تسيطر إسرائيل على السردية العالمية؟
  • السيّد: هل تكفي الدولارات القليلة التي تحال على القطاع العام ليومين في لبنان ؟
  • أوكرانيا: شتاء أكثر قسوة بسبب أزمة الغاز
  • اليمن.. عقدة الجغرافيا التي قصمت ظهر الهيمنة: تفكيك خيوط المؤامرة الكبرى