إذا فشلت الصفوة وأدمنت الفشل خرج عليها حميدتي شلّاق العمايا
تاريخ النشر: 14th, November 2023 GMT
من غضب الله علينا أن الصفوة (وهذا ما يسمي خريجو المدارس والمهنيون أنفسهم) طالقة لسانها في الآخرين ولم تجد بعد من يطلق لسانها فيها بصورة منهجية. فهي تصف جماعات غمار الناس ب "الأمية" أو "البدائية" أو "المتخلفة" أو بالمصابة ب "الذهن الرعوي" أو "ببله الريف" أو انها "مستعربة" أو "متأسلمة". واحتكرت حق تبخيس الآخرين أشياءهم.
وقليلاً ما عثرت على نقد للصفوة تخطى ما تواضعت عليه من الرأفة بنفسها والعشم في صحوتها إلى نقد جذري يطال "فشلها" بالنظر إلى اقتصادها السياسي: إلى مناشئها الثقافية والاجتماعية ومنازلها من العملية الإنتاجية. وأسعدني أن قرأت قبل أيام بهذه الجريدة للأستاذ محمد الغبشاوي كلمة قاطعة "أدت" الصفوة في "التنك". فوصفها بأنها مصابة بأمرين. فهي "فاقد التياع" من جهة وتعاني من "فائض استتباع" من الجهة الأخرى.
يقصد الغبشاوي بمفهوم "فاقد التياع" ما حاولته أنا أكثر من مرة هنا بقولي إن الصفوة خلو من الحمية. وهي ترجمتي ل "باشون passion" الإنجليزية. وأعتقد أن الغبشاوي وقع على التعريب الأوفق للكلمة. فقد أفرغ الغرب الصفوة في مدارسه وتأثير قدوته من كل شغف بأهلها وثقافتهم وأطلق لسانهم فيهم "يا بدائي" "يا أمي" يا "متخلف" ي"الفعلتك يا التركتك". كنت أستغرب مثلاً لماركسي يقول، تأسياً بلينين، إن الأمي خارج السياسة وحزبه في قيادة معظم نقابات العمال واتحادات المزارعين التي قوامها أميون. أو تسمع من يقول لك "بالله الحاردلو دا لو قرأ كان بدّع". وكأن ما قاله الحاردلو شفاهة ناقص.
قال الغبشاوي إن فقدان الالتياع يخلي وجدان الصفوة من الإبداع. فمن أين يأتيها ولماذا طالما "ألغت الأمة". فأنظر كيف وصلنا إلى فشل الصفوة وعقمها وإدمانها ذلك بطريق جذري يقلب مناضد الصفوة كلها في وجها ويرجعها إلى منصة التأسيس. وبؤس التياع مما أخذته النظم الشيوعية في الصين وكمبوديا على الصفوة وعالجته ب"سخرة" إعادة التربية. وهي تفويج الصفوة إلى الريف لاستئصال شأفة نشأتهم الغربية بين الفلاحين الموصوفين ب"الأصالة" والكدح. وبالطبع أبعد رفاقنا النجعة وأورثونا مذمة. بل حاوله تمبل باي، رئيس وزراء تشاد الأسبق، ذلك بإخضاع كل الخدمة المدنية لطقس أفريقي تقليدي شديد القسوة ليعود بهم إلى "التشادوية".
أما فائض الاستتباع فهو فرط قبول الصفوة ل"الوصاية الشقراء" أي الغربية البيضاء في عبارة الغبشاوي. فهم بعد إلغاء الأمة صاروا عالة على الغرب وفكره وأنساقه. وللاختصار فقد أخذ على الصفوة المسلمة أنها لم تكتشف تجربة العالم البنغلاديشي محمد يونس (صاحب كتاب عالم بلا فقر) في التمويل الأصغر إلا بعد أن "هرَّج" بها البنك الدولي. وهو البنك الذي يفلق ويداوي. فهو من كتب الفقر على غالبية سكان العالم الثالث بسياسته المعروفة بالإصلاح الهيكلي (والخصخصة منه) ثم جري يغطي سوءته بمثل التمويل الأصغر.
ولاحظت أن الغبشاوي يقرأ لغير ما اتفق لأكثر صفوتنا في أحسن الأحوال من مثل ماركيز وأمل دنقل ومنصور خالد ومحجوب شريف والجابري. فهو يقرا بنظر لمّاح لجلال أمين ورمزي زكي (تحديث الفقر وتنمية التخلف) وللمهدي النجرة (الأهانة في عهد الميغا) ولم أعرف عن الأخيرين من قبل. إنه يقرأ المظان الحسان.
قال الأستاذ صلاح فرج الله إن صفوتنا عالة على الواقع. وهذا قريب من قول بريخت: "تنشئة المثقفين عملية طويلة وشاقة. وهي مما يمتحن الجماهير ويعيل صبرها". فإذا أدمنت الصفوة الفشل واستمرأت خرج عليها مثل بول بوت الكمبودي و"وراها المكشن بلا بصل" أو حميدتي الذي سمعوا منه، كأولاد مدارس كما قال عنهم، لأول مرة بالمطر بلا براق وحصو في الخطاب السياسي.
IbrahimA@missouri.edu
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
التقدم والاشتراكية الحزب يوجه انتقادات لاذعة للحكومة، متهماً إياها بـ”الفشل المتعدد الأوجه”
عقد المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية اجتماعه الدوري يوم الثلاثاء 6 ماي 2025، حيث تناول عدداً من القضايا الراهنة على المستويين الوطني والدولي، وفي مقدمتها تطورات الوضع في الأراضي الفلسطينية وأداء الحكومة المغربية.
وأدان الحزب بشدة ما وصفه بـ”المخطط الإجرامي” للكيان الصهيوني، الهادف إلى فرض احتلال دائم وكامل على قطاع غزة، كما انتقد تصعيد العمليات العسكرية في القطاع وتنفيذ تهجير قسري بحق السكان الفلسطينيين. واعتبر الحزب أن هذه الخطوات تشكل “جريمة إبادة جماعية”، داعياً المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات قوية وملموسة لوقف هذا التصعيد.
كما ندد الحزب بالاعتداءات المتواصلة على الضفة الغربية والقدس، وبممارسات الحصار والتجويع وتدمير البنية التحتية في غزة، مطالباً بإحالة هذه الانتهاكات إلى القضاء الدولي باعتبارها “جرائم حرب”. في السياق ذاته، عبّر الحزب عن رفضه القاطع للهجمات الجوية الأمريكية والإسرائيلية على اليمن وسوريا.
على صعيد آخر، عبّر حزب التقدم والاشتراكية عن ارتياحه لنجاح اللقاء الدولي الذي نظمه بمدينة طنجة بين 2 و4 ماي الجاري، حول قضايا السلام في العالم، بمشاركة ممثلين عن 27 بلداً. وأشاد الحزب بالمواقف الصادرة عن البيان الختامي، لا سيما فيما يتعلق بدعم القضية الفلسطينية والوحدة الترابية للمغرب.
داخلياً، وجّه الحزب انتقادات لاذعة لأداء الحكومة، متهماً إياها بـ”الفشل المتعدد الأوجه” في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وبـ”الاستعلاء وإنكار الواقع”، مشيراً إلى أن خطاب الإنجازات الذي تروّج له الحكومة يتناقض مع مؤشرات رسمية ومعاناة المواطنين من الغلاء والبطالة.
وانتقد الحزب بشدة تصريحات رئيس الحكومة وأعضاء من حزبه، والتي وصفوا فيها انتقادات المعارضة بـ”الكذب”، مؤكداً أن معطياته مبنية على وثائق رسمية صادرة عن وزارة الاقتصاد والمالية. وفي هذا السياق، أكد الحزب عزمه على مواصلة الترافع السياسي في إطار الدستور والديمقراطية، كاشفاً عن دعمه للمشاورات الجارية بين مكونات المعارضة من أجل تقديم ملتمس رقابة ضد الحكومة.
وختم الحزب بيانه بالتنديد بما وصفه بـ”استغلال الأغلبية العددية” من طرف الحكومة لتعطيل آليات الرقابة البرلمانية، في إشارة إلى إفشال تشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول ملف استيراد المواشي.