في هذا المقام ونحن نحدد مفهوم المقاومة، طرأ على ذهني أن مفهوم المقاومة وتوابعه شكل منظومة مهمة ضمن أبنية كثيرة وعلى مستويات متنوعة؛ منها البناء الفيزيائي، والبناء الحيوي العضوي، والبناء الشبكي العصبي والإدراكي.

ولعل ذلك دفعني إلى مراجعة بعض هذه الأبواب لأسترشد بها في النظر والبصر لمفهوم المقاومة، والاستفادة من استخداماته في علوم شتى، وبما يتيح لنا نظم هذه الأجهزة المختلفة وفق معجمها اللغوي ومعانيها القاموسي، حتى نتمكن من رسم صورة غاية في الأهمية في بناء هذا المفهوم من المدخل الفيزيائي والحيوي في علمي الطبيعة والأحياء، وفي علوم أخرى تمتد إلى علوم الحركة الميكانيكية وعلوم الحركة الديناميكية، ومن بعد سننتقل إلى مستوى آخر في الكشف عن مكنون المقاومة الحضارية، وكذلك المقاومة والفعل الانتفاضي.

ونكمل بناء ذلك المفهوم من مداخله المتكاملة تلك حول مفهوم الجهاد وارتباطه بالجهد والاجتهاد، "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا" (العنكبوت: 69)، ضمن محاولة لرصد التفسير العياني والميداني لآيات الجهاد في القرآن في معركة الطوفان.

والشاهد في هذا الأمر أن منظومة من المعلومات والمفردات والأبنية والوظائف، والأهداف والمقاصد والغايات، تتكافل وتتكامل في تكوين رؤية غاية في الأهمية لمنظومة فكرة المقاومة في البناء الإنساني، "وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ" (الذاريات:21)، وفي تلك المعلومات والمعارف التي يمكن أن تقدمها علوم الطبيعة (الفيزياء) في هذا المقام، خاصة في جانب الوظائف والأدوار التي تقوم بها ضمن أجهزة مكتشفة ومخترعة حركت فكر الإنسان إلى محاكاة النفس البشرية، وهو أمر حدا بنا في هذا المقال الأوليّ أن نمد هذه المحاكاة على امتدادها في مواصلة الاستفادة من البيئة النفسية والإنسانية والبنية الطبيعية ومخترعاتها الإنسانية في استلهام قوانين أساسية في التفعيل والتشغيل لنستفيد من كل ذلك في مقاربة اعتبار واستثمار في سياق البصر في النفس، والتأمل في خلقها وأحوالها، والسير في الأرض والنظر في أحوالها، والهدف الإنساني في تحقيق الفاعلية من خلال الفعل الحضاري، وعمليتي التفعيل والتشغيل.

وفي هذا المقام علينا أن نتوقف أيضا عند هذا المجال المشترك بين عمل الإنسان في الطبيعة ممارسا ما تميز به عن بقية المخلوقات في تعلم الأسماء، وهو أمر صرّف فيه الله سبحانه وتعالى الأمور التي تتعلق بحمل الإنسان "الأمانة الحضارية" والقيام بمهام "الاستخلاف في الأرض"، والذي أمده الله سبحانه من خلال سنّة التسخير وسنّة الهداية إلى كل ما يعينه على تعمير الكون وعمران الدنيا وإقامة الكيان والبنيان في دور الإنسان. ومن ثم فإن ما نقدمه في هذا المقام إنما واحدة من ممارسات القراءة الحضارية في مفهوم المقاومة، النداء الحركي القرآني في مفتتح الرسالة: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)" (العلق).

ونزول هذه الآية الكريمة في بداية الوحي؛ إنما كان مؤذنا وإعلانا تاريخيا بأن درع العلم والمعرفة والمنهج الواقي يقوم بالأساس على التعلم والقراءة المشفوعة بالكتابة (الذي علم بالقلم)، وبأن هذا الدين لا يستقيم به الإنسان إلا إذا عرف ما له وما عليه علما وتعلما فعلا وعملا، ولا يمكن لأي بشري كيفما كان أن يصل إلى مقصوده وهدفه الأسمى عن طريق القراءة.

وربط الله سبحانه العظيم القراءة باسمه إشارة إلى عظمته وقوته سبحانه، باعتباره الخالق لجميع الكائنات التي تتلفظ ألسنتها بالكلمات الناطقة، والتي تقرأ أعينها الكلمات المقروءة؛ أبعاد القراءة وضروراتها في بناء حضارة الأمة، إذ الخطاب الإلهي للنبي صلى الله عليه وسلم؛ إنما هو إبراز أولويات الحياة وجميع مقدماتها الضرورية. فبالعلم تبنى الحياة وتستقيم عودها، وبه يبني الإنسان علاقته بربه على شكل أسس لا تزحزحها رياح ولا يعتدي على صالحيتها وصلاحيتها شكوك ولا اضطراب؛ لذا كان كل شيء في الحياة عنوانه العلم والقراءة، انطلاقا من قول الحق في سورة العلق "اقرأ"، فأعيدت اللفظة مرتين في الآيات، وفي كل مرة تأتي بعدها لفظة "رب" لتؤكد على أصل القراءة التوحيدية.

وهي قراءة محوطة بالمنهج الإلهي والتعلم منه وعليه، والالتزام به، والامتثال له (باسم الله)، وهي قراءة في الخالق الواحد، والمخلوق المتعدد والإنسان المكرم في سياقات تحصيل العلم المستمر "عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ" (العلق: 5)، موصولة بقراءة الكرامة والعزة من الإنسان المكرم، والتعرف على مغزى الأمر بالقراءة من "اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ" (العلق: 3)، والجمع بين كل القراءات النافعة والدافعة والفاعلة، النابعة من قراءة عمرانية وحضارية مؤمنة تستمسك بأصل التوحيد الداعم لقراءة الإيمان في مواجهة أي قراءة سلبية في الاستغناء أو الطغيان: "كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ، أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ" (العلق: 6-7).. تلك القراءات التي تفعل حركة الإنسان الكبرى مسترشدة بالقراءة بمنهج الله (باسم الله) فتتورط في قراءة الطغيان، أو قراءة الاستغناء وما يترتب على ذلك من فعل استكبار أو فعل استغناء وامتلاء.

إن القراءة المفعمة بالهدى والمسددة بالتقوى هي أساس قراءة الهدي والهداية لا قراءة الغواية والهوى، القراءة المتصلة بالتوحيد والقراءة المنفصلة عنه حتى يصل بها الأمر إلى رؤية تستهين بالإيمان من خلال فعل الاستغناء والطغيان: "أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَىٰ، عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰ" (العلق: 9-10).. إن فعله المستغني جعله يمارس الكذب والافتراء والمروق، "كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ" (العلق: 13)، ذلك الذي يتغافل عن الحقيقة الإيمانية التأسيسية، "إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ" (العلق: 8)، لا يتصرف بمقتضى القراءة المهتدية وإنما يمارس القراءة الطاغية المعتدية، فيتحلل من أصول المبادئ والقيم وينهض ليكسر كل المعايير ويبدد كل الموازين، ويهمل كل أصول المسؤولية والمساءلة (ألم يعلم بأن الله يرى) ولا يتصور أنه ذات يوم سيقع تحت ميزان الحساب وسيف العقاب "كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَة، نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ" (العلق: 15-16)، ويومئذ لا تفيده تلك القراءة الطاغية الظالمة ولا الفعل المستغني المستقوي على غيره، "فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ، سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ" (العلق: 17 -18).. بتلك القراءة الداعية الواعية يحذرنا الله سبحانه وتعالى من الخضوع لأي أشكال قراءة أو فعل الطغيان، وأن عليه أن يستمسك بقراءة الإيمان، "كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب" (العلق: 19)، فلا طاعة لطغيان بل هي قراءة السجود والطاعة والاقتراب والإيمان.

بين هاتين القراءتين، قراءة الطغيان والاستغناء من جانب، وقراءة الهداية والإيمان من جانب آخر، خرجت المقاومة لتمثل القراءة المهتدية بالإيمان والمقاومة للظلم والطغيان. وكانت عملية طوفان الأقصى معركة حقيقية في الميدان، بين هاتين القراءتين؛ رافضة أي خنوع أو إذعان، حاملة لواء قراءة الفعل العزة والكرامة، وتكريم الإنسان. بدت هذه المعركة تؤكد أن فعل المحتل الغاصب القائم على العدوان وإخضاع الأوطان والإنسان، والذي مارس فعل الظلم المؤذن بخراب العمران، والاستهانة بروح الإنسان، ولا بد أن تتم مواجهة كل هذا الطغيان بالمقاومة المسكونة بالإيمان، رغم أن ميزان القوى في مصلحة العدو والعدوان، ولكن الحساب المقاوم كان يستند إلى معادلة أخرى مع اختلال الميزان أن يواجه هذا الطغيان بالفعل الساجد والاقتراب المفعم بالإيمان وفق التوجيه والتنبيه القرآني: "كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب" (العلق: 19).

وهذا ما سنؤكده في حزمة من المقالات حول مفهوم المقاومة الذي يتأسس على ميزان الإيمان الصادق، لا غطرسة الطغيان ولا فعل العدوان، فكانت الكلمة للمقاومة في الميدان.

twitter.com/Saif_abdelfatah

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المقاومة الإيمان الظلم المقاومة الظلم الإيمان مفاهيم مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة عالم الفن رياضة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الله سبحانه

إقرأ أيضاً:

فتاوى وأحكام.. من هم الملائكة السيّاحين .. وماذا يفعلون؟.. هل قراءة القرآن بصورة جماعية بدعة؟.. هل الموت في الحج حُسن خاتمة؟.. هل يلزم ترديد أذكار الصباح قبل الظهر أم تجوز بعده؟

فتاوى وأحكام

من هم الملائكة السيّاحين .. وماذا يفعلون؟
هل قراءة القرآن بصورة جماعية بدعة؟
هل الموت في الحج حُسن خاتمة؟

هل يلزم ترديد أذكار الصباح قبل الظهر أم تجوز بعده؟

نشر موقع صدى البلد خلال الساعات الماضية عددا من الفتاوى التى تهم كثير من المسلمين، وسوف نستعرض بعض منها فى التقرير التالى.

من هم الملائكة السيّاحين .. وماذا يفعلون؟

يقول الله تبارك وتعالى: “إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]”، ووصى النبي صلى الله عليه وسلم أمته بالصلاة عليه لما لها من فضل عظيم في رفع الدرجات، وهي صلاة في حقيقتها فريضة من الفرائض، وجاء عن الصحابي الجليل أُبَىّ بن كعب رضي الله عنه حيث يقول للنبي ﷺ: (قلت: يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: ما شئت. قال: قلت الربع؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك. قلت: النصف؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك. قال: قلت فالثلثين؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك. قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذًا تُكْفَى هَمَّك ويُغْفَر لك ذنبُك) (الترمذي).

حديث (إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنَّ لله ملائكةً سَيَّاحين في الأرضِ يُبَلِّغوني مِن أُمَّتِي السَّلامَ». [صحيح] - [رواه النسائي]

يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بأن لله تعالى ملائكة سيَّارين بكثرة في ساحة الأرض، فإذا سلَّم أحد من هذه الأمة على النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم يبلغون النبيَّ صلى الله عليه وسلم السلام، يقولون: إن فلانًا سلَّم عليك.

وسَيَّاحين : أي سيارين بكثرة في ساحة الأرض.

من فوائد الحديث

1-الترغيب والحثّ على الاستكثار من السلام على النبي -صلى الله عليه وسلم-.

2-أن سلام المسلم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصل إليه، بتبليغ الملائكة له, قَرُب المسلم أم بَعُد.

3-مشروعية السلام على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأنه لا كراهة في إفراده من الصلاة.

4-بيان فضل من يسلم عليه -صلى الله عليه وسلم- من أمته، حيث إن سلامه يبلغ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأنه يردّ عليه بنفسه, كما ورد في الأحاديث الأخرى.

5-أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حي في قبره حياة برزخية كاملة.

6-بيان تعظيم الله -سبحانه وتعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- وإجلال منزلته الرفيعة، حيث سخّر ملائكته الكرام لتبليغ سلام من يسلّم عليه من أمته إليه، قال الله -عزّ وجلّ-: {وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113].

7-أن الملائكة أقسام، منهم من خصّ بنوع من الأعمال، كهؤلاء الذين يكثرون السياحة في الأرض، ويبلغون النبي -صلى الله عليه وسلم- سلام من سلّم عليه من أمته.

أفضل صيغة للصلاة على النبي

الصلاة الإبراهيمية: وهذه الصلاة (الإبراهيمية) تعتبر ركنًا من أركان الصلاة، حيث يختم المصلي صلاته بها متضرعًا بها رب العالمين تقبّل صلاته، وهذا دلالة على مدى مكانة وثواب وعظمة الصلاة على النبي - صلى عليه الله وسلم- عند الله تعالى وفي ديننا الأحنف.

«اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم عدد ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صلاه تفتحُ بيننا وبينه فتحًا مبينًا».

«اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى سَائِرِ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَعَلَى اللِهِمْ وَصَحْبِهِمْ أَجْمَعِينَ».

«اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ بِعَدَدِ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ بِعَدَدٍ مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا أَمَرْتَ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا تَنْبَغِي الصَّلاَةُ عَلَيْهِ».

«اللهم صل على سيدنا محمد ألف ألف ألف مرة"، و"اللهم صل على سيدنا محمد عدد أوراق الشجر وحبات الرمال».

هل قراءة القرآن بصورة جماعية بدعة؟

تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: زعم بعض الناس أن قراءة القرآن بصورة جماعية بدعة، وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل على أصحابه فوجدهم يقرؤون القرآن جماعة، فقال: «هَلَّا كل منكم يناجي رَبَّه في نفسه». فهل هذا حديث صحيح؟ وهل يصحّ الاستدلال به؟

أجابت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمى عن السؤال قائلة: إن قراءة القرآن بصورةٍ جماعيةٍ مُنَظَّمَةٍ لا اعتداءَ فيها ولا تشويشَ عند التلاوةِ أو التعليمِ أمرٌ جائز شرعًا،.

ونوهت أن استدلال بعض الناس ببعض ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم استدلالٌ فاسدٌ مقطوع عن الفهم الصحيح، وتحريفٌ لنصوص السنة النبوية الشريفة، وإنما الوارد عنه صلى الله عليه وآله وسلم هو الإرشاد إلى تنظيم قراءة القرآن؛ بحيث لا يقع تشويش من القُرَّاء بَعضُهُم على بعضٍ أثناء القراءة.

قراءة القرآن بصورة جماعية

وأِوضحت أن الاستدلال بما ذُكر في السؤال على مَنْعِ ما استَقَرَّ عليه عملُ المسلمين مِن قراءة القرآن بصورةٍ جماعيةٍ مُنَظَّمَةٍ لا اعتداءَ فيها ولا تشويشَ عند التلاوةِ أو التعليمِ استدلالٌ فاسدٌ، وتحريفٌ لنصوص السنة النبوية الشريفة.


وإنما الوارد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الإرشاد إلى تنظيم قراءة القرآن فُرَادى؛ كما في حديث أبي حازمٍ التَّمَّارِّ عن الْبَيَاضِيِّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج على الناس وهم يُصَلُّون وقد عَلَتْ أصواتُهُم بالقراءة، فقال: «إن المُصَلِّي يناجي رَبَّه عَزَّ وَجَلَّ، فليَنظر ما يناجيه، ولا يَجهر بَعضُكُم على بعضٍ بالقرآن» رواه مالك في "الموطأ" والإمام أحمد في "مسنده".


ولا يَدُلُّ هذا الحديث على النهي عن القراءة الجماعية المُنَظَّمَة أو الذِّكر الجماعي كما هو حاصلٌ في مساجد المسلمين وبيوتهم عبر القرون، وإنما فيه النهي عن تشويش القُرَّاء بَعضُهُم على بعضٍ بالقراءة؛ فالاعتداء منهي عنه على كل حال.
قال الإمام ابن عبد البر في "الاستذكار" (1/ 435، ط. دار الكتب العلمية): [لا يُحَبُّ لكلِّ مُصلٍّ يقضي فرضه وإلى جنبه من يعمل مثل عمله أن يُفرطَ في الجهر؛ لئلا يخلط عليه، كما لا يُحَبُّ ذلك لمتنفل إلى جنب متنفل مثله، وإذا كان هذا هكذا فحرام على الناس أن يتحدثوا في المسجد بما يشغل المصلِّي عن صلاته ويخلط عليه قراءته] اهـ.

ما علاج الكسل في العبادة؟.. الإفتاء تجيبما الفرق بين ترتيب النزول وترتيب المصحف؟.. الإفتاء تجيبآداب الرجوع من الحج.. الإفتاء توضحالفرق بين علامات يوم القيامة الصغرى والكبرى .. علي جمعة يوضح

هل الموت في الحج حُسن خاتمة؟

أجاب الدكتور علي فخر، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، على سؤال مضمونه: هل من توفاه الله فى الحج هذا دليل على حسن الخاتمة؟.

وقال أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال فتوى له: "من توفاه الله على طاعة فهذا حسن خاتمة، يعني واحد يتوفى وهو بيصلي واحد يتوفى وهو بيحج، وهو بيقرأ القرآن واحد توفى وهو ذاهب إلى المسجد، كل هذه وفاة على طاعة".

وأضاف: "من توفى أثناء الحج، كتب له الحج حج مبرور إن شاء الله ، حتى لو ما كانش أتم المناسك، سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (يبعث الناس على نياتهم)، فمجرد النية، ولكن هذا نوى وتلبس بأعمال الحج بالفعل وتوفي وهو يؤدي أعمال الحج فهو إن شاء الله قد أتم الله- سبحانه وتعالى- له حجه، يعني اي حاج توفي قبل ان يتم حجه حتى لو لم يقف بعرفة".

أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:" ما هي علامات حسن الخاتمة؟ فرجلٌ اعتاد جدُّه -رحمه اللهُ- كثرةَ الدعاءِ، وكان يُكثر مِن التضرع إلى الله عَزَّ وَجَلَّ بطَلَب حُسن الخاتمة، وقد توفَّاه اللهُ في آخِر جُمُعة مِن رمضان، ويسأل: هل يُعدُّ الموت في الأيام المبارَكات -كالموت في رمضان أو في ليلة الجمعة أو يومها أو في يوم عاشوراء أو في يوم عرفة- مِن علامات حُسن خاتمة الإنسان؟".

لترد دار الإفتاء موضحة: أن مَن مات في الأماكن المقدسة كالمدينة المنورة ومكة المكرمة وغيرهما، أو في أحد الأيام الفاضلة المباركة، كالموت في يوم مِن شهر رمضان، أو في ليلة الجمعة أو يومها، أو في يوم عاشوراء، أو في يوم عرفة -فإنه يُتَفَاءَلُ له بالخير، وفي ذلك دليل على حُسن الخاتمة.

المراد بحسن الخاتمة

حُسن الخاتمة يراد به توفيقُ الله سبحانه وتعالى لعبده أن يعمل خيرًا في حياته، وأن ييسر له ويوفقه للدوام على العمل الصالح قبل موته حتى يقبضه عليه، حيث لا يبقى للإنسان بعد وفاته إلا إحسانٌ قَدَّمَه في حياته يرجو ثوابه، أو عصيانٌ اجتَرَحَهُ يخشى عقابه.

التوفيق للعمل الصالح قبل الموت من علامات حسن الخاتمة

قد بَيَّنَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ التوفيق للعمل الصالح علامةٌ مِن علامات حُسن الخاتمة.

فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ»، فَقِيلَ: وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ» أخرجه الأئمة: أحمد في "المسند"، والترمذي في "السنن"، والطبراني في "الأوسط"، والحاكم في "المستدرك" وصححه.

قال العلامة الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (8/ 3310، ط. دار الفكر): [(قال: «يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ») أي: حتى يموت على التوبة والعبادة، فيكون له حُسن الخاتمة] اهـ.

وقال الإمام المُنَاوِي في "التيسير بشرح الجامع الصغير" (1/ 64، ط. مكتبة الإمام الشافعي): [(«إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ»، قيل) أَي قَالُوا: يَا رَسُول الله (كَيفَ يَسْتَعْمِلهُ؟ قَالَ: «يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ») يَعْمَلُهُ («قَبْلَ الْمَوْتِ، ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ») وهو مُتَلَبِّسٌ بذلك العمل الصَّالح، ومَن مات على شيءٍ بَعَثَهُ اللهُ عليه] اهـ.

هل يلزم ترديد أذكار الصباح قبل الظهر أم تجوز بعده؟

قالت دار الإفتاء إذا فات وقت أذكار الصباح ، يستحب قضاؤها عند تذكرها، والأولى قراءة الأذكار في وقتها حتى ينال أجرها كاملا؛ فثواب قراءة الأذكار في وقتها أكثر ثوابا من قراءتها خارج وقتها، ولكن نرجو من الله تعالى ألا يحرم من قام بقضاء تلك الأذكار من واسع فضله وكرمه وثوابه؛ حيث إن هناك من العلماء من قال: إن ثواب القضاء لا يقل في الأجر عن ثواب الأداء لا سيما إذا فات وقتها بعذر.

واستدلت دار الإفتاء، بما قاله شيخ الإسلام ابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج" (1/ 435، ط. المكتبة التجارية الكبرى بمصر): [وثواب القضاء دون ثواب الأداء، خلافا لمن زعم استواءهما] اه.

كما استدلت بما قاله الإمام عبد الحميد الشرواني في "حاشيته على تحفة المحتاج" (1/ 435، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [(قوله: وثواب القضاء دون ثواب الأداء) ظاهره وإن فات بعذر، وينبغي أنه إذا فات بعذر وكان عزمه على الفعل، وإنما تركه لقيام العذر به؛ حصل له ثواب على العزم يساوي ثواب الأداء أو يزيد عليه] اه.

وقال الإمام النووي في "الأذكار" (ص: 13، ط. دار الفكر): [ينبغي لمن كان له وظيفة من الذكر في وقت من ليل أو نهار أو عقب صلاة أو حالة من الأحوال ففاتته؛ أن يتداركها ويأتي بها إذا تمكن منها ولا يهملها، فإنه إذا اعتاد الملازمة عليها لم يعرضها للتفويت، وإذا تساهل في قضائها سهل عليه تضييعها في وقتها].

وقت أذكار الصباح

اختلف العلماء في أفضل أوقات أذكار وأدعية الصباح وذهبوا في ذلك إلى عدة أقوال، فمنهم من يرى أن دعاء في الصباح أو أذكار الصباح لها وقتا خاصا، ومنهم من وسع وقت أذكار الصباح والمساء، وفيما يأتي بيان آراء العلماء في ذلك: ذهب فريق من العلماء إلى أن وقت دعاء الصباح أو أذكار الصباح هو ما بين الفجر وشروق الشمس؛ فيبدأ وقت دعاء الصباح وأذكار الصباح من بعد صلاة الفجر، ويمتد إلى وقت شروق الشمس، فمن ردد أذكار الصباح بعد ذلك الوقت استحق الأجر عليها ولكنه يكون قد فوت أفضل أوقاتها.

وذهب فريق آخر من العلماء إلى أن وقت دعاء الصباح أو أذكار الصباح هو من الفجر إلى انتهاء وقت الضحى، ولكن وقت الذكر والدعاء المستحب لأدعية الصباح كما ورد في قول الفريق الأول، ولكن إن ردد المسلم أذكار الصباح بعد شروق الشمس إلى الضحى أو أنه أخر وقتها فإنه يثاب على ذلك.

طباعة شارك الملائكة السيّاحين أفضل صيغة للصلاة على النبي قراءة القرآن قراءة القرآن بصورة جماعية هل الموت في الحج حُسن خاتمة حسن الخاتمة أذكار الصباح

مقالات مشابهة

  • مفكر سياسي: القوة الحقيقية تبدأ من بناء الإنسان وليس السلاح
  • نائب حزب الله: سلاح المقاومة ليس ميليشياويًا!
  • فوائد قراءة أذكار المساء يوميا.. 4 فضائل عظيمة أخبرنا عنها النبي
  • البابا خلال افتتاحه فصلا للتعليم الفني بالكاتدرائية: بناء الإنسان وتمكين الشباب من أولويات الكنيسة
  • داء القلق
  • فتاوى وأحكام.. من هم الملائكة السيّاحين .. وماذا يفعلون؟.. هل قراءة القرآن بصورة جماعية بدعة؟.. هل الموت في الحج حُسن خاتمة؟.. هل يلزم ترديد أذكار الصباح قبل الظهر أم تجوز بعده؟
  • ما هو دعاء سورة يس لزيادة الرزق؟.. أمين الإفتاء يجيب
  • هل قراءة القرآن بصورة جماعية بدعة؟.. الإفتاء تجيب
  • ما الفرق بين ترتيب النزول وترتيب المصحف؟.. الإفتاء تجيب
  • وكيل الشيوخ: كليات التربية ركيزة أساسية في بناء الإنسان