(عدن الغد)خاص.

تحليل يتناول أبعاد وتداعيات الخطوة التي اتخذتها حضرموت بعدم توريد إيراداتها إلى البنك المركزي بعدن.

ما مصير مرتبات الموظفين المدنيين والعسكريين.. وهل تطالها تداعيات القرار الحضرمي؟

كيف سيكون عليه الوضع المعيشي مع تعميق المشكلة الاقتصادية في عدن؟

ما أسباب القرار الذي أقدمت عليه حضرموت؟

كيف ستتعامل الحكومة مع قرار كهذا يحرمها من إيرادات أغنى محافظة يمنية؟

 (عدن الغد) القسم السياسي:

المصائب لا تأتي فرادى، فمدينة عدن باتت تحت تهديد أزمة جديدة تعصف بها، وهي التي لم تُفق بعد من أزمة توقف النشاط التجاري لمينائها العريق، وصدمة خلوه من السفن الوافدة إليه أو ناقلات الحاويات والبضائع، ولم تكن عدن تتمالك نفسها حتى داهمتها مصيبة قرار محافظة حضرموت بمنع وإيقاف توريد إيرادات المحافظة إلى البنك المركزي اليمني في العاصمة المؤقتة عدن.

وكما يقال فإن (ضربتين في الرأس توجع)، كتوصيف طبيعي وحقيقي لما تمر به عدن، التي ضاقت عليها الدنيا بما رحبت، وتكالبت عليها الأزمات تلو الأخرى، في ظل غياب الحلول والمعالجات من الجهات الحكومية والرسمية لكبح جماح تدفق الأزمات المعيشية المتلاحقة، التي لا تثقل سوى كاهل البسطاء من المواطنين.

 فإيقاف حضرموت توريد إيراداتها إلى البنك المركزي اليمني في عدن، ليس بالقرار أو الخطوة السهلة، في الوقت الذي يعاني منه البنك المركزي مشكلات جمة على مستوى السيولة النقدية، والاحتياطي الأجنبي، بالإضافة إلى معضلات لا تنتهي في مجال الإصلاح الاقتصادي المتعثر في البنك المركزي بحسب مطالب المانحين من الدول الكبرى والمجتمع الإقليمي.

كما أن الأمر لا يقف عند هذا المستوى، فتبعات القرار الحضرمي بإيقاف توريد الإيرادات يعني أعباء إضافية على العملة المحلية المتدهورة أصلا؛ وبالتالي مزيد من التردي المعيشي الذي يطال الوضع الاقتصادي وأوضاع الناس الغلابة المكتوين بنيران الانهيار المتواصل للريال اليمني.

البنك المركزي في عدن بحاجة ماسة إلى سيولة نقدية، ومن شأن قرار الحضارم أن يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار في عمل البنك، وليس هذا فقط، بل قد يؤدي إلى عدم ثقة لدى المانحين الذين ينتظرون إصلاحات مالية حتى يستطيع البنك استيعاب الودائع والمنح التي تعهد بها الممولون في دول الإقليم والمجتمع الدولي، وهو ما ينتظره المواطنون لانتشال الوضع المعيشي في المناطق المحررة مما يعانيه من ركود، زاد من مفاقمتها توقف النشاط التجاري لميناء عدن، والآن توقف إيرادات حضرموت للبنك المركزي بعدن.

 الوضع العام لا يمكن الإحاطة به بشكل كامل أو توقع تبعاته وتأثيراته بشكل دقيق، ولكنه لا محالة سيكون كارثيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، خاصة وأنه يأتي بالتزامن مع عديد أزمات مترافقة، ستطال كافة فئات المجتمع وليس مجرد فئة محددة بعينها، ولن يكون أحد بمنأى عن تداعيات هذه القرارات والوضع المعيشي العام.

مصير المرتبات

من الواضح جدا التبعات المتوقعة لإيقاف حضرموت توريد إيراداتها إلى بنك عدن المركزي، غير أن أعتى تلك التبعات هي المتعلقة بالمرتبات، فتراجع الاحتياطي النقدي، سواء الأجنبي أو المحلي، سيحول دون صرف مرتبات موظفي الدولة، نتيجة تراجع السيولة النقدية لدى البنك المركزي، وهذا أمر ممكن للغاية، خاصة وأن إيرادات محافظة كبيرة كحضرموت ليست بالأمر السهل.

فتعرض المرتبات لتداعيات وقف توريد حضرموت لإيراداتها إلى عدن، معناه مزيدا من التردي المعيشي وانهيار إضافي للأوضاع الإنسانية، وهو ما يرشح الوضع العام للاضطراب، عطفا على أن الأزمة الراهنة ستطال القوت الأساسي للمواطنين، الذين قد يصمتون تجاه تردي الخدمات العامة، لكنهم لن يتساهلون تجاه معاشاتهم ومرتباتهم نتيجة تداعيات القرار الحضرمي.

هذا فيما يتعلق بمرتبات موظفي الدولة المدنيين، غير أن المشكلة الحقيقية تكمن في المساس بمرتبات موظفي الدولة في السلك الأمني والعسكري، وهي فئة طالما صبرت وتجلدت في سبيل انتظار مرتباتها، ويبدو أن صبرها بدأ بالنفاد، بعد قيام عدد من منتسبي الوحدات الأمنية والعسكرية بالاحتجاجات المتواصلة من أجل المطالبة بمرتباتهم، وإذا أثّر القرار الحضرمي عليها -كما هو متوقع- فإن المشكلة ستكون أسوأ بكثير مما هو حاصل حاليا.

يأتي هذا كله في ظل عجز حكومي واضح وخطير تجاه معالجة أي أزمة أو مشكلة، سواء كانت اقتصادية أو غيرها من المجالات الأخرى، وبالتالي فإن الوضع مرشح لأن يكون مأساويا، مع تواصل سياسة قلة الحيلة التي تتعامل بها تجاه كافة الملفات الحيوية والمحورية في حياة اليمنيين داخل نطاق المحافظات المحرر تحديدا، وعلى رأسها المرتبات، التي بات مصيرها (على كف عفريت)، كما يقال.

ما أسباب القرار الحضرمي؟

القرار الذي أصدرته السلطة المحلية في محافظة حضرموت بدا صادما ومفاجئا لدى كثير من المراقبين، من حيث توقيته ومحتواه، غير أنه كان قرارا يحمل في طياته أسباب وعوامل اتخاذه، والذي أشرت في حيثيات "أن السلطة المحلية بحضرموت أوقفت توريد إيرادات المحافظة في الحسابات السيادية بالبنك المركزي؛ بحجة تنصل الحكومة من التزاماتها".

كما جاء في القرار أن "السلطة المحلية بحضرموت قررت تسخير الإيرادات لتلبية احتياجات الخدمات نتيجة عدم تنفيذ توجيهات رئيس الحكومة بتخصيص دعمٍ للسلطة لتحمّل جزء من التزاماتها أسوة بالمحافظات المحررة، وهي التوجيهات التي ظلت حبيسة أدراج البنك المركزي بعدن"، بحسب بيان السلطة المحلية.

وللتذكير، فإن هذه الخطوة ليست الأولى التي تعلنها السلطة المحلية في حضرموت، حيث سبق للحضارم أن هددوا بمثل هذه الخطوة، في منع وإيقاف توريد إيرادات المحافظة إلى البنك المركزي اليمني، وذلك في زمن المحافظ السابق اللواء فرج البحسني، وتكرر القرار هذه المرة في عهد المحافظ مبخوت بن ماضي.

وجميع تلك الخطوات تم التراجع عنها، بعد وعود حكومية بتوفير احتياجات ومتطلبات حضرموت خدميا وتنمويا، لكن اتخاذها كان تحت وطأة الضغط الشعبي والمجتمعي على قيادة المحافظة، نتيجة التردي الخدمي الذي لم تشهده حضرموت إلا خلال السنوات الأخيرة، بعد أن كانت نموذجا في الاستقرار الخدمي والأمني، قبل أن تدخل على خارطة الصراعات السياسية بين الأطراف اليمنية والجنوبية على حد سواء.

لكن هذه الخطوة، يراها آخرون بأنها حق من حقوق حضرموت، يجب أن تناله، وألا تتنازل عنه باعتباره أسلوب ضغط على الحكومة للحصول على حقوقها من حصة التنمية، خاصة أن الإيرادات تابعة لها، وكل ذلك أيضا بهدف إزالة الإحراج والتخفيف من الضغط الشعبي على السلطة المحلية بحضرموت، وهو إطار يمكن من خلاله فهم القرار الحضرمي واستيعاب دوافعه.

إيرادات المحافظة الأغلى

من المعيب جدا أن تكون محافظة بحجم حضرموت محرومة من الخدمات والتنمية، رغم وعود الحكومة اليمنية وتعهداتها، وبالتالي فإن هذه الحكومة التي لم تستطع التعامل بشكل مناسب مع محافظة كحضرموت، ما زالت عاجزة تماما سواء عن تلبية احتياجات المحافظة أو حتى إيجاد والبحث عن حلول بديلة لحرمان الحكومة والشعب والموظفين من إيرادات حضرموت.

لكن هذا الأمر قد لا يعني حضرموت في شيء، فهي تمنح الدولة بنسبة كبيرة من مداخيلها الوطنية والقومية، وبالتالي فإنها الأحق بإيراداتها ومداخيلها لتنمية خدماتها وتوفير احتياجات أبنائها، ما دامت الحكومة عاجزة عن الإيفاء بالتزاماتها تجاه المحافظة.

يأتي هذا في ظل تأكيد رئيس المجلس الرئاسي اليمني الدكتور رشاد العليمي خلال زيارته الأخيرة لحضرموت بأن هذه المحافظة هي نموذج للحكم المحلي الذاتي على مستوى البلاد برمتها، ما يعني أن حضرموت قادرة على إدارة نفسها دون الحاجة لانتظار تدخلات من الحكومة التي لم تثبت أنها قادرة على حل أية أزمة من الأزمات المتلاحقة التي تعصف باليمنيين في كل مكان.

وعموما، فإن رؤية عدد كثير من المراقبين، تؤكد أن البلاد تمضي نحو تأصيل وتجذير التجربة الفيدرالية والحكم الذاتي، في ظل عدم قدرة أجهزة الدولة على بسط تواجدها وتأكيد هيبتها على مختلف مناطق البلاد، ومن هنا يمكن لمدينة مثل عدن وغيرها أن تبحث هي الأخرى عن احتياجاتها دون الالتفات لإيرادات الغير.

المصدر: عدن الغد

كلمات دلالية: إلى البنک المرکزی إیرادات المحافظة السلطة المحلیة إیراداتها إلى المرکزی بعدن

إقرأ أيضاً:

البنك المركزي يرسم ملامح استقرار نقدي صلب وثقة متجددة بالدينار

صراحة نيوز-استعرض محافظ البنك المركزي الأردني، الدكتور عادل الشركس  قراءة معمقة لمشهد الاستقرار النقدي في المملكة، مؤكدًا أن ارتفاع الاحتياطيات الأجنبية إلى أكثر من 24.6 مليار دولار لم يكن نتاج ظروف طارئة أو تدفقات مؤقتة، بل حصيلة نهج متكامل في إدارة السياسة النقدية، قائم على الاستباقية والمرونة وحسن توظيف أدوات البنك بما يواكب المتغيرات العالمية ولا يكتفي بردّ الفعل.

وبيّن الشركس أن منظومة الاستقرار النقدي في الأردن أثبتت متانتها وقدرتها على الصمود أمام ضغوط مالية وإقليمية غير مسبوقة، بدءًا من الاضطرابات التي شهدتها الأسواق العالمية خلال السنوات الثلاث الماضية، مرورًا بتقلبات أسعار الفائدة، وصولًا إلى التوترات الجيوسياسية التي ألقت بظلالها على المنطقة.

وأشار إلى أن تعزيز الاحتياطيات الأجنبية من نحو 18 مليار دولار إلى أكثر من 24.6 مليار دولار خلال فترة زمنية وجيزة يعكس قوة القاعدة الاقتصادية الأردنية، ونجاح النظام المالي في توليد فوائض مستدامة من العملات الأجنبية عبر مسارات متعددة، شملت الصادرات الوطنية، وتحويلات العاملين في الخارج، وإيرادات السياحة، والاستثمار الأجنبي المباشر، إضافة إلى التدفقات الطبيعية للقطاع المصرفي.

وشدّد على أن حماية الاستقرار النقدي لم تكن أمرًا مفروضًا بحكم الواقع، بل نتيجة إدارة حصيفة تستند إلى استقلالية مؤسسية راسخة، مكنت البنك المركزي من اتخاذ قراراته بعيدًا عن الضغوط الآنية والاعتبارات قصيرة الأمد، موضحًا أن السياسة النقدية تدار وفق نهج علمي دقيق يراقب التطورات العالمية وتحركات البنوك المركزية الكبرى، واتجاهات أسعار الفائدة والتضخم والسيولة.

وأكد أن استقلالية البنك المركزي ليست مجرد نص قانوني، بل ممارسة يومية تعزز قدرته على حماية الدينار والحفاظ على مستويات قوية من الاحتياطيات والائتمان، معتبرًا أن هذه الاستقلالية شكلت أحد أبرز مصادر قوة الاقتصاد الوطني، وعنصرًا محوريًا في تعزيز ثقة المستثمرين المحليين والأجانب.

وأوضح أن السياسة النقدية الأردنية اعتمدت منذ سنوات طويلة على مبدأ الاستباقية وتحصين السوق المحلية من الصدمات الخارجية، ما أسهم في ترسيخ الثقة بثبات الإطار النقدي، لافتًا إلى أن استقرار الدينار منذ عام 1995 لم يكن شعارًا، بل التزامًا استراتيجيًا بنيت عليه سياسات البنك في إدارة أسعار الفائدة والاحتياطيات وتنظيم العمل المصرفي.

ولفت إلى أن قوة الدينار تمثل ركيزة أساسية لبيئة الأعمال في الأردن، إذ تمنح المستثمرين القدرة على التخطيط طويل الأمد دون مخاطر تقلبات سعر الصرف، كما تعزز تنافسية المملكة في استقطاب رؤوس الأموال، مدعومة بالتصنيف الائتماني الإيجابي، والملاءة المرتفعة للقطاع المصرفي، والأطر الرقابية المتقدمة.

وتحدث الشركس عن التحول النوعي الذي يشهده القطاع المالي الأردني بدعم من بنية تكنولوجية متطورة، مؤكدًا أن منظومة المدفوعات الرقمية باتت جزءًا محوريًا من الدورة الاقتصادية، حيث تجاوزت قيمة تعاملات نظام “إي فواتيركم” 21 مليار دولار سنويًا، فيما تخطت تعاملات “كليك” 17 مليار دولار، إلى جانب التوسع في استخدام البطاقات البنكية والمحافظ الإلكترونية.

وبيّن أن هذه التحولات الرقمية لم تكن مجرد تحديث تقني، بل مشروع اقتصادي شامل أسهم في تسريع حركة الأموال، وتنشيط القطاعات الإنتاجية، وتسهيل العمليات التجارية والخدمية، ما عزز ثقة المؤسسات والمستثمرين بكفاءة البنية المالية الأردنية.

وأشار إلى أن البنك المركزي أولى ملف الأمن السيبراني أهمية قصوى، من خلال بناء منظومة رقابية صارمة لحماية البنية التحتية المالية، موضحًا أن الأردن يعد من الدول الرائدة إقليميًا في هذا المجال عبر توظيف تقنيات متقدمة، وتدريب الكوادر، وإخضاع الأنظمة لاختبارات دورية.

وتطرق إلى تطورات أسعار الفائدة، مؤكدًا أن السياسة النقدية تراعي الارتباط التاريخي بين الدينار والدولار، مع الأخذ بعين الاعتبار الأوضاع الاقتصادية المحلية من حيث النشاط والسيولة وتوجهات الائتمان، مشددًا على أن أي قرار يهدف أولًا إلى صون الاستقرار النقدي.

وكشف الشركس أن الاقتصاد الأردني ينتقل تدريجيًا من مرحلة التعافي إلى مرحلة النمو الحقيقي، مع توقعات ببلوغ النمو نحو 3 بالمئة عام 2026، وتجاوزه 4 بالمئة بحلول 2028، لافتًا إلى أن الاحتياطيات الأجنبية الحالية تغطي نحو 110 بالمئة من التزامات المملكة وفق معايير صندوق النقد الدولي.

وختم بالتأكيد على أن نمو الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 36 بالمئة خلال النصف الأول من العام، وتراجع معدل الدولرة إلى 17.9 بالمئة بعد أن كان 24 بالمئة، يعكسان تنامي الثقة بالدينار والسياسة النقدية، مشددًا على أن قوة الاقتصاد الأردني باتت تقاس بقدرته على إدارة المخاطر واحتواء الصدمات وتوفير بيئة مستقرة ومحفزة للاستثمار.

مقالات مشابهة

  • هتدفع كام على الـ1000؟.. رسوم التحويل على إنستاباي بعد قرار البنك المركزي الأخير
  • سعر الريال السعودي اليوم الأحد 14 ديسمبر 2025.. في البنك المركزي بكام؟
  • البنك المركزي الأردني يخفض سعر الفائدة 25 نقطة أساس
  • البنك المركزي يطلق ندوات تثقيفية لتعزيز الابتكار بالقطاع المصرفي
  • رسوم التحويل على إنستاباي بعد قرار البنك المركزي الأخير بشأن الفائدة
  • البنك المركزي يرسم ملامح استقرار نقدي صلب وثقة متجددة بالدينار
  • بعد تباطؤ التضخم الشهر الماضي.. هل يخفض البنك المركزي المصري أسعار الفائدة قبل نهاية 2025؟
  • تعرف إلى أسعار الفائدة على شهادات الادخار في بنك مصر والبنك الأهلي قبل اجتماع البنك المركزي
  • المجلس الوطني يرحّب بالقرار الأممي بشأن الوضع الإنساني بغزة
  • سوريا وما يثار حول إطلاق عملة رقمية جديدة.. البنك المركزي يرد