جريدة الوطن:
2025-12-14@22:54:17 GMT

الطبيعة والعافية .. وحلم المتنزهات الصحية!

تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT

الطبيعة والعافية .. وحلم المتنزهات الصحية!

في وقت ليس ببعيد، نتفاجأ أحيانًا من بعض الَّذين قَدْ اعتادوا على العيش في المُدُن، أو نشأوا فيها أنَّهم يميلون إلى تجنُّب بعض مخلوقات الطبيعة أو تلك الَّتي تعيش في قُرانا ومزارعها، كالنَّمل والحمَام أو النَّحل، أو حتَّى ربَّما عِند رؤية الصراصير، وقَدْ يكُونُ هذا خصوصًا ما يُبرِّره إلى حدٍّ ما، نظرًا لارتباطها الثقافي بالقذارة والمَرض.

لكن مِثل هذا الاشمئزاز هو جزء من قطيعة أكبر بَيْنَ الإنسانيَّة والعالَم الطبيعي!
وبَيْنَما تُصبح الطبيعة غير مألوفة ومنفصلة وغريبة بالنسبة لأولئك، بل وربَّما وفي بعض الأحيان ننفر مِنْها بسهولة أكبر، فواقعيًّا يُمكِن لهذه المشاعر أن تدفعَ النَّاس إلى تجنُّب الطبيعة بشكلٍ أكبر! مع أنَّ العِلم يُبَيِّن الآن الفوائد الصحيَّة النَّاجمة عن الخروج من المنزل، في وقتٍ أصبحَ فيه الوصول إلى المساحات الطبيعيَّة أو المرتبطة بها غير متساوٍ أكثر من أيِّ وقتٍ مضى. بطبيعة الحال، المشي عَبْرَ النخيل والأشجار، سواء كان ذلك في مزارعنا أو بَيْنَ الطبيعة مُهمٌّ، وذلك لِمَا لها من أدوار مُهمَّة في تعزيز الصحَّة النَّفْسيَّة في المستقبل. وفي الواقع، أنَّ ممارسة المشي بَيْنَ الأشجار وقضاء الوقت بَيْنَ المزارع أو بالطبيعة يُمكِن أن تساعدَنا في التعامل مع ضغوط الحياة الحضريَّة نَفْسِها. وربَّما يكُونُ لبعض هذه الفوائد علاقة بكيفيَّة تأثير البساتين أو حتَّى المساحات الخضراء وأشجارها على أدمغتنا، خصوصًا وأنَّ إحدى الدِّراسات وجدَتْ أنَّ الأشخاص الَّذين يعيشون بالقرب من الأشجار يتمتعون بـسلامة اللوزة الدماغيَّة بشكلٍ أفضل، ممَّا يعني أنَّ بنية الدِّماغ أكثر قدرة على التعامل مع الضغوطات! ويبدو هنا أنَّ الأشجار تساعد أيضًا في صحَّة قُلوبنا. ففي إحدى الدِّراسات المرتبطة، أظهرت أنَّ المشي بَيْنَ الأشجار أدَّى إلى خفض ضغط الدَّم لدى الأشخاص، ومستويات الكورتيزول، ومعدَّلات النبض، ونشاط الجهاز العصبي (المرتبط بالتوتُّر)، مع زيادة نشاط الجهاز العصبي السمبتاوي (المرتبط بالاسترخاء). وبلا شكٍ ترتبط كُلُّ هذه العلامات الفسيولوجيَّة بصحَّة أفضل للقلبِ، وهذا دليل آخر يشير إلى أنَّ المشي في المساحات الخضراء وبَيْنَ الأشجار أو في المزارع يُحسِّن وظيفة القلب والأوعية الدمويَّة.
بل ولعلَّك تلاحظ كيف أنَّ النَّباتات حَوْلَ المنازل قَدْ تساعد على تقليل فظاظة النَّاس وعدوانيَّتهم، ناهيك أنَّ تلكم الأشجار والنَّباتات قَدْ تجذب أيضًا النَّاس إلى خارج منازلهم، وتغيير نفسيَّتهم السَّيئة إلى حالٍ أفضل. وبعبارة أخرى، يجِبُ على المؤسَّسات المعنيَّة، والبلديَّات الاهتمام بشكلٍ حقيقي باللون الأخضر، وتغذيته في كُلِّ بقعة من الولاية، والمدينة وحتَّى بَيْنَ المُجمَّعات السكنيَّة، بدلًا من أن ينتهيَ ويكُونَ المشهد الحضري فقط مباني وطُرقًا! ولعلَّه من الجميل أن نطبِّقَ ما يُردِّده اليابانيون بالاستحمام في الطبيعة، حين يقولون: شينرين يوكو، حيث شينرين تعني باليابانيَّة (الغابة)، ويوكو تعني (الحمَّام ـ أجلَّكم الله ـ). وأقصد هنا الاستمتاع الكامل بالمساحات الخضراء، خصوصًا مع الأشجار وذلك من خلال حواسِّنا. وهنا لا أقصد أبدًا ممارسة الرياضة، أو المشي لمسافات طويلة، أو الركض. إنَّه ببساطة التواجد في الطبيعة، والتواصل معها من خلال حواسِّ البصر والسَّمع والذَّوق والشَّم واللَّمس. وكأنَّه ذلك الجسر ـ إن استطعت القول ـ ومن خلال فتح حواسِّنا، يسدُّ الفجوة بَيْنَنا وبَيْنَ العالَم الطبيعي. لذلك إن أردت أن تجرِّبَ ذلك، فإنِّي أنصحك بتَرْكِ هاتفك والكاميرا خلفك. فقط سوف تمشي ببطء بَيْنَ الأشجار، وكأنَّك تتذوَّق أصوات وروائح ومناظر الطبيعة، وتدخلها لجسمك.
ختامًا، إذًا كنتَ تشعر بالتشجيع للخروج في الهواء الطَّلق بعد قراءة هذا المقال، فإنَّ المتنزَّهات ستكُونُ بانتظارك مع الكثير من المساحات الخضراء الَّتي يُمكِنك تخصيصها لجزءٍ من يومك للاسترخاء. لذلك وكما نُخطِّط ونحافظ على بنيتنا التحتيَّة الرماديَّة ـ مبانينا وجسورنا ـ من المُهمِّ أن نُخطِّطَ ونحافظَ على بنيتنا التحتيَّة البيئيَّة في المحافظات والمُدُن أيضًا. ومن هنا أقترح على أصحاب السَّعادة المحافظين بأن تُخصِّصَ كُلُّ محافظة بسلطنة عُمان متنزَّها متكاملًا غنيًّا بمساحاته الخضراء وأشجاره الوافرة، وأيضًا بحيرته الممتدَّة، ونباتاته المُتعدِّدة فتغدو كغابةٍ تطلُّ بوسط كُلِّ محافظة ـ على سبيل المثال ـ، وتكُونُ جنَّة استجمام وعلاج لكثير من أبناء المُجتمع. فيستمتع بالمناظر والأصوات والروائح الَّتي تحيط به، وتصبح ملاذًا سياحيًّا واجتماعيًّا وصحيًّا.
د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
[email protected]

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: المساحات الخضراء فی الم

إقرأ أيضاً:

الإمارات من الصحراء إلى الريادة الخضراء

هالة الخياط (أبوظبي)

في أقل من نصف قرن، نجحت دولة الإمارات العربية المتحدة في إعادة رسم علاقتها بالبيئة على نحو جعلها واحدة من أبرز النماذج العالمية في التوازن بين التنمية الاقتصادية وحماية الطبيعة. 
فمن أرض صحراوية شحيحة الموارد، نشأت دولة تبني اليوم اقتصاداً متنوعاً منخفض الكربون، وتُصمّم سياسات بيئية قائمة على المعرفة والابتكار، وتشارك في قيادة العمل المناخي العالمي، وتحوّل إرث المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، إلى منظومة مؤسسية متكاملة تعمل وفق أحدث المعايير الدولية.
ومنذ بدايات الاتحاد، شكّل الاهتمام بالبيئة جزءاً أصيلاً من رؤية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، الذي آمن بأن «البيئة ليست ملكاً لجيل واحد، بل أمانة للأجيال المقبلة». هذا الإيمان تحوّل إلى نهج وطني شامل، حيث تواصل القيادة الرشيدة هذا النهج بوعي أكبر يتناسب مع متطلبات القرن الحادي والعشرين. وأرسى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، رؤية متكاملة تقوم على دمج البعد البيئي في كل مراحل التنمية، وتعزيز التوازن بين متطلبات الاقتصاد الحديث واستدامة الموارد الطبيعية.
وهذا التحوّل العميق لم يكُن وليد السنوات الأخيرة فحسب، بل امتداداً لرؤية تأسيسية رسّخت العلاقة بين الإنسان والطبيعة في صميم مشروع بناء الدولة. واليوم، ومع تسارع التحديات المناخية عالمياً، تتقدم الإمارات بخطى ثابتة نحو عام 2050، مستندةً إلى استراتيجيات وطنية طموحة، ومبادرات بيئية واسعة النطاق، وتعاون دولي مكثّف، ونظام بحثي يزداد رسوخاً وقدرة على خلق الحلول.

يقول محمد سعيد النعيمي، وكيل وزارة التغير المناخي والبيئة، إن دولة الإمارات تواصل ترسيخ مكانتها كإحدى الدول الرائدة عالمياً في حماية البيئة والعمل المناخي، من خلال رؤية وطنية متكاملة تجمع بين التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي وحماية الموارد الطبيعية. 

ويضيف: «لقد شهدت السنوات الأخيرة نقلة نوعية في العمل البيئي والمناخي في الدولة، سواء من حيث التشريعات والسياسات أو من حيث تنفيذ المبادرات والمشروعات الميدانية. وأصبحت حماية البيئة والعمل المناخي جزءاً أساسياً من خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فاليوم، لا ينظر إلى الاستدامة باعتبارها التزاماً بيئياً فحسب، بل كأداة لتحقيق الأمن الاقتصادي والاجتماعي والغذائي للدولة».
ويشير وكيل الوزارة إلى أن استراتيجية الإمارات للحياد المناخي 2050 ليست مجرد خطة لخفض الانبعاثات، بل برنامج وطني شامل لتحويل التحديات المناخية إلى فرص تنموية جديدة. وتعمل الاستراتيجية على إعادة تشكيل منظومة العمل في ستة قطاعات رئيسية هي الطاقة، الصناعة، النقل، الزراعة، المباني، والنفايات، مع التأكيد على أن النمو الاقتصادي والعمل المناخي يسيران جنباً إلى جنب. 
وقد بدأت الدولة بالفعل تنفيذ مشروعات استراتيجية في مجالات الطاقة النظيفة والتحول الصناعي الأخضر، وتطوير تقنيات النقل المستدام، فيما تُمثل الأجندة الوطنية الخضراء 2030، إطاراً طويل الأجل لتحويل الاقتصاد الوطني إلى اقتصاد أخضر يعتمد على المعرفة والابتكار.

نموذج عالمي 
وبعد خمسة عقود من تأسيس الاتحاد، تقف دولة الإمارات اليوم كنموذج عالمي في دمج التنمية الاقتصادية مع حماية البيئة، حيث لا تُعتبر الاستدامة مجرد شعار، بل ممارسة يومية متجسّدة في السياسات والمشاريع والوعي المجتمعي. ومن الصحراء إلى المدن الخضراء والمشاريع الطموحة للطاقة المتجددة، تؤكد الإمارات أن الإنسان والطبيعة يمكن أن يلتقيا في تناغم وانسجام مستدام، في رؤية وطنية بعيدة المدى تستهدف الحياد المناخي بحلول عام 2050.
ويشير محمد سعيد النعيمي وكيل وزارة التغير المناخي والبيئة، إلى أن استراتيجية الإمارات للحياد المناخي 2050، لا تقتصر على خفض الانبعاثات، بل تشكّل برنامجاً وطنياً شاملاً يربط بين النمو الاقتصادي وحماية الموارد الطبيعية. ويضيف: «نحن نسعى إلى تحويل التحديات المناخية إلى فرص تنموية، من خلال مشاريع الطاقة النظيفة، والتحول الصناعي الأخضر، والنقل المستدام، والزراعة الذكية، وحماية التنوع البيولوجي، ضمن إطار عمل يدمج البحث العلمي والابتكار والتكنولوجيا».

الزراعة محور أساسي
ويمثل قطاع الزراعة محوراً أساسياً في مساعي دولة الإمارات لمواجهة التغير المناخي وتعزيز الأمن الغذائي المستدام. 
ويشير محمد سعيد النعيمي، وكيل وزارة التغير المناخي والبيئة، إلى أن الوزارة تعمل على تنفيذ مبادرات طموحة لتطوير منظومة الإنتاج الزراعي المحلي، ورفع كفاءة استخدام الموارد، بما يشمل تطبيق تقنيات الزراعة الذكية مناخياً والزراعة العمودية والمائية. وقد تم العام الماضي إطلاق المركز الزراعي الوطني، ليكون منصةً وطنية متخصّصة في البحث والابتكار الزراعي، بما يعزّز الإنتاج المحلي من المحاصيل الاستراتيجية ويقلّل الاعتماد على الواردات، مع دعم المزارعين المواطنين بالتدريب والبرامج والتقنيات الحديثة الذكية مناخياً.
وليس الزراعة وحدها محور الجهود، بل تولي الدولة اهتماماً خاصاً بقطاع الثروة السمكية، الذي يُعد رافداً أساسياً للأمن الغذائي الوطني ومكوناً أصيلاً في تراث الإمارات. وتؤكد الوزارة على تطوير ممارسات الصيد المستدامة، التي تضمن الحفاظ على المخزون السمكي للأجيال القادمة، بالتوازي مع تنمية مشاريع الاستزراع السمكي الحديثة، لتلبية الطلب المتزايد على الأسماك مع الالتزام بأعلى معايير الاستدامة البيئية. هذه الإجراءات تأتي ضمن استراتيجية وطنية شاملة للأمن الغذائي، تهدف إلى بناء منظومة غذائية مرنة وقابلة للتكيف مع التغيرات المناخية، وضمان استدامة الموارد الطبيعية.
كما يُعد ملف جودة الهواء من الأولويات الوطنية، باعتباره ركيزة أساسية لجودة الحياة ومحركاً للتنمية المستدامة. ويؤكد النعيمي وكيل وزارة التغير المناخي والبيئة أن «الأجندة الوطنية لجودة الهواء 2031 تمثّل الإطار الاستراتيجي الذي يوحد الجهود الوطنية ويحدد مستهدفات هذا الملف الحيوي»، مع اعتماد نهج تشاركي يجمع بين الجهات الحكومية، والقطاع الخاص، والأوساط الأكاديمية، لضمان تطبيق أفضل الحلول والتقنيات للوصول إلى هواء نقي ومستدام.

حماية الطبيعة
وفي سياق تعزيز الحضور الإماراتي في مجال حماية الطبيعة، تقول الدكتورة شيخة سالم الظاهري أمين عام هيئة البيئة - أبوظبي: إن «استضافة أبوظبي للمؤتمر العالمي للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN) مثّلت محطة محورية في مسيرة ريادة الدولة» مؤكدة أن هذه المؤتمرات وفّرت منصة لاستعراض التجربة الإماراتية في الحلول القائمة على الطبيعة لمواجهة التغير المناخي، وتعزيز كفاءة إدارة الموارد الطبيعية وحماية التنوع البيولوجي عبر سياسات علمية مبتكرة. 
وتضيف: «الحفاظ على الطبيعة ليس هدفاً بيئياً فحسب، بل التزاماً وطنياً مستمراً، يتحقق من خلال تحويل مخرجات هذه المؤتمرات إلى مشاريع واقعية على أرض الواقع، بما يدعم الأجندة البيئية العالمية ويعزّز شراكات دولية فاعلة».
وتتجلى رؤية الإمارات أيضاً في حماية التنوع البيولوجي والنظم البيئية، حيث تم تطوير شبكات المحميات الطبيعية وتوسيع نطاقها لتشمل مختلف المناطق، مع مشاريع نوعية لإعادة تأهيل الموائل الطبيعية واستزراع الشعاب المرجانية وزراعة أشجار القرم. 
وفي هذا الإطار، يشير محمد سعيد النعيمي وكيل وزارة التغير المناخي والبيئة إلى أن الدولة قامت حتى الآن بزراعة أكثر من 50 مليون شجرة قرم باستخدام تقنيات حديثة مثل الطائرات من دون طيار وتحديد المواقع الدقيقة للزراعة، ضمن تحقيق هدف زراعة 100 مليون شجرة بحلول عام 2030. وتعكس هذه المبادرات اهتمام الإمارات بالحلول القائمة على الطبيعة، وهو ما يبرز في إطلاق «تحالف القرم من أجل المناخ» بالتعاون مع إندونيسيا، الذي يضم أكثر من 45 دولة تسعى إلى تعزيز دور النظم الساحلية في امتصاص الكربون وحماية التنوع البيولوجي البحري.

مبادرات عابرة للحدود

لا تقتصر الريادة الإماراتية على الداخل فحسب، بل تمتد لتصبح قوة فاعلة على المستوى الدولي. فقد أطلقت الدولة مبادرات عابرة للحدود، مثل «مبادرة محمد بن زايد للماء»، ومؤسسة الأنهار النظيفة، وصندوق ألتيرا الذي تم الإعلان عنه خلال مؤتمر COP28، ويستهدف حشد 250 مليار دولار للاستثمار في حلول مواجهة تغير المناخ. كما تستضيف الإمارات مؤتمرات عالمية كبرى، مثل مؤتمر الأطراف COP28 والمشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة للمياه، لتكون منصة حوار دولية تجمع الخبراء وصناع القرار لمواجهة التحديات المناخية بشكل مشترك.

ويشير خبراء دوليون إلى أن تجربة الإمارات في الجمع بين البحث العلمي والتطبيق العملي تمثّل نموذجاً يمكن تعميمه عالمياً. فليز بيغون، ممثلة منظمة هارت فولنس، تقول: «الابتكار التقني الذي توظفه الإمارات في مشاريعها البيئية، مثل استخدام الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيّرة في زراعة أشجار القرم واستعادة الموائل الطبيعية، يجعل الدولة فاعلاً رئيسياً في مستقبل العمل البيئي العالمي». 

كما تؤكد ليليانا يورغي من لجنة الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة في هولندا أن الإمارات أصبحت منصة عالمية مؤثرة في صياغة مستقبل العمل البيئي من خلال سياساتها الفاعلة واستضافتها للمؤتمرات الدولية، ما يعزّز قدرتها على حماية الأنواع المهددة بالانقراض والتدهور البيئي.

أخبار ذات صلة مشاركة قياسية في «الاستعراض الحر للسيارات» «ربدان» تنال اعتماد الرابطة الجنوبية للكليات بأميركا

وأكدت آدا ناتولي، أستاذ مساعد في جامعة زايد ومؤسسة مبادرة مشروع دولفين الإمارات، أن دولة الإمارات حققت تقدماً ملحوظاً على المستوى الوطني والإقليمي والدولي في مجال حفظ التنوع البيولوجي وتعزيز القدرة على التكيف مع التغير المناخي، مشيدة بسرعة الدولة في تنفيذ السياسات البيئية الرئيسية وفاعليتها في دعم المبادرات الوطنية والإقليمية والعالمية لحماية الأنواع الرئيسة.
وأوضحت أن تجربة الإمارات في إدارة واستعادة النظم البيئية في البيئات القاحلة، تمثّل نموذجاً يمكن أن يستفيد منه الآخرون، مشيرة إلى أن البيئة البحرية أيضاً تحظى باهتمام خاص، حيث تعمل مبادرة مشروع دولفين الإمارات بالتعاون مع جامعات وجهات محلية وعالمية على حماية الحيتان والدلافين والخنازير البحرية، التي تلعب دوراً محورياً في صحة النظم البيئية البحرية.
كما شدّدت على أهمية المنصات الدولية والتعاون العالمي مثل استضافة أبوظبي للمؤتمر العالمي للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة، مؤكدة أن الاجتماعات الحضورية تظل وسيلة فعّالة لتبادل الخبرات والتوصل إلى اتفاقيات مشتركة، مع التأكيد على الحاجة لتطوير أدوات لقياس التأثير الفعلي للمؤتمرات على المدى القصير والمتوسط والطويل.

الطاقة النظيفة

 تتصدر الإمارات العالم في تبني الطاقة النظيفة وتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والاستدامة. 
ويشير محمد سعيد النعيمي، وكيل وزارة التغير المناخي والبيئة، إلى أن استراتيجيات الدولة لا تقتصر على خفض الانبعاثات فحسب، بل تشمل مشاريع ضخمة للطاقة المتجددة، مثل مجمع محمد بن راشد للطاقة الشمسية ومشروعات شركة «مصدر» حول العالم، إلى جانب تطوير الطاقة النووية السلمية في براكة. 

ويضيف: «استراتيجياتنا الوطنية تُظهر أن النمو الاقتصادي والعمل المناخي يسيران جنباً إلى جنب، حيث تُحوّل التحديات البيئية إلى فرص تنموية مبتكرة».
وتأتي هذه الجهود ضمن أطر شاملة مثل الأجندة الوطنية الخضراء 2030، التي تمثل خريطة طريق طويلة الأجل لتحقيق التنمية المستدامة وتحويل الاقتصاد الوطني إلى اقتصاد أخضر. وتستند الأجندة إلى خمسة مسارات استراتيجية تشمل تعزيز الطاقة النظيفة والتكيّف مع التغير المناخي، وتطوير اقتصاد معرفي تنافسي، وضمان بيئة مستدامة وقيمة للموارد الطبيعية، بما يدعم مباشرة جهود العمل المناخي ويعزّز التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

نموذج للحضارة البيئية

قدمت الإمارات للعالم نموذجاً متكاملاً للحضارة البيئية، حيث تتجسّد الاستدامة في كل جانب من جوانب الحياة: من السياسات الحكومية والمبادرات المجتمعية، إلى البحث العلمي والابتكار التكنولوجي، وصولاً إلى الشراكات الدولية الفاعلة. وهكذا، تتقدم الدولة بخطى ثابتة نحو عام 2050، محافظة على إرث الشيخ زايد، وراعية للبيئة، وملتزمة بتحقيق مستقبل مزدهر ومستدام لأجيالها القادمة، لتصبح بحق عاصمة عالمية للحضارة البيئية، حيث يلتقي الإنسان والطبيعة في انسجام مستدام.

البحث العلمي 

يقول البروفيسور ربيع رستم، أستاذ الطاقة وعلوم الأرض والبنية التحتية بجامعة هيريوت وات دبي: استطاعت الإمارات تحويل إرث الشيخ زايد إلى نظام مؤسّسي متكامل يعتمد على البحث العلمي والسياسات المستدامة. 
ويضيف: «دمج أهداف الحياد المناخي ضمن استراتيجية الإمارات للحياد المناخي 2050 يعكس توجهاً استراتيجياً يربط بين النمو الاقتصادي والالتزام بسياسات مدعومة بأدلة بحثية. ومع ذلك، يبقى التحدي في ضمان التنفيذ الشامل والمستدام لتلك السياسات عبر تطوير البنية التحتية البحثية والكفاءات الوطنية، وآليات تقييم ومساءلة فعالة».

الذكاء الاصطناعي

تدعم تقنيات المعلومات والذكاء الاصطناعي إدارة التنوع البيولوجي بشكل ملموس، كما يوضح دكتور رستم أنه «تم استخدام خوارزميات التعلم العميق وتحليلات بيانات الأقمار الصناعية لرصد تكاثر غابات القرم، بما أظهر توسعاً يفوق 9.000 هكتار حتى عام 2024، مع تحسين حسابات مخزون الكربون باستخدام نماذج ذكاء اصطناعي متقدمة». 
ويشير إلى أن هذه الجهود تمثّل نموذجاً ناجحاً يدمج التكنولوجيا والبحث العلمي لدعم إدارة النظم البيئية بفعالية، مع تعزيز قدرة الدولة على مواجهة فقدان التنوع البيولوجي والتغيرات المناخية.

الابتكار

تؤكد الدكتورة شيخة الظاهري أمين عام هيئة البيئة - أبوظبي أن الابتكار والتكنولوجيا هما العمود الفقري للنجاح في هذا المسار. وتشير إلى أن دمج الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيّرة وتحليل البيانات الضخمة في إدارة النظم البيئية، يمثل مثالاً عملياً على كيفية توظيف الإمارات للتقنيات الحديثة في خدمة البيئة، مشيرة إلى أن مشاريع مثل زراعة 100 مليون شجرة قرم، التي تنفّذ نصفها باستخدام الطائرات لتحديد مواقع الزراعة بدقة عالية، ما يعكس التزام الدولة بالحلول القائمة على الطبيعة والتكنولوجيا معاً.
وفي سياق البحث العلمي، يوضح بروفيسور ربيع رستم أن الجامعات ومراكز البحث تلعب دوراً محورياً في دعم أهداف الحياد المناخي 2050. فالجامعات تنتج معرفة وأدوات تقييم تسمح بفهم ديناميات الانبعاثات وتحديد فرص تخفيضها، كما تطوّر تقنيات مبتكرة في مجالات الطاقة المتجددة وكفاءة استهلاك الطاقة والتقاط الكربون، مع بناء قدرات وطنية متخصّصة وتقديم حلول عملية قابلة للتطبيق على أرض الواقع.

رؤية متكاملة 
تواصل الدولة تعزيز الشراكات المجتمعية والقطاع الخاص، مؤمنة بأن حماية البيئة مسؤولية مشتركة. وتشمل المبادرات الوطنية برامج لرفع الوعي البيئي، وتحفيز المشاركة التطوعية في حماية الحياة الفطرية، وزراعة الأشجار، وإدارة النفايات، ما يعكس إدراك الإمارات أن نجاح العمل البيئي يعتمد على السياسات الحكومية بقدر اعتمادها على وعي وسلوك الأفراد.
وبهذه الرؤية المتكاملة، تجمع الإمارات بين الابتكار التكنولوجي، البحث العلمي، السياسات الوطنية، والشراكات الدولية والمجتمعية، لتثبت أن التنمية الاقتصادية والاستدامة البيئية يمكن أن تسير جنباً إلى جنب، وأن حماية الطبيعة ليست خياراً، بل ركيزة أساسية في استراتيجية الدولة لبناء مستقبل مستدام وآمن للأجيال القادمة.

 

مقالات مشابهة

  • الإمارات من الصحراء إلى الريادة الخضراء
  • دراسة: موجات الجفاف الحارة قد تحول الأمازون لمنطقة استوائية شديدة بحلول 2100
  • الجفاف قد يغيّر مناخ غابات الأمازون ويهدد بقاء أشجارها بحلول 2100
  • أشجار السدر المعمّرة في وادي الهلالي.. إرث طبيعي نادر شرق عرعر
  • دراسة: طريقة التنفس أثناء المشي تحسن صحة القلب وتقلل الإجهاد
  • وادي مغيدد.. أيقونة لجمال الطبيعة
  • العدو يواصل اقتلاع آلاف الأشجار من أراضي الفلسطينيين في رام الله
  • أفضل وأسوأ أوقات المشي في الشتاء على صحة القلب .. تفاصيل
  • كارثة سومطرة الإندونيسية .. آلاف الأشجار تبتلع مسجدا وتمنع دخول المصلين
  • ولاية نهر النيل تدشن مشروع المساحات الخضراء بالمدارس