على غرار الاحتلال الإسرائيلي.. النظام السوري يستهدف المستشفيات في إدلب
تاريخ النشر: 18th, November 2023 GMT
شمال سوريا- في إحدى غرف مستشفى الرحمة بمحافظة إدلب شمال غربي سوريا، يجتهد الطبيب ياسين المسطو بتضميد جراح شاب أصيب خلال قصف لقوات النظام السوري على مناطق المعارضة.
وفي حين يؤكد الطبيب على الممرضين تقديم الأدوية للمريض في موعدها، يقطع هدير طائرة حربية هدوء المستشفى، ويصاب المرضى والكوادر الطبية بالذعر والخوف من قصف قد يتعرض له المستشفى، وفي مخيلتهم ما يتابعونه من عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة واستهدافه المستشفيات بشكل خاص.
يقول الطبيب السوري إن هذا المشهد تكرر مؤخرا بعد هدوء حذر عاشته مناطق شمال غربي سوريا، مقدّرا أن النظام السوري استغل الحرب في قطاع غزة، وانشغال العالم بما يحدث من مآسٍ هناك، للتصعيد والقصف هنا.
وفي حديثه للجزيرة نت، أشار المسطو إلى أن القصف الذي يشنه نظام الأسد يستهدف الفرق الطبية بدون تحذير مسبق، وسط مخاطر كبيرة وتبعات نفسية يعيشها الأطباء وحيرة في أمرهم، بين المخاوف على الحياة والصمود لمساعدة المصابين.
ولفت الطبيب الجرّاح إلى أن الكوادر الطبية تتعامل مع حالات طبية خطيرة، مثل: إصابات الرأس وبتر الأطراف ودرجات متقدمة من الحروق يصعب علاجها، وسط نقص الإمكانات. مضيفا "لكن الجميع يعمل بتماسك، لأن مغادرة الأطباء للبلاد سيؤدي لكارثة إنسانية".
ومنذ الخامس من أكتوبر/تشرين الأول الفائت، تصاعدت الضربات الجوية والقصف المدفعي والصاروخي على شمال غربي سوريا، ما تسبب بسقوط ضحايا من المدنيين، فضلا عن استهداف المرافق الطبية والمنشآت الصحية التي تواجه نقصا كبيرا في المعدات والكوادر.
وتحدث مدير صحة إدلب زهير قراط، عن استعدادات لمواجهة التصعيد، من تحديد المستشفيات المركزية كخط أول لاستقبال المصابين بفعل القصف، واختيار نقاط لتزويدها بسيارات الإسعاف والأدوية والمستهلكات المطلوبة، خاصة المدن التي كانت تتعرض للقصف المتكرر.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال قراط إن النظام السوري استهدف خلال حملته الأخيرة 3 مستشفيات في إدلب إضافة إلى قصف العيادات الخارجية، مشيرا إلى أن استهداف المنشآت الطبية أصبح أمرا اعتياديا لدى العاملين في الشأن الصحي.
وأشار إلى أن النظام السوري يستغل كل أزمة دولية -كما يفعل حاليا خلال حرب غزة- لاستهداف المناطق الخارجة عن سيطرته، من خلال قصف المستشفيات والمرافق المدنية والبنى التحتية، بهدف تعطيل المنطقة وتحقيق أكبر ضرر على مستوى الموارد المالية والبشرية.
ورغم الأوضاع المأساوية التي تسيطر على مناطق الشمال السوري، أطلق الأهالي هناك حملات للتبرع في معظم المدن والقرى، وجاءت الحملات تحت مسمى "ردّ الدَّين" للشعب الفلسطيني الذي كان أكثر الشعوب سخاء مع أهالي شمال سوريا، وحث العلماء والخطباء الناس على التبرع ونصرة أهالي غزة.
جرائم حرب
ومنذ تصاعد القصف وحتى العاشر من الشهر الجاري، وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، مقتل ما لا يقل عن 68 مدنيا بينهم 24 طفلا و14 سيدة وواحد من الكوادر الطبية و3 من العاملين في المجال الإنساني، إثر هجمات شنتها قوات الحلف السوري الروسي على مناطق في محافظات إدلب وحلب وحماة شمال غرب سوريا.
كما وثقت المنظمة الحقوقية خلال الفترة ذاتها 73 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية، موضحة أن من بين هذه الهجمات 24 حادثة اعتداء على منشآت تعليمية، و11 على منشآت طبية، و12 على أماكن عبادة.
وقال مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، إن القوات السورية والروسية انتهكت قواعد عدة في القانون الدولي الإنساني، على رأسها عدم التمييز بين المدنيين والمقاتلين، وبين الأهداف المدنية والعسكرية، وقصفت مستشفيات ومدارس ومراكز وأحياء مدنية، مؤكدا أن هذه الانتهاكات ترقى إلى جرائم حرب.
وفي حديثه للجزيرة نت، أكد عبد الغني أن الهجمات اتخذت طابعا من التعمد في قصف مناطق مكتظة سكانيا وبعيدة عن خطوط التماس، وأعيان مدنية عادة ما تشهد حيوية وازدحاما، في محاولة إلحاق أكبر ضرر في البنى التحتية الخدمية التي يستفيد منها سكان هذه المناطق.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: شمال غربی سوریا النظام السوری إلى أن
إقرأ أيضاً:
كيف تحاول إسرائيل استغلال الملف الدرزي لتقسيم سوريا؟
منذ سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، بدأت تظهر على السطح المشكلة الدرزية في المشهد السياسي كجزء من المشاكل الطائفية والعرقية المركبة التي يواجهها النظام الجديد في سوريا.
(1) النشأة والعقيدة والوجود
الموحدون أو الدروز، مصطلح يطلق على الطائفة الدينية التي نشأت في عام 1017 ميلادي في عهد الدولة الفاطمية على يد محمد بن إسماعيل الدرزي. تعتبر الطائفة الدرزية طائفة غير تبشيرية، إذ تم إغلاق اعتناقها على كل من آمن بها قبل عام 1043 ميلادي. ويعود الدروز في هويتهم العرقية إلى الأصول العربية ويتكلمون اللغة العربية.
تعتبر الطائفة الدرزية من الفرق الباطنية التي انشقت عن المذهب الإسماعيلي الشيعي، وكتابهم المقدس هو رسائل الحكمة أو الرسائل المقدسة وهي 111 رسالة تنسب كتابتها إلى قادة الطائفة الأوائل وعلى رأسهم حمزة بن محمد بن علي الدرزي، وهي رسائل سرية تحتوي على عقائد الطائفة الدرزية ولا يطلع عليها إلا عقّال الطائفة ورجال دينها. كما تم تقسيم المجتمع الدرزي إلى فئة العقّال وهم القادة الروحانيون الملمون بالعلوم الدينية للطائفة الدرزية، وفئة الجهال وهم عوام الناس الذين لم يتلقوا العلوم والمعارف الدينية الدرزية، كما يعتبر الدروز القرآن الكريم أحد الكتب المقدسة ويرون أن له تفسيرات ظاهرية وتفسيرات باطنية.
يتواجد الدروز في بلاد الشام، ويعتبر أكبر وجود لهم في سوريا، إذ يبلغ عددهم ما بين 700 إلى 800 ألف نسمة، ويشكلون تقريبا 3 في المئة من الشعب السوري، ويتمركزون بشكل رئيس في السويداء (جبل العرب) ومنطقة صحنايا وجرمانا في ريف دمشق. كما يعتبر ثاني أكبر تجمع لهم في لبنان، ويبلغ عددهم ربع مليون نسمة تقريبا ويشكلون أقل من 7 في المئة من عدد السكان في لبنان. كما يتواجدون في الداخل الفلسطيني المحتل ويبلغ عددهم 143 ألف نسمة تقريبا ويمثلون 1.6 في المئة من التركيبة السكانية الإسرائيلية، وجميعهم يحمل الجنسية الإسرائيلية. ويتواجد في الجولان السوري المحتل ما يقارب 25 ألف نسمة تقريبا يرفض معظمهم الحصول على الجنسية الإسرائيلية، إذ تقدر أن نسبة من حصل على الجنسية الإسرائيلية لا يتجاوز 20 في المئة من دروز الجولان المحتل منذ أن احتلته إسرائيل في حرب عام 1967، كما يتواجد الدروز في الأردن بأعداد تقدر ما بين 12 إلى 25 ألف نسمة وهم أقل من نصف في المئة من المجتمع الأردني.
(2) كيف تحاول إسرائيل استغلال الوجود الدرزي في سوريا؟
للكيان الصهيوني كثير من المطامع في سوريا، تريد منها تحقيق أهدافها بما يحقق مصالح إسرائيل ويحقق لها مزيدا من الأمن والتوسع الجغرافي والسياسي والاقتصادي في المنطقة.
في الوقت الذي أعلنت فيه قوات الثورة في دمشق إسقاط نظام الأسد، كان للجيش الإسرائيلي بنك من الأهداف العسكرية ضد الجيش السوري، إذ نفذ سلاح الجو الإسرائيلي أكثر من 300 غارة جوية دمرت أكثر من 70 في المئة من مقدرات الجيش السوري في كل القطاعات البرية والجوية والبحرية. فإسرائيل تعلم تماما أن هناك فرقا بين أن تملك الأسلحة وبين أن تملك القدرة على استخدامه، وأن النظام الجديد ذا المرجعية الإسلامية يمكن أن يستخدم تلك الأسلحة ضدها وبما يهدد أمنها واستقرارها، على خلاف النظام السابق الذي كان يستخدم فكرة معاداة إسرائيل لغايات الخطاب الداخلي وإحكام السيطرة على السلطة.
لكن تدمير قوات الجيش السوري لا يكفي من وجهة نظر إسرائيل لتوفير الحماية الكافية من النظام السوري الجديد، فهي تريد تحقيق المزيد من الأهداف التي تضعف الدولة السورية وتجعل لإسرائيل دورا كبيرا ومؤثرا في الداخل السوري، فوجدت إسرائيل في المكون الدرزي والكردي فرصة لتحقيق أكثر من هدف سياسي وعسكري، فعمدت إلى إدارة الملف بالعبث بالمكونات الطائفية والعرقية السورية..
قامت إسرائيل بتغذية شعور عدم الثقة بين بعض رجال الدين (العقّال) الدروز والإدارة السورية الجديدة، كما عملت على محاولة تعزيز الثقة بين المكون الدرزي السوري ودولة إسرائيل من خلال تسهيل الزيارة لرجال الدين من دروز سوريا إلى مقام النبي شعيب قرب طبريا، وقد شارك في تلك الزيارات التي نُظمت في آذار/ مارس من هذا العام 150 رجل دين درزيا، وشارك في زيارة نيسان/ أبريل أيضا أكثر من 600 رجل دين درزي بدعوة من الشيخ الدرزي الإسرائيلي موفق طريف.
ترافق ذلك مع تصريحات لقيادات عسكرية وسياسية إسرائيلية بأن إسرائيل معنية بحماية الأقلية الدرزية في الجنوب السوري، وقامت بقصف مواقع قرب القصر الرئاسي في دمشق كرسالة من إسرائيل للدروز أننا قادرون على حمايتكم ورعاية مصالحكم في وجه النظام الجديد، مما انعكس على تصريحات الشيخ الدرزي البارز في سوريا حكمت الهجري والذي صرح بأن إسرائيل ليست عدوا.
كما تسعى إسرائيل إلى دعم أي حركة انفصال أو حكم ذاتي للدروز في السويداء، رغم وجود مناطق سورية تفصل بينها وبين السويداء، إذ ترى إسرائيل أن إقامة مثل تلك الدويلة الطائفية سوف يغذي الطموح الكردي في المطالبة بحكم ذاتي في شمال شرق سوريا، وتقسيم سوريا إلى دويلات عرقية وطائفية، ويربط بين تلك الدويلات ممر بري يطلق عليه ممر ديفيد الذي تحدثت عنه الصحافة الأجنبية، والذي يسعى إلى ربط إسرائيل عبر هضبة الجولان مرورا ببعض مناطق درعا والسويداء ومنطقة التنف على الحدود السورية العراقية، وصولا إلى المناطق التي يسيطر عليها الكرد، وبذلك يكون لإسرائيل اتصال جغرافي بدولة أو حكم ذاتي درزي وحكم ذاتي كردي يربط بينهما ممر بري تسيطر عليه وتحميه إسرائيل، مما يشكل مناطق جغرافية طبيعية عازلة بينها وبين النظام السوري الجديد، ويعطي لإسرائيل تفوقا عسكريا كبيرا في مواجهة النظام الجديد ومحاولات تركيا في توسيع نفوذها في سوريا الجديدة.
من المفارقات السياسية في المنطقة أن إسرائيل وإيران تتفقان في تغذية شعور الانفصال أو الحكم الذاتي الدرزي والكردي والعلوي، إذ تعتبر إيران أن الدروز هم امتداد للمذهب الشيعي وأن إثارة النزعات الطائفية في سوريا هو جزء من مخطط لإفشال النظام السوري الجديد، وهذا ما كشفت عنه دراسة استقصائية منشورة لـ"BBC" تتحدث عن شبكات خارجية تغذي الطائفية وخطاب الكراهية في سوريا، إذ كشفت الدراسة عن تحليل 400 ألف منشور متعلقة بحملات تضليل وخطاب كراهية من قبل منتقدي الإدارة السورية وتبين الدراسة أن 60 في المئة من تلك المنشورات صادرة من حسابات موقعها الجغرافي العراق واليمن ولبنان وإيران.
(3) كيف تتعامل الإدارة السورية مع تلك التحديات؟
تسعى الإدارة السورية الجديدة للبلاد إلى محاولات دمج محافظة السويداء ضمن مؤسسات الدولة السورية، وذلك من خلال دعم اندماج التشكيلات العسكرية الدرزية، وأبرزها رجال الكرامة بقيادة ليث البلعوس ولواء الجبل بقيادة شكيب عزام، كجزء من 5 تشكيلات عسكرية بارزة نشأت أثناء الثورة السورية لحماية الطائفة الدرزية في السويداء وعدم مشاركة أبنائها في جيش النظام ضد الثورة، وهي تشكيلات مسلحة تملك قطعا من السلاح الخفيف والمتوسط.
كما تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى تعزيز الثقة بينها وبين الطائفة الدرزية؛ من خلال تعزيز مشاركة أبناء الطائفة في الحياة السياسية ودمجهم في الدولة السورية والتأكيد على عروبة الطائفة الدرزية باعتبارها جزءا من الجمهورية العربية السورية. هذه السياسة أفضت قبل أيام إلى إصدار القيادات الروحية ممثلة بالشيخ حكمت الهجري والشيخ يوسف الجربوع والشيخ حمود الحناوي بيانا جماعيا، إذ أكد الشيخ الجربوع بأن السويداء تتبع للدولة السورية وأن التدخل الأجنبي والحماية الخارجية لا يحقق الاستقرار وأن طلب الحماية الخارجية هو رأي شخصي لا يمثل الطائفة الدرزية، وأن الدروز سيكونون جزءا من الدولة ونظامها السياسي سواء كانت دولة مركزية أو فيدرالية، وأن الفصائل المسلحة سوف تنتظم في الجيش السوري في مراحل لاحقة، وأن إسرائيل تحاول أن تستخدمهم الدروز مظلة وورقة ضغط لتحقيق أهدافها السياسية في سوريا.
كما عملت الإدارة السورية لقطع الطريق أمام أي حركات انفصالية أو حكم ذاتي في سوريا تمهيدا لتقسيمها، فوقعت في آذار/ مارس الماضي على اتفاق مع القوات الكردية المسيطرة على شمال شرق سوريا بدمج المؤسسات المدنية والعسكرية التي تديرها القوات الكردية ضمن إدارة الدولة السورية الجديدة، بما في ذلك حقول النفط والغاز والمطارات والحدود التي تربطها مع الدول المجاورة، لتكون تلك المناطق جزءا من الجمهورية العربية السورية.
كما أعلن الرئيس أحمد الشرع عن فتح خط تفاوض غير مباشر مع إسرائيل فيما يتعلق بالتوغلات الإسرائيلية في الجنوب السوري وسيطرتها على بعض المناطق، وأكد الشرع في مؤتمره الصحفي في باريس وأن المفاوضات تجري لمحاولة امتصاص الوضع المتوتر بينهما وفقدان السيطرة بعد انتهاك إسرائيل لاتفاق فض الاشتباك لعام 1974.
النظام السوري الجديد يمشي على حبل مشدود محفوف بالمخاطر في محاولته توحيد الدولة السورية تحت إدارة واحدة وإفشال كل مخططات التقسيم إلى كيانات طائفية وعرقية؛ تحاول إسرائيل وإيران أن تستغلها لتحقيق وحفظ مصالحهما ونفوذهما في سوريا.
نجاح النظام السوري أو فشله في توحيد سوريا يعتمد على عدة عوامل؛ أهمها مدى الدعم العربي لقيام سوريا موحدة، ودعم دولي لاستقرار سوريا، ورفع العقوبات عنها بعد حرب أهلية دامية، والأهم من كل ذلك مدى وعي المكونات السورية الطائفية والعرقية بحجم المؤامرة التي تقودها إسرائيل وإيران في استغلال الطوائف السورية واستخدامها كأوراق لتحقيق مصالحهم ونفوذهم في المنطقة.