بيتبول السياسة.. ترامب كندا على طريق مفتوح لإزاحة ترودو
تاريخ النشر: 7th, December 2023 GMT
قالت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية إن رئيس الوزراء الليبرالي الكندي جاستن ترودو يتخلف الآن بنسبة 15% تقريبا عن منافسه بيير بويليفر، زعيم حزب المحافظين الكندي، وفقا لجميع استطلاعات الرأي، مما يعني احتمال سقوط شخصية حكمت البلاد لأمد طويل.
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة ألبرتا، فريديريك بويلي، إن "الأمر أصبح أكثر صعوبة بالنسبة لجاستن ترودو ويبدو أنه نهاية عهده".
وذكر بولي أن المراقبين السياسيين يشككون في إمكانية قلب ترودو دفة الأمور، بعد أن عجز عن إقناع الكنديين بفوائد التعددية الثقافية والووكيسم (الحركات المناهضة للتمييز والعنصرية) والعديد من الخيارات الاجتماعية.
وأشارت الصحيفة -في تقرير بقلم لودوفيك هيرتزمان- إلى أن المرشح الشعبوي بيير بويليفر يصر على أنه سيكون رئيس وزراء كندا المناهض للوكيسم، وهو يعِد مواطنيه "بجعل كندا الدولة الأكثر حرية في العالم".
ويحب بويليفر صيغ الصدمة التي تربك الليبراليين، وقد أحدث مفاجأة في أثناء رحلة جوية بأخذ الميكروفون من المضيفات للقيام بحملة أمام الركاب المذهولين، بتصريحاته المناهضة للقاحات، ودعمه لقافلة سائقي الشاحنات في أوتاوا.
الفطرة السليمة
وبويليفر (44 عاما) ذو خبرة في تقنيات الاتصال -كما تقول الصحيفة- وهو شعبوي يعرف كيف يميز بين النخب والناس العاديين، يقوم بكثير من التجاوزات من دون أن يلحقه ضرر، إذ أعلن أنه سيقيل محافظ بنك كندا، وسيسحب "السيطرة على الأموال من المصرفيين والسياسيين لإعطائها للشعب".
برنامج هذا المرشح -كما يكرر في كل لقاءاته- هو "الفطرة السليمة"، ويوضح ذلك قائلا "يمكن للكنديين الهروب من التضخم عن طريق اختيار العملات المشفرة"، وهو مثل (الرئيس الأميركي السابق دونالد) ترامب، يكره الصحفيين ووسائل الإعلام التقليدية، وسوف يتوقف إذا انتخب عن تمويل قنوات الإذاعة والتلفزيون العامة.
انخرط بويليفر -الذي يسميه البعض "بيتبول" السياسة- في وقت مبكر جدا مع المحافظين، ودرس في جامعة ألبرتا، لينتخب أصغر عضو في مجلس العموم في أونتاريو عند بلوغه الخامسة والعشرين، بفوزه على وزير الدفاع الليبرالي آنذاك، وهو يبذل كل ما في وسعه، لكنه لا يفتقر إلى الكاريزما والفكاهة.
وأشارت الصحيفة إلى أن بويليفر يمكن أن يقع في التناقض من دون أن يشغل ذلك باله، فهو مؤيد للإجهاض، ويعترف بتغير المناخ ولكنه مؤيد للصناعات الأحفورية، عارض زواج المثليين في الماضي، قبل أن يدافع لاحقا عن حقوقهم، وهو يستغل زواجه من المهاجرة الفنزويلية أنايدا لإغواء الطبقات الدنيا والمهاجرين.
وختمت الصحيفة برأي دانييل بيلاند، من جامعة ماكجيل بمونتريال أن "بيير بويليفر هو البديل السياسي الوحيد لجاستن ترودو، (…) وهو يستفيد من السخط المتزايد تجاه ترودو وحكومته"، وقد بزغ نجم حظه منذ أن فاز عندما كان طالبا بجائزة قدرها 10 آلاف دولار عن مقال بعنوان "لو كنت رئيسا للوزراء".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
حجرُ الأحزاب في بركة السياسة
12 دجنبر، 2025
بغداد/المسلة:
رياض الفرطوسي
من قبل سقوط النظام كان الحزب أشبه بصوتٍ واحدٍ يعلو فوق الجميع: لا يُناقَش، لا يُجاوَر، ولا يُزاحم. المعارضات كانت في المنافي، تُراكم ضوءها على نارٍ صغيرة، تنتظر لحظة العودة. لكن حين انهار الباب الحديدي عام 2003، لم تخرج السياسة بهدوء… بل انفجرت، وانفتح
المشهد حتى كاد يتشظّى من فرط الكثرة.
ظهرت الأحزاب كما لو أن الأرض أفرزتها دفعة واحدة: مئات اللافتات، عشرات الزعامات، وخطابات تتشابه حتى يُظنّ أنها خرجت من ورشةٍ واحدة. وبدلاً من أن تُحدث هذه الكثرة موجة حياةٍ سياسية، صنعت دوامةً بلا اتجاه. كل حزب يحمل هدفاً، وكل هدف يذوب بين الطائفة والهوية والغنيمة.
ثم جاء الشباب… لا كما حلمنا أن يأتوا، لا بوصفهم طلائع تُضيف معنى وتبني فكرة. جاءوا متعبين، يبحثون لا عن مشروعٍ ولا عن دور، بل عن «موقع» أو «فرصة» أو (امتياز). في زمنٍ صارت فيه الأحزاب بواباتٍ للترقي الوظيفي لا للارتقاء الفكري، وفي زمن صار فيه (الانتماء) بطاقةً للعبور أكثر منه إيماناً بمبادئ.
هكذا انقلب المشهد: بدلاً من أن تكون الطلائع الشابة رافعةً تعيد للحزب روحه، صار الحزب هو من يُغذي الأعضاء بالوعود والمغانم، حتى تفَرَّغت الأحزاب من مضمونها التربوي والفكري، وصارت أقرب إلى شبكاتٍ تنظيميةٍ تبحث عن القوة العددية أكثر مما تبحث عن القوة الأخلاقية.
ومع ولادة كل قضية اجتماعية، تولد معها أحزاب جديدة تقدم (رؤى للحل) على الورق، لكنها في العمق تتزاحم على صوتٍ واحد: صوت النفوذ. تاريخ الأحزاب يمتد عبر العصور، سريةً وعلنية، لأنها الوسيلة الأكثر منطقية حين تعجز قوة الفرد عن مواجهة الدولة أو المجتمع أو الخارج. هذا ما نعرفه نظرياً… لكن الواقع العراقي تَفَصَّل بطريقةٍ أخرى.
ففي ظل العراق الجديد، لم تعد الأحزاب فقط كيانات سياسية تُحاول أن تُمثّل جماهيرها. صار بعضها (أحزاباً صغيرة) تُنشئها الأحزاب الكبيرة، كظلالٍ لها: واجهات تُبرقِع المسارات، أو أدوات لتشويش الخريطة، أو إشارات تُوحي بأن هناك «تنوعاً» بينما هو تنسيقٌ مقنّع. لعبةٌ تُؤدى على مسرح كبير، لا يعرف الجمهور تماماً من الذي يكتب النص.
وحين يعجز الحزب عن تمثيل الحقيقة المجتمعية — حين يفشل في صقل طبقته المستهدفة، أو يعجز عن تقديم قراءة ثاقبة للحدث — يذوي حوله الجمهور شيئاً فشيئاً. يبتعد الناس كما يبتعد الطير عن شجرة لم تعد تعطي ظلاً. لا يبقى سوى الهياكل: مقرات بلا فكرة، شعارات بلا روح، ووجوهٌ تُكرر ما لا تؤمن به.
يزداد هذا التآكل حين يتحول الخطاب إلى ازدواجية: قولٌ في العلن و قولٌ آخر في السر، وعندما يتجاور النفاق السياسي مع الجهل الثقافي، في مساحةٍ تتداخل فيها النخب السياسية مع النخب الثقافية دون أن تنتج رؤية مشتركة. إنها مساحةٌ ضبابية لا تُنتج فكراً ولا تفتح أفقاً. وحين نصل إلى الجذر العميق للأزمة، نجد أن تغييب الفرد في ثقافتنا كان عاملاً حاسماً في إجهاض أي تعددية سياسية حقيقية. نحن، بثقل الموروث، لم نمنح الفرد فرصة ليقف مستقلاً، ربّيناه ليكون ظلّ جماعته لا صوته الخاص. وفي اللحظة التي يحاول فيها اتخاذ قرار، تنهض العائلة والعشيرة والطائفة لتعيده إلى (الحظيرة) القديمة. وهكذا ينمو الفرد نصف مكتمل: يتكلم بثقة، لكنه يتصرف بتردد. وفي غياب الفرد الحرّ، تتولد أحزاب بلا روح، هياكل بلا مشروع، وتيارات تذوب عند أول امتحان. فالتعددية تحتاج أناساً أحراراً لا مجموعات تتحرك بدافع العرف والولاء. ولذلك لم تكن التعددية عندنا مشروعاً سياسياً بقدر ما كانت زينة لغوية… بينما التعدد الحقيقي الوحيد الذي نجحنا فيه، وبامتياز مبهر، هو تعدد الزوجات.
اليوم، يبدو العراق كبركةٍ طال سكونها، تحتاج إلى حجرٍ يُلقى فيها لا ليُحدث ضجيجاً عابراً، بل ليوقظ الماء من غفوته الطويلة. حجرٌ لا يُضيف حزباً إلى ازدحام الأحزاب، بل يضيف فكرة إلى جفاف الأفكار؛ حزبٌ يعيد للمثقفين مكانتهم الطبيعية في قيادة المزاج العام، وينهض بالطبقة الوسطى من سباتها، ويصلُ بالشباب إلى المعنى قبل المصلحة، ويُعيد تعريف الولاء باعتباره انتماءً للدولة لا ارتهاناً لسلطاتها العارضة. حزبٌ يمنح السياسة وجهاً يشبه حياة الناس، لا تشبه مقايضات السياسيين.
قد لا يتغيّر شكل الماء عند أول ارتجاجة، لكن ما في القاع سيتحرّك، وسيعرف السكون أن زمنه لم يعد مطلقاً. والعراق، بعد هذه السنوات الثقيلة، يستحق ارتجافةً تعيد إليه نبضه، وتذكّره بأن المعنى يمكن أن يعود… إذا وُجد من يملك الشجاعة ليرمي الحجر.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author زينSee author's posts