بوابة الوفد:
2025-12-14@17:43:25 GMT

مصر حاجز الأمان بين المشرق والمغرب!

تاريخ النشر: 15th, November 2023 GMT

مكانة مصر الإقليمية والدولية المتميزة وتكوين الإنسان المصرى الذى ظل على مر العصور متمسكا بقيم الاعتدال والانفتاح على الآخر، والتفاعل الخلاق مع سائر الأمم والثقافات من أجل تحقيق الأمن والسلام ليس لوطنه فقط بل للإنسانية جميعا، أتاح لها القيام بدور مؤثر وفاعل لا يمكن إغفاله أو التغاضى عنه، استمدته عبر مقومات رئيسية من أهمها الامتداد الطبيعى لمصر عبر القارات، جعلها بمثابة البرزخ الذى مرت عبره الديانات السماوية، وملتقى رئيسيا للتفاعل الثقافى والفكرى بين الشرق والغرب والشمال والجنوب.

كما كانت مقرا لحضارات متواصلة بدءا من الفرعونية والرومانية وانتهاء بالحضارة القبطية والإسلامية، إضافة إلى أنها أقامت أول جسور مع الحضارة الأوروبية الحديثة.

كذلك مثلت القدرات البشرية عاملا رئيسيا فى استمرار هذا الدور، فمصر كانت أول مجتمع مدنى فى تاريخ البشرية، تشكلت فيه أمة نشأ بين أفرادها نوع من التفاهم والانسجام، وكانت للقدرات العسكرية التى تتمتع بها مصر دورها فى صد هجمات الغزاة والمعتدين على مر التاريخ، وفى الدفاع عن الإسلام والعروبة. كذلك ساندت مصر جميع حركات التحرر فى الوطن العربى. ودافعت عن قضايا العرب ومشكلاتهم، ولعل العبء الذى تحملته مصر فى الدفاع عن القضية الفلسطينية منذ بدايتها حتى اليوم خير دليل على ذلك. كما تحملت مصر مسئولية نشر التعليم فى معظم أجزاء العالم العربى. فى الوقت نفسه اضطلعت بمسئولية السعى نحو الاستقرار والسلام فى الشرق الأوسط مستمدة من قيم الاعتدال والتسامح والتعايش التى تمثل جوهر تعاليم الإسلام السمحة.

وقد جسّد الأديب الكبير عباس محمود العقاد أهمية مكان مصر ومكانتها فى مقال بمجلة «الهلال»، حمل عنوان «نحن المصريين»، قال فيه «نحن فى بقعة من الأرض لا يستقر العالم إذا اضطربت، ولا يضطرب العالم إذا استقرت، ولم يحدث فى الزمن الأخير حدث عالمى قط إلا كان رده وصداه على هذه البقعة من الكرة الأرضية. فإذا ملكنا إرادتنا فى هذه البقعة فهى حاجز الأمان بين المشرق والمغرب، وبين المتنازعين فى كل وجهة وعندنا مصفاة الثقافات والدعوات، فإذا استخلصنا شيئا من الغرب وشيئا من الشرق، فليس أقدر منا على تصفية الخلاصة لبنى الإنسان جميعا فى ثمرة لا شرقية ولا غربية تضىء ولم تمسسها نار.

لا شك أن موقع مصر المتميز مكّنها من لعب دور مهم فى صياغة السياسات الإقليمية والدولية فى فترات الحرب والسلام، ومنحها مكانة متفردة فى العالم بملتقاه الآسيوى والأفريقى، وجعلها من اللاعبين الكبار بمنطقة الشرق الأوسط منذ عقود طويلة.

فمصر تقع فى موقع القلب من العالم، فهى نقطة تلاقى قارات العالم القديم: أفريقيا وآسيا وأوروبا، كما تطل على بحرين هما: البحر الأحمر والبحر المتوسط، وتشرف على خليجين هما: خليج السويس وخليج العقبة، وعلى أرضها تجرى قناة السويس أحد الممرات المائية الدولية، كما يتدفق عبرها نهر النيل الذى يمثل شريان الحياة لمصر، ويحظى بمكانة كبيرة فى وجدان الشعب المصرى.

هذا الموقع المتفرد حفز كثيراً من العلماء والمفكرين على شرح وبيان أهميته وخصائصه وأثره وتأثيره على مصر فى الداخل والخارج. ويمثل كتاب الدكتور جمال حمدان «شخصية مصر.. دراسة فى عبقرية المكان» دليلاً قوياً فى هذا السياق، لقد استفاض «حمدان» فى شرح شخصية مصر الإقليمية والبشرية والزمانية والمكانية، ولخص ذلك فى قوله: «لمصر شخصيتها الإقليمية التى تضفى عليها تميزها وانفرادها عن سائر الدول فى الأقاليم المختلفة، إنها فلتة جغرافية فى أى ركن من أركان العالم». وحدد أهمية الموقع ومكانته قائلا: «إن عبقرية مصر الإقليمية تستند إلى محصلة التفاعل بين بعدين أساسيين هما الموضع والموقع، حيث يقصد بالموضع البيئة بخصائصها وحجمها ومواردها فى ذاتها، وهى البيئة النهرية الفيضية لطبيعتها الخاصة. أما الموقع فهو الصفة النسبية التى تتحدد بالقياس إلى توزيعات الأرض والناس والإنتاج وتضبط العلاقات المكانية المرتبطة بها».

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: حكاية وطن مصر الإقليمية الانسان المصري مر العصور

إقرأ أيضاً:

فؤاد باشا سراج الدين .. الرجل الذى علم المصريين معنى الكرامة

منذ يومين مرت الذكرى الرابعة والعشرون لرحيل رجل من أعظم رجال مصر فى القرن العشرين؛ رجل لم يكن مجرد سياسي أو صاحب منصب، بل كان مدرسة كاملة فى الوطنية والعناد الشريف والإصرار على أن تبقى مصر واقفة مهما حاولت قوى الاحتلال أن تكسر إرادتها. 

أتحدث هنا عن فؤاد باشا سراج الدين، الرجل الذى ترك بصمة لا تمحى فى الوجدان المصرى، والذى رحل عن عالمنا فى التاسع من أغسطس عام 2000، لكنه لم يرحل يوما عن ذاكرة الوطن.

فى كل مرة تمر فيها ذكرى رحيله، أشعر أن مصر تعيد اكتشاف جزء من تاريخها؛ تاريخ لا يمكن فهمه دون الوقوف أمام شخصية بهذا الثقل وبهذه القدرة على الصمود. 

ولد فؤاد باشا سراج الدين سنة 1910 فى كفر الجرايدة بمحافظة كفر الشيخ، وبدأ مشواره شابا يحمل حلم الوطن فى قلبه قبل أن يحمله على كتفيه. 

تخرج فى كلية الحقوق، ودخل معترك الحياة العامة صغيرا فى السن، لكنه كبير فى العقل والبصيرة، وفى سن لم تكن تسمح لغيره سوى بأن يتدرب أو يتعلم، أصبح أصغر نائب فى تاريخ الحياة البرلمانية المصرية، ثم أصغر وزير فى حكوماتها المتعاقبة، فى زمن لم يكن الوصول فيه إلى المناصب بالأمر السهل ولا بالمجاملات.

لكن ما يجعل الرجل يستحق التوقف أمامه ليس كثرة المناصب، بل طريقة أدائه فيها، فقد كان نموذجا للمسؤول الذى يعرف معنى الدولة، ويؤمن بأن خدمة الناس شرف لا يباع ولا يشترى. 

ومن يعيش تفاصيل تاريخه يدرك أنه لم يكن مجرد جزء من الحياة السياسية، بل كان جزءا من الوعى العام للمصريين، وصوتا قويا فى مواجهة الاحتلال، وسندا لحركة الفدائيين فى القناة، وواحدا من الذين كتبوا بدموعهم وعرقهم تاريخ كفاح هذا الوطن.

ويكفى أن نذكر موقفه الأسطورى يوم 25 يناير 1952، حينما كان وزيرا للداخلية، ورفض الإنذار البريطانى الداعى لاستسلام رجال الشرطة فى الإسماعيلية. 

وقتها لم يتردد لحظة، واختار الكرامة على السلامة، والوطن على الحسابات السياسية، ذلك اليوم لم يصنع فقط ملحمة بطولية، لكنه صنع وجدانا كاملا لأجيال من المصريين، وأصبح عيدا رسميا للشرطة تخليدا لشجاعة رجال رفضوا أن ينحنوا أمام الاحتلال، وهذه الروح لم تكن لتظهر لولا وزير آمن برجاله وبمصر أكثر مما آمن بنفسه.

كما لا يمكن نسيان دوره الحاسم فى إلغاء معاهدة 1936، ودعمه لحركة الكفاح المسلح ضد الإنجليز، ولا تمويله للفدائيين بالمال والسلاح، كان يعلم أن المستقبل لا يهدى، وإنما ينتزع انتزاعا، وأن السيادة لا تستعاد بالكلام، وإنما بالمواقف.

وفى الداخل، قدم سلسلة من القوانين التى شكلت تحولا اجتماعيا حقيقيا؛ فهو صاحب قانون الكسب غير المشروع، وصاحب قوانين تنظيم هيئات الشرطة، والنقابات العمالية، والضمان الاجتماعى، وعقد العمل الفردى، وقانون إنصاف الموظفين. 

وهى تشريعات سبقت عصرها، وأثبتت أن الرجل يمتلك رؤية اجتماعية واقتصادية عميقة، وميلا دائما للعدل والمساواة، وفهما راقيا لطبيعة المجتمع المصرى.

ولم يكن خائفا من الاقتراب من الملفات الثقيلة؛ ففرض الضرائب التصاعدية على كبار ملاك الأراضى الزراعية حين كان وزيرا للمالية، وأمم البنك الأهلى الإنجليزى ليصبح بنكا مركزيا وطنيا، ونقل أرصدة الذهب إلى مصر للحفاظ على الأمن الاقتصادى للدولة، وكلها خطوات لا يقدم عليها إلا رجل يعرف معنى السيادة الحقيقية ويضع مصالح الوطن فوق كل اعتبار.

ورغم الصدامات المتتالية التى تعرض لها، والاعتقالات التى مر بها فى عهود متعددة، لم يتراجع ولم يساوم، ظل ثابتا فى المبدأ، مؤمنا بالوفد وبالحياة الحزبية، حتى أعاد إحياء حزب الوفد الجديد عام 1978، ليبقى رئيسا له حتى آخر يوم فى حياته، وقد كان ذلك الإحياء بمثابة إعادة الروح لمدرسة سياسية كاملة ترتبط بتاريخ النضال الوطنى الحديث.

إن استعادة ذكرى فؤاد باشا سراج الدين ليست مجرد استدعاء لصفحات من التاريخ، بل هى تذكير بأن مصر لم تبن بالكلام، وإنما صنعت رجالا مثل هذا الرجل، آمنوا أن الحرية حق، وأن الوطنية فعل، وأن الكرامة لا تقبل المساومة. 

وفى زمن تكثر فيه الضوضاء وتختلط فيه الأصوات، يبقى صوت أمثال فؤاد باشا أكثر وضوحا، وأكثر قوة، لأنه صوت نابع من قلب مصر، من تربتها وأهلها ووجدانها.

رحل جسد الرجل، لكن أثره باق، وتاريخه شامخ، وسيرته تذكرنا دائما بأن الوطن لا ينسى أبناءه المخلصين وأن مصر، رغم كل ما تمر به، قادرة دائما على إنجاب رجال بحجم فؤاد باشا سراج الدين.

مقالات مشابهة

  • البابا تواضروس: الهاتف المحمول أنهى عصر «الإنسانية».. والجماهير تصفق لـ«شخصيات فارغة»
  • الرجل الشقلباظ!
  • موعد مباراة الإمارات والمغرب في نصف نهائي كأس العرب
  • «فخ» كأس العرب
  • السعودية والمغرب يبلغان نصف نهائي كأس العرب
  • الاحتلال يعتقل شابين على حاجز بريف القنيطرة السوري
  • كمادات الأمان.. سر خفض حرارة الأطفال دون مخاطر
  • كامل الوزير: أسعار الطاقة في مصر أقل من الهند والمغرب وتركيا
  • وزير الصناعة والنقل: أسعار الطاقة في مصر أقل من الهند والمغرب وتركيا
  • فؤاد باشا سراج الدين .. الرجل الذى علم المصريين معنى الكرامة