نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا، حول الكيفية التي تحاول فيها إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، التعامل مع أزمة الأسرى في غزة؛ مشيرة إلى أن المسؤولين الأمريكيين التقوا مع المسؤولين القطريين في الدوحة للتباحث في كيفية التعامل مع وضعهم.

وأشار التقرير، الذي  أعدته جوانا سليتر، كذلك، إلى ما وصف بـ"الوضع الخطير والمتطور لحركة الشباب الإسلامي في الصومال، والتي احتجزت أربعة عمال إغاثة، أمريكيان وقطريان؛ فيما جرح أحد الأمريكيين، وكانت هناك مباحثات حول عملية إنقاذه".

 

وفي هذا السياق، قال المدير السابق لقوة المهام الخاصة من أجل إنقاذ الأسرى، كريستوفر أوليري، "لم نعلم أننا بعد أشهر، سنواجه أزمة أسرى أعمق وأخطر، وأسوأ سيناريو" مردفا بأن "الأزمة الحالية في غزة لا تشبه أي أزمة أخرى". 

وتابع: "في الوقت الذي كانت فيه الأوضاع السابقة تتعلق بأعداد كبيرة من الأسرى، لم يحدث أمر كهذا؛ حيث أسر واسعة لمئات من الأشخاص ومن عدة جنسيات بمن فيهم أطفال وكبار في العمر، وكلهم محتجزون في محور حرب وفي الأنفاق. وهناك أكثر من 240 أسير في غزة، حسب المسؤولين الإسرائيليين، منهم تسعة وآخر لديه إقامة دائمة". 

وأوضح المتحدث نفسه، بحسب صحيفة "واشنطن بوست" أن "الأزمة الحالية تمثل امتحانا لإدارة بايدن. ففي السنوات الماضية، تركز معظم جهود الإدارة على الأمريكيين الذين احتجزتهم دول مثل روسيا وإيران وفنزويلا والصين بناء على اتهامات لا أساس لها، مما قاد إلى صفقات مثل الإفراج عن لاعبة كرة السلة بريتاني غراينر، وخمسة أمريكيين احتجزتهم إيران". 

وذكّرت الصحيفة، بآخر تقرير لمجموعة "ليغاسي فاونديشن" المتعلقة بدعم الإفراج عن الأسرى الأمريكيين في الخارج، قبل الشهر الماضي، كشفت فيها أنه "لم تقم أي جماعة باحتجاز أسرى في السنوات الأخيرة".


وكانت الولايات المتحدة، قد أكدت، في سياسة تعود إلى عقد السبعينات من القرن الماضي، أنها لا تقدم "تنازلات" لمحتجزي الأسرى، ولكن الواقع أعقد من هذا الكلام. فمن ناحية عملية، تستخدم الحكومة الأمريكية عددا من الأدوات لجلب الأسرى إلى البلد، كما يقول الخبراء، بما في ذلك التفاوض على عملية تبادل سجناء وتغيرات في السياسة وفتح المجال للأموال من خلال طرف ثالث. 

وتابعت الصحيفة، أن الاستثناء الوحيد الذي تعمل عليه الولايات المتحدة هو أنها "لا تدفع فدية للجماعات المصنفة كإرهابية". وعملت أمريكا من خلال مهام إنقاذ، غير أنه عادة ما تقوم بهذه المهام دول شريكة.

وقال مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، الإثنين، "تتحدث قطر مع حماس، وإسرائيل تتحدث مع قطر، والولايات المتحدة تتحدث معهما من أجل التقدم إلى نقطة يمكن أن يفرج فيها عن أسرى". محذرا من أن الولايات المتحدة ليست لديها رؤية واضحة عن مكان احتجازهم ولا ظروفهم. 

وزار مدير سي آي إيه، ويليام بيرنز، الأسبوع الماضي، الدوحة، برفقة مدير الموساد، وتباحثا مع القطريين. فيما تركزت المحادثات على إمكانية تحرير ما بين 10-20 أسير مقابل وقف إطلاق النار، ليوم واحد، ووصول المواد الإنسانية للقطاع. وتقوم السياسة الحالية على إطار عام 2015 عندما فشلت الولايات المتحدة تحرير أسرى أمريكيين لدى تنظيم الدولة في العراق وسوريا.


وأفادت الصحيفة، أن التغير في السياسة الأمريكية المتعلقة بالأسرى، شمل على مزيد من الدعم للعائلات وتشكيل خلية دمج لتحريرهم، قادها أوليري، ومرتبطة مع بقية وكالات الإستخبارات الأمريكية الأخرى، إلى جانب تعيين موفد خاص للأسرى وتشكيل لجنة في مجلس الأمن القومي لمتابعة شؤونهم. 

إلى ذلك، يقول عدد من الخبراء، إن "الدور الذي لعبته قطر في المفاوضات بشأن الإفراج عن الأسرى ليس مستغربا، ففي السنوات القليلة الماضية، لعبت قطر دور الوسيط في الإفراج عن الكثير من الأسرى الأمريكيين والمحتجزين في أفغانستان وإيران ومالي". 

وقال أوليري، إن "قطر لعبت دورا في التفاوض للإفراج عن أسيرة لدى شبكة حقاني الأفغانية"، وهو أمر وصفه بـ "الحالة المعقدة". ولعب المسؤولون القطريون دورا في تحرير أسيرتين في النيجر ومالي و"الدور الذي تبنوه" حسب أوليري، الذي يعمل حاليا في مركز صوفان. مردفا: "لكن علاقة قطر مع حماس التي يعيش قادتها السياسيون في قطر محل جدل". 

من جهته، يقول المدير السابق لمكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي، كريستوفر كوستا، "هذا ما أقوله للناقدين: بسبب قطر لدينا قناة مع حماس ولدينا قناة مع طالبان ولدينا قناة مع الإيرانيين". 


وقال مسؤول أمريكي رفض الكشف عن هويته، إن "قطر تبدو مساعدة كثيرا لأمريكا"، وهو يشك في أنها دفعت فدية نيابة عن الأمريكيين لتحرير الأسرى، وكاستثمار تراه مهما لمصالحها الخاصة. فيما كانت محاولات تحرير الأسرى محفوفة بالمخاطر للكثير من الرؤساء الأمريكيين، فقد خسر جيمي كارتر، محاولة إعادة انتخابه مرة ثانية بعد فشل عملية تحرير أسرى السفارة الأمريكية في طهران. وباع رونالد ريغان، السلاح سرا لإيران، لكي تساعد في تحرير الأسرى الأمريكيين في لبنان، وهي عملية تحولت إلى فضيحة "إيران- كونترا".

بدوره، يقول المستشار البارز لمجموعة راند والذي عمل في دراسة وتحرير الأسرى لأكثر من خمسين عاما، بريان مايكل جينكنز، "لدينا رئيسين تضررا بوضع الأسرى". وفي بداية السبعينات من القرن الماضي ووسط موجة اختطاف الدبلوماسيين الأمريكيين، سأل مسؤول بارز في وزارة الخارجية، جينكينز، سؤالا ظل معه منذ ذلك الوقت: كيف تقايض على إنسان؟ والمسألة ليست عن التكتيكات ولكنها معضلة فلسفية عميقة. 

ودرس جينكينز سياسة "لا تنازلات" والتي صاغها لأول مرة ريتشارد نيكسون، ووجد أنها لم تخفض في حالات اختطاف الأمريكيين. وفي غزة فصورة الأسرى معقدة أكثر بسبب العدد الكبير من عدة دول والغزو الإسرائيلي لغزة. وهو تحد للتنسيق والحفاظ على نهج موحد.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة غزة فلسطين غزة طوفان الاقصي صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة تحریر الأسرى الإفراج عن فی غزة

إقرأ أيضاً:

أمريكا ترامب: سلامٌ بالقُوّة (القوّة الذّكيّة[1])

يعتبر جوزيف ناي أن الاستراتيجيّات الأكثر فاعليّة في السياسة الخارجيّة اليوم تتطلّب مزيجا من موارد القوّة الصلبة والقوة الناعمة، وتوظيف القوة الصلبة فقط أو القوة النّاعمة فقط في موقف معيّن عادة ما يكون غير كافٍ. ويرى أنه لا بد من تطوير العلاقات مع العالم الإسلامي من خلال القوّة الذّكيّة. ويقول تشستر آرثر كروكر إن القوّة الذّكيّة تشمل الاستخدام الاستراتيجي للدبلوماسيّة، والإقناع، وبناء القدرات، وفرض القوة والنفوذ بطرائق فعّالة من ناحية التّكلفة ولها مشروعيّة سياسيّة واجتماعية، لا سيّما في اشتراك القوّة العسكريّة وجميع أشكال الدّبلوماسيّة الأخرى.[2]

فمنذ بدء الحرب على غزّة بعد عمليّة طوفان الأقصى، مارست إسرائيل بدعم أمريكي وغربي كل أنواع القوة وأشكالها، ولم تستطع تحقيق الأهداف الكبرى التي أعلنتها مثل، تحرير الرهائن، وإنهاء حماس، واحتلال غزة وتشكيل سلطة تابعة لأوامر الكيان الصّهيوني، وجل ما حقّقته خلال قرابة العامين من الحرب، على غّزّة، ولبنان، وإيران، واليمن، هو التّدمير، والاغتيال، والمجازر، بدعم أمريكي، وباكتفاء الغرب بالتّهديد النّاعم لإسرائيل، دون خطوات حقيقيّة فعّالة وناجزة.

وعند عجز القوّة الصّلبة عن تحقيق الأهداف المنشودة من الحرب، عادة ما تقوم أمريكا بمحاولة ترجمة مفاعيل القوّة الصّلبة باستخدام القوة النّاعمة مثل اللّجوء إلى الدّبلوماسيّة المَرِنَة والمفاوضات، والخداع والغموض الاستراتيجي، أو ما أسماه دونالد ترامب "السّلام بالقُوّة"، وهو مصداق القُوّة الذّّكيّة التي تدمج بين القوة الصّلبة والقوّة النّاعمة.

والخداع الاستراتيجي يتشابك مع القوة النّاعمة أحيانا، لكنهما أيضا يستخدمان في سياقات مختلفة، ويمكن أن يكون الخداع الاستراتيجي أداة في يد القوّة النّاعمة، إذ يمكن استخدام التضليل والتّلاعب بالمعلومات للتأثير على الرّأي العام الدّولي وتعزيز صورة الدّولة.

فبالمفاوضات أو الحوارات، كانت الولايات المتّحدة الأمريكيّة تحاول ترجمة ما أنجزته على مستوى العسكر لتحقيق مكاسب سياسيّة.

ومن خلال قناع الدّبلوماسيّة، وممارسة الخداع الاستراتيجي قام ترامب الذي رفع شعار السّلام في المنطقة، بالبدء بعقد جلسات تفاوض مع كلّ من روسيا وإيران، الأولى لوقف الحرب في أوكرانيا، والثّانية للتوصل لاتفاق حول ملّفها النّووي.

ومن ضمن استراتيجية دونالد ترامب الرئيس الأمريكي أيضا الغموض الاستراتيجي، إذ ذكر في كتابه "فنّ الصّفقة" الذي يقول فيه: "يمكنك أن تكون غير مُتَوقّع قدر الإمكان، وعندما لا يعلم أحدٌ ما هي خطوتك التّالية، تكون لك اليد العليا".

إن البُعد الأمني والمستوى التكتيكي لمفهوم الخداع والذي يمكن تعريفه على أنَّه "المعلومات التي تُبث عبر بيان أو فعل لدفع الآخرين لقبول تصور مزيف للواقع بهدف التأثير على سلوكهم"، وهو تعريف المؤرخ العسكري والضابط السابق بوحدة استخبارات الحرب النفسية بالجيش الأمريكي بارتون وايلي. التعريف السابق للخداع يضع المفهوم في قالب إجراءات التزوير والتضليل وهو المعنى اللغوي للمرادف الإنجليزي"Deceptio"، بينما تشير تصورات أخرى -تتبنى المعنى العملي والفني- إلى تضمنه لممارسات أشمل تنطوي على توظيف الحقائق ضمن أدوات أخرى لنسج واقع أو صورة محددة، حيث يقوم الخداع -كما يعرفه بعض خبراء علوم الأمن- على أربعة مبادئ أساسية وهي: الحقيقة، والتعمية، والتمويه، والتضليل. وتعتمد المبادئ الثلاثة الأولى على عرض معلومات حقيقية بشكل معين يحول دون تكوين الخصم لتصورات دقيقة، في حين يخدم المبدأ الأخير (التضليل) هدف توجيه الخصم إلى بديل أكثر جاذبية.

فمثلا تضخيم حقيقة معينة والترويج لها بشكل مكثف يساهم في إسقاط حقائق أخرى من الاعتبار ما يعزز صورة خاطئة للواقع، وهو ما يلخصه كبير محللي سي آي إيه الأسبق (1970-1984م) ومؤلف مجموعة كتب في علوم الأمن والاستخبارات، روبر م. كلارك، حيث يجادل بأنَّ "كل أنواع الخداع تعمل في إطار ما هو حقيقي، فالحقائق تضع اللبنة الأولى للتصورات والمعتقدات؛ ثم تُوظف تلك الحقائق لخداع الخصم".[3]

لكن ممارسة الخداع خصوصا في السياق الاستراتيجي كثيرا ما يتطلب إقحام الدبلوماسية والاتصال السياسي كقنوات لبث الرسائل ونسج الوهم، ويشير التعريف الساخر للدبلوماسي الإنجليزي هنري ووتن للسفير أو الدبلوماسي باعتباره "رجل صادق يرسل للخارج ليمارس الكذب لصالح دولته" إلى تأصل المفهوم والممارسة في العلاقات الدولية والتفكير الغربي.

تتميز طبيعة العمل الدبلوماسي بحساسية عالية تجاه التصريحات والمعلومات المتناقلة، وذلك لأنَّ أسس العلاقة في المجال السياسي وحقل العلاقات الدبلوماسية لا تقوم على الخداع وإنما على "المصداقية والثقة"، ما يجعل من ممارسة الخداع مهمة خطيرة وحرجة لما لها من تداعيات مباشرة على سمعة الدولة وعلاقتها الخارجية؛ ليس بالطرف الممارس عليه الخداع فقط، وإنما مع الأطراف الدولية الأخرى، وهو ما يحد من نطاق تطبيق المفهوم في هذا المجال ويميز طريقة تنفيذه عن المجالات الأخرى التي تتسم بسرية أكبر، كما يضفي عليه طبيعة نوعية، إذ غالبا لا يُمارس الخداع إلا في سياق استراتيجي أو في بيئات ذات طبيعة عدائية. وبالرّغم من ذلك مارست الولايات المتحدّة الأمريكيّة الخداع بالدّبلوماسي مع الجهورية الإسلاميّة الإيرانيّة، في مفاوضاتها الأخيرة 2025م، وهو ما دفع نخبا سياسيّة في أمريكا وغيرها من الدّول باعتبار أمريكا طرفا غير موثوق دوليّا، بسبب استخدامها الخداع في دبلوماسيّتها الدوليّة.[4]

ويمكننا ذكر كثير من النماذج التّطبيقيّة بعد طوفان الأقصى حول الخداع الاستراتيجي وأهمها:

1- من خلال تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي كانت تعطي إشارات إيجابية للطّرف المقابل، وترفع بذلك سقف توقّعات المُفاوِض الآخر حول نتيجة المفاوضات، وتدفعه لمنطقة الرّاحة السيّاسيّة في تقييم الوضع مع الطرف الآخر المُفاوِض، وتبقيه خارج احتمالات الحاجة إلـى التّأهّب العسكري، كما حدث بين أمريكا وإيران في المفاوضات، حيث تأرجح الموقف الأمريكي بين مدّ وجزر، فتارة ترتفع التّوقعات بإمكانيّة توقيع اتفاق قريب حول الملف النّووي، وتارة أخرى تتراجع الاحتمالات كثيرا حول إمكانية التّوصّل لهذا لاتفاق، وتصبح المسافة بعيدة.

وقبل موعد انعقاد المفاوضات الأخير يوم الأحد الموافق 15 حزيران/ يونيو 2025م، سرّب البيت الأبيض عن وجود خلافات بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو تتعلق بطبيعة المفاوضات مع إيران، فأعطت هذه التّصريحات إيحاءات لإيران بوجود خلاف فعلي مردّه المفاوضات بينها وبين أمريكا. وهذا لا ينفي عدم قراءة إيران الحذرة للتّصريحات، إلا أن طبيعة التّصريحات، وتوقيتها، إضافة إلى السيّاق التاريخي للسّلوك الأمريكي مع إيران، قد يكون دفعها مبدئيّا لاستبعاد الخيار العسكري من قبل إسرائيل، باعتبار أن هناك خلافا حول مطلب نتنياهو للقيام بعمل عسكري ضد إيران، وأنه كان يلح على أمريكا لإعطائه الضّوء الأخضر، بل ومشاركة أمريكا في الحرب مع إسرائيل لضرب مفاعلات إيران النوويّة، لأن أمريكا هي من تملك القذائف الخارقة للتّحصينات، وكان نتنياهو يحاول بشتّى السّبل لاستدراج أمريكا إلى حرب عسكرية ضد إيران لضرب مفاعلاتها النّوويّة. لكن إيران ونتيجة التصريحات الأمريكية حول وجود خلاف بين نتنياهو ودونالد ترامب قد تكون استبعدت الخيار العسكري.

واستخدام أمريكا للقوّة النّاعمة، وسلاح المفاوضات والدّبلوماسيّة الخدّاعة، دفع لانخفاض مستوى توقّعات إيران بوقوع الحرب، ثم فاجأ الكيان الصّهيوني إيران بضربة مباغتة في فجر يوم الجمعة 13 حزيران/ يونيو 2025م، أي قبل انعقاد المفاوضات بين أمريكا وإيران بيومين، وصرّح ترامب أنه أعطى مدّة 60 يوما للتوَصّل لاتفاق، وأن هذا اليوم الذي اندلعت فيه الحرب علـى إيران هو اليوم الواحد والسّتون، وأنه يقول ولا يتراجع عن كلامه، ثم صرّح دونالد ترامب خلال الحرب، بأنهم استخدموا الخديعة من خلال تسريب تصريحات تفيد بوجود خلاف بين ترامب ونتنياهو لخداع إيران، ثم مباغتتها بالحرب.

2- تأخير ضربة إيران للكيان الصّهيوني الانتقاميّة لاغتيال رئيس المكتب السّياسي لحركة إسماعيل هنيّة على أرضها، هذا التّأخير أيضا جاء تحت تأثير الخداع الأمريكي والمماطلة الأمريكيّة، التي عطلت مفاعيل الرّد بحجة قرب التّوصل لاتفاق بين حماس والكيان الصهيوني لوقف الحرب، وتبادل الأسرى، وهو ما جعل إيران تتريّث حتى لا تفوّت الفرصة على حماس، ولأنها تهدف من هذه الضّربة الضّغط لوقف الحرب على غزة، فإن كانت ستتوقّف الحرب دون الحاجة للرّد الإيراني، فلن تقف إيران حجر عثرة في طريق ذلك، ومارست أيضا أمريكا في هذا الوقت خداعا استراتيجيّا، عطّلت فيه ردّة الفعل الإيرانيّة لخدمة الصهّاينة وحمايتهم.

3- أما لبنان فقد تعَرّض لخديعة كبرى نتجت عنها خسائر فادحة، حيث توصّلت أمريكا مع لبنان لعمل اتفاق لوقف حرب مساندة غزة التي قامت بها المقاومة في لبنان لدعم غزة في حرب طوفان الأقصى، حيث اتفق بنيامين نتنياهو مع الولايات المتحدة على وقف إطلاق نار مؤقت في لبنان إبان حرب المساندة لمدة 21 يوما، وأُبلغت الحكومة اللّبنانيّة بالاتفاق، ووافق عليه الأمين العام لحزب الله، السّيد حسن نصر الله، على أن يتم الإعلان عن الاتفاق وتفاصيله بعد عودة نتنياهو من الأمم المتحدة، إلا أن نتنياهو استبق هذا الإعلان بضوء أخضر أمريكي بإعطاء الأمر من مبنى الأمم المتحدة باغتيال السيد حسن نصر الله في يوم الجمعة، عند الساعة السادسة مساء 27 أيلول/ سبتمبر 2024م، وأشرف نتنياهو بنفسه على عملية الاغتيال من ذات المبنى وبحضور قيادات أمريكية، وأنجزت عمليّة الاغتيال بعد أن تم قصف الموقع المتواجد فيه السيد حسن نصر الله بما يقارب ثمانين طنّا من المتفجرّات، ثم شُنّت حرب على لبنان بعد ذلك.

وكانت هذه بمثابة خديعة تكتيكية بأدوات ناعمة سياسيّة مثل عقد اتفاقيّات وهدنة، تجعل الطّرف المخدوع يخفف من حذره، ثم يقوم الطّرف الآخر باللجوء مباشرة إلى القوّة الصّلبة لتحقيق خطّته العسكريّة، والانقضاض على الطرف الآخر. وما زالت اليوم تبعات عملية الهدنة التي أقرت لوقف الأعمال العدائية في لبنان تتوالى، إذ إن ما عجز الصهيوني عن تحقيقه بالحرب، يخوض اليوم معركة تحقيقه بالدبلوماسية، إلا أن الدبلوماسية هي مجرد محاولة تمهيدية لحرب المفاجآت التي أقرها الكيان الصهيوني، والتي يسمح من خلالها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمناورات دبلوماسية ناعمة علّها تحدث خرقا في جدار الرفض اللبناني الهش، فتحقق المطالب الصلبة الصهيونية المتمثلة في منطقة عازلة اقتصادية على حدود لبنان وفلسطين المحتلة، ومنطقة منزوعة السّلاح في جنوب الليطاني، وأما شمال نهر الليطاني فوجود الجيش اللبناني بأسلحة خفيفة ليس للدفاع عن لبنان بل لحماية الكيان الصهيوني، وقبل كل هذه الشروط نزع سلاح المقاومة في لبنان.

4- أما غزة فإن الاتفاقية بعنوان السلام ووقف الحرب ما هي إلا توسيع مساحة الاحتلال داخل غزة، وتحويل غزة إلى منطقة غير قابلة للحياة لإجبار أهلها على مغادرتها، ومن ثم البدء بمشروع دونالد ترامب الاقتصادي.

ويبقى السؤال المهم:

هل ستنجح استراتيجية أمريكا في الخداع الاستراتيجي أمام صمود المقاومة، وصمود حواضنها الرافضة لأي تسويات لا ترتقي إلى مستوى التضحيات؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.

__________
[1] هو مصطلح يشير إلى مزيج من استراتيجيّات القوة الصّلبة واستراتيجيّات القوّة النّاعمة. ويعرّفه مركز الدّراسات الاستراتيجيّة والدّوليّة بأنه " منهج يؤكد ضرورة وجود جيش قوي، لكنّه يستثمر بكثافة في أيضا في التحالفات والشراكات والمؤسسات من جميع المستويات، لتوسيع نفوذ الأطراف وإثبات شرعيّة فعلها".
[2] Crocker, Chester A؛ Hampson, Fen Osler؛ Aall, Pamela R. (2007). Leashing the Dogs of War: Conflict Management in a Divided World. US Institute of Peace Press. ص. 13. ISBN:978-1-929223-97-8. مؤرشف من الأصل في 2016-06-03.
[3] Deception: counter deception and counterintelligence, William L. Mitchell, Robert Clark
[4]  December 1941: 31 Days that Changed America and Saved the World, CRAIG SHIRLEY (بتصرّف).

مقالات مشابهة

  • طبول الحرب تقرع في الكاريبي: 3 مؤشرات لاقتراب المواجهة بين أمريكا وفنزويلا
  • وقفة لهيئة ممثلي الأسرى والمحررين اللبنانيين أمام مقر الإسكوا
  • لقطات تكشف سماح القسام لأسرى بالاحتفال بعيد يهودي (شاهد)
  • "الشعبية" تدين إعدام 110 أسرى منذ 2023 وتطالب بفتح تحقيق دولي بجرائم الاحتلال
  • رئيسة مجموعة الأزمات: أميركا لم تعد واثقة في النظام الذي بنته وهناك أزمة مبادئ
  • على أوتوستراد القلمون.. نفذا عملية سلب بقوة السلاح
  • سيناتور روسي: مشروع قانون انسحاب أمريكا من الناتو يعكس رفض الأمريكيين لتسليح أوروبا
  • أمريكا ترامب: سلامٌ بالقُوّة (القوّة الذّكيّة)
  • بالأسماء.. قوات الاحتلال تفرج عن 5 أسرى من قطاع غزة
  • أمريكا ترامب: سلامٌ بالقُوّة (القوّة الذّكيّة[1])