عربي21:
2025-12-13@12:17:27 GMT

لماذا أعلنت الولايات المتحدة الحرب على غزة؟

تاريخ النشر: 28th, November 2023 GMT

بدا التدخل الأمريكي في الحرب الإسرائيلية على غزّة غريبا، ليس من حيث التدخل نفسه، ولكن من حيث درجته ومستواه الذي بلغ حد الانخراط المباشر، الأمر الذي جعل السؤال أكثر إلحاحا عن دوافع هذه الإدارة التي سحبت القوات الأمريكية من أفغانستان، والتي تُعدّ استمرارا لإدارة أوباما التي يُفترَض أنها امتلكت رؤية تصحيحية للأخطاء الكارثية لإدارة بوش، وتُضاف إلى ذلك التحديات الاستراتيجية التي تواجه مصالح الولايات المتحدة في العالم، بحيث يصير الدعم اللامحدود لعدوان الإبادة الإسرائيلي على غزة متعارضا بدرجة ما مع ضرورات تلك التحدّيات ومتطلباتها.



ينتمي هذا التحليل، الذي يستهجن هذا القدر من الانغماس المباشر في الحرب الإسرائيلية، للنظرية الواقعية التي روّج لها بإلحاح أمثال جون ميرشايمر وستيفين والت، وهما اللذان ألّفا كتاب "اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية" (THE ISRAEL LOBBY AND U.S. FOREIGN POLICY). فقد عارض ميرشايمر الحرب على العراق، وحذر من الصدام مع روسيا من خلال أوكرانيا وانتقد باستمرار الدعم الأمريكي شبه المطلق لـ"إسرائيل"، وذلك باختصار لأنّ هذه السياسات تناقض المصالح الأمنية للولايات المتحدة الأمريكية بتعظيم المخاطر وتكثير الأعداء، وبكلمة أخرى تتعارض سياسات الولايات المتحدة مع متطلّبات الأمن والبقاء.

بقطع النظر عن أي اعتبارات أيديولوجية، متصلة برؤية الذات البيضاء الواحدة، أو بالجذور الثقافية والدينية، أو بالمسار الاستعماري التاريخي الغربي، فإنّه يمكن القول إنّ الهرم الإمبراطوري لا بدّ له من مركز، ثمّ تراتبية تالية في المركز، بحيث لا تتساوى دول من مثل اليابان وكوريا الجنوبية بدول من مثل أستراليا وبريطانيا و"إسرائيل" بل تأتي في مرتبة تالية بعدها، ومن ثمّ فإنّ دولا دون اليابان وكوريا الجنوبية، مهما ارتبطت بمصالح عميقة مع الولايات المتحدة، كدول الخليج العربي مثلا أو مصر، فإنها بالضرورة دون "إسرائيل" في مراتب الهرم الإمبراطوري
يُقدّم كلينتون فريندايز، ضابط الاستخبارات الأسترالي السابق، والذي يعمل حاليا أستاذا للدراسات الدولية والسياسية في جامعة نيو ساوث ويلز؛ أطروحة مختلفة لتفسير سياسات الولايات المتحدة وحلفائها، في كتابه "القوّة الإمبراطورية الفرعية: أستراليا على الساحة الدولية" (Sub-imperial Power: Australia in the International Arena)، تقوم على كون الدول الأكثر قربا من مركز السياسة الأمريكية في العالم، كالمملكة المتحدة وأستراليا وكندا و"إسرائيل"، امتدادات بالوكالة للمركز الإمبراطوري، أو قوى فرعية للإمبراطورية، لديها مساحة فعل وهيمنة واسعة في مجالها الحيوي. فمثلا إذا كنّا نتحدث عن "إسرائيل"، فهي جزء من الإمبراطورية الأمريكية، وهي بهذا الاعتبار ليست دولة عميلة، بقدر ما هي وكيل إمبراطوري بصلاحيات واسعة في مجال حيوي ضخم، هو، والحالة هذه، المنطقة المسماة في الخطاب الاستعماري الغربي "الشرق الأوسط"، وبهذا فإنّ الاستفادة متبادلة، من جهة تحفظ فيها الإمبراطورية هيمنتها في هذا المجال الحيوي، ومن جهة أخرى يُعظّم فيها الوكيل الإمبراطوري ("إسرائيل" في هذه الحالة) مكاسبه من المركز الإمبراطوري.

قد يُقال، إنّ هذا التخادم يصلح لتفسير علاقات التابع المحض، أو العميل المطلق، لأي مركز قوّة آخر، فما الذي يجعل علاقة الولايات المتحدة مختلفة مع هذه الدول دون غيرها؟

بقطع النظر عن أي اعتبارات أيديولوجية، متصلة برؤية الذات البيضاء الواحدة، أو بالجذور الثقافية والدينية، أو بالمسار الاستعماري التاريخي الغربي، فإنّه يمكن القول إنّ الهرم الإمبراطوري لا بدّ له من مركز، ثمّ تراتبية تالية في المركز، بحيث لا تتساوى دول من مثل اليابان وكوريا الجنوبية بدول من مثل أستراليا وبريطانيا و"إسرائيل" بل تأتي في مرتبة تالية بعدها، ومن ثمّ فإنّ دولا دون اليابان وكوريا الجنوبية، مهما ارتبطت بمصالح عميقة مع الولايات المتحدة، كدول الخليج العربي مثلا أو مصر، فإنها بالضرورة دون "إسرائيل" في مراتب الهرم الإمبراطوري. وهذا الفارق في الرتبة، هو الفرق بين الوكيل الإمبراطوري (أو القوة الإمبراطورية الفرعية) وبين التابع المطلق، بحيث لا بدّ من ضمان هيمنة الوكيل الإمبراطوري على مجاله الحيوي، بضمان تفوقه.

وهذا، على أية حال، فيما تعلّق بـ"إسرائيل" مُعلن في الخطابين الأمريكي والإسرائيلي تجاه سياسات التسلّح في المنطقة، إذ إنّ شرطها الجوهري هو عدم الإخلال بالتوازن، الذي يُقصد به التميز العسكري النوعي لـ"إسرائيل"، ولم يكن التلكؤ الأمريكي الواضح في إنفاذ صفقة طائرات F35 مع الإمارات إلا في هذا السياق، مما يعني أنه لا يمكن استنساخ "إسرائيل" أخرى من خلال وكيل إمبراطوري إضافي في المجال الحيوي نفسه، فكلّ وكيل جديد في المجال نفسه هو في مرتبة دنيا من "إسرائيل"، وهذا في جانب ما يُفسّر الحالة العربية المزرية إزاء العدوان الإسرائيلي على غزّة، لأنّ الأمر هو محض مراتب، بين تابع ووكيل إمبراطوري.

الدول التابعة، والتي هي في الرتبة دون الوكيل الإمبراطوري؛ قد تحظى بحماية المركز الإمبراطوري، لكنها دائما في موضع الاستغلال والابتزاز، والفائدة المرجوّة من تبعيتها للمركز الإمبراطوري مقتصرة على نخبها الحاكمة، بينما تدفع الثمن من مجتمعاتها وعلى حساب استقلالها في تطوير سياسات خاصة ببلادها وتنمية مواردها. وفي المنطقة العربية؛ لا بدّ وأن يُدفع الثمن أيضا من الكيس الفلسطيني
فالدول التابعة، والتي هي في الرتبة دون الوكيل الإمبراطوري؛ قد تحظى بحماية المركز الإمبراطوري، لكنها دائما في موضع الاستغلال والابتزاز، والفائدة المرجوّة من تبعيتها للمركز الإمبراطوري مقتصرة على نخبها الحاكمة، بينما تدفع الثمن من مجتمعاتها وعلى حساب استقلالها في تطوير سياسات خاصة ببلادها وتنمية مواردها. وفي المنطقة العربية؛ لا بدّ وأن يُدفع الثمن أيضا من الكيس الفلسطيني، ومن ثمّ فأحسن تفسير لسياسات الدول العربية بخصوص فلسطين؛ هو موقعها من هذا الهرم الإمبراطوري الذي تأتي فيه في آخر الذيل، وفي مرتبة تابعة للوكيل الإمبراطوري، والذي هو، وللمفارقة، عدوّ الأمّة!

يبقى لماذا تغامر الإمبراطورية بأمنها لصالح سياسات الهيمنة؟ والجواب المباشر لأنّها إمبراطورية، ثمّ وفي الحالة الأمريكية، ينبغي النظر في المكون الاقتصادي والاجتماعي الذي يرفع بدوره النخب السياسية، إذ سوف يتضح تماما أن الثروات في الولايات المتحدة مركّزة في يد أقلية صغيرة للغاية، فبحسب تقرير نشرته في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر إدارة أبحاث "ستاتيستا" (وهي شركة ألمانية متخصصة في بيانات السوق والمستهلكين)، فإن 69‎ في المئة‎ من إجمالي الثروة في الولايات المتحدة في الربع الثاني من العام 2023 مملوك لأعلى 10‎ في المئة‎ من أصحاب الدخل، وفي المقابل فإنّ أقلّ 50‎ في المئة‎ من أصحاب الدخل يملكون فقط 2.5‎ في المئة من إجمالي الثروة.

إنّ هذه النخبة الاقتصادية تدفع الإمبراطورية لتكريس سياسات الهيمنة على حساب سياسات الأمن التي تقتضيها النظرية الواقعية، وهو ما يميّز مراكمة القوّة لأجل الأمن كما تفعل الصين، ومراكمتها لأجل هيمنة النخب الاقتصادية العليا كما تفعل الولايات المتحدة، وإذا أخذنا بعين الاعتبار التأثير السيكولوجي للثراء الفاحش والشعور الرهيب بالتفوق، فإنّ العجرفة هي السمة الأساسية في تأثير النخبة الاقتصادية على الطبقة السياسية، وبعد ذلك السمة الأساسية للسياسات الإمبراطورية الخارجية.

وإذا كان ذلك يستدعي التذكير بكون "شركة الهند الشرقية" هي التي بدأت في نهب ثروات الهند لتستدعي تاليا القوّة الإمبراطورية البريطانية لإخماد التمرد حماية لسياسات نهب الثروات تلك، فربما لا تجوز الغفلة عن كون وزير الدفاع الأمريكي الحالي لويد أوستن؛ بعد تقاعده من منصبه قائدا للقيادة المركزية الأمريكية؛ انضمّ إلى مجلس إدارة شركة RTX (Raytheon Technologies سابقا)، وهي واحدة من أكبر شركات الطيران والفضاء والدفاع وتقديم الخدمات الاستخباراتية في العالم من حيث الإيرادات والقيمة السوقية، وتحصل على الجزء الأكبر من إيراداتها من الحكومة الأمريكية. وهو ما يعني أنّ وزير الدفاع الحالي هو أحد ممثلي المجمع الصناعي العسكري في قلب الحكومة الأمريكية (في تقرير لها نشرته في تموز/ يوليو 2020 قالت الشركة إن لديها تراكما من الطلبات المعلّقة مع الحكومة الأمريكية بلغ 73 مليار دولار!)، وقد جمع أوستن إلى ذلك شراكته في شركة استثمارية تتعاقد مع المورّدين العسكريين، وحظي بإدارة شركات في قطاعات خاصّة أخرى.

ولم يكن أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي الحالي، بعيدا عن هذا النوع من الأعمال في القطاع الخاصّ، وهو ما يوفّر الفرصة المناسبة لتخيّل حجم التأثير على رئيس ثمّة تشكيك دائم، ويبدو محقّا، في قدراته الذهنية!

يمكن تلخيص ذلك بأنّ "إسرائيل" وكيل إمبراطوري لديه مكانة خاصة لدى المركز الإمبراطوري. هذا الوكيل تعرّض لضربة هزّت توازنه بما استدعى تدخل المركز مباشرة، وذلك في حين أنّ المجمع الصناعي العسكري سيكون مهتمّا ببيع أسلحته لـ"إسرائيل" بواسطة تمويل الحكومة الأمريكية، وكذلك تجريب هذه الأسلحة وآخر تقنياتها على لحم الفلسطينيين الحيّ، لكن لا ينبغي في ختام هذه الرؤية، أن نغفل عن كون الهيبة الإمبراطورية لم يكن لها إلا أن تنتفض بهذا النحو الهائج بعد ضربة حماس لـ"إسرائيل"، بعدما تهشّمت الهيبة الإمبراطورية بانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان على يد هذه الإدارة نفسها، وتعثرها في مواجهة روسيا في الحرب الأوكرانية.

يكن تدخل المركز إسنادا للوكيل الإمبراطوري المترنح فحسب، ولكن أيضا دفاعا عن الهيبة الآخذة في التآكل، ويمكن الاستعانة بمقولة للمتحدث باسم وزارة الدفاع الوطني الصينية ووتشيان، تلخّص ذلك كلّه، إذ يقول: ‏"الولايات المتحدة مدمنة على الحرب"
في سياق الهيبة، تحدث رأس الإمبراطورية بايدن؛ عن كون ضربة حماس استهدفت درة تاج المشروع التطبيعي الممثل في الصفقة السعودية/ الإسرائيلية بتدبير من المركز الإمبراطوري، أي تطبيع وظيفة الوكيل الإمبراطوري الذي يتسم بطبيعة خاصة من جهة افتقاده للكيانية الطبيعية في بيئة معادية، واستهدفت (أي ضربة حماس) بحسب بايدن؛ مشروع الخط التجاري الذي يبدأ بالهند ويمرّ بالإمارات والسعودية والأردن وينتهي برّيّا بالوكيل الإمبراطوري "إسرائيل" قبل أن تنطلق السفن من موانئه إلى أوروبا، وقد صار من نافلة القول إنّه مشروع أمريكي، يضمّ في جملة أهدافه حصار الصين اقتصاديّا وجيوسياسيّا، وتثبيت الهيمنة الأمريكية في "الشرق الأوسط" من خلال الوكيل الإمبراطوري "إسرائيل"، في بيئة أكثر قبولا وتبعية لهذا الوكيل من قبل، وبنحو يؤبّد هذه التبعية، وبما يقتضي تصفية القضية الفلسطينية.

بدرجة ما، لم يكن تدخل المركز إسنادا للوكيل الإمبراطوري المترنح فحسب، ولكن أيضا دفاعا عن الهيبة الآخذة في التآكل، ويمكن الاستعانة بمقولة للمتحدث باسم وزارة الدفاع الوطني الصينية ووتشيان، تلخّص ذلك كلّه، إذ يقول: ‏"الولايات المتحدة مدمنة على الحرب".

twitter.com/sariorabi

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإسرائيلية الدعم غزة حماس إسرائيل امريكا حماس غزة دعم مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الیابان وکوریا الجنوبیة الحکومة الأمریکیة الولایات المتحدة ة الإمبراطوریة فی المئة فی مرتبة الذی ی من مثل

إقرأ أيضاً:

ترامب يعلن حربًا على قوانين الذكاء الاصطناعي في الولايات الأمريكية

نيويورك: إسلام الشافعي
في خطوة تعيد رسم خريطة تنظيم الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا جديدًا بعنوان «ضمان إطار وطني للسياسة الخاصة بالذكاء الاصطناعي»، يهدف إلى ترسيخ هيمنة واشنطن في هذا القطاع عبر تقليص سلطة الولايات في سنّ قوانينها المنفردة. يأتي الأمر استكمالًا لمسار بدأه ترامب في يناير 2025 بالأمر التنفيذي 14179 «إزالة العوائق أمام قيادة أمريكا في الذكاء الاصطناعي»، الذي ألغى عددًا من سياسات الإدارة السابقة واعتبر أنها تعرقل صناعة الذكاء الاصطناعي وتكبّل الابتكار.

يقدّم الأمر التنفيذي الجديد رؤية واضحة: الولايات المتحدة تخوض سباقًا عالميًا على الريادة في الذكاء الاصطناعي، وأي «ترقيع تنظيمي» على مستوى الولايات من شأنه إضعاف الشركات الأميركية في مواجهة منافسيها الدوليين. الإدارة ترى أن تعدد القوانين بين ٥٠ ولاية يخلق عبئًا تنظيميًا معقدًا، خاصة على الشركات الناشئة، ويحوّل الامتثال القانوني إلى متاهة مكلفة تهدد الاستثمارات التي تقول الإدارة إنها بلغت تريليونات الدولارات في هذا القطاع داخل الولايات المتحدة.

يلفت الأمر التنفيذي النظر بشكل خاص إلى تشريعات بعض الولايات، وعلى رأسها قانون في كولورادو يستهدف «التمييز الخوارزمي» في أنظمة الذكاء الاصطناعي. ترامب يهاجم هذا النوع من القوانين بوصفه محاولة لفرض «انحياز أيديولوجي» على النماذج، بل يذهب إلى القول إن متطلبات تجنّب «الأثر التفاضلي» على الفئات المحمية قد تجبر الأنظمة على تقديم نتائج خاطئة أو غير دقيقة من أجل استيفاء الاعتبارات القانونية.

لتنفيذ هذه الرؤية، يكلّف الأمر التنفيذي وزارة العدل بإنشاء «فريق تقاضٍ للذكاء الاصطناعي» تكون مهمته الوحيدة الطعن في قوانين الولايات التي تتعارض مع السياسة الفدرالية الجديدة، سواء بحجة انتهاك سلطة الحكومة الاتحادية في تنظيم التجارة بين الولايات، أو بحجة تعارضها مع اللوائح الفدرالية القائمة، أو أي أسباب قانونية أخرى تراها الوزارة مناسبة. بالتوازي، يطلب من وزارة التجارة إعداد تقييم شامل لقوانين الذكاء الاصطناعي في الولايات، مع تحديد تلك التي تُلزم النماذج بتعديل مخرجاتها الصحيحة أو تجبر المطورين على إفصاحات يُحتمل أن تصطدم بالتعديل الأول للدستور الأمريكي وحماية حرية التعبير.

أحد أكثر بنود الأمر إثارة للجدل هو ربطه بين موقف الولايات التشريعي من الذكاء الاصطناعي وبين إمكانية حصولها على تمويل اتحادي في مجالات حيوية، مثل برنامج «الإنصاف في النطاق العريض وإتاحته ونشره» (BEAD) المخصص لتوسيع الوصول إلى الإنترنت عالي السرعة. فالأمر التنفيذي يفتح الباب أمام حرمان الولايات ذات القوانين «المُرهِقة» من بعض التمويل غير المخصص للبنية التحتية المباشرة، بذريعة أن البيئة التنظيمية المجزأة تهدد انتشار تطبيقات الذكاء الاصطناعي المعتمدة على الشبكات فائقة السرعة وتعطّل هدف تحقيق اتصال شامل للمواطنين.

ويمضي الأمر أبعد من ذلك، إذ يدعو هيئات فدرالية مثل لجنة الاتصالات الفدرالية ولجنة التجارة الفدرالية إلى بحث وضع معايير وطنية ملزمة للإبلاغ والإفصاح عن نماذج الذكاء الاصطناعي، تكون لها الأسبقية على القوانين المتعارضة في الولايات، وإلى توضيح متى تُعتبر قوانين الولايات التي تفرض تعديل المخرجات «الحقيقية» للنماذج نوعًا من الإلزام بالسلوك المضلِّل المحظور بموجب قانون التجارة الفيدرالي.

في الخلفية، تلوّح الإدارة أيضًا بمسار تشريعي طويل الأمد؛ إذ يوجّه الأمر المستشار الخاص بالذكاء الاصطناعي والتشفير، ومستشار الرئيس للعلوم والتكنولوجيا، لإعداد مشروع قانون يضع إطارًا فدراليًا موحدًا للذكاء الاصطناعي يَسمو على قوانين الولايات المتعارضة مع هذه السياسة، مع استثناءات تتعلق بحماية الأطفال، والبنية التحتية للحوسبة، واستخدام الحكومات المحلية للذكاء الاصطناعي.
بهذا، لا يقتصر الأمر التنفيذي على كونه وثيقة تنظيمية تقنية، بل يتحول إلى محطة جديدة في الصراع بين الحكومة الفدرالية والولايات حول من يملك الكلمة العليا في رسم مستقبل الذكاء الاصطناعي في أميركا، بين من يرى أن التساهل التنظيمي شرطٌ للحاق بالسباق العالمي، ومن يخشى أن يتحول ذلك إلى فراغ رقابي يترك الحقوق المدنية والبيانات الحساسة دون حماية كافية.
و بينما تصف إدارة ترامب هذه الخطوة بأنها ضرورية لحماية الابتكار الأميركي وتفادي “فسيفساء تنظيمية” تعطل الاستثمار، ترى حكومات ولايات ومجموعات حقوقية أن الأمر التنفيذي يضعف طبقة الحماية المحلية التي فُرضت استجابة لمخاوف حقيقية تتعلق بالتمييز الخوارزمي والخصوصية، ما يفتح جولة جديدة من الجدل القانوني والسياسي حول من يملك حق رسم قواعد لعبة الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة.
حذّرت حكومات عدد من الولايات من أن الأمر التنفيذي يعتدي على سلطاتها الدستورية في تنظيم شؤون مواطنيها، خصوصًا في مجالات حماية الخصوصية والتمييز في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ويؤكد مسؤولون في هذه الولايات أن القوانين المحلية لا تستهدف عرقلة الابتكار، بل وضع حدّ لاستخدامات قد تضر بالحقوق المدنية أو تعزز التحيّز ضد مجموعات بعينها.
ومن جانبها، سارعت المجموعات الحقوقية  إلى انتقاد القرار، معتبرة أنه يمنح الشركات التكنولوجية حرية واسعة على حساب آليات المساءلة والشفافية، ويُضعف قدرة الضحايا المحتملين على مواجهة الأضرار الناجمة عن أنظمة خوارزمية متحيزة أو غير شفافة.
وترى هذه المنظمات أن ربط التمويل الفيدرالي بمواقف الولايات التشريعية قد يتحوّل إلى أداة ضغط سياسي تُستخدم لثني المشرّعين المحليين عن سنّ قوانين لحماية المستهلكين.

 

 

 

 

 

 

مقالات مشابهة

  • الخارجية الأمريكية: قرار الأمم المتحدة بشأن غزة “غير جاد ومنحاز ضد إسرائيل”
  • ترامب يعلن حربًا على قوانين الذكاء الاصطناعي في الولايات الأمريكية
  • الولايات المتحدة ترحب بإعادة بوليفيا علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل
  • إسرائيل تبلغ الولايات المتحدة بأنها ستتحرك بنفسها لنزع سلاح حزب الله في لبنان
  • إعلام عبري: إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة بالتحرك لنزع سلاح حزب الله
  • الولايات المتحدة تطالب إسرائيل بإزالة الأنقاض من غزة
  • فنزويلا: مستعدون لكسر أنياب الإمبراطورية الأمريكية.. ترامب: رئيس كولومبيا التالي بعد مادورو!
  • الولايات المتحدة واليابان تنفذان تدريبات جوية مشتركة وسط تصاعد التوترات الإقليمية
  • ترامب: الولايات المتحدة لا تريد هدر الوقت بشأن أوكرانيا
  • الولايات المتحدة وأوكرانيا يجتمعان اليوم لمناقشة خطة سلام عاجلة بعد مهلة دونالد ترامب لزيلينسكي