افتتحت النسخة الثامنة من "قمَّة المعرفة" التي تنظمها مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تحت شعار "مدن المعرفة والثورة الصناعية الخامسة"، في مركز دبي التجاري العالمي -قاعة الشيخ راشد -على مدار يومي 21 و22 نوفمبر الجاري، إضافة إلى يوم سيُخصّص للحضور عن بُعد (23 نوفمبر).

 
وتتمحور قمَّة المعرفة 2023 حول مدن المعرفة والثورة الصناعية الخامسة، وتجمع تحت مظلّتها قادة الفكر وصنَّاع القرار والسياسات والخبراء والباحثين والأكاديميين ورواد الأعمال لمناقشة دور الثورة الصناعية الخامسة في بناء مدن المعرفة، وتقنيات الجيل الخامس التي أحدثت تحولاً شاملاً في نماذج الأعمال التقليدية، وباتت تُشكّل ركائز أساسية للنموذج الاقتصادي المستقبلي، لتصبح بذلك الحدث الأول الذي يتيح منبراً عالمياً لمناقشة الثورة الصناعية الخامسة، وتبادل الأفكار ونقل المعرفة وإقامة الشراكات والتعاون للتوصّل إلى حلول مبتكرة تُمهد الطريق أمام مستقبلٍ أكثر ابتكاراً وشمولية للبشرية جمعاء.
الاستثمار في الإنسان
 أكد الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم أن رؤية القيادة الرشيدة حولت التجربة الإماراتية إلى نموذج يحتذى به في التنمية المستدامة القائمة على المعرفة في شتى القطاعات، ووضعت الاستثمار في الإنسان وتنوير العقول وتعزيز الابتكار في مقدمة أولويات مسيرتها التنموية الطموحة.
وعن تجربة دبي في إنماء المعرفة والكيفية التي أعلت بها الاعتماد عليها في مختلف مشاريعها ومبادراتها قال سموه: "صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد جعل المعرفة أساساً لنهضة التطوير الشاملة التي تتقدم معها دبي بخطى سريعة نحو أرفع مستويات الريادة العالمية.. ورسخها ركيزة للنهوض بحياة الإنسان وتطوير الأداء ضمن القطاعات الحيوية التي تضمن تقدمه ورفاهيته.. واليوم، تأتي النسخة الثامنة من القمة لتؤكد إصرار دبي على أن يكون لها دور مؤثر في تحفيز حوار إيجابي هدفه استشراف آفاق معرفية جديدة تعين المجتمعات حول العالم على بناء مستقبل أفضل تحقق فيه أهداف التنمية المستدامة.
حدث عالمي
تواصل قمة المعرفة تفعيل الحراك المعرفي من خلال هذا الحدث العالمي الذي يجمع قادة الفكر وصناع القرار من مختلف الدول والثقافات بهدف استشراف مستقبل المعرفة، كما يؤكد الجهود التي تبذلها دبي في هذا المجال انطلاقاً من سعيها لتعزيز قدرات الدول لبناء مجتمعات المعرفة، وزيادة وعي الحكومات الطامحة للتقدم وتحقيق أعلى مستويات النماء والرفاهية لأبنائها. 
وتُشكّل المعرفة ركيزة أساسية للنهوض بالمدن والمجتمعات، ومحوراً رئيساً لتحقيق التطور والتقدم في مختلف المجالات، وتسعى قمة المعرفة عبر دوراتها المتتالية إلى توحيد الجهود وتبادل الخبرات والرؤى والأفكار لمواجهة التحديات المستقبلية العالمية، واستكشاف الفرص التي تتيحها المعرفة، واستثمار أدواتها للتكيف مع المتغيرات العديدة والمختلفة. 
وقد أثبتت مدن المعرفة حضورها وقدرتها على تحريك جهود التنمية والاقتصاد لأي دولة عبر تبنّي نهج الابتكار والإبداع، والتركيز على كفاءة العنصر البشري. وتركز هذه القمة على دور المدن المعرفية في احتواء الثورة الصناعية الخامسة الهادفة إلى خلق علاقة أكثر توازناً بين التقنيات الحديثة والطاقات البشرية، ما يسهم في تعزيز مفهوم الاستدامة وتحقيق النمو الاقتصادي والارتقاء بجودة حياة الأفراد، وبناء مجتمعات مزدهرة. 
43 جلسة
وتفرد القمة حيزاً واسعاً لسبل توظيف التقنيات المبتكرة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة ومواجهة التحديات العالمية، ودفع عجلة الإبداع والابتكار وتعزيز سرعة وسهولة وصول تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي واستخداماتها وتأثيرها في المجتمع. 
وتستعرض القمة الاتجاهات الكبرى المؤثرة في إرساء دعائم مدن المستقبل المستدامة والعادلة، إضافة إلى الدور المحوري للعاملين في مجال المعرفة في بناء اقتصاد المعرفة. وتتضمّن فعاليات القمَّة أكثر من 43 جلسة حول موضوعات مختلفة، لا سيما الصحة الرقمية واستراتيجيات السياحة المستدامة، وأدوات تحوُّل التعليم وبناء مدن المعرفة والجيل الخامس من التقنيات التعليمية، وتأثير الثورة الصناعية الخامسة في ريادة الشركات الناشئة وصناعة التكنولوجيا الحيوية، وكيفية تعزيز الأمن السيبراني، والإعلام وصناعة المحتوى في ظل تقنيات الذكاء الاصطناعي، إلى جانب استعراض حلول ذكية مستدامة من أجل مستقبل الأمن الغذائي الزراعي، ووضع تصورات لأهداف التنمية المستدامة في عصر الثورة الصناعية الخامسة، ومفهوم المجتمع البشري 5.0 واستراتيجيات تحويل النفايات إلى وقود، وغيرها من الموضوعات المرتبطة بمستقبل الإنسان. 
مؤشر المعرفة العالمي: الإمارات الأولى عربياً 
في ظل حالة عدم اليقين التي تلقي بظلالها على المشهد الاقتصادي العالمي، يقدِّم مؤشِّر المعرفة العالمي في نسخته للعام 2023 تحليلاً متكاملاً للتطور المعرفي واتجاهاته والعقبات التي تعترض مساراته. ويتيح المؤشِّر قراءةً شاملة لأداء133 دولةً، مع التركيز على الدول الرائدة في تبنّي نموذج الاقتصاد القائم على المعرفة وإبراز مقومات مرونتها، وتسليط الضوء على مكامن الضعف ومجالات وآفاق التحسين للاقتصادات الأقل أداءً. وتُنبِئ معطيات وبيانات المؤشِّر بارتفاع المتوسط العالمي، في دلالةٍ على تسارع وتيرة مسار التعافي من جائحة كوفيد-19 وتَبِعاتها بعيدة المدى. وواصلت دولة الإمارات العربية المتحدة تصدُّرها ترتيب الدول العربية في مؤشِّر المعرفة العالمي للعام 2023. وتبوَّأت سويسرا صدارة تصنيفات المؤشِّر متفوقةً على فنلندا والسويد وهولندا، فيما تراجعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى المركز الخامس، بعد أن اعتلت قمَّة الهرم المعرفي في العام 2022. واحتلَّت كل من الدنمارك ولوكسمبورغ والمملكة المتحدة والنمسا والنرويج المراتب السادسة والسابعة والثامنة والتاسعة والعاشرة على التوالي.
حراك معرفي
وقال جمال بن حويرب، المدير التنفيذي لـ "مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة": "نعمل في مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة  على تعزيز الحراك المعرفي على مستوى العالم، ونسعى خلال النسخة الثامنة من قمَّة المعرفة إلى تحديث وتطوير المنهجيات والآليات التي تشكِّل أساس عملية إنتاج ونشر المعرفة، ما يعكس التزامنا الدائم بتعزيز القيمة المعرفية والابتكار في مجتمعنا، انطلاقا من كون دبي نموذجاً فريداً للمدينة السعيدة الذكية، الملتزمة بتحقيق التنمية المستدامة واستخدام التقنيات الحديثة في تحسين جودة الحياة لسكانها. وتشهد قمَّة المعرفة سنوياً اهتماماً متزايداً من المؤسَّسات والجهات في القطاعين الحكومي والخاص، ما يعكس الأثر الإيجابي والقيمة التي تقدمها في سبيل تطوير المعرفة والابتكار. وتركِّز القمَّة في هذا العام على دور المعرفة في إرساء دعائم مدن المعرفة التي تشكل ركائز أساسية للنموذج الاقتصادي المستقبلي".

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الثورة الصناعیة الخامسة محمد بن راشد آل مکتوم التنمیة المستدامة مدن المعرفة ل المعرفة ة المعرفة

إقرأ أيضاً:

اللغة والسيادة.. العربية مفتاح النهضة وصوت الهوية

 

 

 

أحمد بن محمد العامري

ahmedalameri@live.com

 

 

في التاريخ، ما من أمة نهضت إلا وكانت لغتها هي البوابة الأولى للوعي والتمكين. فاللغة ليست أداة تواصل فحسب، بل هي عقل الأمة المتكلم، وروحها الناطقة، ومرآتها في العالم. وإذا كانت المعرفة قوة، فإن اللغة التي تُنتَج بها المعرفة هي جوهر السيادة.
من هنا، تأتي اللغة العربية ليس بوصفها مجرد لغة قومية أو دينية، بل باعتبارها أساسًا لبناء مشروع حضاري متكامل، يعيد للأمة العربية حضورها الفاعل في عصر التنافس الثقافي والتقني والمعرفي.
إن تمكين اللغة العربية في فضاءات العلم والتعليم والإنتاج والبحث ليس رفاهًا فكريًا، ولا حنينًا تراثيًا، بل هو ضرورة سيادية واستراتيجية. إذ لا يمكن لشعب أن ينهض على أسس مستعارة، ولا لأمة أن تنهض بلغة غيرها. فحين تكون اللغة الأجنبية هي لغة التعليم والبحث والعمل، فإننا نخلق فجوة بين الإنسان وهويته، ونصنع أجيالًا تفكر بلغة الغير، وتحلم بما لا يشبه بيئتها، وتنتج لمن لا يشبهها.
اللغة العربية اليوم تمتلك المقومات التي تؤهلها لأن تكون لغة العصر، فهي لغة ذات جذور فكرية وفلسفية عميقة، وقد أثبتت قدرتها عبر قرون على استيعاب العلوم والفلسفات، من الطب والفلك إلى الرياضيات والمنطق. وقد استطاعت أن تكون لغة العلم في عصور ازدهار الحضارة الإسلامية، عندما كانت بغداد وقرطبة والقيروان مراكز إشعاع معرفي للعالم أجمع، وما كانت تلك النهضة لتحدث لولا أن كان هناك وعي بأهمية اللغة في إنتاج المعرفة لا مجرد نقلها.
اليوم، نحن في مفترق طرق، إما أن نعيد للعربية دورها المركزي في بناء الإنسان العربي، أو نستمر في التبعية المعرفية التي تحول دون امتلاك زمام المستقبل. إن الحديث عن تعريب التعليم، وتوطين المعرفة، ليس مجرد شعار، بل هو مشروع سيادي عميق يرتبط بالاستقلال الحقيقي، ويحرر العقل من الارتهان الثقافي. فالمعرفة حين تُستورد بلغة أخرى، تأتي محمّلة بثقافة الآخر، بقيمه، وبتصوراته عن الإنسان والعالم. وإذا لم نكن حذرين، فإننا لا نأخذ منها فقط أدوات العلم، بل نأخذ معها ملامح التبعية والتنازل عن الذات.
وتمكين اللغة العربية يتطلب منظومة متكاملة، تبدأ من الطفولة، حيث تُزرع في الطفل محبة لغته لا باعتبارها مادة دراسية؛ بل هوية وكرامة. وتمتد إلى الجامعات، حيث يجب أن تُقدَّم العلوم بالعربية مع دعم البحث والترجمة والتأليف. ولا بُد أن تكون بيئة العمل والمؤسسات الرسمية نموذجًا في اعتماد اللغة العربية، ليس من باب الالتزام الشكلي، بل باعتبارها لغة الكفاءة والاحتراف.
أما في المحافل الدولية، فالتحدث بالعربية، حتى لمن يُجيدون غيرها، هو موقف وطني، ورسالة رمزية تقول: "نحن نحترم أنفسنا كما نحترمكم، ونخاطبكم بلغتنا كما تخاطبوننا بلغاتكم." إن هذا الموقف لا يُقلل من القيمة، بل يرفع من مكانتنا، لأن الأمم القوية لا تتنازل عن لغاتها، بل تُصدّرها، وتربط بها منتجاتها، ومعرفتها، وصورتها في الوعي العالمي.
خلاصة القول.. إن اللغة ليست ترفًا ثقافيًا، بل خيار استراتيجي. والحديث عن التنمية لا يكتمل من دون الحديث عن اللغة. والهوية لا تُبنى بلغة مستعارة. وإذا أردنا أن نكون أمةً حرةً، واثقةً، قادرةً على المشاركة في تشكيل ملامح المستقبل، فعلينا أن نعيد الاعتبار للغتنا، لا بوصفها موروثًا، بل باعتبارها أداة للتمكين، ومفتاحًا للنهضة، وصوتًا نُعبّر به عن رؤيتنا في عالم لا يحترم إلا من يحترم نفسه.
لنرفع قيمة اللغة العربية في مدارسنا، وجامعاتنا، ومؤسساتنا، ومؤتمراتنا، ونحملها معنا إلى كل مكان، لأنها ليست مجرد كلمات؛ بل راية سيادة، ودليل وعي، وطريق كرامة.

مقالات مشابهة

  • «تريندز هاب».. أنموذج معرفي يعزّز مكانة البحث العلمي
  • حفل كارول سماحة في هولندا يرفع شعار كامل العدد
  • اللغة والسيادة.. العربية مفتاح النهضة وصوت الهوية
  • وزير الزراعة: التنمية الزراعية المستدامة ضرورة حتمية لضمان الأمن الغذائي العالمي
  • ليبيا.. الحراك الشعبي ضد «الدبيبة» يتواصل تحت شعار «قُضي الأمر»!
  • انطلاق فعاليات المؤتمر العالمي للمرافق 2025 في أبوظبي
  • اليوم.. انطلاق فعاليات المؤتمر العالمي للمرافق 2025 في أبوظبي
  • فاطمة المعدول: قصور الثقافة ملك للشعب ولا يجب المساس بها تحت شعار الاستثمار
  • اليوم.. انطلاق مهرجان القاهرة للسينما الفرنكوفونية في دورته الخامسة وتكريم ليلى علوي في الافتتاح
  • غدًا.. انطلاق الدورة الخامسة من مهرجان القاهرة للسينما الفرنكوفونية